domingo, 4 de septiembre de 2016

جماع أخلاقه عليه الصلاة والسلام

0 comentarios
إنما أنا بشر :
يجري عليه ما يجري على البشر :
فهو - صلَّى الله عليه وسلَّم، قبل النبوة وبعدها - بشرٌ ممَّن خلق الله، يجوز في حقِّه ما يجوز في حقِّ البشر، ويُصيبه ما يُصيبهم؛ لكن في حدود دائرة (العِصمة) وما يجب لها، وبذلك تحقَّقت "المثالية" في سيرته العَطرة، وتجسَّد "الكمال البشري" في أرقى صُورِه وحالاته.
فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِثل بقية البشر: يأكل، ويتزوَّج، ويمشي في الأسواق، ويغضب ويَرْضى، ويُحبُّ ويكره، وينام ويموت، ومع ذلك فهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كلِّ حالاته هذه نبيٌّ يُوحَى إليه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110].
لو كان ملكا لانتفى به الاقتداء :
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لو كان "مَلَكًا"، لانتَفتْ إمكانيةُ الاقتداء به، ولانتفت معها أيضًا إمكانيةُ تطبيق القِيَم التي يدعو إليها؛ لكن جاءتْ بشريَّتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لتكونَ شاهدَ صِدقٍ على إمكانية تجسيد هذه القِيم المطلقة التي يدعو إليها في عالَم الواقع والحياة...
-  وقد احتجَّ الكفَّار - لجهلهم وغفلتهم - على كونِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشرًا مثلهم، وراحوا يُردِّدون حُجَجَهم  الواهية بأنَّ الرسول لا بدَّ أن يكون مَلَكًا، أو على الأقلِّ ينزل معه مَلَك يُؤيِّد دعوته، ويُعزِّز حُجَّته، ويبلِّغ معه؛
 - وقد حكى الله – سبحانه – في القرآن ذلك عنهم في قوله: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 33 - 34]،
- وقوله: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7].
فجاء القرآن حاسمًا في الردِّ عليهم، وبيَّن الله - سبحانه - أنَّه لو أنزل مَلَكًا إلى عباده لأنزلَه في صورة بَشَر؛ حتى يتمكَّنوا من مخاطبته، والأخذِ عنه، والاقتداء به.
·         فلو كان الرسول مَلَكًا، لَمَا كان محلاًّ للقدوة والاتِّباع؛ لأنَّهم - أي: الكفار - سيقولون ساعتَها: إنَّ الرسول الذي أُمروا باتِّباعه والاقتداء به، له قُدراتٌ ومَلَكَات ليست لهم، وبالتالي فهو يستطيع أن يفعلَ أمورًا ليس بمقدورهم أن يَبْلغوها،
وقد ردَّ الله عليهم حُجَّتهم بقوله - تعالى -: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 8 - 9].
    * وكما قال بعضُ المفسرين: لو أنزل اللهُ   مَلَكًا ثم لم يؤمنوا، لعجَّل لهم العذاب.
وصف الرسول بالكمال الخُلقي :
إن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ أقصى غاية الكمال البشري فهو أتقى البشر وأعلمهم بالله، كما في حديث البخاري: إن أتقاكم وأعلمكم بالله لأنا.
-  وقد وصفه أنس في حديث الصحيحين بقوله: كان أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس.
    وقد زكى الله أخلاقه صلى الله عليه وسلم في قوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم: 5}.
  - وقال صاحب كتاب إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين: كل من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل صفات الكمال البشري من حسن الخلق ورجاحة العقل وسلامة الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلاغة اللسان.
فلم يصفه ربنا بكونه عبقريا عظيما أو سياسيا عظيما، ولا مخترعا عظيما ولا فيلسوفا عظيما وإنما ذا خلق عظيم
وربما كان بعض الناس في مرتبة النبي في حنكة الحرب أو التجارة أو أمور الدنيا ولكنه لا يمكن المقارنة بينه وبين أحد أحد في عظمة الأخلاق والفضائل .
وإن حضارة اليوم لأحوج إلى معجزة الخلق من أي عجيبة أخرى لفساد القيم وضياع الأخلاق . فالبشر الذي اكتشف الذرة يعجز أن يكتشف الحب والرحمة والذي صعد إلى القمر والأفلاك يصعب عليه فهم التواضع واللين والحلم والقلب الواسع .
إن حسن الأدب والأخلاق راجع إلى عظمة المؤدب وخبرته
فكيف إذا علمنا أن من خلف تربية الرسول وتأديبه هو الله تعالى نفسه بجلال قدره:
  فما جاء مثلا في آيات عبس : فقد ذكر ابن هشام في سيرته مبينا سبب نزولها: ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ـ وقد طمع في إسلامه ـ فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم ـ الأعمى ـ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه، فأنزل الله تعالى فيه: عبس وتولى أن جاءه الأعمى ـ إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا التصرف من النبي صلى الله عليه وسلم حصل اجتهادا منه بسبب حرصه على هداية الوليد، وأن هذا التصرف لم يقع فيه تلفظ بما يسيء لابن أم مكتوم، وإنما كان منه كراهية لمجيء ابن أم مكتوم في هذا الوقت، وقد حصل بسببها مجرد تصرف انفعالي تظهر ملامحه على الوجه ولا يراه الأعمى،
ومع ذلك لم يقره الله تعالى، بل أدبه في ذلك الشأن بالآيات الكريمة السابقة فظهر بذلك رعاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وتسديده .
هذه الأخلاق لهي أكبر معجزة دالة على صدق الرسول وعظمته :
وأنا أعجب[1] لماذا حاول المتأخرون من مؤلفي السيرة الاستكثار من المعجزات، والتوسع فيها، وإضافة معجزات لم تكن، وما حاجتهم إليها؟ وكل موقف من سيرة الرسول، وكل جانب من شخصيته، هو معجزة من أكبر المعجزات.
·        وما المعجزة؟ أليست الأمر الذي يعجز الناس عن مثله؟!

