domingo, 4 de septiembre de 2016

الشبه المتعلقة بزوجات الرسول

0 comentarios
يحاول الحاقدون على الإسلام من النصارى أن يثيروا الشبهات في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمهات المؤمنين، فكيف ندحض هذه الشبهة ونلقم أصحابها الحجارة في حلوقهم؟.

وفرغ كذلك من أمر الشهوة الجنسية، ولقد غر أقواما من المستشرقين، الذين درسوا الرسول بهذه العقلية الأرضية المريضة، وقاسوه بالمقياس الذي يقيسون به العظماء من رجالهم.

فرأوا أنه تزوج تسع نسوة، فقالوا :إنه رجل شهواني ! يحسبونه من نوع من عرفوا من رجال السيف أو القلم.

    *  فنابليون مثلا الذي أكره أمة كاملة بحكومتها ووجوه شعبها على أن يكونوا (قوَّادين) له، يوصلونه إلى الفتاة البولونية[3] التي أحب، وزاد على ذلك فاضطر أبا الفتاة على أن يلزمها الإثم الذي أراده منها، وجعل استقلال بولونيا رهنا بتحقيق هذه الرغبة النجسة الفاجرة !!
وليس ذلك وزر نابليون وحده، بل إن اسكندر دوماس، وبيرون وغوت، وبودلير والعشرات من أمثالهم كانت كلها كذلك، وهذه تراجم عظمائهم، إذا بلغت في أي منها بحث أخباره الجنسية، زكمت أنفك روائح تلك الأرجاس، فجاؤوا بهذه العقلية يدرسون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلوا بقولهم عنه أنه شهواني، على جهل بعلم النفس، وجهل بتاريخ محمد، وبعد عن الحياد والنزاهة في البحث !

تاريخ شباب الرسول يكشف عفته :
إن أشد أيام الرغبة الجنسية يقظة وثورة هي السن التي بين البلوغ والخامسة والعشرين، هذه هي السن الخطرة التي ينبغي فيها على كل عاقل وعاقلة أن يحذر فيها كل ما يجر إلى المعصية من التكشف والاختلاط، ومتابعة النظر إلى المحرمات، وإدمان الفكر فيها، ولو كان الاختلاط باسم العلم أو الدرس. فأين كان محمد في هذه السن؟ وما هي حوادث صبوته؟ ولقد كان حرا، في بلد حرّ، ولو أرادها لم يمنعه منها.
   إن سيرة محمد مكشوفة للعدو والصديق، معرضة لأنظار كل ناقد، فهل ترون فيها أنه كان في هذه السن من أرباب الصبوات ومن ذوي الشهوة العارمة ومن المقبلين على المتع والملذات؟.

    فقد فكر مرة واحدة في أن يمارس بعض ما يمارس أقرانه من اللهو، فألقى الله على عينيه النوم حتى فاته ما فكر فيه. ولو أنه واقع شيئا من ذلك فهل كان يسكت عنه خصومه من المشركين، وقد كانوا حريصين على حربه وإيذائه من كل سبيل؟
 -   وتزوج وهو ابن خمس وعشرين، فهل تزوج الفتاة البكر الجميلة، أم تزوج امرأة في سن أمه أرملة في الأربعين؟ وسائر زوجاته أما كان جُلُّهن أرامل، تزوجهن زواج المصلحة؟ وقد أحل الله له أكثر من أربع، فأعطاه بذلك أكثر من باقي المسلمين. ولكنه حرمه بالمقابل حقا منحه لكل زوج، وهو حق الطلاق .
   - كما يعترف المستشرق (موير) فيقول: "فإن جميع المراجع متفقة على أن النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه كان مطبوعاً بالهدوء والدعة والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تغترف منها".

v    إضافة : أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم  من أكثر نسائه كان في أصعب مراحل الدعوة الإسلامية ؛ حيث الغزوات والبعوث والتربية واستقبال الوفود ؛ وما كان النبي r   يفرغ من غزوة حتى ينشغل بغيرها ،  أي أن الرسول الأعظم لم يكن فارغ القلب أو خالي البال ، إضافة إلى ليليه الذي كان يقضيه بين يدي ربه ، ورجل هذا حاله لا يقال أن داعي الزواج عنده هو الشهوة أو اللذة الحسية . 
v    والرجل المزواج عرفاً لا بد أن يحرص على إرضاء أزواجه وتمتيعهن بالملبس والمأكل ، وهذا لم يحصل من رسول الله   ،بل كانت حياته وبيوته وأزواجه شعاراً للزهد في الدنيا وشهواتها ، يقول توماس كارليل – أحد الفلاسفة الإنجليز - : «  ما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ، وشد ما نجور ونخطئ إذا ما حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ ، كلا فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أياً كانت ، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وسائر أموره وأحواله . »
ولكن هل القوة الجنسية عيبا :
على أن القوة الجنسية ليست عيبا، وكيف وهي مظهر الرجولة؟ وفيم تكون الرجولة إن لم تكن في هذا؟ لكن العيب، أن يحيا الرجل لها وحدها، ولا يفكر إلا فيها، وأن يطلبها من طريق الحرام.

تعدد الأزواج قد وجد في الأنبياء

  -    ذكر أحد العلماء أنه التقى بأحد المستشرقين فقال له المستشرق كيف تحترمون رجلا تزوج بتسع نسوة، فلم يشرح له العالم أسباب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد، لأن هذا قد أعماه التعصب والحقد، فقال له وهل تحترمون أنبياء التوراة؟ قال: نعم. قال وهل تحترمون داود عليه السلام؟ قال: نعم. قال وهل تحترمون سليمان عليه السلام؟ قال: نعم. قال فإن داود كان له تسع وتسعون امرأة وأكملهن مائة، وسليمان كان له 300 زوجة و 700 جارية فلم يحر جوابا وسكت الحاقد.

على أن تعدد الأزواج قد وجد في الأنبياء العظام كإبراهيم وداود ويعقوب وسليمان وغيرهم كما نص بذلك كتابكم المقدس وبالتالي كيف يصح لعاقل منكم قرأ كتابه المقدس أن يعيب ويطعن على محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين عدد من النساء ؟!

ألا يعلم المبشرون أن طعنهم على كتاب الله ونبي الله بهذه الحالة هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟! لأن البداهة تقضي بأن يقول الناس إذا كان تعدد الأزواج عيباً ينافي النبوة فالزنا الصريح والشرك والخيانة التي اثبتها كتابكم المقدس في حق نبي الله داود وسليمان الحكيم تنافي النبوة من باب أولى ومع هذا فلا يمكن للمبشرين أن يسقطوا ويطعنوا في نبوة هؤلاء الانبياء
كما يقولون أيضًا: "فرق كبير وعظيم بين عيسى وبين محمد، فرق بين من يغالب هواه ويجاهد نفسه كعيسى بن مريم وبين من يسير مع هواه ويجري وراء شهواته كمحمد"، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].

-
فما كان محمد عليه الصلاة والسلام رجلاً شهوانيًا إنما كان نبيًا إنسانيًا تزوج كما يتزوج البشر، ليكون قدوة لهم في سلوك الطريق السوي، وليس هو إلهًا ولا ابن إله كما يعتقد النصارى في نبيهم، إنما هو بشر مثلهم فضَّله الله عليهم بالوحي والرسالة، {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110].

ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه بدعًا من الرسل حتى يخالف سنتهم أو ينقض طريقتهم فالرسل الكرام قد حكى القرآن الكريم عنهم بقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد: 38]

    أولاً  : لم يعدد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زوجاته إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين.

    ثانيًا  : جميع زوجاته الطاهرات ثيبات ـ أرامل ـ ما عدا السيدة عائشة رضي الله عنها فهي بكر، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها صلى الله عليه وسلم وهي في حالة الصبا والبكارة، ومن هاتين النقطتين ندرك بكل بساطة تفاهة هذه التهمة وبطلان ذلك الادعاء الذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون.

      فلو كان المراد من الزواج الجري وراء الشهوة أو السير مع الهوى أو مجرد الاستمتاع بالنساء لتزوج في سن الشباب لا في سن الشيخوخة، ولتزوج الأبكار الشابات لا الأرامل المسنات،

- وهو القائل لجابر بن عبد الله حين جاءه وعلى وجهه أثر التطيب والنعمة: ((هل تزوجت؟)) قال: نعم، قال: ((بكرًا أم ثيبًا؟)) قال: بل ثيبًا، فقال له صلوات الله عليه: ((فهلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك)

فالرسول الكريم أشار عليه بتزوج البكر وهو عليه السلام يعرف طريق الاستمتاع وسبيل الشهوة، فهل يعقل أن يتزوج الأرامل ويترك الأبكار ويتزوج في سن الشيخوخة ويترك سن الصبا إذا كان غرضه الاستمتاع والشهوة؟!

 *     إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهجهم وأرواحهم، ولو أنه طلب الزواج لما تأخر أحد منهم عن تزويجه بمن شاء من الفتيات الأبكار الجميلات، فلماذا لم يعدد الزوجات في مقتبل العمر وريعان الشباب؟! ولماذا ترك الزواج بالأبكار وتزوج الثيبات؟! إن هذا بلا شك يدفع كل تقوُّل وافتراء ويدحض كل شبهة وبهتان
فما كان زواج الرسول بقصد الهوى أو الشهوة، وإنما كان لحكم جليلة وغايات نبيلة وأهداف سامية سوف يقر الأعداء بنبلها وجلالها ...

الزواج الأول للرسول عليه الصلاة والسلام هو الزواج العادي القائم على الحب والوفاء :
زواجه من خديجة بنت خويلد رَضِيَ اللَّهُ عَنْها :
وهي أول أزواجه عليه الصلاة والسلام ، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت ، وأولاده كلهم منها إلا إبراهيم .
عقد البخاري رحمه الله باباً في صحيحه فقال : بَاب تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ وَفَضْلِهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وروى فيه حديثا عن عائشة رضي الله قَالَتْ : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ ( أي : ماتت ) قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ) رواه البخاري (3815) .
هل كان النبي طامعًا في مال خديجة؟

من بين أشهر الافتراءات حول زواج الرسول عليه الصلاة والسلام من السيدة خديجة رضى الله عنها، أن يكون المال هو المحرك الرئيسى في زواج بين شاب فقير وأرملة كهلة مات عنها زوجان من بنى مخزوم، وتركا لها ثروة ذات شأن.
أليست «خديجة» ثرية، متقدمة في السن، وهو عامل شاب وسيم فقير يقوم على تجارتها هو إذن - فيما يزعمون - تزوجها طامعًا، وأخلص لها في حياتها، حتى إذا ماتت انطلق على سجيته في طلب النساء، لا يجد في ذلك مانعًا ولا رادعًا.
إن دعوة خديجة جاءت محمدًا وهو يجر كلمات مريرة سمعها من عمه أبى طالب حين خطب إليه ابنته أم هانئ، فرده لفقره وزوجها لذى مال، واستشعر محمد ذلة الفقر ومهانته، فما كاد يسمع رغبة خديجة في الزواج منه حتى أقبل متلهفًا على الثراء يداوى به جرح كرامته التي أهدرها فقره، وفق ما يزعم المستشرق الإنجليزى مرجيلوث.

   يذكر كتاب «سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» لمحمد بن يوسف الصالحى الشامى، وهو من مؤرخى القرن العاشر الهجرى، أن النبى عليه الصلاة والسلام خطب ابنة عمه أم هانئ بنت أبى طالب قبل زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد، لكن أبو طالب اعتذر منه وزوجها من هبيرة بن أبى وهب المخزومى، وعلل ذلك بتزويج مخزوم بعض نسائهم لبنى هاشم، وأنه رد للجميل.

ويذكر نفس الكتاب أن الرسول تقدم لخطبة «أم هانئ» مرة أخرى بعد إسلامها وانفصالها عن هبيرة بن أبى وهب، لكنها اعتذرت بسبب كبر سنها ولرعاية أولادها.

     -  هنا تظهر الدكتورة عائشة عبدالرحمن: «ما كان مال خديجة هو الذي جذب محمدًا وجعله يتجاوز عما بينه وبينها من  فرق السن، وإنما جذبه إليها جمال شخصيتها، ودماثة طبعها، ولطف سجاياها».

     -  هذه الفرية في نظر نظمى لوقا بغير أساس من أولها.. لقد طلبت خديجة محمدًا قبل أن يطلبها، هي سعت إلى الزواج من محمد قبل أن يسعى هو إليها.
كان في وسع «محمد» وهو عاملها على التجارة أن يستغل الظروف للتودد إليها كى يستميل قلبها ويضمن قبولها إياه زوجًا على فقره الشديد وثرائها العريض.
لو فعل ذلك لجاز أن تقول طامع وصول استغل الفرصة كى يبيع شبابه ويثرى، لكنه عليه السلام فعل نقيض ذلك على خط مستقيم.
·        عاد إليها من الشام بربح وفير، وأدى إليها الأمانة كاملة، وأخذ نصيبه ثم انزوى بعيدًا عنها، إلى أن جاءه رسولها يعرض عليه الزواج منها.

·        يذهب نظمى لوقا إلى أنه لم يكن من أمر الرسول بعد زواجه من السيدة خديجة ما يدل على إسرافه في مالها، كما يفعل النفعيون الذين يتزوجون العجائز الثريات.
·        لم يعمد عليه الصلاة والسلام إلى البذخ في مظهره، بل كان متواضعًا عفيفًا وزاد زهده، وصار يقضى الكثير من وقته صائمًا معتزلًا للناس وحده في الجبل.
·        كانت السيدة خديجة تخرج للبحث عنه كما تبحث الأم عن ابن لها أقلقها طول غيابه وتحمل إليه الطعام، لقد زاد محمد بالزواج من الكهلة عفة واستقامة وزهدًا، وزاد بالزواج من الثرية زهدًا وابتعادًا على ملذات الحياة.
هل توقف المستشرقون عند هذا الحد؟

v    أعجب ما تحدث به أعداء النبى أن وفاءه لخديجة كان نابعًا من تهيب لمركزها المالى والاجتماعى، وخوفًا من أن تطالبه بالطلاق.

