domingo, 4 de septiembre de 2016

شبهة انتشار الاسلام بالسيف

0 comentarios
هل انتشر الإسلام بالسيف

انتشار الإسلام بالعنف من الشبهات التي يردِّدُها كثيرًا بعضُ المغرضين؛ حيث يدَّعُون أن الرسول  كان رجلاً عنيفًا يحبُّ إراقة الدماء، وأن الإسلام انتشر بالسيف، وأن معتنقي الإسلام لم يدخلوا فيه طواعية ولا اختيارًا، وإنما دخلوا فيه بالقهر والإكراه.
والحقيقة أن جوهر الإسلام وخبر التاريخ يكذِّبان هذه الفرية، ويستأصلونها من جذورها.
   -   وقد شهد أبو سفيان زعيم قريش -وهو رجل حارب رسول الله  سنوات عديدة، ولم يؤمن إلاَّ بعد أكثر من عشرين سنة من الإعراض والصَّدِّ- شهد لرسول الله  بقوله: "لقد حاربتُك فنِعْمَ المحارب كُنتَ، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت".[1]

المعاملة الخاصة لغير المسلمين (الكفار)
 1. أن وجود النبي (صلى الله عليه وسلم) بينهم، حال دون نزول عذاب الاستئصال بهم، كما حصل مع عض الأمم السابقة لهم، مثل قوم عاد، وثمود، ولوط. وهذا المظهر نص عليه القرآن صراحة:(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال : 33 )، وتلك رحمة ما بعدها رحمة، نعم بها الكافرون جميعاً.
وقال السمرقندي: رحمة للعالمين: يعني للجن و الإنس. و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، ورحمة للكافر بتأخير العذاب .


    -   قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو رحمة للمؤمنين وللكافرين ، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة
   
  -   عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار.

2. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يرفض بشدة، أن يدعو عليهم، ولو دعا عليهم، لاستجاب الله له، كما استجاب لدعوة غيره من الأنبياء، كمثل دعوة النبي نوح : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) (نوح: 26 )، فأغرق الله جميع سكانها، ولم ينج إلاَّ قلة كانت مع نوح في السفينة.
      ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رَبَاعِيَته، وشُجَّ في رأسه، فجعل يَسْلُتُ الدم عنه ويقول‏:‏ ‏‏(‏كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله‏)‏، فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏128‏]‏ ‏.‏ 
      *  وفي رواية الطبراني أنه قال يومئذ‏:‏ ‏‏(‏اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله‏)‏، ثم مكث ساعة ثم قال‏:‏ ‏‏(‏اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏)‏ ، وفي صحيح مسلم أنه قال‏:‏‏‏(‏رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏)‏ ، وفي الشفاء للقاضي عياض أنه قال‏:‏ ‏‏(‏اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون‏)‏‏.‏ 
     - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن دوسا قد هلكت ، عصت وأبت ، فادع الله عليهم ، فظن الناس أنه يدعو عليهم ، فقال : ( اللهم اهد دوسا وأت بهم ) . متفق عليه .
3. تجنب النبي (صلى الله عليه وسلم) بكل الوسائل الصدام معهم، فقد منع مقاتلتهم مدة ثلاثة عشر عاماً، وحين قاتلهم، كان حريصاً على إنهاء الصراع سريعاً، ويشهد لهذه قلة عدد المعارك بينهم، وقلة عدد القتلى كذلك .
·        تبين أثر مظهر الرحمة هذا بإسلام الآلاف من الكفار تباعاً، حتى أسلم أهل مكة كلهم يوم الفتح.
4. شعور عامة الكفار برحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بهم ، وشفقته عليهم، وقد دلت على هذا الشعور معاملته لهم، ومعاملتهم له، وأنتم تذكرون حين كانوا يأتون إليه، طالبين منه العون، في شؤون حياتهم، فيستجيب لهم ، وهم على كفرهم به، وعلى عداوتهم له .
5. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يعاملهم بالمثل، وقد مرَّ بنا تفصيل هذا المظهر، فقد عذبوه، وعذبوا أصحابه، ولم يعذبهم، ومارسوا عليه، وعلى أصحابه، سياسة التجويع، ولم يمارسها، وأخرجوه، ولم يخرجهم، قتلوا أسراه، وعفا عن أسراهم.
أهل الكتاب من اليهود والنصارى
 ويمكن أن نعرض هذه الرحمة ضمن المظاهر التالية:
1. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خصهم بما لم يخص به العرب ـ أهله وعشيرته ـ ، حين قبل منهم البقاء على دينهم، ولم يقبل هذا من العرب، حين خيرهم بين الإسلام أو القتال.
في حين خير اليهود والنصارى بين الإسلام، أو الجزية، وهي مبلغ يدفعونه، مقابل حماية المسلمين لهم.
واسمحوا لي أن انتقل من عصر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى القرن السابع الهجري، حين دخل هولاكو بغداد، وأسر عدداً من المسلمين،والنصارى، واليهود، فذهب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية يطالب بطلاق سراح الأسرى، قال له هولاكو نطلق سراح المسلمين، ونبقي اليهود والنصارى، فلا شأن لك بهم، فرفض ابن تيمية هذا العرض، وقال يطلق هؤلاء قبل المسلمين، لأنهم في حماية المسلمين، وتحت رعايتهم، فأعجب به هولاكو، وأطلق سراحهم جميعاً(1).
2. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقام العدل بين من كان يعيش منهم بكنفه، وقد أوصاه الله بهذا، فقال له: (فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(المائدة:42 ).
ا3. حرص النبي (صلى الله عليه وسلم) على أن يعامل أهل الكتاب، معاملة حسنة، وسعى إلى إغلاق الأبواب التي تؤدي إلى إلحاق الأذى بهم، ولقد وقفت على رواية مفادها، أنه كان في المدينة زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) جالية نصرانية صغيرة، تسكن في حي يسمى سوق النبط .
  -  ولا أذكر حتى هذه اللحظة أنه قتل نصراني واحد عند النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ولكن للأسف الشديد قتل الكاثوليك زمن كارلوس الخامس عام 1521م أكثر من نصف مليون من النصارى البروتستانت، كما بلغ عدد من أحرقوا بالنار 230 ألف من البروتستانت أيضاً .
وتدلنا أعزائي الحضور ، مقابلة النبي (صلى الله عليه وسلم) لوفد نصارى نجران، على حسن معاملته للنصارى في عصره، وهي منطقة قريبة من مكة، كان أهلها نصارى، جاءوا إلى المدينة، فاستقبلهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتلطف معهم، وأوضح لهم معالم الحق، ثم تركهم بعد ذلك على ما يرغبون، فاختاروا البقاء على دينهم ، فتركهم وشأنهم، ثم طلبوا منه أن يرسل معهم أحد أصحابه يستعينون به في إدارة أمورهم، وحل مشاكلهم، فقال , سوف أرسل معهم رجلاً أميناً، فأرسل معهم أبو عبيدة بن الجراح، وقال هذا أمين هذه الأمة.
لقد عفا عن المرأة اليهودية، التي قدمت له طعاماً مسموماً، وعفا عن لبيد اليهودي، الذي حاول إيذاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد ذكر لزوجه عائشة أنه عفا عنه لأنه لا يريد أن يثير الناس رحمة بالجميع.
4. كان من أهداف القرآن التي عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) على إنفاذها، دمج أهل الكتاب في المجتمع، عن طريق الإذن بالزواج من نسائهم، والسماح بمخالطتهم، اجتماعياً، حين أباح الأكل من طعامهم.
  - كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يلبي دعوتهم إلى الطعام، ويزور مرضاهم، ويواسيهم في مصابهم ، ولقد تعاطف القرآن الكريم مع نصارى نجران الذين أحرقهم ملكها بسبب إيمانهم وتوعده الله بالعذاب.
5. أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بين لأهل الكتاب ما أصاب دينهم من تحريف وتبديل، وهذه المصارحة، وإن كانت صعبة عليهم، ولكنها من الحق المر، ومن مظاهر الرحمة، والمثل يقول ، صديقك من صدَقك، لا من صدَّقك، وتركهم بعد ذلك لاتخاذ القرار، بكل حرية واختيار.
6. لقد أمَّنَ النبي (صلى الله عليه وسلم) اليهود والنصارى على أموالهم وأنفسهم، وأماكن عبادتهم، وحتى على طعامهم وشرابهم، فأبقى لهم الحرية كاملة، في ما يأكلون ويشربون، بما لا يجرح شعور المسلمين، في ضوء القاعدة المشهورة بين المسلمين لا ضرر ولا ضرار.
لم أورد هذه المظاهر على سبيل الحصر، فإنها أكثر مما ذكرت بكثير، لكنها مجرد إشارات تدل بوضوح على مدى رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بإتباع الديانات الأخرى.
وبمجرد نظرة على أخلاقيات الحرب يتبين أن المسلمين لم يكونو إلا رحمة على فاتحيهم .
حيث أنه في الحرب ينعدم الإحساس والشعور
  -  فعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. [2]
قارن هذا مع سياسة الأرض المحروقة كما هي معروفة في عالم الحروب والمعارك :
سياسة الأرض المحروقة،  هي إستراتيجية عسكرية وهي طريقة عمليات يتم فيها «إحراق» أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما. في الأصل كان المصطلح يشير إلى إحراق المحاصيل اللاحية لعدم استعمالها من طرف العدو كمؤونة أما الآن فهو يشير إلى إحراق المنتوجات الغذائية وتدمير الهياكل الأساسية مثل المأوى والنقل والاتصالات والموارد الصناعية. وقد يتبع الجيش هذه السياسة في أرض العدو أو في أرضه.
من الشبهات: كيف لنبي الرحمة أن يهدر دماء رجال من قريش في فتح مكة؟
سؤال يردده المشككون في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.. وفي الإجابة عليه يجب أن يعرف أصحابه أولاً سبب هذه الغزوة (فتح مكة)...
غدر قريش :
والأمر الجَليُّ هو أن قريشًا قد غدرت بصلح الحديبية ونقضت هذا الصلح، وذلك حينما أغار رجال منها مع بني بكر على خزاعة ليلاً، فأصابوا منهم رجالاً.. وكانت خزاعة قد دخلت في حلف رسول صلى الله عليه وسلم..
وهو ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرك بالجيش الإسلامي نحو مكة، ليكون الفتح العظيم بعد أكثر من عشرين سنة من الاضطهاد والتعذيب له ولأصحابه صلى الله عليه وسلم.. وحينها يجتمع القوم الذين لم يُدركوا قيمة النبي العظيم الذي كان يعيش بينهم...
ويتوقع الجميع يومًا داميًا يُنتقم فيه لآلام السنوات السابقة، ولدماء الشهداء الذين قتلتهم قريش، ويقف المتكبرون من أهل قريش في ذلة وصَغار أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون حُكمًا رادعًا بقتلٍ أو نفيٍ أو استرقاق..
وهنا يتساءل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم في رقَّةٍ وتلطفٍ وتواضعٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُم؟" قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وابْنُ أَخٍ كَرِيم. قال: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"!! [3]
هكذا.. دون عتاب أو لوم أو تقريع!!
وإنه لمن أعجب مواقف التاريخ حقًّا!!
·        وقد تعجَّب الأنصار من هذا البِرِّ وتلك السماحة والرحمة غير المسبوقة، فقال بعضهم لبعض: "أمَّا الرجل  فأدركته رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ بعشيرته[4] !!"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عَهِدَ إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سمَّاهم بقتلهم، وإن وُجِدُوا تحت أستار الكعبة
         منهم : عبد الله بن سعد بن أبى سرح، وعبد العزى بن خطل، وعكرمة بن أبى جهل، ومقيس بن صبابة، وقينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل بهَجْوِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسارة مولاة لبنى عبد المطلب.
فكان هؤلاء جميعًا أشد عداوة وبُغضًا للإسلام وللمسلمين ولسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا شديدي الأذى له بمكة..
-       فأما ابن أبي سرح فكان قد أسلم وكتب الوحي ثم ارتد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأهدر دمه فَرَّ إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان أخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستأمن له صمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "نعم"، وعفا عنه.
-       وأما عبد الله بن خطل فكان مسلمًا، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا ،[5] وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له مسلمٌ يخدمه، فغضب عليه غضبةً فقتله، ثم ارتد مشركًا، وكان له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فلهذا أهدر دمه ودم قينتيه، فقُتِلَ، وقُتِلت إحدى قينتيه واستُؤْمِن للأخرى.
-       وأما مقيس بن صبابة فكان قد قتل قاتل أخيه خطأ بعد ما أخذ الدية، ثم ارتد مشركًا.
-       وأما سارة مولاة لبني عبد المطلب ولعكرمة بن أبى جهل، فكانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى بمكة، فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمها، فهربت حتى استؤمن لها منه صلى الله عليه وسلم فأمَّنها فعاشت إلى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
-       وأما عكرمة بن أبى جهل فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، واستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَّنه، فذهبت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وحَسُن إسلامه، وكان يُعَدُّ من فضلاء الصحابة.
ومن هذا يتبين لنا كرم أخلاق سيد الخلق وإمام المرسلين ورحمة العالمين محمد صلى الله عليه وسلم.. فقد أُوذِيَ من هؤلاء وغيرهم أشد الأذى، ولكن عفا عن معظمهم وكانت كلمته صلى الله عليه وسلم التي سجلها التاريخ: "اِذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" أروع مثل لعفوه وسماحته ورحمته صلى الله عليه وسلم..
من الشبهات إعدام يهود بني قريظة

قبل أن نتعجل الحكم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج أمر بني قريظة بالعلاج الوحيد الذي لا ينفع غيره, أو حَلَّ عقدته بالسلاح الذي يناسبه.. نود أولاً أن نقف على حيثيات وظروف ذلك الحكم..

فمن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد قدومه المدينة عقد مع اليهود الموجودين بها معاهدة رائدة, تعد بمثابة أقدم دستور مُسجَّل في العالم,[6] والتي كان من أهم بنودها: التزام كل من المسلمين واليهود بالمعايشة السلمية فيما بينهما وعدم اعتداء أي فريق منهما على الآخر في الداخل.

وتعهد كل من الطرفين بالدفاع المشترك عن المدينة ضد أي اعتداء خارجي, وعلى اليهود أن يتفقوا مع المؤمنين ما داموا محاربين [7]
خيانة  بني قريظة

وقد حدث في العام الخامس من الهجرة أن تجمعت أكبر قوة معادية للمسلمين في ذلك الوقت للقضاء عليهم داخل المدينة, وأحاطت جيوش الأحزاب بالمدينة في عشرة آلاف مقاتل من مشركي قريش وقبائل غطفان وأشجع وأسد وفزارة وبني سليم, على حين لم يزد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل [8]

وكان المتوقع أن ينضم يهود بني قريظة إلى صفوف المسلمين ضد القوات الزاحفة على المدينة بناء على نصوص المعاهدة المبرمة بين الفريقين, لكن الذي حدث هو عكس هذا تمامًا! فلم تكتفِ بنو قريظة بمجرد السلبية, ولكن فوجئ المسلمون بهم يخونونهم في أخطر أوقات محنتهم, ولم يرعوا للعهود حرمة, في سبيل التعجيل بسحق المسلمين والقضاء عليهم قضاء تامًّا.

