domingo, 4 de septiembre de 2016

في المولد الشريف :

0 comentarios

في سبب تزويج عبد المطلب ابنة عبد الله امرأة من بني زهرة

    -  روى ابن سعد وابن البرقي والطبراني والحاكم وأبو نعيم عن العباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: قدمنا اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزّبور، يعني الكتاب: ممن الرجل؟ قلت من قريش. قال من أيهم؟ قلت: من بني هاشم.قال:
أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، ما لم يكن عورة. قال ففتح إحدى منخريّ فنظر فيه ثم نظر في الآخر فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى نبوة وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك. قلت: لا أدري قال هل لك من شاعة قلت: وما الشاعة؟ قال الزوجة.

قلت، أما اليوم فلا. فقال: إذا رجعت فتزوج منهم فلما رجع عبد المطلب إلى مكة تزوج هالة بنت أهيب بن عبد مناف وزوج ابنة عبد الله آمنة بنت وهب فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت قريش: فلج عبد الله على أبيه.
الشاعة: بشين معجمة وعين مهملة: الزوجة سميت بذلك لمتابعتها الزوج وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره. فلج بفتح أوله وثانية: ظفر بما طلب.

   -   وروى البيهقي وأبو نعيم عن ابن شهاب رحمه الله تعالى قال: كان عبد الله أحسن رجل رئي قط، خرج يوماً على نساء قريش فقالت امرأة منهن: أيتكن تتزوج بهذا الفتى فتصطب النور الذي بين عينيه فإني أرى بين عينيه نوراً؟ فتزوجته آمنة بنت وهب.
تصطب: تسكب وتدخل.
   - وروى الزبير بن بكار عن أن سودة بنت زهرة بن كلاب الكاهنة قالت يوما لبني زهرة: إن فيكم نذيرة أو تلد نذيراً فاعرضوا علي بناتكم. فعرضن عليها   فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين، حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه: النذيرة أو تلد نذيراً له شأن وبرهان منير. ولما سئلت عن جهنم قالت: سيخبركم عنها النذير.
حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات:

   - روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق رحمه الله تعالى قال: إن عبد المطلب أخذ بيد ابنة عبد الله فمرّ به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله؟ فقال مع أبي.
فقالت لك عندي من الإبل مثل الذي نحرت عنك وقع عليّ الآن فقال لها: إني مع أبي لا أستطيع خلافه ولا فراقه ولا أريد أن أعصيه شيئاً. فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهبٌ يومئذ سيّد بني زهرة نسباً وشرفاً فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسباً وموضعاً. فذكروا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج فمرّ على تلك المرأة التي قالت له ما قالت فلم تقل شيئاً، فقال لها: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت بالأمس؟ فقالت: فارقك النور الذي معك بالأمس فليس لي بك اليوم حاجة.
وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في الجاهلية واتبع الكتب يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل. فقالت في ذلك شعراً واسمها أم قتّال:
     الآن وقد ضيّعت ما كنت قادراً ... عليه وفارقك النّور الذي جاءني بكا
غدوت علينا حافلاً فلا قد بذلته ... هناك لغيري فالحقنّ بشأنكا
  ولا تحسبني اليوم خلواً وليتني ... أصبت جنيناً منك يا عبد داركا
 ولكنّ ذا كم صار في آل زهرةٍ ... به يدعم الله البريّة ناسكا
-   وقالت أيضاً:
عليك بآل زهرة حيث كانوا ... وآمنةً التي حملت غلاما
ترى المهديّ حين ترى عليها ... ونوراً قد تقدّمه أماما
فكلّ الخلق يرجوه جميعاً ... يسود النّاس مهتدياً إماما
براه الله من نورٍ صفاءً ... فأذهب نوره عنا الظّلاما
وذلك صنع ربّي إذ حماه ... إذا ما سار يوماً أو أقاما
فيهدي أهل مكة بعد كفرٍ ... ويفرض بعد ذلكم الصّياما