    -  تسأل الدكتورة عائشة: «فيم إذن كان وفاؤه لها بعد موتها؟.. وهل كان صلى الله عليه وسلم يخاف أن تطالبه بالطلاق وهو يخاصم عائشة فيما بعد وفاتها بسنتين، ويأبى أن تمس ذكراها؟».

لقد كانت خديجة ملء حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام حيًا وميتًا، وما جاوزت «عائشة» الحق حين قالت لزوجها: «كأن لم يكن في الدنيا امرأة سواها».

·        وبعد وفاة خديجة :

    - حزن النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة لما توفيت حتى سمى هذا العام عام الحزن حتى أشفق عليه أصحابه، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم زوج عبد الله بن مظعون تحثه على الزواج، فقال لها من بعد خديجة؟ قالت: عائشة بنت أبي بكر وهو أحب الناس إليك. قال: ولكنها صغيرة، قالت: الصغيرة تنضج، قال: ومن لبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تنضج قالت: سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو توفي عنها بعدما عاد من الهجرة إلى الحبشة وتركها بين أهله المشركين، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما سمع الناس بأمر هذا الزواج أيقنوا أنه إنما ضمها رفقا بحالها وشفقة عليها وحفظا لإسلامها، لأنها كانت مسنة غير ذات جمال ولا مطمع للرجال فيها، وأبقى عليها زوجة واحدة مدة أربع سنوات حتى كبرت عائشة، وهذا دليل على أن التعدد الذي حدث بعد الرابعة والخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن لشهوة ولا للذة وإنما لأسباب إنسانية وسياسة حكيمة ولأمور تشريعية.
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من النبوة[1]
ثم بعدها ظهرت حاجة الرسول والدعوته إلى تعدد الزوجات لحكم نذكرها فيما يلي :

الحكمة التعليمية :
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هي تخريج بعض معلمات للنساء يعلمهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصيف المجتمع، وقد فرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.
    وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن كأحكام الحيض والنفاس والجنابة والأمور الزوجية وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل، كما كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل،
    وكان كما تروي كتب السنة أشد حياءً من العذراء في خدرها، فما كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض عليه من جهة النساء بالصراحة الكاملة بل كان يكني في بعض الأحيان ولربما لم تفهم المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام.
    -  تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فعلّمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل ثم قال لها: ((خذي فرصة ممسكة ـ أي قطعة من القطن بها أثر الطيب ـ فتطهري بها)) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: ((تطهري بها)) قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها: ((سبحان الله تطهري بها))، قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا وتتبعي بها أثر الدم. وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه، فكان صلوات الله عليه وسلم يستحي من مثل هذا التصريح.
وهكذا كان القليل أيضًا من النساء من تستطيع أن تتغلب على نفسها وعلى حيائها فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها، نأخذ مثلاً لذلك حديث أم سلمة المروي في الصحيحين وفيه تقول: جاءت أم سُليم ـ زوج أبي طلحة ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا رأت الماء)) فقالت أم سلمة: لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله: ((إذًا فيم يشبهها الولد؟)).
مراده عليه السلام أن الجنين يتولد من ماء الرجل وماء المرأة، ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهكذا كما قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان: 2].
  - قال ابن كثير رحمه الله: "أمشاج أي أخلاط والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس: يعني ماء الرجل وماء المرأة، إذا اجتمعا واختلطا..."
وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات، ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (رحم الله نساء الأنصار؛ ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين، وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن وعن طريقهن تفقه النساء في دين الله.
ثم إنه من المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هي تشمل قوله وفعله وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله عليه السلام في المنزل غير هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله، فكن أمهات للمؤمنين، وزوجات لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟!
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره وأفعاله المنزلية عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هديه عليه السلام، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.

ثانيًا: الحكمة التشريعية:
ونتحدث الآن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة...
إبطال التبني بزواج النبي من زينب بنت جحش :
   * ونضرب لذلك مثلاً بدعة التبني التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب في جميع الأحوال؛ في الميراث والطلاق والزواج ومحرمات المصاهرة ومحرمات النكاح إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه، وكان دينًا تقليديًا متبعًا في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له: "أنت ابني، أرثك وترثني"، وما كان الإسلام ليقرهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجاهلة، فمهد لذلك بأن ألهم رسوله عليه السلام أن يتبنى أحد الأبناء ـ وكان ذلك قبل البعثة النبوية ـ فتبنى عليه السلام زيد بن حارثة على عادة العرب قبل الإسلام...
 -  روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت زيد بن شراحبيل)).
وقد زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بن جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه؛ لأنه كان عبدًا مملوكًا قبل أن يتبناه الرسول وهي ذات حسب ونسب.
   - ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها..
  * ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَـاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37].
وهكذا انتهى حكم التبني، وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية، وكانت دينًا تقليديًا لا محيد عنه ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الإلهي الجديد {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} [الأحزاب: 40].
ثالثًا: الحكمة الاجتماعية:
أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية، وهذه تظهر بوضوح في :
1.  تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه، وزيره الأول.
لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدرًا لديه ألا وهو أبو بكر الصديق الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدم نفسه وروحه وماله في سبيل نصرة دين الله والذود عن رسوله وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام
   -  حتى قال عليه السلام كما في الترمذي مشيدًا بفضل أبي بكر: ((ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، وما عرضت الإسلام على أحد إلا تردد ما عدا أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى)).
فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم مكافأة لأبي بكر في الدنيا أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق.
2.  ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه..
كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر، فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه وصدقه وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما بل أعظم مكافأة ومنة ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف فما أجل سياسته، وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين.
وكان زواجه منها رغبة من أبيها عمر :
توفى عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمى وهو صحابى جليل من أصحاب الهجرتين - إلى الحبشة ثم إلى المدينة - ذلك بعد جراحة أصابته فى غزوة أُحد حيث فارق الحياة وأصبحت حفصة بنت عمر بن الخطاب أرملة وهى شابة.

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ( أي : مات زوجها خنيس ) وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ ، فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا .[2]
3.  ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العدد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق وجعل القلوب تلتف حوله وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
4. كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربعة هم أعظم أصحابه وخلفاؤه من بعده في نشر ملته وإقامة دعوته فما أجلها من حكمة وما أكرمها من نظرة.

الحكمة الخيرية :
·        زواجه صلى الله عليه وسلم من الكثير أرامل وذوي الحاجات وضمهن إليه والإحسان اليهنتربية للمسلمين على فعل الخير وتحصينا لهن وإعانة ورعاية وسترا منا كان الحال مع :
1.       أم سلمة هند بن زاد الراكب[3] أرملة عبد الله بن عبد الأسد ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد في أعقاب أحد، وقد خطبها أبو بكر وعمر فأبت، فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذرت أنها غيورة، وأنها امرأة ذات عيال، وأنها مسنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنك مسنة فأنا أسن منك، وأما الغيرة فسيذهبها الله عنك، وأما عيالك فإلى الله ورسوله، وتم الزواج، وكونه تقدم إليها بعد رفض صاحبيه دليل على انتفاء الشهوة في هذا الزواج أي كان المقصود منه حماية أرامل الشهداء، ورعاية أولادهن.