وبمجرد أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الخيانة الخطيرة أرسل وفدًا مكونًا من سعد بن معاذ سيد الأوس, وسعد بن عبادة سيد الخزرج, وعبد الله بن رواحة, وخوات بن جبير رضي الله عنهم؛ ليذكِّروا القوم بما بينهم وبين المسلمين من عهود, ويحذروهم مغبَّة ما هم مقدمون عليه, فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم, وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبينه!! وهكذا ركب القوم رءوسهم, وقرروا الانضمام الفعلي للغزاة, وأخذوا يمدونهم بالمال والعتاد.

وقد تدخلت عناية الله لنصرة الإيمان وأهله, وشاء الله أن يندحر ذلك التحالف الوثني اليهودي {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25].

حصار بني قريظة :

    وبعدها مباشرة جاء الوحيُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأمره بأن ينهض إلى بني قريظة؛ جزاءً لمكرهم وغدرهم وخيانتهم, فسار إليها وحاصرها صلى الله عليه وسلم والمسلمون شهرًا أو خمسة وعشرين يومًا..

ولمـا طال عليهم الحصار عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركهم ليخرجوا إلى أذرعات بالشام تاركين وراءهم ما يملكون, ورفض صلى الله عليه وسلم إلا أن يستسلموا دون قيد أو شرط, وبالفعل استسلم يهود بني قريظة, ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوكل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ أحد رؤساء الأوس.[9]

وكان سعد حليف بني قريظة في الجاهلية, وقد ارتاح اليهود لهذا الاختيار, وظنوا أن الرجل قد يحسن إليهم في حكمه, لكن سعدًا نظر إلى الموقف من جميع جوانبه, وقدَّره تقدير مَن عاش أحداثه وظروفه, وشاهد كروبه ومآزقه, وعرف النذر المستطيرة التي تراءت في الأفق, فأوشكت أن تطيح بالعصبة المؤمنة لولا عناية الله عز وجل التي أنقذت الموقف..

وكان هو نفسه الذي شفع لديهم بادئ ذي بدء ليرجعوا عن غدرهم وغيهم, لكن القوم مضوا في عنادهم لا يقدرون للنتائج عاقبة, ولا يراعون الله في حلف ولا ميثاق, ولذلك لما كُلِّم في شأنهم أكثر من مرة قال رضي الله عنه: "لقد آنَ لسعدٍ ألا تأخذه في الله لومة لائم" [10] ثم بعد أن أخذ المواثيق على الطرفين أن يرضى كل منهما بحكمه، أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح ففعلوا, ثم قال: "إني أحكم أن تُقتل مقاتلتُهم وتُسبَى ذريتُهم وأموالهم", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَكَمْتَ فيهم بحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ" !!

فقتل رجالهم, وسبي نساءهم وذراريهم, ومَن لم يُنبِتْ من أولادهم, ولاقى بنو قريظة أسوأَ مصير على أفظع خيانة..

رد على شبهة قتل بني قريظة
وهنا يحلو للبعض أن يتقوَّلوا على الإسلام وأن يتطاولوا على تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاملته لبني قريظة, ويعتبروا أن معاملته هذه لهم تتسم بالوحشية والقسوة, وأنه كان من الممكن أن يُعاقَبوا بأي عقاب آخر كالإجلاء أو النفي..

وللبيان والتوضيح نقول: ماذا لو أن نتيجة غزوة الأحزاب تمت حسبما كان يخطط لها بنو قريظة وأحزابهم, ألم تكن هي الإبادة التامة للمسلمين أجمعين؟! على أن اليهود لم يُقدِموا على هذا العمل الخسيس إلا بعد أن تكوَّن لديهم ما يشبه اليقين بأنهم -بمساعدة المشركين- سوف يقومون بتدمير الكيان الإسلامي تدميرًا كاملاً, واستئصال شأفة المسلمين استئصالاً كليًّا, ولهذا لم يترددوا في الغدر بحلفائهم المسلمين وعلى تلك الصورة البشعة .[11]

ولقد كانوا حريصين الحرص كله على إبادة المسلمين, حتى لقد طلبوا من الأحزاب والمشركين أن يُسلِّموا إليهم سبعين شابًّا من أبنائهم رهائن عندهم؛ ليضمنوا أن جيوش الأحزاب لن تنسحب من منطقة المدينة إلا بعد أن تفرغ من المسلمين, وتقضي عليهم قضاء تامًّا [12]

فعلى الذين يستبشعون الحكم على بني قريظة, ويصفونه بأنه كان قاسيًا شديدًا, عليهم أن يحيطوا علمًا بجوانب الموضوع, وظروف القضية؛ ليدركوا أن اليهود هم الذين جَرُّوا الوبال على أَنفسهم.

إن قانون أي دولة الآن يحكم بالإعدام على من يخون وطنه ويقيم اتصالات مع العدو أو يتجسس لحسابه.

  - ويقول أحد الكتاب المعاصرين، لو درس الذين يطعنون في حكم سعد على بني قريظة القوانين المعاصرة دراسة نافذة وطبقوها على قضية بني قريظة لرأوا أن قوانين القرن العشرين لا تختلف في شيء عما أصدره سعد بن معاذ، لقد كان بين الرسول وبين يهود بني قريظة معاهدة تحفظ حقوق الفريقين وتقضي على كل فريق أن ينصر الآخر إذا واجهه خطر في حرب، ولكن اليهود تآمروا فانضموا إلى أعدائه وأوقعوه بين شقي الرحى في المدينة مصطليا بنار أعدائه المشركين من جهة واعتداء حلفائه اليهود في ساعته العسرة من جهة ثانية فاقترفوا بذلك الغدر ثلاث جرائم :

1- رفع السلاح ضد سلطان المدينة مع الأجنبي المعتدي.
2- دس الدسائس لدى العدو ضد المسلمين.
3- تسهيل دخول العدو للبلاد.
وقوانين العقوبات العصرية تجعل الإعدام عقوبة كل جريمة من الجرائم الثلاث[13]

نقد في الحادثة :
 - قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بنى النجار، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا، وفيهم عدو الله حيى بن أخطب، وكعب بن أسد، رأس القوم، وهي ست مئة أو سبع مئة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمان مئة والتسع مئة وقد قالوا لكعب بن أسد، وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا: يا كعب، ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفى كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذهب به منكم لا يرجع؟ هو والله القتل! فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم...
الطبرانِي روى في الكبير والصغِير من حديث أسلم الأنصاري قال: جعلنِي النبي صلى الله عليه وسلم على أَسارى قريظةَ فكنت أنظر في فرجِ الغلامِ، فإن رأَيته قد أنبت ضربت عنقه، وإن لم أَره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين. وحديث: عطِية القرظِي: عرِضنا على النبى صلى اللَّه عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل، ومن لم ينبِت خلي سبِيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي
يرى بعضهم أن ابن اسحاق نفسه كان مدلسا خصوصا اذا انفرد فهو يعنعن ولم يحدث وحتى وان حدث وانفرد بالامر فهو مردود كما وضح في ترجمته وكما بين فضيلة الشيخ الارناؤوط في تنقيحه على المسند .