   -  ومثله ما رواه أبو نعيم والخرائط[1]   وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس والبيهقي، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عكرمة عنه، وابن سعد، عن أبي الفيّاض الخثعمي وابن سعد، عن أبي يزيد المدينيّ،

    أن عبد المطلب لمّا خرج بابنه ليزوجه مر به على امرأة كاهنة من أهل تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل؟ فقال عبد الله:
أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه
     فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه

ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب فأقام عندها ثلاثاً، ثم مرّ على تلك المرأة فلم تقل له شيئاً، فقال لها: مالك لا تعرضين علي ما عرضت علي بالأمس؟ فقالت: من أنت؟ قال:
أنا فلان. قالت: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن، ما صنعت بعدي؟ فأخبرها. فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكن رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراده اذهب فأخبرها أنها حملت خير أهل الأرض ثم أنشأت تقول:
إنّي رأيت مخيلةً لمعت ... فتلألأت بحناتم القطر
فلمائها نورٌ يضيء له ... ما حوله كإضاءة البدر
ورجوتها فخراً أبوء به ... ما كلّ قادحٍ زنده يوري
لله ما زهريّةٌ سلبت ... ثوبيك ما استلبت وما تدري

ولد من نكاح لا سفاح :

ومن ذلك: حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خرجت من لدُن آدم من نكاح غير سفاح” “قال الذهبي في السيرة النبوية (1/46): هذا حديث ضعيف فيه متروكان الواقدي وأبو بكر بن أبى سبرة ولكن معناه صحيح
”.
 وقال ابن كثير في البداية (2/238) “وقد ورد حديث في انتسابه إلى عدنان، وهو على المنبر ولكنَّ الله أعلم بصحته”. وما رواه ابن عساكر عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ولم تزل تنازعني الأمم كابرًا عن كابرٍ حتى خرجتُ من أفضل حيين من العرب: هاشم وزهرة”.

نقد هذه القصص :

   قال د. أكرم ضياء العمري: “وهذه الرواية منكرة سندًا ومتنًا”، ومَن يقرأ الروايات المختلفة عنها يُدرك مدى الاختلاف والاضطراب في سوقها سواء في تعيين المرأة: إذ هي مرة خثعمية وأخرى أسدية قرشية اسمها قتيلة وثالثة عدوية اسمها ليلى، وكذلك في صفة عبد الله عندما التقته فمرة هو مطين الثياب، وأخرى هو في زينته، ومثل هذا الاختلاف ينبغي أن يطرح من دراسات السيرة الجادة”.
   وقد احتج بها جماعة من العلماء وأكثروا الكلام حولها منهم الأستاذ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله (1/80- 86)؛ حيث يقول: “كان من الطبيعي في بيئة قريش ومكة بعد حادث نذر عبد المطلب وما انتهت إليه قصة الذبيح أن يتشرف كثيرات من النسوة إلى عبد الله بن عبد المطلب ليكون لهن وينجبن منه…..”، وأما عن اختلاف الروايات فيقول: “ويظهر من تعدد الروايات واختلاف أسماء المتعرضات وأوصافهن أن قصة التعرض ربما تكررت مع أكثر من امرأة، وفى كلها حفظ الله والد رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وضع نوره حيث أراد”.

ما وجدته أمه في حمله :

-  وروى ابن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمه، والبيهقي عن ابن إسحاق رحمهما الله تعالى قال: كنا نسمع إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة كانت تقول:
ما شعرت أني حملت به ولا وجدت ثقله كما تجد النساء إلا أنني أنكرت رفع حيضتي وربما ترفعني وتعود وأتاني آتٍ وأنا بين النائم واليقظان فقال لي هل شعرت أنك حملت؟ فأقول: ما أدري فقال: إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وضع فسمّيه محمداً. قالت: فكان ذلك مما يقّن عندي الحمل، ثم أمهلني حتى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك فقال قولي:
أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد
قالت: فكنت أقول ذلك فذكرته لنسائي فقلن: تعلّقي عليك حديداً وفي عضديك وفي عنقك. ففعلت فلم يكن يترك عليّ إلا أياما فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلّقه.
  - ولبعضهم شعر:
حملته آمنةٌ وقد شرفت به ... وتباشرت كلّ الأنام بقربه
حملاً خفيفاً لم تجد ألماً به ... وتباشرت وحش الفلا فرحاً به
واستبشرت من نورهنّ وكيف لا ... وهو الغياث ورحمةٌ من ربّه