  - روى مسلم (918) عن أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ) . قَالَتْ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وفي رواية : ( فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ : مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا ، قَالَتْ : فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
2.     زينب بنت خزيمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة . [4]
-       و كانت أرملة عبيدة بنت الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: الحكمة السياسية:
   لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
     أولاً: تزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك، فتزوجها فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا ـ أي أنهم في الأسر ـ فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم...
   - فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعًا ودخلوا في دين الله وأصبحوا من المؤمنين، فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها لأنه كان سببًا لإسلامهم وعتقهم  وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.
    - أخرج البخاري في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهمًا فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، فجاءت إلى الرسول فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، وقد كاتبني ثابت على تسع أواق فأعني على فكاكي فقال عليه السلام: ((أو خير من ذلك؟)) فقالت: ما هو؟ فقال: ((أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)) فقالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله: ((قد فعلت)) وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟ فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبي بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزوجه عليه السلام بنت سيد قومه.
    ثانيًا: وكذلك تزوجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حيي بن أخطب التي أسرت بعد قتل زوجها في غزوة خيبر، ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرضوا الأمر على الرسول الكريم فدعاها وخيرها بين أمرين:
 أ ـ  إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.
 ب ـ  وإما أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها.

فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة له، وذلك لما رأته من جلالة قدره وعظمته وحسن معاملته، وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس.
    - روي أن صفية رضي الله عنها لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله، فقالت يا رسول الله: إن الله يقول في كتابه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، فقال لها الرسول الكريم: اختاري فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك، فقالت: يا رسول الله: لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي، فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.

ثالثًا: وكذلك تزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك وألد الأعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسلمت ابنته في مكة ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فرارًا بدينها، وهناك مات زوجها، فبقيت وحيدة فريدة لا معين لها ولا أنيس، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها، فأبلغها النجاشي ذلك فسرت سرورًا لا يعرف مقداره إلا الله سبحانه؛
  - روى أبو داود ( 2107 ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلافٍ ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ .[5]
   لأنها لو رجعت إلى أبيها أو أهلها لأجبروها على الكفر والردة أو عذبوها عذابًا شديدًا، وقد أصدقها عنه أربعمائة دينار مع هدايا نفيسة، ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولما بلغ أبا سفيان الخبر أقر ذلك الزواج وقال: "هو الفحل لا يقدع أنفه"، فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له إلى أن هداه الله تعالى للإسلام...
    *  ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان، فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين سيما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة مع أن أبا سفيان كان وقت ذاك من ألد بني أمية خصومة لرسول الله ومن أشدهم عداء له وللمسلمين، فكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته كما أنه صلى الله عليه وسلم اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها فما أكرمها من سياسة وما أجلها من حكمة.
خاتمة جامعة :
الناظر لزواج النبي عليه الصلاة والسلام  وطبيعة النسوة اللاتي تزوجهن يضيف رصيداً واضحاً لعظمته وكماله البشري ، فبعض هؤلاء النسوة كان أصلهن من أهل الكتابين كمارية القبطية ، وصفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود ،   ،ودواعي العداوة بين أهلها وبين النبي عليه الصلاة والسلام    معلومة فحيي بن أخطب والد صفية كان العدو اللدود للإسلام بين اليهود وكان النبي عليه الصلاة والسلام   سببا في قتله في غزوة بني قريظة  ، إضافة إلى أم حبيبة التي كانت بنت سيد قريش وعدو الرسالة الأول. فهؤلاء النسوة بالرغم من طبيعة أصلهن ودواعي العداوة مع صاحب الرسالة عشن في بيت النبوة مخلصات لزوجهن ، ولم يجدن منه بادرة تشكك في نبوته ، وكن مدافعات عن رسالته بعد وفاته وقطعن كل أواصر العاطفة مع أقرب الناس إليهن لأجله ، وأصدق مثال على ذلك موقف أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان عندما جاء ليجدد العهد مع رسول الله بعدما نقضته قريش فدخل على ابنته ، فلما أراد أن يجلس على فراش النبي    طوته عنه ، فقال : أرغبت به عني ، فقالت هو فراش رسول الله عليه الصلاة والسلام  ، وأنت مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس عليه . فهذه القصة وغيرها تشير صراحة إلى أن نساء النبي  عليه الصلاة والسلام  كن يرين في علاقة الرسول معهن أنها امتداد لرسالته ومعالمها ، ومثلاً أعلى في أداء الواجبات البيتية مع ما يحمله من أعباء عظيمة للرسالة الخارجية ، فنجاحه في هذا الشأن وتأليفه لقلوب أزواجه بما يعزز إخلاصهن للرسالة مع اختلاف بيئاتهن وملابسات ثقافاتهن ودواعي العداوة للرسالة عند بعضهن في بداية عهدهن معه لهو أكبر دليل على كمال شأن الرسول ووفور رحمته التي لا تليق إلا برسول .   

شبهة زواج النبي من زينب :
بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها ، أثار هذا الزواج أحاديث همز و لمز و أقاويل كثيرة من قبل المشركين والمنافقين - فقد قالوا : تزوج محمد حليلة ابنه زيد بعد أن طلقها...
    - كما وأن للمستشرقين و من شايعهم في العصر الحاضر ، أحاديث في هذا الموضوع ، فاتخذوا من هذه الحادثة ذريعة للطعن في رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و لما كان هذا الأمر من الخطورة بمكان لتعلقه بأشرف خلق الله على الإطلاق - و كان كل من يطلق لسانه في هذا الصدد يقول : لسنا نبتدع شيئاً ، فها هي كتب التفسير و كتب السير تحكي ذلك - ، لذا سأقوم الآن بعرض تلك الروايات التي اعتمدوا عليها رواية رواية ، متبعاً كل رواية منها ببيان ما وجّه لأسانيدها من نقد ، ثم أتبع ذلك بنقدها جميعاً من جهة متونها ، و موقف الأئمة المحققين من هذه الروايات .
 - يقول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله ، و تخفي في نفسك ما الله مبديه ، و تخشى الناس والله أحق أن تخشاه ، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً } [الأحزاب/37].
سبب طلاق زيد لزينب :
إن السبب في طلاق زيد لزينب ومن ثم زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها ؛ هو ما كان بين زيد و بين زينب من خلافات ، و أنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما ، فطلقها بمحض اختياره و رغبته ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ، و قد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلق زينب ، و أنه ستكون زوجة له ، و أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي هذا و يخشى من مقولة الناس ، أنه تزوج مطلقة من كان يدعى إليه ، فعاتبه ربه على ذلك .[6]
خلاصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون
    خلاصة ما جاء في كتب التفسير والتي استدل بها المستشرقون أن هناك سبباً آخر لطلاق زينب ، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زينب فجأة و هي في ثياب المنزل فأعجبته ، و وقع في قلبه حبها ، فتكلم بكلام يفهم منه ذلك ، إذ سمعه زيد فبادر إلى طلاقها تحقيقاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أن زيداً شاوره في طلاقها ، و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ، لكن في قلبه ضد هذا ، و أنه كان راغباً في طلاق زيد لها ليتزوجها ، و فوق ذلك فقد أقر الله رسوله على ما فعل ، بل عاتبه لِمَ يخفي هذا والله سيبديه .
    و رغم شناعة ما جاء في هذه الروايات ، و هذا الفهم للآية الكريمة التي تتحدث عن طلاق زيد لزينب و زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها ، إلا أنه قد جاز على أئمة فضلاء ، ففسروا به الآية الكريمة ، وأثبتوا ذلك صراحة في كتبهم وتفاسيرهم .
    ومن هؤلاء الأئمة :
-       ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان (22/12) ، عند تفسيره الآية ولم يذكر غيره .
-       و منهم : الرازي في تفسيره (13/184) ، حيث ذكر نحواً من كلام ابن جرير .
-        ومنهم : ابن القيم في كتابه الجواب الكافي (ص 247) ، حيث ذكره في معرض سوقه لحكايات في عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام .
-       ومنهم : الزمخشري في تفسيره (3/262) .