 رسول الله قتل منهم نعم ولكن قتل ساداتهم الذين اصروا على خيانته وألبوا عليه قبائل العرب حتى وصل الاحزاب الى اكثر من 10 الف مقاتل تترسوا بسبب اليهود ومنهم حيي بن اخطب الذي بعد ان عفا عنه رسول الله جاء الى قريش وغطفان وغيرهما وعاهدهما على تمر خيبر لمدة عاما
أما بالنسبة للعدد فان ابن اسحاق الذي نقل منه قال 900 ولما اراد ان يعدهم لم يذكر سوى 17 فقط .

     - والاية القرانية تقول : ((فريقا تقتلون وتاسرون فريقا))   اي ساداتهم الذين فعلوا ذلك وهم تماما الذي عدهم بن اسحاق   .

بعد ذلك على من جرى عليه المواسي او من انبت شعر عانته فكيف ذلك والله تعالى يقول ولا تزر وازرة وزر اخرى  كيف ذلك وقد نها رسول الله عن قتل العسيف اي الذي يحرس السلاح والعتاد كيف والله امر بكف الايدي عن الاسرى

    بقوله تعالى ((ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا)). كيف ذلك وهو يقول فاما منا بعد واما فداءا  ثم يقال ان رسول الله امرهم بذلك.!

 لو نظرت الى كل المرويات في هذ الصدد تجدها موقوفة على راويها مابين محمد بن كعب القرظي وايضا وعية القرظي وعن كثير بن السائب القرظي فكلهم قرظيون والعجيب تم اقحام رواية عن سعد بن معاذ وهو قد مات قبل ذلك لانه تبيغ جرحه كما قص بن جعدبة وقد كره الامام مالك ذلك ان يحكي قرظيون ويتقبلهم ابن اسحاق في مغازيه ايضا الروايات الموقوفة ترد في الاحكام فكيف بالسير والمغازي.

   -  فكما قال الامام احمد كره عندي السير والمغازي لما فيه من مبالغات وعدم اسانيد ثابتة.
    ونعلم من كتاب جمهرة انساب العرب ان اليهود تاجروا وعاشوا جنبا الى جنب مع المسلمين  وايضا لم يرد هذا لا في تاريخ اليهود سواء صامويل اسكوير او رئاسة الجالوت في بابل اي شيء حيال ذلك فالقول ما قاله ابي سعيد الخدري ان تقتل المقاتلة كما حكم سعد بن معاذ وهو من قاتل فعليا اما بالنسبة للاعداد فليس لدينا رقم صحيح يعتمد عليه لكن الاية قد وضحته من ذوائقها التي تحيط بها  فكفاكم اعتماد على السير والمغازي وكفاكم تمسكا بالموقوف من المرويات وتعاملوا مع الاسلام بروحه.  

من الشبهات إشكالية جهاد الطلب

ومن أجل المضي في تحقيق مثل هذا الفهم الخاطئ الذي بينا وجهة نظرنا فيه , مثلما بينا وجهة نظرنا في الخطأ الذي تمارسه أمريكا اليوم ضد شعوب الأرض , وهي تسعى جاهدة لفرض سلطانها وسلطان نهجها على بلدان العالم بالقوة والإكراه , مما يتناغم بل ويفوق ما ذهب إليه بعض المسلمين من خطأ وممارسة في هذا الصدد , فقد  اخترع أو ابتدع أصحاب تلك المفاهيم المغلوطة عن مفهوم الجهاد في الإسلام ما يسمى  " جهاد الطلب " .. إي جهاد السيف .., ليبرروا ويشرعنوا به ما يعتقدون من فهم خاطئ عن الجهاد , وابتداء أقول لو أنهم قالوا " جهاد الدعوة " أو جهاد التبليغ والتعريف , لما اختلف معهم أحد , بل لوجدوا الترحيب والتأييد من كافة المسلمين , لأن الدعوة والتعريف بدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة , جهاد مقرر بدين الله ومرغب فيه , وهو المنهج الأصل والدائم للجهاد , إلا أنهم يصرون على ما ابتدعوا من مصطلح , يخدم مقاصد فهمهم الخاطئ في التعامل مع غير المسلمين , و ليكون الناس في الأرض مع المسلمين – حسب فهمهم - أمام ثلاث خيارات :

1.     إما الدخول في الإسلام ,
2.     أو الخضوع لسيادة الدولة المسلمة ودفع الجزية,
3.     أو القتال .

ولتبرير هذا الفهم وهذا الاعتقاد .. قالوا : بأن آيات السيف قد نسخت كل ماعداها من آيات الجهاد وصنوفه .. وقد استقر أمر القرآن بشأن الجهاد عندهم .. على ما تتحدث عنه بعض آيات من القرآن سموها ( آيات السيف ) مثل :
-       " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " 14 / التوبة - 9
-       " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدي وهم صاغرون " 29 / التوبة - 9
-       " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين  التوبة- 9
-       " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " 193 / البقرة-2m

أما من أين جاءت هذه التسمية " جهاد الطلب " .. ؟
 وما هو دليلها الشرعي .. ؟
 وهـل قال بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ؟
 أم هـل نطق بها أحد مـن الخلفاء الراشدين .. ؟
 وهـل وردت على لسان أحد مـن السلف الصالح .. ؟
 كل هـــذه الأسئلة لا جواب عنها عندهم .. فهم أصحاب الحق في الابتداع .. أما غيرهم فهو وما يبتدع في النار .


عدم التفريق بين حالة الحرب مع الآخر, وحالة السلم معه

وأحسب - من جهة أخرى – أن هذه المغالطة وهذا الإطلاق لعبارة " جهاد الطلب " الذي وقع به نفر من المسلمين , إنما سببه عدم التفريق بين حالة الحرب مع الآخر, وحالة السلم معه , أو حالة التعاهد أو ألموا دعة بين المسلمين وغيرهم ,

   - فحالة الحرب – لاشك - لها أحكامها وقواعدها وضوابطها وآدابها , مثلما أن لحالة السلم أحكامها وقيمها وأخلاقها وضوابطها , وقل مثل ذلك بشأن حالة المواثيق والمعاهدات والموادعات , وهذا ما حملهم على تعطيل تلك الأحكام والحالات والأحوال مع الآخر , أو اختزالها إلى حالة واحدة , واعتبار الأمة المسلمة في حالة حرب دائمة مع غيرهم , وأن الحالات الأخرى من سلم , ومواثيق , وعهود , وموادعات , لم يعد لها وجود لأن آيات السيف – بفهمهم – قد نسختها لصالح حالة الحرب الدائمة مع الآخر , وأن " الفتوحات " الإسلامية بنظرهم شاهد على ذلك ودليل قاطع على صحة ما يذهبون إليه من فهم واعتقاد !!
 مسألة " الفتوحات

 ومسألة " الفتوحات " إشكال آخر يضاف إلى إشكالات فهم هذا البعض , ولا شك أن فهم الفتوحات على أنها حملات عسكرية لنشر الإسلام بالقوة , وأن الناس مع هذه الحملات العسكرية أمام خيارات ثلاثة " إما اعتناق الإسلام , أو الجزية , أو الحرب "  يعتبر دليلاً شرعياً على فهم هؤلاء النفر من المسلمين , وأن من يعارض هذا الفهم يقع في حرج ديني كبير , ربما يخرجه من الإسلام لأنه في مثل هذه الحالة قد عارض أمراً معروف من الدين بالضرورة , وهذا أمر لاشك في غاية الخطورة لابد أن تجلى حالته وتحرر إشكاليته .