  واختلفوا في يوم ابتداء الحمل فقيل: في أيام التشريق. وعليه فيكون مولده في رمضان وقيل في عاشوراء وقيل غير ذلك.

قال أبو زكريا يحيى بن عائذ رحمه الله تعالى في مولده: بقي صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة أشهر كمّلاً لا تشكو وجعاً ولا مغصاً ولا ريحاً ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء.

وعن بريدة وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا: رأت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمداً أو علقي عليه هذه. فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها:
أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد
وكلّ خلقٍ زائد ... من قائمٍ وقاصد
عن السّبيل حائد ... على الفساد جاهد
من نافثٍ أو عاقد ... وكلّ خلقٍ مارد[2]

   أنهاهم عنه بالله الأعلى، وأحوطه منهم باليد العليا والكنف الذي لا يرى، يد الله فوق أيديهم وحجاب الله دون عاديهم، لا يطردونه ولا يضرّونه في مقعد ولا منام ولا سير ولا مقام، أول الليل وآخر الأيام[3].


رؤياها للنور حين حمله :

-  وروى الحاكم وصححه البيهقي عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا؟ يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام» .

تنبيهان:  الأول قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: وسيأتي أنها رأت النور أيضاً خرج منها عند الولادة. وهذا أولى لتكون طرقة متصلة. ويجوز أن يكون خرج منها النور مرتين مرة حين حملت به ومرة حين وضعته ولا مانع من ذلك. ولا يكون بين الحديثين تعارض انتهى.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى: قوله حين «حملت به» هي رؤيا منام وقعت في الحمل.

·         وأما ليلة المولد فرأت ذلك رؤية عين كما سيأتي.

في بيان يوم مولده، وشهره، وعامه.

·         في ذكر اليوم :

  الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين.

-   روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه»

-   عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.

·         ولد نهارا لا ليلا :

- وروى الأربعة عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعةً فتح الهدى أرفادها ... لطفاً وقد منح الجزا إسعادها
لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي ... فاق الشهور جلالةً إذ سادها
حيث النبوة أشرقت بمآثرٍ ... كالشّهب لا يحصى الورى تعدادها
حيث الأمانة والرّسالة قد بدت ... يعلي لمكّة غورها ونجادها


  -  قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وأما ما روي من تدلّي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا.


·         ولد في فصل الربيع  ومعناه :

     -  قال بعض أهل المعاني: كان مولده صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة وشمسه معتدلة في العلوّ والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض.

 وينعقد في سلك هذا النظام، ما هيّأ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من أسماء مربّيه ففي الوالدة والقابلة الأمن والشّفاء وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي مرضعيه صلى الله عليه وسلم الآتي ذكرهما الثواب والحلم والسّعد.

     -  ثم ما في شريعته صلى الله عليه وسلم من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حرّ مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.

-  وقد قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الصّقلي رحمه الله تعالى: لكل إنسان من اسمه نصيب. هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشقّ الأرض عمّا في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشّره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى سبحانه وتعالى، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدّخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوّارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضاً.
فمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدّم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنه رحمة للعالمين.
وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخيرالعذاب عنهم لأجله صلّى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منّته على عباده لهدايته عليه الصلاة والسلام لهم إلى صراط الله المستقيم

·         في اليوم الذي ولد فيه :

     -  قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة [خلت] منه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس.

        - قال في الغرر:  وهو الذي عمل العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل أبو عمر عن أصحاب الزّيج أنهم صححوه ورجحه ابن دحية. وقال الحافظ: إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه الدمياطي عن جعفر الباقر وصححه. وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر.