·        وأحسن ما يعتذر به عن هؤلاء الأئمة وأتباعهم ممن ذهب يفسر الآية بهذا ، أنهم عدوا هذا منه صلى الله عليه وسلم من عوارض البشرية ، كالغضب والنسيان ، و لكنهم لم يستحضروا شناعة هذا التفسير للآية ، و نسبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لم يدققوا في الروايات التي وصلتهم من جهة أسانيدها و متونها كما فعل غيرهم ، ونحن نسأل الله أن يثيبهم على اجتهادهم وأن يغفر لهم .
نقد بعض الروايات لا كلها :
1.     الرواية الأولى :
   - ذكرها ابن سعد في طبقاته (8/101) و من طريقه ساقها ابن جرير في تاريخه (3/161) : قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة يطلبه ، و كان زيد إنما يقال له : زيد بن محمد ، فربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول : أين زيد ؟ فجاء منزله يطلبه ، فلم يجده ، و تقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فُضُلاً أي وهي لابسة ثياب نومها - ، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقالت : ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل ، و إنما عجلت أن تلبس لما قيل لها : رسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب فوثبت عجلى ، فأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فولى و هو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا : سبحان مصرّف القلوب ، فجاء زيد إلى منزله ، فأخبرته امرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله ، فقال زيد : ألا قلت له أن يدخل ؟ قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى ، قال : فسمعت شيئاً ؟ قالت : سمعته يقول حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه ، و سمعته يقول : سبحان الله العظيم ، سبحان مصرف القلوب ، فجاء زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت ؟ بأبي وأمي يا رسول الله ، لعل زينب أعجبتك فأفارقها ، فيقول رسول الله : أمسك عليك زوجك ، فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم ، فيأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره ، فيقول رسول الله : أمسك عليك زوجك ، فيقول : يا رسول الله أفارقها ، فيقول رسول الله : احبس عليك زوجك ، ففارقها زيد واعتزلها و حلت يعني انقضت عدتها قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة ، إلى أن أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم غشية ، فسري عنه و هو يبتسم و هو يقول : من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء ؟ وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك ..} الآية ، القصة كلها .
·        وإسناد هذه الرواية فيه علل ثلاث ، واحدة منها تكفي لرد هذه الرواية :
     -  العلة الأولى : أنها مرسلة ، فمحمد بن يحيى بن حبان تابعي ، يروي عن الصحابة ، و يروي أيضاً عن التابعين ، كعمر بن سليم و الأعرج ، و غيرهما ، (ت 121 هـ ) و عمره ( 74 سنة ) ، فهو لم يدرك القصة قطعاً و لم يذكر من حدثه بها التهذيب (9/507-508 ) .
    -  العلة الثانية : عبد الله بن عامر الأسلمي ، ضعيف بالاتفاق ، بل قال فيه البخاري : ذاهب الحديث ، و قال أبو حاتم : متروك . التهذيب (5/275) ، و ميزان الاعتدال (2/448) .
    - العلة الثالثة : محمد بن عمر ، و هو الواقدي ، إخباري كثير الرواية ، لكنه متروك الحديث ، ورماه جماعة من الأئمة بالكذب و وضع الحديث . ميزان الاعتدال (3/664) .

2.     الرواية الثانية :
 -  ذكرها ابن جرير في تفسيره (22/13 ) قال : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش بنت عمته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشفت و هي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وقع ذلك كرهت الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : مالك ؟ أرابك منها شيء ؟ قال : لا ، والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فذلك قول الله تعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } ، تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها .
·        و هذه الرواية فيها علتان :
-  العلة الأولى : أنها معضلة ، فابن زيد و هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ليس بصحابي ولا تابعي ، فقد سقط من الإسناد راويان أو أكثر .
-   العلة الثانية : أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هذا ضعيف باتفاق المحدثين ، بل صرح بعضهم بأنه متروك الحديث
    -  قال البخاري وأبو حاتم : ضعفه علي بن المديني جداً ، وقال أبو حاتم : كان في الحديث واهياً .
    -  و جاء عن الشافعي أنه قال : قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت و صلت خلف المقام ركعتين ؟ قال : نعم . !!  و لهذا لما ذكر رجل لمالك حديثاً منقطعاً قال له : اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح .
  و أقوال الأئمة في تضعيفه كثيرة ، و هو رجل صالح في نفسه لكنه شغل بالعبادة والتقشف عن حفظ الحديث فضعف جداً . التهذيب (6/178) .
3.     -  الرواية الثالثة :
 -  ذكرها أحمد في مسنده (3/149-150) ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا ثابت عن أنس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته زينب ، وكأنه دخله لا أدري من قول حماد أو في الحديث فجاء زيد يشكوها إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، قال : فنزلت { واتق الله و تخفي في نفسك ما الله مبديه } إلى قوله { زوجناكها } يعني زينب .
 -  مؤمل بن إسماعيل قواه بعض الأئمة ، و وصفه أكثرهم بأنه كثير الخطأ يروي المناكير ، قال يعقوب بن سفيان : حديثه لا يشبه حديث أصحابه ، و قد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه ، و هذا أشد ، فلوا كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً .
 -  و قال محمد بن نصر المروزي : المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف و يتثبت فيه ، لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط . التهذيب (10/381) .
 -   و حديثه هذا قد رواه جماعة من الثقات من أصحاب حماد فلم يذكروا أول الحديث ، وإنما ذكروا مجيء زيد يشكوا زينب ، و قول النبي صلى الله عليه وسلم له ، و نزول الآية . البخاري (برقم 7420) والترمذي ( برقم 3212) والنسائي ( برقم 11407) .