الشخصية المتوازنة والأخلاق الكاملة للرسول صلى الله عليه وسلم
ما بين المتغيرات والظروف الخارجية والمبادئ الداخلية :
في تلون الناس عن مبادئهم أمام المساومات والإغراءات والإكراهات وثبات الرسول الأعظم  :
فرغم الإكراهات ورغم المساومات ورغم المضايقات لم تلن له قناة وهنا تكمن العظمة :

إن قريشا عرضوا عليه ما شاء من أموالهم إن شاء الغنى، وعرضوا عليه السلطان والأمارة عليهم إن شاء الجاه، ولم يتركوا شيئا مما يعلمون ميل النفوس إليه، وتعلقها به، إلا بذلوه له، ليترك دعوته. فكان يأبى عليهم ما عرضوه، راثياً لهم مشفقا عليهم.
مانع من رقابة ولا من عرف، ولقد كان أمثاله من الشباب غارقين في هذه الملذات، لا يحرمها عليهم دين ولا قانون.

   - قال أحد فلاسفة الغرب : "إنني أشك أن أي إنسان لا يتغير رغم التغيرات الكبيرة في ظروفه الخارجية ، كما لم يتغير محمد، لكي يلائم ويوافق هذه التغيرات ر. ف. ك بودلي في " جريدة الرسول " لندن سنة 1946 ص 6

أخلاق قرآنية لا كسروية ولا هرقلية

لنجعل مقارنة بين أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وثباتها وقد فتح الله عليه في الحكم والقيادة والسيادة وما بين أحوال المتمكنين والمقادة أو العظماء !
ما بين فخامة الملوك وعجرفتهم وهيلمانهم وتواضعه صلى الله عليه وسلم :

وعندما أحدق النبي ﷺ بجيوشه ليفتح مكة قام أبو سفيان إلَى جانب العباس عم النبي ﷺ؛ ينظران إلَى المجاهدين من المسلمين تتقدمهم الأعلام الكثيرة، وكان أبو سفيان لا يزال علَى ما كان عليه من المخالفة للإسلام؛ فراعه ما رأى من كثرة جموع المسلمين، ومَن انضوى إليهم من القبائل المسلمة، وإنهم يزحفون علَى بَطْحاء مكة كالسَّيل الجارف، لا يصده صاد ولا يمنعه شيء؛ فقال لصاحبه: يا عباس؛ إن ابن أخيك أصبح مَلِكًا عظيمًا ! فأجابه العباس ـ وهو يرى غير الَّذِي يراه أبو سفيان ـ : ليس هذا من المُلْك في شيء يا أبا سفيان؛ هذِهِ نبوة ورِسالة.