·        إذاً نحن أمام فقهين بشأن مشروعية القتال:

1.     فقه يقرر أن القتال واجب دائم لنشر الإسلام وتطهير الأرض من الكفر والكافرين وهو فقه القلة الشاذة.
2.     وفقه يقرر أن القتال واجب استثنائي دفاعي تمليه حالات الظلم أو البغي أو العدوان , وليس لنشر المسلمين أو لإزالة الكفر من الأرض.
وبداية نقول نحن مع من يقول بوجوب القتال للضرورات المشار إليها , وهي الظلم والبغي والاعتداء على المسلمين , ولا علاقة للقتال بشأن نشر الإسلام , أو في التعامل مع الكفر والكافرين , وهذا ما سنفصل فيه أثناء تناولنا لإشكالية الجهاد والقتال .

فهم فقه " الفتوحات "
أما بشأن فهم فقه " الفتوحات " الإسلامية التي كلنا نؤمن – من حيث المبدأ – بأصل نهجها ونعتز بأخلاقها وقيمها وضوابطها , ولإزالة هذه الإشكالية : أذكّر هؤلاء الأخوة – وفقني الله وإياهم لحسن الهداية والرشد – أن أول مرة تذكر فيها عبارة " فتح " في منهج الإسلام هو ما جاء في افتتاحية سورة الفتح :
" إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً " , ومن المعلوم أن سورة الفتح نزلت على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من الحديبية , بعد أن وقع عقد صلح مع قريش , التي منعته من دخول مكة معتمراً وأصرت على ذلك , وبعد أن بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرب قريش , وقد بلغهم أن قريشاً قتلت رسول رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أرسل ليفاوضهم , وكان عقد الصلح فيه من البنود القاسية على نفوس المسلمين , التي جعلهم لا يتقبلونه, ووجدوا في أنفسهم شيئاً مما جاء فيه , ولكنهم في النهاية خضعوا واستجابوا لأمر رسولهم عليه الصلاة والسلام ’ الذي أراد ذاك الصلج ورضي به , وأيده ربه فيما رضي به من صلح مع قريش, بل ووصف ما أنجزه من أمر حقن به الدماء " بالفتح المبين " .

 فالفتح إذاً في الإسلام يكون مع حقن الداء وليس مع سفكها , ومع الحكمة والتصرف الحسن , وليس مع الحمق والرعناء من القول والتصرف , والفتح يكون مع السلم والآمان , وليس مع الحروب والدمار , أما حالات الظلم , والاعتداء , والبغي , فلا تهاون , ولا تساهل معها , من أجل ذلك كانت بيعة الرضوان التي سبقت الصلح رداً على ما بلغ المسلمين من أن قريشاً قتلت عثمان بن عفان رضي الله عنه , ولما تبين لهم خلاف ذلك, وخضعت قريش لمبدأ الحوار والتصالح , فتغير المنحى من الاتجاه نحو الدخول في الحرب لرد العدوان , إلى اتباع أصل المنهج في الجهاد , وهو جهاد الكلمة والبيان , وجهاد الحجة والبرهان .

    - فالأصل في فقه الفتوحات الإسلامية هو تبليغ دين الله تعالى للناس بالحكمة والموعظة الحسنة  , وتعريفهم كذلك بقيمه ورسالته العالمية الخالدة , ولكن حين يمنع المسلمون من القيام بواجب التعريف بدينهم , ويوم يحال بينهم وبين التعريف برسالته العالمية الإنسانية , فإن الإسلام رسم للمسلمين منهجاً واضحاً في التعامل مع حالات المنع التي تواجههم في سبيل تبليغ رسالة ربهم, نوجزها كما يلي  :

1.     إن جاء المنع مقروناً بإعلان حالة الحرب على المسلمين ومباشرة القتال معهم , فالحكم واضح وجلي في مثل هذه المسألة:
  - وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ", وطبعاً مع مثل هذه الحالة تطبق كل القواعد والأعراف, وكل الجزاءات والضوابط والآداب المتعلقة بحالة الحرب,
وفق القاعدة الربانية الخالدة:
 -  " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين " 194 / البقرة

2.     وإن وقف الأمر عند حالة المنع , وعدم السماح للمسلمين بالاتصال بالناس بدون قتال أو اعتداء على المسلمين , فالحكم يكون باستخدام الحوار, والمجادلة معهم بالتي هي أحسن , مع الصبر والمصابرة , واستخدام كل الوسائل السلمية الممكنة مع الجهة الممانعة , حتى يفتح الله بينهم وبين المسلمين بالحق:

  - " فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير " 15 / الشورى

  - " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونح له مسلمون " 46 / العنكبوت

3.     وإن أتيح للمسلمين تبليغ دعوتهم , والتعريف بدينهم فالحكم مع هذه الحالة هو السلم والمودة      

" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " 8 / الممتحنة

أن كثيراً من شعوب الأرض استقبلت المسلمين بالترحاب وفضلوهم على من سواهم

وتاريخ المسلمين يؤكد أن المسلمين لم يبدؤوا أحداً بقتال , وهم يبلغون أمر دينهم للناس , بل أن كثيراً من شعوب الأرض استقبلت المسلمين بالترحاب وفضلوهم على من سواهم , ممن عرفوا بظلمهم وقهرهم للشعوب ,والأمثلة كثيرة تكاد لا تحصى , مما لا يخفي على من يعتقدون بأن القتال هو الفيصل الحاسم في علاقة المسلمين بغيرهم , وأنه الوسيلة الواجبة على الدوام في نشر الإسلام وفرضه بالقوة عليهم .

والمسلمون يؤمنون بأن نصرة المظلوم وإحقاق العدل والسلم من أعظم مقاصد الجهاد في الشريعة الإسلامية، دليل ذلك ما وقع في "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم " من " حِلف الفضول " ، حيث تعاهدت القبائل على كف الظالم ونصرة المظلوم ولو كان كافرا .

 - يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "العلاقات الدولية في الإسلام" (83) :" الإسلام ينظر إلى الرعايا الذين يُحكَمون بالظلم ويُقيدون في حرياتهم نظرة رحيمة عاطفة، ينصرهم إذا استنصروه، ويرفع عنهم نير الطغيان إن هم استعانوا به " انتهى .

نموذد لفتح الأندلس :

 في النصوص الباقية الموروثة كثير من الأدلة على أن الأندلسيين استقبلوا المسلمين استقبال الفاتحين، ومن ذلك:

يقول صاحب كتاب "أخبار مجموعة في فتح الأندلس" (ص/24) متحدثاً عن الخدمات التي قدمها بعض الإسبان لموسى بن نصير: " فلما نزل الجزيرة، قيل له: اسلك طريقه، قال: ما كنت لأسلك طريقه. قال له العلوج الأدلاء: نحن ندلك على طريق هو أشرف من طريقه، ومدائن هي أعظم خطباً من مدائنه، لم تُفتح بعد ، يفتحها الله عليك إن شاء الله " انتهى .