·         كان ذلك عام الفيل :

    -  قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عام الفيل. قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور. وقال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ   شيخ البخاري: وهو الذي لا يشك فيه أحد من العلماء.

وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزّار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيّم فنقلوا فيه الإجماع.

   وبذلك صرح ابن حبان في تاريخه فإنه قال: ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل.

   -  قال: ثم وجدت الحديث عن ابن مسعود عن يحيى بن معين بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل.

·         وقيل بعد الفيل بخمسين يوماً. قال ابن كثير: وهو أشهر. وصححه

ما الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين
 على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء.

  - قال أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله تعالى في المدخل: فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السموات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟

       فالجواب :

1.       ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم.[4] وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتدّ بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم سبحانه وتعالى.

2.       أنه قد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلة العظمى والمزيّة على ما سواه من جنسه إلا ما استثنى من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد صلى الله عليه وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها فجعل الحكيم جل جلاله مولده صلى الله عليه وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى وكرامته عليه.

في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم

-    روى أبو نعيم والبيهقي عن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودي يصرخ ذات غداة على أطمه[5]: يا معشر يهود. فاجتمعوا إليه وأنا أسمع. قالوا: ويلك ما بك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة.

-   وروى ابن سعد والحاكم وأبو نعيم بسند حسن في الفتح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه. قال: احفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين. فتصدّع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله: فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كلّ إنسان منهم أهله فقالوا:
لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمداً. فالتقى القوم حتى جاءوا اليهوديّ فأخبروه الخبر. قال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقالوا:
أخرجي إلينا ابنك. فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة، فوقع مغشيّاً عليه فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش والله ليسطونّ بكم سطوةٌ يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب.

   -  وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت يهود قريظة والنّضير وفدك وخيبر يجدون صفة  رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد قالت أحبار يهود ولد الليلة أحمد، هذا الكوكب قد طلع. فلما تنبّأ قالوا تنبّأ أحمد. كانوا يعرفون ذلك ويقرّون به ويصفونه إلا الحسد والبغي. 
بعض العلامات التي ظهرت مع مولده :

خروج النور مع مولده ودنو النجوم  :

-   عن أبي العجفاء رحمه الله تعالى مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأت أمي حين وضعتني سطع منها نورٌ فضاءت له قصور بصرى.[6] رواه ابن سعد ورجاله ثقات.


-   وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نوراً وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول: ليقعن عليّ، فلما وضعته خرج منها نور أضاء له الدار والبيت حتى جعلت لا أرى إلا نوراً.

  -  الحديث وفيه رؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام.

-   رواه الإمام أحمد والبزار والحاكم وابن حبان وصححاه.


-   وروى ابن حبان عن حليمة ، رضي الله تعالى عنها عن آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها قالت: إن لابني هذا لشأناً أني حملت به فلم أجد حملاً قط كان أخفّ عليّ ولا أعظم بركة منه، ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعاً يديه بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء.

-   وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن آمنة قالت: لما فصل منّي ابني محمد صلى الله عليه وسلم خرج منه نورٌ أضاء له ما بين المشرق والمغرب.

-   وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة. رحمه الله تعالى قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نوراً.

-   وروى الإمام أحمد وابن سعد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» .

  وروى ابن سعد عن محمد بن عمر الأسلمي بأسانيد له متعددة عن آمنة أنها قالت: لما وضعته خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع جاثياً على ركبتيه معتمداً على الأرض بيديه، ثم أخذ قبضة من تراب وقبضها ورفع رأسه إلى السماء، وأضاءت له قصور الشام وأسواقها، حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى.

·         وقد وردت أحاديث في فضل الشام، ذكر بعضها الحافظ المنذريّ في كتاب «الترغيب والترهيب .