فقد اجتمعت له إمكانات الملك والسلطان ودانت له الأوطان  كلها يصرِّف الأمر فيها كما يشاء، وهو مع ذلك؛ متواضع في نفسه يرَى أنه لا يملك من الأمر شيئًا وأن الأمر كله بيد رَبه.

وعَدي الطائي ـ وهو ابن حاتم الذائع الصيت، الَّذِي تُضرَب به الأمثال في الجود والسَّخَاء ـ كان سيد طَيء، وحضر مجلس الرسول ﷺ ذات يوم وهو لا يزال علَى المسيحية؛ فشاهد إعظام الصحابة للرسول، وعليهم عدّة الجهاد من الأسلحة واللَّامة للدفاع؛ فاشتبه عليه أمر النُّبوة بأمر السُّلطان؛ وتساءل في نفسه: أهذا مَلِك الملوك أم رسول من رُسُل الله ؟
    وفيما هو كذلك؛ جاءت إلَى النبي ﷺ امرأة فقيرة[2] من إماء المدينة وقالت له: أُريد يا رسول الله أن أُسِرَّ إليك شيئًا؛ فقال لها: انظري في أي سِكَك المدينة شئتِ أخلو لك؛ ثم نهض معها وقضى لها حاجتها. فلما رأى ابن حاتم الطائي هذا التواضع العظيم من الرسول العظيم وهو بين أصحابه في مِثل عظمة المَلِك؛ انجلى عنه ظلام الباطل، وتبين له الحق واضحًا، وأيقن أن هذا الأمر من رِسالات الله؛ فعمد إلَى صليبه فنزعه عنه ودخل مع أصحاب رسول الله ﷺ في نور الإسلام.

  -   وكانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فتنطلق به حيث [البخاري].

  -  يقول عبد اللَّهِ بن أَبِي أَوْفَى في نعته :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ [النسائي].
  -   ومن صور تواضعه  صلى الله عليه وسلم : أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَ عَنْهَا،فَقَالُوا مَاتَت. قَالَ:«أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» ؟ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا فَقَالَ : «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها»، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ :«إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» ، فجاء قبرَها فصلى عليها [البخاري ومسلم].
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ، قَالَ :أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ رَجُلٌ ، فَكَلَّمَهُ ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.
نفاق القادة والساسة وتفضيلهم من حولهم وظلمهم ومواقف الرسول الثابتة العادلة حتى مع أقرب الناس اليه :
لننظرْ - أيضًا - كيف كان مَسْلكُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين الرعية؟ وكيف كان عَدلُه فيهم؟ وهل كان عندَه محاباةٌ لقريب أو لصَدِيق مثلما نفعل نحن البشر؟

لو اتُّهِمَت فتاة من أشرف الأُسر – من أسرة كبيرة أو وزير – بتهمة السرقة، أترونها تسجن كما تُسجن (نورية[2])، لو كانت هي السارقة، وينفذ فيها حكم القانون كما ينفذ في تلك النورية، أم تمتد إلى قضيتها مئة إصبع، فتستر الجرم، أو تسهل المحاكمة، أو تهون العقاب؟

 -   لقد وقعت قضية كهذه على عهد الرسول. فتاة من أشرف أسر قريش، من بني مخزوم، من أسرة الوليد الذي يقال له الوحيد، أسرة خالد سيد قواد المعارك، وهي ثالث أسرة شرفا بعد هاشم وأمية، سرقت هذه الفتاة، وثبت الجرم، وتقرر الحكم، فسعى ناس في الوساطة لها، يظنون أن الرسول – لما يعرفون من حبه للصفح والعفو – سيعفو، فإذا هو يغضب ويفهمهم أنما أهلك من كان قبلهم، أنهم إذا اجترم الشريف تركوه، وإذا اجترم الضعيف عاقبوه.
ويقول لهم قولته العجيبة التي وطدت في حياة الإسلام ركنا ثابتا، وقررت أن الحدود لا تسمع فيها شفاعة، ولا يكون فيها عفو: "أما والله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها".