  -  ويقول أيضاً :  " ثم سار إلى مدينة قرمونة ، فقدَّم إليها العلوج الذين معه ، وهي مدينة ليس بالأندلس أحصن منها ، ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار ، وقد قيل له حين دنا منها : ليست تُؤخذ إلا باللطف ، فقدَّم إليها علوجاً ممن قد أمنه واستأمن إليه ، مثل " يليان " ، ولعلهم أصحاب " يليان " ، فأتوهم على حال الأفلال ، معهم السلاح ، فأدخلوهم مدينتهم ، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلاً ، وفتحوا لهم الباب ، فوثبوا على حراسه ، ودخل المسلمون قرمونة " انتهى.

  - بل إن بعض أساقفة النصارى شاركوا في مساعدة المسلمين على الفتح، منهم " أوباس " أسقف " إشبيلية " كما في كتاب "العرب لم يغزوا الأندلس" (ص/187)

  وينقل صاحب كتاب "تاريخ النصارى في الأندلس" (ص/45) عن ما جاء في سيرة القديس " سانت ثيودارد" رئيس أساقفة " أربونة " الذي عاش حوالي سنة (266هـ) أنه لما دخل المسلمون لأول مرة إلى " لانجدوك " ، انحاز اليهود إليهم ، وفتحوا لهم أبواب مدينة " طولوشة " .

-         يقول حاييم الزعفراني اليهودي في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود في المغرب" (ص/13) :
" لقد عرفت اليهودية الأندلسية في مجموعها حياة أكثر رخاء ، وأكثر اطمئناناً ، كما لم تعرفها في مكان آخر " انتهى .

ويُتَوَّجُ ما سبق بالقطع واليقين، حين نستحضر أن فتح تلك البلاد لم يستغرق إلا نحو ثلاثة سنين (92هـ - 95هـ) وصل فيها المسلمون إلى فرنسا، ولم يشارك فيه إلا بضعة آلاف من الجنود ، مما يقطع لك بأن الأمر لم يكن فتحا عسكريا بالقدر الذي كان فتحا فكريا وعقائديا، آمن فيه سكان " الأندلس " بعقيدة المسلمين، واختاروا – عن حب وطواعية – التسليم لهذا الدين الجديد، والتخلص من طغيان الكنيسة والإقطاع الذي كان سائدا قبل المسلمين،

  وقد كتب في ذلك واحد من أشهر المؤرخين الإسبان ، واسمه "ئشاغناسيو أولاغي" كتابا اشتهر في السبعينيات اسمه " الثورة الإسلامية في الغرب " ، ترجمه واختصره الأستاذ المؤرخ المحقق " إسماعيل الأمين " تحت عنوان " العرب لم يغزوا الأندلس " ، طباعة " رياض الريس للكتب والنشر " ،
   جاء في (ص/55- 66) :مع ذلك يبقى من المطلوب تفسير كيف يمكن أن تتم عملية تحويل شعوب أيبيريا المحصَّنة جغرافيا وطبيعيا بهذه السرعة ، ومن قبل حفنة ممن نسبت إليهم المعجزات ، خصوصا أن الأيبيريين والغزاة لم يكونا من أصل مشترك .

من البديهي أن جيشا من هذا النوع كان سيذوب بين الجموع إذا ما خاطر بنفسه وتوغل في عمق البلاد ، هذا فضلا عن أن الأيبيريين خلال تاريخهم الطويل لم يكونوا شعبا مسالما في مواجهة مثل هذا النوع من الأحداث ، ألم يكن من الممكن أن ينظموا حرب "العصابات" التي كانوا قد قدموا وصفتها إلى العالم بأكمله ؟!

الفهم الخطأ لعلاقة المسلمين بغيرهم

 ومن جهة أخرى يأتي هذا الفهم الخطأ لعلاقة المسلمين بغيرهم , نتيجة للفهم المغلوط للطريقة التي كانت متبعة تاريخياً في تبليغ الإسلام للناس وتعريف المجتمعات بدين الله , والتي كانت – بلا شك - طريقة تنسجم وتناسب إمكانات الناس وأعرافهم وتقاليد زمانهم , حيث كنا وكان الناس من حولنا يعيشون حالة المجتمعات المغلقة والأبواب الموصدة , وحالة الثقافات والحضارات المعزولة , والشعوب القابعة وراء القلاع والحصون , فعندما جاء الإسلام ليتحول بالناس من ثقافة العزلة والتقاطع , إلى ثقافة التعايش والتواصل , ومن نزعة القوميات المتنازعة والمتدابرة , إلى وشائج الأخوة الإنسانية والتكامل في المصالح , وحيث حمّل المسلمون واجب تبلغ هذه القيم الربانية للناس جميعاً , وجدوا أنفسهم أمام إشكالية هذه المجتمعات المغلقة والحصون الموصدة , فطرح عليهم هذا الواقع سؤالاً كبيراً وصعباً كيف الوصول إلى الناس ..؟

وكيف السبيل إلى تبليغهم هذه القيم الربانية الجديدة ..؟  فما وجدوا من بد أمام واجب التكليف الرباني العظيم إلا الخروج للناس , وفتح السبل- وهذا بفهمي – هو مصدر عبارة " فتوحات "  للوصول إليهم , وتبليغهم ما كلفوا به من ربهم , والأعذار إلى الله تعالى في تبليغ هديه للعالمين , وطبعاً فإن مثل هذا الخروج " كنتم خير أمة أخرجت للناس " للقيام بهذه المهمة الإنسانية النبيلة , وما يقف دونها من معوقات جسيمة في مثل ذاك الزمان , حيث كان على المسلمين أن يجتازوا مفاوز الصحراء ومخاطرها , وان يقتحموا سلاسل الجبال ووحشة تضاريسها , ويخوضوا غمار الأنهار والبحار مع قلة خبرتهم في التعامل معها , وعليهم أن يكونوا جاهزين للتعامل مع المعوقات البشرية مثل قطاع الطرق وعصابات القتل والنهب , التي كانت سائدة ومهيمنة في ذاك الزمان وأعرافه , فكان عليهم أما هذه المصاعب المتنوعة , أن يتجهزوا بكل ما يعينهم على مواجهتها من غذاء , وسلاح , وخبراء بالنجوم , وأدلاء جغرافيين , وهذا ما جعل البعض يفهم بأن مثل هذا الاستعداد والتهيؤ,  إنما هو نوع من الحملات العسكرية التي اعتمدها المسلمون في نهجهم , من أجل قهر المجتمعات البشرية , وفرض الإسلام عليها بالقوة , مع أن حقيقة كل ما كان من استعداد , إنما هو من  باب الأخذ بأسباب الدفاع عن النفس في وجه معوقات الطريق ومخاطره , وفي وجه عصابات القتل والنهب والمعتدين , ممن يحولون بين المسلمين وبين القيام بواجب تبليغ الإسلام وتعريف الناس بقيمه الربانية السامية بالحكمة والموعظة الحسنة .
اليوم زمن الانفتاح والتواصل بين المجتمعات

أما اليوم ونحن نعيش زمن الانفتاح والتواصل بين المجتمعات , وتغمرنا ثورة وسائل الاتصال وضخ المعلومات , وتتمتع الشعوب بحرية التنقل والتواصل على أوسع نطاق , وفتحت ويسرت للمسلمين كل أسباب الاتصال بالآخر , وكل الوسائل والتسهيلات من أجل التعريف بدينهم وثقافتهم بل وبتشجيع وعون من الآخر نفسه , والمسلمون أنفسهم أصبحوا اليوم مواطنين في ديار الآخر , وأصبحوا أصحاب مسؤوليات ونفوذ اجتماعي واقتصادي بل وسياسي في كثير من بلدان العالم , فهاهي مساجدهم ومراكزهم الإسلامية والثقافية شامخة في جميع بلدان العالم , بل أصبح لهم جامعاتهم وأكاديمياتهم ومراكز بحوثهم الخاصة بهم, التي تدرس الإسلام وتعرف به دون قيد أو شرط .