·        و بعد أن تبين ضعف هذه الروايات و سقوطها من جهة أسانيدها ، فلننظر فيها من جهة متونها وما فيها من اضطراب و نكارة ، من عدة وجوه :-
1. الوجه الأول : تناقض الروايات المذكورة ، ففي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار زيد بن حارثة و هو غائب فاستقبلته زينب ، و في بعضها أن زيداً كان مريضاً ، فزاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم جالساً هو و زيد و زينب ، فكيف يكون زيد غائباً و مريضاً في فراشه في وقت واحد .؟!
    2.  الوجه الثاني : والروايات التي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار زيداً اختلفت في كيفية رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لزينب رضي الله عنها ، فرواية تقول بأنه كان واقفاً بالباب فخرجت إليه ، و رواية بأنه كان واقفاً بباب زيد فرفعت الريح ستر الشعر فرآها فأعجبته .
   3.  الوجه الثالث : تتفق الروايات على أن إعجاب النبي صلى الله عليه وسلم بزينب و وقوع حبها في قلبه جاء متأخراً ، أي بعد أن تزوجها زيد رضي الله عنه ، و هذا شيء عجيب ، فلقد ولدت زينب و رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاوز الثانية عشرة من عمره ، و شبت وترعرعت أمامه ، فهي ابنة عمته ، ألم يلحظ مفاتنها إلا متأخراً ، و بعد أن صارت زوجة لدعيّه ، و هو الذي زوجها له ، والحجاب لم ينزل بعد ، فقد نزل صبيحة عرسها ، ألا يكون شاهدها ، فلوا كان يهواها أو وقعت في قلبه لما منعه شيء من زواجها ، فإشارة منه صلى الله عليه وسلم كافية لأن يقدموها له ، بل قد ورد أنه وهبت نفسها له . أنظر كلام ابن العربي حول هذا الوجه في كتابه أحكام القرآن (3/1543) .

4.  الوجه الرابع : لو افترضنا جدلاً أن حبها وقع في قلبه صلى الله عليه وسلم متأخراً بعد رؤيته لها عند زيد بن حارثة ، فبأي شيء يمكن تفسير ما صدر منه صلى الله عليه وسلم و فهم منه زيد و زينب أنها وقعت في قلبه ، سواء كان ذلك تسبيحاً أو طأطأة للرأس ، أو غير ذلك ؟! كيف ذلك و هو الذي نهى عن أن يخبب الرجل امرأة غيره عليه ؟ أفيعمل ما قد نهى أمته عنه ؟!
  - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا ) أبو داود ( برقم 5170) بسند صحيح .
·        و فوق ذلك كله كيف يعاتبه الله كما تقول هذه الروايات لأنه أخفى ذلك عن الناس و لم يعلن أنه يحب زوجة زيد ، وأنه يود لو طلقها ليتزوجها ؟ تَصَوّرٌ مثل هذا كاف في ظهور بطلان هذه الروايات .
5.   الوجه الخامس : هذه الروايات التي فسروا بها الآية لو لم يرد غيرها لم يصح أن يفسر بها كتاب الله تعالى ، لسقوطها إسناداً ومتناً ، فكيف و قد وردت روايات أخرى في تفسير الآية تفسيراً منطقياً لا إشكال فيه ولا نكارة ، فالذي يخفيه صلى الله عليه وسلم هو ما أعلمه ربه أنه ستصبح زوجة له ، و الذي يخشاه هو مقولة الناس إنه تزوج حليلة من كان يدعى إليه .
   والغريب في الأمر أن بعض المفسرين ترك هذه الروايات الصحيحة و التي لا مطعن فيها ، و ذكر تلك الروايات الشاذة الغريبة ، و منهم من لم يذكرها لكنه ذهب يفسر الآيات على ضوئها .

مواقف بعض الأئمة المحققين من المفسرين وغيرهم الذي وقفوا أمام هذه الروايات
-  قال ابن العربي بعد أن ذكر ملخص هذه الروايات ، و بين عصمة النبي صلى الله عليه وسلم : هذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد . أحكام القرآن (3/1543) .
-  قال القرطبي بعد أن ذكر التفسير الصحيح لما كان يخفيه صلى الله عليه وسلم ، و ما الذي كان يخشاه من الناس : و هذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، و هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي و غيرهم . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد و ربما أطلق بعض المُجّان لفظ عشق فهذا إنما صدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . الجامع لأحكام القرآن (14/191) .
-  وقال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات الصحيحة : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هاهنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها ، و قد روى الإمام أحمد هاهنا أيضاً حديثاً من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه فيه غرابة تركنا سياقه أيضاً . تفسير القرآن العظيم (3/491) .
-  يقول الشيخ محمد رشيد رضا : وللقصاص في هذه القصة كلام لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول ، و يجب صيانة النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الترهات التي نسبت إليه زوراً و بهتاناً . محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ص 275)
 *   و خلاصة الأمر ..
كان زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة من العام الخامس الهجري و هي بنت خمس و ثلاثين . ابن سعد في الطبقات (8/114) .
 -  وروى البخاري في صحيحه ( برقم 7420) : أن زيداً جاء يشكوا زوجته ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قالت عائشة : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً ، لكتم هذه ، فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : زوجكن أهاليكن ، و زوجني الله من فوق سبع سماوات . 
شبهة الزواج من عائشة :

يروِّج النصارى لهذه الشبهة؛ طعنًا في عفة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وتشكيكًا في طهارته، يقولون:

إن هذا الزواج هو زواج شهواني جمع بين الكهولة والطفولة، وإذا سقطت طهارة مُبلِّغ هذا الدين سقطت عفة وطهارة الدين الذي أُرسل به.

وهذه الشبهة حديثة نسبيًّا، فرغم تهجمهم المتواصل على الإسلام لم ينتقدوا أبداً النبي -صلى الله عليه وسلم- لزواجه من السيدة عائشة، بل كانوا ينتقدونه بسبب تعدد الزوجات، حتى جاء ما يسمى بعصر النهضة بمفاهيمه الحديثة فأضافوا هذه الشبهة التي تتلاءم مع توجهاتهم الثقافية!!

ولا تتوقف أهداف النصارى من هذه الشبهة عند محاولة تشكيك المسلمين في أكمل البشر وسيدها فقط، بل عندهم ما هو أهم وأولى، ألا وهو صدّ أبناء دينهم عن الدخول في هذا الدين بتشويه صورة مُبلِّغه صلى الله عليه وسلم، ومحاولة إبعاد النظر عن فضائح كتابهم المقدس الجنسية، فهم يعملون بمبدأ: "رمتني بدائها وانسلت"!!.