في الساعة الَّتِي تتصوره فيها فاتحًا للبلاد ظافرًا بالأمم! وإنه ليضطجع علَى حصير له من خوص، ويتكئ علَى وِسادة حَشوها من لِيف، حينما يخطر علَى بالنا أن ندعوه بسلطان العرب، وننادي به مَلِكًا علَى بلاد العرب! ويكون أهل بيته في فاقَة وشدة عَقِب استقباله الأموال العظيمة آتية إليه من أنحاء الجزيرة العربية؛ فتكون في فناء مسجده أكوامًا، وتأتيه بِنته وفلذة كبده فاطمة تشكو إليه ما تكابده من حمل القِرْبة والطَّحْن بالرَّحَى؛ حتى مُجَّت يداها، وأثرت القِرْبة في جسمها، والرسول يومئذ يقسِّم بين المسلمين ما أفاء الله عليهم من عبيد الحرب وإمائها؛ فلا تنال بِنته من ذلك إلَّا دعاؤه لها بكلمات يعلِّمها كيف تدعو بها ربها !

      ويومَ بدرٍ يوم مَّر يعدل الصفوف قبل المعركة، وفي يده قدح (قطعة من الخشب)، فوجد سواد بن غزية بارزاً من الصف،  فدفعه بالقدح في بطنه وقال: "اعتدل يا سواد".
قال؛ "يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل". تصوروا هذه المشهدة، قائد الجيش يجابهه جندي عادي بهذا الكلام، ماذا ترونه صانعا به؟
يؤدبه؟ يعرض عنه؟ أو تبلغ به سماحة الصدر ونبالة الطبع، فيسامحه ويعفو عنه؟ أو يزيد على الغاية فيقول: "عفوا أنا أعتذر اليك"؟!.
أما رسول الله فقد صنع شيئاً لا يصنعه أحد، ولا يخطر على بال أحد، كشف له عن بطنه وأعطاه القدح، وقال له: "استقد ! "، أي: أوجعني كما أوجعتك.
أقاد من نفسه وهو سيد البشر!...هكذا كان محمد !

ما بين بذخهم وإسرافهم وزهد رسول الله وورعه .
     وتراه في غنى عظيم تأتيه الإبل موقرة بالخزائن إلَى عاصمته ، ويبقى مع ذلك محتاجًا ولا توقَد في بيته نار لطعام في الأيام الطوال، وكثيرًا ما يطوي علَى الجوع!

وجاءه ذات يوم صاحبه عمر؛ فأجال بصره في الحُجرة؛ فلم يجد إلَّا حصيرًا من خوص قد اضطجع الرسول عليه وأثر في جَنبه، وكل ما في البيت صاع من شعير في وعاء، وعلى مقربة منه شِنّ معلَّق علَى وَتد ! هذا كل ما كان يملك رسول الله يوم دان له نصف العرب ! فلما رأى عمر ذلك؛ لم يتمالك نفسه من دموع تذرفها عيناه؛ فسأله رسول الله ﷺ: ما يبكيك يا عمر ؟ فقال: وما لي لا أبكي؟! إن قَيْصَر وكِسْرى يتمتعان بالدنيا وينعَّمان بنعيمها، وإن رسول الله ﷺ لا يملك إلَّا ما أرَى ! فقال له الرسول ـ سلام الله عليه ـ : أمَا ترضى يا عمر أن يكون ذلك نصيب كِسْرَى وقَيْصَر من نعيم الدنيا، وتكون لنا الآخرة خالصة من دون الناس ؟!