 كما أن كثيراً من الجامعات المرموقة في العالم مثل " هارفرد , وجورج تاون ,  وكمبرج , والصربون , وموسكو , وطوكيوا , وأكسفورد .. وغيرها "  تحتضن اليوم مراكز إسلامية ومساجد, وأسست في برامجها العلمية كراسي أكاديمية رسمية للدراسات الإسلامية المتنوعة .. وهاهي المؤتمرات والندوات تعقد على مدار الزمان في كافة بلدان العالم للحوار وللتعارف , ومن العجيب أن أكثر هذه المؤتمرات والملتقيات تتم بمبادرات من الآخر ويتحمل تكاليفها , وييسر للمسلمين الحضور والمشاركة للتحدث بمنتهى الحرية عن دينهم والتعريف بمقاصد رسالته , وأستطيع القول جازماً بأن المسلمين – للأسف - عاجزون كل العجز اليوم عن تلبية الفرص المتاحة للتعريف بالإسلام ورسالته العالمية , مما يتطلب أن نعيد النظر في فهمنا لفقه الزمان والمكان  , وأن نستدرك على أنفسنا وعلى نهجنا البشري ومهاراتنا, بما يؤهلنا لاغتنام الفرص وتفعيل المتاح من أجل تعريف الناس بكنوز الإسلام المحتجبة وراء خيبة طريقتنا وحماقة نهج بعضنا , حقاً إن الإسلام اليوم – وبكل حسرة وأسف -  محجوب بأهله.    .
      
وخلاصة القول لابد للمسلم أن يدرك حقيقة رسالة هذا الإسلام العظيم , وأن يلتزم المنهج السليم في التعامل مع أحكامه وقواعده وضوابطه , وأن يدرك أيضاً أن العرض القرآني لرسالة الإسلام ودين الله بعامة , جاء بحكمة الله تعالى عرضاً كونياً , إي بمعنى أن القرآن كون قائم بذاته , متداخل العوالم من الآيات والنصوص والأحداث والأحكام والآداب , تتطلب التعامل معه بعلمية وموضوعية وتدبر فائق , وذلك كله على أساس من توجيهات الهدي النبوي , وفي إطار أقوال السلف الصالح للأمة ,وذلك من أجل الإلمام السليم بإعجازه وموسوعية قيمه ودلالاته, وبغير ذلك أحسب أن  خللاً ما سيبقى قائماً في أوساط  المسلمين بشأن فهمهم لدينهم ومقاصد رسالة ربهم   العالمية الخالدة .

مقارنة بين سماحة الإسلام ودموية الغرب
وعقلاً فإنَّ مَنْ أُكرِه على شيء لا يلبث أن يتحلَّل منه إذا وجد الفرصة سانحة لذلك، بل ويُصْبِح حربًا على هذا الذي أُكره عليه...
 إلاَّ أنَّ التاريخ لم يُثبت مثل هذا؛ وإنما ثبت أن من كان يُسلم لم يتوانَ للحظة واحدة في الدفاع عن هذا الدين الذي أَسَرَ لُبَّه بكل ما يملك، وأقرب منه أن الإحصائيات الرسميَّة لَتَدُلُّ على أن عدد المسلمين في ازدياد، على الرغم من كل ما ينالهم من اضطهاد وما يتعرَّضون له من عوامل الإغراء!
ولو قمنا بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل الحروب النبويَّة -سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء- ثم قمنا بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، لوجدنا عجبًا! لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله  -وذلك على مدار عشر سنوات كاملة– 262 شهيدًا تقريبًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه  حوالي 1022 قتيلاً. [14] وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!
وحتى لا يتعلَّل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة؛ ولذا جاء عدد القتلى على هذا النحو، فإنني قمتُ بإحصاء عدد الجنود المشتركين في المعارك، ثم قمتُ بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد المقاتلين، فوجدتُ ما أذهلني! أن نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%! وبذلك تكون النسبة المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط!
إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة -بلغت خمسًا وعشرين أو سبعًا وعشرين غزوة، وثماني وثلاثين سريَّة.[15]  أي أكثر من ثلاث وستِّين معركة- لَمِنْ أصدق الأدلَّة على عدم دمويَّة الحروب في عهد رسول الله .
عدد الحروب عند غير المسلمين :
ولكي تتَّضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمتُ بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالميَّة الثانية -كمثال لحروب (الحضارات) الحديثة- فوجدتُ أن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضاريَّة بلغت 351%!!! فالأرقام لا تكذب؛ فقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي (خمسة عشر مليونًا وستمائة ألف)، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ 54.800.000 قتيل (أربعة وخمسين مليونًا وثمانمائة ألف)!! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة!
وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا -وبلا استثناء- كانت تقوم بحروب إبادة للمدنيين، وكانت تُسْقِطُ الآلاف من الأطنان من المتفجِّرات على المدن والقرى الآمنة؛ فتُبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البِنَى التحتيَّة، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب! لقد كانت كارثة إنسانيَّة بكل المقاييس.
القاعدة العامة لا إكراه في الدين

وفي قاعدة أساسيَّة صريحة بالنسبة للحريَّة الدينيَّة يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
·        وبالمقابل أين هذا الفهم والاعتقاد عند هؤلاء البعض من قول الله تعالى :

-       " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " 256 / البقرة -2
-       " لكم دينكم ولي دين " 6/ الكافرون - 109
-       " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " 272 / البقرة - 2
-       " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم  جمعًا أ فأنت تكره الناس حتى يكون مؤمنين " 99/ يونس 10
-       " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيم آتاكم " 48 / المائدة
-       " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليه وما أنا عليكم بوكيل " 108 / يونس -10
-       " فذكر إنما أنت مذكر " " لست عليهم بمسيطر " 21 ,22 / الغاشية – 88
-       " من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظًا " 80 م النساء – 4
-       " اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين * ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل * ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون " 106 , 107 , 108/الأنعام
-       " ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلاً " 54 / الإسراء – 17
-       " وما أرسلناك إلا بشيرًا ونذيرًا " 105 / الإسراء - 17
فلم يأمر الرسول والمسلمون من بعده- أحدًا باعتناق الإسلام قسرًا، كما لم يُلجئوا الناس للتظاهر به هربًا من الموت أو العذاب؛ إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المُكْرَه لا قيمة له في أحكام الآخرة، وهي التي يسعى إليها كل مسلم؟!
  - وقد جاء في سبب نزول الآية السابقة: أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصِّران قبل مبعث رسول الله ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتى تُسْلِمَا. فأبيا أن يُسلما؛ فاختصموا إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟! فأنزل الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية، فخلَّى سبيلهما[2].
وقد جعل الإسلام قضية الإيمان أو عدمه من الأمور المرتبطة بمشيئة الإنسان نفسه واقتناعه الداخلي ..
فقال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، ولفت القرآنُ نظر رسول الله  إلى هذه الحقيقة، وبيَّن له أن عليه تبليغ الدعوة فقط، وأنه لا سلطان له على تحويل الناس إلى الإسلام، فقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وقال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}[الغاشية: 22]، وقال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [الشورى: 48].  
موقف الرسول من ثمامة بن أثال تطبيقا لهذه القاعدة
وتطبيقًا لقاعدة لا إكراه في الدين فقد ثبت أن المسلمين أَسَرُوا في سرية من السرايا سيِّدَ بني حنيفة: ثمامة بن أُثال الحنفي، وهم لا يعرفونه، فأَتَوْا به إلى رسول الله  فأبقاه عنده ثلاثة أيَّام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضًا كريمًا، فيأبى ويقول: إن تسأل مالاً تُعطه، وإن تَقْتُل تَقْتُل ذا دمٍ، وإن تُنْعِم تُنْعِم على شاكر. فما كان من النبي إلاَّ أن أطلق سراحه، فانطلق ثمامة إلى نخل قريب من المسجد؛ فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، يا محمد: والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إليَّ، وإِنَّ خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟
فبشَّره رسول الله ، وأمره أن يعتمر، فلمَّا قدم مكة قال له قائل: أصبوتَ؟! فقال: لا، ولكني أسلمتُ مع رسول الله ، ولا -والله- لا يأتيكم من اليمامة حَبَّةُ حِنْطَة حتى يأذن فيها رسول الله.[16]
   فقد أسلم ثمامة بن أثال دون ضغط أو إكراه، بل إن إسلامه وُلِدَ قويًّا إلى الدرجة التي دفعته إلى مقاطعة قريش من أجل أنها تحارب رسول الله  مُضحِّيًا بذلك بثروة هائلة كانت تأتيه من تجارته معها، ومُضحِّيًا كذلك بعَلاقات اجتماعيَّة مهمَّة مع أشراف قريش.
دخول المغول للإسلام من المؤشرات على ذلك  :
حيث لم يعهد التاريخ أن يدخل الغزاة في دين المغزويين !!