إشارات خروج النور وإضاءت قصور بصرى :


1.       قال في المسكة الفائحة: وفي تخصيص بصرى لطيفة، وهي أنها أول موضع من بلاد الشام دخلها ذلك النور المحمدي، وكذلك هي أول ما افتتح من بلاد الشام.


·         ومنه إشارة إلى ما خصّ الشام من نبوته صلى الله عليه وسلم، فإنها دار مجده وملكه كما ذكره كعب أن في الكتب السابقة: محمد رسول الله مولده بمكة ومهاجره بيثرب وملكه بالشام.

-   وقال بعضهم: أضاءت قصور بصرى إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم. ينوّر البصائر ويحيي القلوب الميتة.

2.       وفي خروج هذا النور معه صلّى الله عليه وسلم حين وضعته إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك منها. كما قال الله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: وقد كان هذا النور الذي ظهر وقت ولادته صلى الله عليه وسلم قد اشتهر في قريش وكثر ذكره فيهم، وإلى ذلك أشار عمه العباس رضي الله تعالى عنه في أبياته السابقة حيث قال في حقه صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا:
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق
 فنحن في ذلك الضّياء وفي النّو ... ر وسبل الرشاد نخترق
- ويرحم الله تعالى القائل:
لمّا استهلّ المصطفى طالعاً ... أضاء الفضا من نوره السّاطع
وعطّر الكون شذا عطره الطّ ... يّب من دانٍ ومن شاسع
ونادت الأكوان من فرحة ... يا مرحباً بالقمر الطالع

من كونه ولد ساجدا ورافعا بصره الى السماء ومسببا ..

       -   وروى ابن سعد عن موسى بن عبيدة   رحمه الله تعالى عن أخيه قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع على الأرض وقع على يديه رافعاً رأسه إلى السماء وقبض قبضة من تراب، فبلغ ذلك رجلاً من لهب فقال لصاحبه: انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض.

       -   وروى ابن سعد وأبو نعيم بسند قوي عن حسان بن عطية- رحمه الله تعالى: - ورضي عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع على كفيه وركبتيه شاخصاً ببصره إلى السماء.

·         زاد السّهيلي: مقبوضة أصابع يده مشيراً بالسبّابة كالمسبّح بها.

     قال د. أكرم العمري:”وإسناده ضعيف وقواه بعضهم ولا تشده روايات الواقدي لأنه متروك، كما لا تقويه تلك المراسيل عن التابعين من الطبقة الرابعة وهم حسان بن عطية وإسحاق بن عبد الله ومن بعدهم وهو داؤد بن أبي هند لاحتمال وحدة مصدرهم”.


الإشارات في ذلك :


 - قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجريّ[7]  رحمه الله تعالى: وفي رفع بصره صلى الله عليه وسلم في تلك الحال إشارة وإيماء إلى ارتفاع شأنه وعلوّ قدره وأنه يسود الخلق أجمعين .
 
   فيه إشارة وإيماء لمن له تأمّل إلى إن جميع ما يقع له من حين يولد إلى حين يقبض صلى الله عليه وسلّم ما يدل عليه  العقل فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال متزايد الرفعة في كل وقت وحين، عليّ الشأن على المخلوقات.

   * وفي رفعه صلى الله عليه وسلم رأسه إشارة وإيماء إلى كل سؤدد وأنه لا يتوجه قصده إلاّ إلى جهات العلوّ دون غيرها مما لا يناسب قصده.

-  وروى ابن الجوزي في «الوفا» عن أبي الحسين بن البراء- مرسلاً- رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة وجدته جاثياً على ركبتيه ينظر إلى السماء، ثم قبض قبضةً من الأرض وأهوى ساجداً.