·        وهي شبهة واهية لعدة أسباب:

من الخطأ مقارنة حوادث التاريخ ومعطياته بمنظور الواقع ومعطياته المختلفة :
وهنا يجب التنبيه إلى أن المحرضين الذين استغلوا هذا الزواج للنيل من محمد صلى الله عليه وسلم، اعتمدواعلى جهل الناس بتفاصيله الدقيقة، وعلى كسب تعاطف الغربيين مع عائشة التي صوروها كأنها فتاة أمريكية في القرن الواحد والعشرين حرمت التمتع ببراءة طفولتها، في حين أن الأمر مختلف تماما عن ذلك. إذ لا يعقل اعتمادالطفلة الأمريكية أو الغربية في القرن الواحد والعشرين كمقياس للحكم وبناء المواقف عن الطفلة الشرقية والعربية قبل 1400 سنة، فهذا غير منطقي أبدا لأنه سيسبب سوء فهم لواقع الحال في ذلك الزمن وبالتالي حكما خاطئا.
وإن كان هؤلاء النقاد يريدون أن يتزوج نبي الإسلام منذ 14 قرنا على الطريقة الأمريكية أو الغربية في القرن الواحد والعشرين فذلك شأنهم وحدهم، ولا يمكنهم في جميع الأحوال فرض مبادئهم على أجيال سبقتهم بمئات السنين ولا يعقل أن يحكموا على هذه الأجيال القديمة وفق مبادئ لم يعيشوها ولم يؤمنوا بها ولم يشاركوا في تأسيسها، ولا يجب أن ننسى أن هؤلاء النقاد عندما نقدوا زواج نبي الإسلام من عائشة لم يقارنوه بواقع الحال في كثير من الدول الغربية والمسيحية بعد مئات السنين ولا بالديانة اليهودية التي تسمح بزواج الطفلة عندما تتجاوز الثالثة بيوم واحد. الأمر الذي يبين عدم مصداقية هؤلاء النقاد وينزه نبي الإسلام عن ما تبثه أقلامهم السامة.


1.     لم يكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول الخاطبين لها، بل كانت مخطوبة "لجبير بن المطعم"، مما يدل على اكتمال النضج والأنوثة عندها، أو ظهور علاماتهما.-
2.     زواج النبي محمد بعائشة فلم يكن فكرته وإنما كان فكرة واقتراحا من امرأة تدعى خولة بنت حكيم

أما زواج النبي محمد بعائشة فلم يكن فكرته وإنما كان فكرة واقتراحا من امرأة تدعى خولة بنت حكيم، لتوكيد وتقوية الصلة مع أحب الناس إلى نبي الإسلام وهو أبو بكر الصديق والد عائشة وذلك برابط المصاهرة! وأبو بكر الصديق كان من الأركان التي قام عليها الإسلام وكان أقرب المقربين إلى النبي الكريم وهو أول الخلفاء الراشدين بعد وفاة النبي.

ولا يجب هنا أن نغفل نقطة هامة في زواج النبي بعائشة، فقيام امرأة باقتراح فكرة هذا الزواج دليل كافٍ على أن مثل ذلك الزواج كان مجاريا للعرف والعادات في ذلك المجتمع وأن المرأة في ذلك الزمن لم تكن ترى فيه انتهاكا لحقوقها أو سلبا لإرادتها كما تروج لذلك بعض الأقلام السامة.

3.     ولو كان النبي الكريم يريد المتعة لما تزوج في سن الخامسة والعشرين من خديجة التي تكبره بخمسة عشر سنة ولم يتزوج عليها حتى مماتها.

4.     ولو كان هدفه المتعة لما تزوج بعد وفاتها بعجوز في الثمانين وهي سودة بنت زمعة العامرية التي توفي زوجها فأراد النبي أن يجبر خاطرها ويؤنس وحشتها ويكون بذلك قدوة لبقية المسلمين فيتعلموا منه الإحسان للأرامل.

5.     من المعروف طبيًّا أن البلوغ في المناطق الحارة يكون أسرع منه في المناطق الأقل حرارة. وقد يصل سن البلوغ عند الفتيات في المناطق الحارة إلى 8 أو 9 سنوات.
   - كما تقول الدكتورة "دوشني" -وهي طبيبة أمريكية-: "إن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة، والفتاة ذات الأصل الإفريقي عند السادسة. ومن الثابت طبيًّا أيضًا أن أول حيضة والمعروفة باسم (المينارك menarche) تقع بين سن التاسعة والخامسة عشرة".

6.     تزوج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعائشة، وهي بنت ست أو سبع سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات، ففي الصحيحين -واللفظ لمسلم-: عن الأسود عن عائشة قالت: «تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي بنت ست، وبنى بها، وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة»، فلماذا انتظر ثلاث سنوات كاملة ليدخل بها؟!
هذا دليل على أنه لم يدخل بها أو يجامعها أبدًا، وهي غير قادرة أو مؤهَّلة لذلك.

7.     أن زواج الرجل من فتاة صغيرة ليس بدعًا في ذلك العصر، ولا في العصور التالية له، خاصة في البلاد التي تقوم على النظام القَبَلِيّ، ولا أدلّ على ذلك من زواج "عبد المطلب" الشيخ الكبير في السن من "هالة" بنت عمّ "آمنة" في اليوم الذي تزوّج فيه "عبد الله" أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة، وهي آمنة بنت وهب.

8.     ألم تكن قريش أَوْلَى بالطعن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان ما فعله بالزواج من عائشة مستهجنًا في هذا الوقت، وهم الذين يعادونه ويسعون للقضاء عليه وإبعاد الناس عن الانخراط في دعوته، وينتظرون له زلة أو سقطة ليشنِّعوا عليه.
فمن أعظم الأدلة والبراهين على أن الزواج بعائشة كان أمرًا طبيعيًّا من الناحية الاجتماعية ولا عيب فيه، إقرار كفار قريش به وعدم التعرض له، مع حرصهم على رميه بكل بهتان ليس موجود فيه أصلاً مثل قولهم: شاعر أو مجنون.

9.     كانت عائشة -رضي الله عنها- في تلك السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً، وأشد استعدادًا لتلقي العلم. فزوجات الحبيب المصطفى كنّ كبيرات في السن، ولا شك أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وهناك الكثير من الأمور الدينية الخاصة بالنساء، أو بعلاقة الرجل بزوجته وأهل بيته، والتي تحتاج لحافظة واعية تستطيع أن تبلِّغ هذا العلم لغيرها، وهذا ما حدث منها رضي الله عنها.

-  ويظهر ذلك جليًّا في قول الإمام الزُهري: "لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل"، ويقول عطاء بن أبي رباح: "كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة".
زواج الصغيرات في الكتاب المقدس:
كما لا يفوتني في معرض الحديث عن زواج الأنبياء في سن كبيرة بفتيات عذارى أن أذكر ما يقوله الكتاب المقدس نفسه عن النبي داوود، الذي شاخ في السن وأصابه البرد فلم يدفأ رغم محاولات تدفئته بكثرة الثياب.

  - يقول سفر الملوك الأول، الإصحاح الأول الفقرات 1-3:  "و شاخ الملك داود وتقدم في الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ، فقال له عبيده ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء فلتقف أمام الملك ولتكن لها حاضنة ولتضطجع في حضنك فيدفأ سيدنا الملك، ففتشوا على فتاة جميلة في جميع تخوم إسرائيل فوجدوا ابيشج الشونمية فجاءوا بها إلى الملك".
وكم يسهل الاستنتاج، من هذا الاقتباس، أن النبي داود في عمر متقدمة جدا، بل هو شيخ هرم أصابه البرد ولكن مع ذلك بحثوا له عن فتاة عذراء تصغره بعشرات السنين لتدفئه! والواضح أن هذه الآيات تحمل معاني جنسية؛فهي تتحدث عن تدفئة النبي داوود بواسطة فتاة جميلة تحضنه وتضطجع في حضنه ليدفأ، حسب تعبير الآيات!