   وقد أبدى توماس أرنولد استغرابه في هذا الصدد في كتابه المشهور Preaching of Islam "الدعوة إلى الإسلام" حيث قال: "… ولكن لم يكن بد من أن ينهض الإسلام من تحت أنقاض عظمته الأولى، وأطلال مجده الخالد، كما استطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين المتبربرين ويحملهم على اعتناقه، ويرجع الفضل في ذلك إلى نشاط الدعاة من المسلمين الذين كانوا يلاقون من الصعاب أشدها لمناهضة منافسين قويين، كانا يحاولان إحراز قصب السبق في ذلك المضمار، وليس هناك في تاريخ العالم نظير لذلك المشهد الغريب، وتلك المعركة الحامية التي قامت بين البوذية والمسيحية والإسلام، كل ديانة تنافس الأخرى، لتكسب قلوب أولئك الفاتحين القساة، الذين داسوا بأقدامهم رقاب أهل تلك الديانات العظيمة ذات الدعاة والمبشرين في جميع الأقطار والأقاليم".

   -  وذات يوم جاءت امرأة يهودية , تشكو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فقرها وعوزها وعجزها عن مداواة ولدها المريض , فرقّ لها الخليفة الراشد , وأخذ بيدها إلى بيت المال , وأعطاها وواساها في مرض ولدها , حتى بدا منها الرضا على وجهها ولسانها .. فقال عمر في نفسه رضي الله عنه , لعلي أزيدها إحسانًا إن دعوتها للإسلام فتسلم .. فقال لها : يا أمة الله إني أدعوك إلى الإسلام ففيه خير الدنيا والآخرة .. فقالت : أما هذه فلا يا أمير المؤمنين .. فتندم عمر على دعوتها وهو يستغل حالتها النفسية وقد أكرمها .. وكان يقول : أليس هذا من الإكراه في الدين .. ؟ وكان يردد دائمًا : يومان يؤرقان عمر .. يوم الحديبة .. ويوم قصته مع هذه المرأة .

انتشار الإسلام حديثًا دليل  على عدم انتشار الإسلام بالسيف أو العنف :
وأيسر من أن نستقصي الحروب وأسبابها في صدر الإسلام لِنَعِيَ تلك الحقيقة، أن نُلْقِيَ نظرة عامَّة على خريطة العالم في الوقت الحاضر لنعلم أن السيف لم يعمل في انتشار هذا الدين؛ فإن البلاد التي قَلَّتْ فيها حروب الإسلام هي البلاد التي يُقِيم فيها اليوم أكثر مسلمي العالم، وهي بلاد إندونيسيا والهند والصين، وسواحل القارة الإفريقية، وما يليها من سهول الصحارى الواسعة؛ فإن عدد المسلمين فيها قريب من ثلاثمائة مليون، ولم يقع فيها من الحروب بين المسلمين وأبناء تلك البلاد إلاَّ القليل الذي لا يُجْدِي في تحويل الآلاف عن دينهم بَلْهَ الملايين، ونقارن بين هذه البلاد والبلاد التي اتَّجَهَتْ إليها غزوات المسلمين لأوَّل مرَّة في صدر الدعوة الإسلاميَّة، وهي بلاد العراق والشام، فإن عدد المسلمين فيها اليوم قلَّما يَزيد على عشرة ملايين، يعيش بينهم من اختاروا البقاء على دينهم من المسيحيين واليهود والوثنيين وأشباه الوثنيين[7]!!
 -  يقول المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) وهو يتحدَّث عن سرِّ انتشار الإسلام في عهد رسول الله  وفي عصور الفتوحات من بعده: "قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفْرَض بالقوَّة، ولم ينتشر الإسلام -إذن- بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت مؤخَّرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند -التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل- ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليونَ نفس فيها،[17] ولم يكن الإسلام أقلَّ انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أيَّ جزء منها قطُّ...".[18]

فالإسلام إذن إنما غزا القلوب وأسر النفوس.. وإن كان بإمكان السيف أن يفتح أرضًا، فليس بإمكانه أن يفتح قلبًا!.














































[1]  الصفدي: الوافي بالوفيات 1/2240.
[2] رواه مسلم.
[3] ابن هشام: السيرة النبوية 2/ 411، وابن القيم: زاد المعاد 3/ 356
[4]  مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة (1780)، وأحمد (10961)، وابن حبان (4760).
[5] مُصَدِّقًا: أي جابيًا للصدقات.
[6]  محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة, ط ثالثة, سنة 1389.
[7]  سيرة ابن هشام 1/ 51.
[8]   ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/84, وابن هشام: السيرة النبوية 4/176.
[9]  تاريخ الأمم والملوك 2/ 586.
[10] المرجع السابق 587.
[11] محمد أحمد باشميل: غزوة بني قريظة, ص 243.
[12] السيرة الحلبية 2/ 347.
[13] وة بني قريظة – محمد أحمد باشميل نقلا من مقال للدكتور محمد رجب البيومي بمجلة الحج العدد 12 السنة 88
[14] اعتمدتُ في حصر الأرقام على ما ورد أوَّلاً في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، ثم على روايات كتب السيرة بعد توثيقها، كسيرة ابن هشام، وعيون الأثر، وزاد المعاد، والسيرة النبوية لابن كثير، وتاريخ الطبري، وغيرهم ( راغب السرجاني)
[15]   كثير: السيرة النبوية 4/432، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 1/125، وابن حزم: جوامع السيرة 1/16.
[16]  البخاري عن أبي هريرة: كتاب أبواب المساجد باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد (450)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المَنِّ عليه (1764) والحنطة: القمح.
[17] كان هذا في وقت كتابة غوستاف لوبون كتابه، أمَّا في عام 2008م فبلغ المسلمون في الهند 238 مليون نسمة.
[18] غوستاف لوبون: حضارة العرب ص128، 129.

0 comentarios:

Publicar un comentario