-  قال بعض أهل الإشارات: لما ولد عيسى صلى الله عليه وسلم قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فأخبر عن نفسه بالعبودية والرسالة، ونبينا صلّى الله عليه وسلم وضع ساجداً وخرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، وقبض قبضة من تراب ورفع رأسه إلى السماء فكانت عبودية عيسى المقال، وعبودية محمد صلى الله عليه وسلم الفعال، ورسالة عيسى بالإخبار، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الأنوار

·         وفي سجوده صلى الله عليه وسلم عند وضعه إشارة إلى أن مبدأ أمره على القرب، قال الله تعالى:  وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ

 - وقال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»
فحال عيسى عليه الصلاة والسلام يشير إلى مقام العبودية، وحال محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى مقام القرب من الحضرة الإلهية.

   - ولبعضهم:
لك القرب من مولاك يا أشرف الورى ... وأنت لكلّ المرسلين ختام
وأنت لنا يوم القيامة شافعٌ ... وأنت لكلّ الأنبياء إمام
عليك من الله الكريم تحيةٌ ... مباركةٌ مقبولةٌ وسلام
·         تنبيهات:
جرت عادة كثير من المحبين إذا سمعوا بذكر وضعه صلّى الله عليه وسلم إن يقوموا تعظيماً له صلى الله عليه وسلم، وهذا القيام بدعة لا أصل لها.

- وقال ذو المحبة الصادقة حسّان زمانه أبو زكريا يحيى بن يوسف الصّرصري رحمه الله تعالى ورضي عنه في قصيدة له من ديوانه:
قليلٌ لمدح المصطفى الخطّ بالذهب ... على فضّة من خطّ أحسن من كتب
وإن ينهض الأشراف عند سماعه ... قياماً صفوفاً أو جثيّاً على الرّكب
أما الله تعظيماً له كتب اسمه ... على عرشه يا رتبةً سمت الرّتب

    *  واتفق أن منشداً أنشد هذه القصيدة في ختم درس شيخ الإسلام الحافظ تقي الدين السبكي. والقضاة والأعيان بين يديه فلما وصل المنشد إلى قوله: «وإن ينهض الأشراف عند سماعه» إلى آخر البيت قام الشيخ للحال قائماً على قدميه امتثالاً لما ذكره الصّرصري، وحصل للناس ساعة طيّبة. ذكر ذلك ولده شيخ الإسلام أبو النصر عبد الوهاب في ترجمته من الطبقات الكبرى.

في ولادته صلى الله عليه وسلم مختوناً مقطوع السرة نظيفا

عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختوناً ولم ير أحد سوأتي» . رواه الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر من طرق. قال في الزهر: سنده جيد. انتهى.[8]

   وقد جزم- بأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً- جماعة من العلماء منهم هشام بن محمد بن السائب في كتاب الجامع. وابن حبيب في المحبّر. وابن دريد في الوشاح، وابن الجوزي في العلل والتلقيح.

 وقال الحاكم في المستدرك: تواترت الأخبار بأنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً. وتعقبه الذهبي فقال: ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواتراً.

وأجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الأخبار اشتهارها وكثرتها في السّيرة، لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث.

·         وقال الذهبي: إن جده صلى الله عليه وسلم ختنه على عادة العرب.

- قال الحافظ قطب الدين الخيضريّ رحمه الله تعالى في الخصائص: وأرجحها عندي الأول. وأدلته مع ضعفها أمثل من أدلة غيره.

- وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات عن إسحاق بن أبي طلحة مرسلاً رحمه الله تعالى أن آمنة قالت: وضعته نظيفاً، ما ولدته كما يولد السّخل، ما به قذر، ووقع إلى الأرض وهو جالس على الأرض بيديه.


الإشارة :


   قال الخيضري: فإن قيل إن فيه أي في ولادته صلى الله عليه وسلم مختوناً بعض نقص في حق من يوجد كذلك. فيقال: هذا في حقه صلى الله عليه وسلم غاية الكمال لأن القلفة ربما تمنع من تكميل النظافة والطهارة، وتمنع كمال لذة الجماع فأوجد الله تعالى عبدة ورسوله صلّى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً مكمّلاً سالماً من سائر النقائص والمعايب   
 