   * وأشد ما يدعو للعجب هو رفض النصارى لزواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان عمرها 9 سنوات وعمره يربو على الخمسين، في حين لا يرون غضاضة أن تكن مريم العذراء مخطوبة ليوسف النجار، وهي ابنة 12 عامًا، وهو يزيد عن التسعين، أي أن الفارق بينهما كان أكثر من ثمان وسبعين سنة، كما ذكرت الموسوعة الكاثوليكية.
كما لا يوجد في كتابهم "المقدس" عبارة واحدة تحرِّم زواج الفتيات في سن التاسعة، أو حتى جملة واحدة تحدد فيها سن الزواج.

-  ألم يتزوج عندكم آحاز وهو ابن 10 سنين، وأنجب وهو ابن 11 سنة، فقد ورد في 2 ملوك 2:16: «كان آحاز ابن عشرين سنة حين ملك، وملك 16 سنة في أورشليم.

من الناحية العلمية والاجتماعية :

التوافق الجنسي لا يزال منخفضا في مناطق عديدة

وبعيدا عن عادات أوروبا القرون الوسطى وبالعودة إلى الزمن المعاصر أي بعد 14 قرنا من زواج نبي الإسلام بعائشة سنجد أن سن التوافق الجنسي لا يزال منخفضا في مناطق عديدة . لقد أوردت منظمة أفورت  AVERTوهي منظمة خيرية عالمية تهتم بمرض متلازمة فيروس نقص المناعة البشرية HIV/AIDS ومقرها المملكة المتحدة والتي تعمل من أجل تجنب هذا المرض عبر كافة أنحاء العالم، أوردت في جدول مفصل على موقعها الالكتروني يتعلق بسن التوافق الجنسي عبر العالم ، وهو السن القانوني للسماح بممارسة الجنس في دول العالم، أي السن الذي تعتبره الدول والحكومات مقبولا من اجل القيام بالعلاقة الجنسية. وتقول ‘أفورت’:
 أنه يمكن لليابانيين أن يمارسوا الجنس ممارس قانونية في سن الثالثة عشر وفي الأرجنتين يسمح بممارسة الجنس في سن الثالثة عشر، وأما في كندا وحتى سنة 1890 كانت السن المسموح بها هي الثانية عشرة، والشيء نفسه في المكسيك، فالسن المسموح بها لممارسة الجنس هي الثانية عشر ، وفي بنما والفلبين يمكن للأشخاص ممارسة الجنس في سن الثانية عشر وفي إسبانيا  وقبرص  وكوريا الجنوبية في سن الثالثة عشر، وأما في بوليفيا فإن سن التوافق الجنسي محددة بسن البلوغ.[7]

هذه البلدان المختلفة تختلف باختلاف المناطق والخلفيات الثقافية

 يمكننا كذلك ملاحظة أن هذه البلدان المختلفة تختلف باختلاف المناطق والخلفيات الثقافية وتسمح بممارسة الجنس في سن مبكرة، إذا فلماذا يرفض بعض الأشخاص احترام خيار أمة عاشت قبل 14 قرنا؟ إنه ليس من الممكن ولا من الواقعي إجبار أمم أخرى على إتباع الفكر الغربي أو الأمريكي فيما يتعلق بما هو مقبول أو مرفوض! وخاصة قبل 14 قرنا،
 وحسب الجدول نفسه على الموقع الالكتروني لمنظمة ‘أفورت’، فإن السن القانونية للتوافق الجنسي يختلف من ولاية  إلى أخرى داخل أمريكا نفسها، فالسن المسموح بها في ولاية إيوا وميسوري وكارولاينا الجنوبية هو الرابعة عشر وأما في ولاية أريزونا وكاليفورنيا وداكوتا الشمالية وأوريغون وتينيسي وويسكنسون فالسن المسموح به  لا يقل عن الثامنة عشر.[8]

   -  تجدر الإشارة هنا أنه في الغرب نفسه تحركت جهات عدة من أجل معارضة رفع سن التوافق الجنسي ) the age of consentí، ففي كندا مثلا تعمل هذه الجهات على مراسلة أعضاء البرلمان عن طريق الانترنت ومطالبتهم برفض هذا المشروع منبهين من آثاره الخطيرة  وجاء في إحدى هذه الرسائل :
   "إلى عضو البرلمان العزيز، إنني أكتب لكم لأعبر عن موقفي تجاه السن المتزايدة للتوافق الجنسي والذي تزايد في كندا من سن الرابعةعشر إلى سن السادسة عشر...إن سن التوافق الجنسي المتزايدة هي انتقال تراجعي وخطير ويمكن له أن يعرض الشباب إلى خطر ممارسة رغباتهم بعيدا عن الأنظار.”

·        لقد كان سن التوافق الجنسي في إحدى الولايات الأمريكية سبع سنوات وهذا منذ ما يقارب 120 سنة فقط من وقتنا هذا ! وهذا ما لا يعرفه الغربيون ولهذا فإن العديد منهم يلومون الإسلام والمسلمين وينتقدونهم بسبب زواج النبي بعائشة وهي في سن التاسعة قبل 1400 سنة.

·        وعلى كل حال حدثت في زمننا المعاصر وفي بداية القرن الواحد والعشرين زيجات مبكرة في أوروبا نفسها،

      - ففي رومانيا مثلا، حيث السن القانونية للزواج هي 16 سنة، تزوجت الطفلة أميرة 'روما غيسبي' (the roma     gypsy princess)  آنّا ماريا (ana maria ) ذات الإثني عشر؟ ربيعا بالطفل بيريتا ميهاي (birita mihai) ذو الخمس عشرسنة. وقد قال roma king florin cioaba والد العروس للصحفيين:
" حقيقة فإن هذا اليوم هو يوم سعيد بالنسبة للبيت الملكي، أحد أسعد أيام حياتي ...إنه من الأفضل أن يتزوج الأطفال في سن مبكرة ". وقال فاسيل إيونسكو من مركز روما للسياسات العامة:" إن زواج الأميرة لم يكن بالقوة " وأضاف : " إنها قرة عين الملك ولن يقوم بأي شيء ضد رغبتها. يجب أن نحافظ على تقاليدنا من أجل الحفاظ على سلامة هويتنا وكذا من أجل البقاء. يعد أمرا لا أخلاقيا وخطيرا أن نقوم بحضر العادات والتقاليد وليس لأحد الحق في فعل ذلك".





[1] ، طبقات ابن سعد من طريق الواقدي 8/52-53 ، وابن كثير في البداية والنهاية 3/149 .
[2] رواه البخاري ( 4005 ) .
[3]  فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد الراكب ؛ إذ كان لا يرافقه أحد فى سفر إلا كفاه زاده.
[4]  طبقات ابن سعد 8/115 .
[5]  صححه الألباني .
[6] انظر : جامع البيان للطبري (22/11) و تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/489) ، و انظر البخاري ( برقم 4787) .
[7] http://www.avert.org/age-of-consent.htm
[8] http://www.ageofconsent.com/comments/numberone.htm

0 comentarios:

Publicar un comentario