     فإن قيل: إذا كان كذلك فلم شق صدره صلى الله عليه وسلم واستخرج منه العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان، ولو كان كما ذكرت لخلقه سالماً منها؟
قلت: لا سواء لأن الختان والإسرار من الأمور الظاهرة التي تحتاج إلى فعل الآدمي، فخلقه الله تعالى سليماً منها لئلا يكون لأحد عليه منّة، كما في كمال الطهارة، وأما إخراج العلقة التي هي حظ الشيطان فمحلها القلب ولا اطلاع للآدمي عليها، ولو خلق الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سليما منها لم يكن للآدميين اطلاع على حقيقته، فأظهره الله تعالى لعباده على يد جبريل ليتحققوا كمال باطنه كما برز لهم مكمل الظاهر انتهى.[9]

تنبيه: قال بعضهم وفي قولهم: خلقوا مختونين تجوّز لأن الختان هو القطع، وهو غير ظاهر. لأن الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع، فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع. والله أعلم.

في حزن إبليس وحجبه من السموات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

   نقل السهيلي وأبو الربيع وغيرهما عن تفسير الحافظ بقي بن مخلد  رحمه الله تعالى أن إبليس رنّ أربع رنّات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب.
رنّ: صوت بحزن وكآبة.

   وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: قال إبليس لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقال له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته.
فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله جبريل فركضه برجله ركضة فوقع بعدن.

    وروى الخرائطي وابن عساكر عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم يجتمعون إليه فلما دخلوا يوماً فرأوه مكبوباً على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله فلم يلبث أن انقلب انقلاباً عنيفاً فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة فقال عثمان: إن هذا لأمر حدث. وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل عثمان بن الحويرث يقول:
أيا صنم العيد الذي صفّ حوله ... صناديد وفدٍ من بعيدٍ ومن قرب
ينكس مقلوباً فما ذاك قل لنا ... أذاك سفيهٌ أم تنكّس للعتب
فإن كان من ذنبٍ أسأنا فإننا ... نبوء بإقرارٍ ونلوي على الذّنب
وإن كنت مغلوباً تنكّست صاغراً ... فما أنت في الأصنام بالسّيّد الرّبّ

قال: فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله فلما استوى هتف بهم هاتف من جوف الصنم بصوت جهير وهو يقول:
تردّى لمولودٍ أضاءت لنوره ... جميع فجاج الأرض بالشّرق والغرب
وخرّت له الأوثان طرّا وأرعدت ... قلوب ملوك الأرض طرّا من الرّعب
ونار جميع الفرس باخت (3) وأظلمت ... وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب
وصدّت عن الكهّان بالغيب جنّها ... فلا مخبرٌ منهم بحقّ ولا كذب
فيا لقصيّ إرجعوا عن ضلالكم ... وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب

في انبثاق دجلة وارتجاس الإيوان وسقوط الشرفات وخمود النيران وغير ذلك مما يذكر

   وروى ابن جرير في تاريخه والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل، والخرائطي عن مخزوم بن هانئ عن أبيه وأتت عليه مائة وخمسون سنة قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس فيها إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشر شرافة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان[10] إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك وتصبّر عليه تشجّعاً، ثم رأى أن لا يدّخر ذلك عن وزرائه ومرازبته حين عيل صبره فجمعهم ولبس تاج ملكه وقعد على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: تدرون فيما بعثت؟ قالوا: لا إلا أن تخبرنا بذلك، فبينما هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس فازداد غمّاً إلى غمه ثم أخبرهم بما هاله، فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة. فقص عليهم رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ وكان أعلمهم في أنفسهم قال: حدثٌ يكون من ناحية العرب، فكتب كسرى عند ذلك: من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر:  أما بعد فوجّه إلي عالماً بما أريد أن أسأله...[11]

قال الذهبي في السيرة النبوية (1/44):”هذا حديث منكر غريب”       
وذكره ابن كثير بطوله في البداية (2/249) وقال:”هذا الحديث لا أصل له في شئ من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا

في فرح جده عبد المطلب به صلى الله عليه وسلّم وتسميته له محمداً

   ويرحم الله تعالى الإمام أبا عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن علي الشقراطسي [12]حيث قال:
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف في الإشراق والطّفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقضّ منكسر الأرجاء ذا ميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت ... من ألف عام ونهر القوم لم يسل
خرّت لمولده الأوثان وانبعثت ... ثواقب الشّهب ترمي الجنّ بالشّعل

   والإمام أبا عبد الله محمد بن سعيد بن حماد الدلاصي الشهير بالبوصيري رحمه الله تعالى حيث قال:
أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدإ منه ومختتم
يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم
وبات أيوان كسرى وهو منصدعٌ ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنّار خامدة الأنفاس من أسفٍ ... عليه والنّهر ساهي العين منسدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ... وردّ واردها بالغيظ حين ظمي
كأنّ بالنّار ما بالماء من بللٍ ... حزناً وبالماء ما بالنّار من ضرم
والجنّ تهتف والأنوار ساطعةٌ ... والحقّ يظهر من معنى ومن كلم

في فرح جده عبد المطلب به صلى الله عليه وسلّم وتسميته له محمداً

   قال ابن إسحاق والواقدي وغيرهما: لما وضعت آمنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرسلت إلى جده عبد المطلب: أنه قد ولد لك غلام فائته فانظر إليه. فأتاه ونظر إليه. وحدثّته بما رأت حين حملت به وما قيل لها وما أمرت به أن تسمّيه، فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله ويشكره على ما أعطاه، ثم خرج به صلى الله عليه وسلم إلى أمه وهو يقول:
الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان
حتّى يكون بلغة الفتيان ... حتّى أراه بالغ التّبيان
أعيذه من شرّ ذي شنآن ... من حاسدٍ مضطرب العيان
ذي همّةِ ليس له عينان ... حتّى أراه رافعاً للشّان
أنت الذي سمّيت في الفرقان ... أحمد مكتوبٌ على اللسان

   - وروى أبو عمر وأبو القاسم بن عساكر من طرق عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقّ عنده جده بكبش وسماه محمداً. فقيل له: يا أبا الحارث ما حملك على أن تسميه محمداً ولم تسمه باسم آبائه؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض.





[1] حمد بن جعفر بن محمد بن سهل، أبو بكر الخرائطي السامري: فاضل، من حفاظ الحديث. من أهل السامرة بفلسطين
[2] الأبيات في الروض الأنف 1/ 180، والبداية والنهاية 2/ 250.
[3] رواه أبو نعيم وسنده واهٍ جداً، وإنما ذكرته -أبو نعيم -  لأنبّه عليه لشهرته في كتب المواليد.
[4] رواه الإمام أحمد
[5] الحصن ويروى على أطمه بتاء تأنيث على معنى البقعة. 
[6]    المراد بها هنا بلد بالشام من أعمال دمشق.
[7] محمد بن عبد المنعم بن محمد الجوجري: فاضل مصري، من فقهاء الشاف
[8] وصححه الحافظ ضياء الدين المقدسي وروي من حديث العباس بن عبد المطلب رواه ابن سعد وحسّن مغلطاي سنده في كتابه دلائل النبوة ومن حديث ابنة عبد الله رواه ابن عدي وابن عساكر ومن حديث أبي هريرة رواه ابن عساكر أيضاً. ومن حديث أنس رواه أبو نعيم. قال مغلطاي في دلائله: بسند جيد. ومن حديث ابن عمر رواه ابن عساكر.
[9] وهو مأخوذ من كلام السبكي يأتي ذكره في باب شرح صدره صلى الله عليه وسلم.
[10] اسم لحاكم المجوس كقاضي القضاة للمسلمين.
[11] والقصة على طولها في سبل الهداية
[12] فقيه مالكي، من الشعراء. ولد بتوزر. وعلمه أبوه وسافر إلى القيروان، فأخذ عن علمائها. ورحل إلى المشرق (سنة 429 هـ)

0 comentarios:

Publicar un comentario