      جاءه مرةً من البحرين ذهب وفضة وأموال جمّة؛ فأمر بوضع ذلك كله في فناء المسجد، ثم غدا علَى الناس يصلِّي بهم الصبح دون أن تقع عينه علَى ذلك المال في الجهة الَّتِي وُضِع فيها؛ فلما انصرف من الصلاة دعا الناس وطَفِق يوزِّع المال عليهم؛ حتى فرغ منه؛ فقام ينفض يديه وثوبه؛ لئلا يكون عَلِق بثوبه الطاهر شيء من غبار ذلك المال !.

    وجاءه من فدَك أربعة جمال موقرة بالطعام؛ فقضَى به بعض ديونه، وآتى منه بعض الناس، ثم سأل بلالًا: هل بقي من ذلك الطعام شيء ؟ فأجابه بلال: لقد بقي منه شيء وليس هاهنا مَن يأخذ ! فقال ﷺ: لا أدخل بيتي ما بقي منه شيء ! وبات تلك الليلة في المسجد. فلما أصبح بشَّره بلال قائلًا: إن الله قد وَضَعَ عنك؛ يعني: أنّ بقية الطعام قد قُسِّمت ولم يبقَ منه شيء؛ فشكر الله.

     ودخل بيتَه ذات يوم بعد صلاة العصر علَى غير عادته، ولم يلبَث أن خرج منه؛ فاستغرب الناس ذلك؛ فقال لهم: إني تذكرت في الصلاة أن في بيتي شذرَة من الذَّهَب؛ فخشيتُ أن يجيء الليل وهي في بيت محمد !
ودخل بيته ذات يوم حزينًا كئيبًا؛ فسُئِلَ عن ذلك؛ فقال: يا أُمّ سلمة؛ إن ما جاءنا من الدنانير السبعة قد بقي في الفراش وقد حان المساء !

   ومما يدلّ علَى زُهْده ﷺ في الدنيا ومتاعها: أن الرسول ﷺ مرض مرضه الَّذِي  تُوفيَ فيه، وكان يتقلّب علَى فراشه مِن شد المرض؛ فتذكّر وهو في هذِهِ الحالة أن في بيته دنانير؛ فأمر أن يُتصدّق بها؛ وقال: أيلقى محمد رَبّه وقد خلَّف في بيته دنانير ؟!

وأنه عاش حياة الفقر زهداً في الغنى لا عجزاً عنه، ولو شاء لكان قصره أفخم من إيوان كسرى ودارة قيصر. ولكنه اختار الآخرة فكانت دور نسائه جميعا، نسائه التسع، لا يتجاوز طولها كلها[7] خمسة وعشرين متراً.
وكان منزل عائشة غرفة واحدة مبنية من اللبن  والطين، وكانت من الضيق بحيث أنها لم تكن تتسع لنومها وصلاته، فكان إذا سجد دفع رجلها ليسجد في مكانها، أما طعامه فقد حدثت عائشة أنه كان يمر الشهر والشهران، ولا يوقد في بيت رسول الله نار ليخبز عليها الخبز. قالوا: "فماذا كنتم تأكلون؟".
قالت: "التمر والماء"          
                                                            هذا هو طعام أسرة رسول الله !

ما بين انغماسهم في الدنيا وزهرتها وضياعه للآخرة وبين عبادة الرسول وتبتله .
إنه إنسان يهمه أمر العالم كله، وهو مع ذلك؛ مُتبتِّل إلَى الله، منقطع عن الدنيا؛ فهو في الدنيا وليس فيها، لأن قلبه لا يتعلق إلَّا بالله وبما يرضي الله تعالى .
فهو صلى الله عليه وسلم أصدق الناس في طاعة الله والتذلل له والخضوع له سبحانه، بمعنى أنه أفعلهم للطاعات وأتركهم للنواهي،
   - "عن عائشة رضيَ الله عنها أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله: تدركني الصلاة وأنا جنب أفأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم" فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي"، ولا تقف طويلا عند قوله صلى الله عليه وسلم: (لأرجو)، فإنما عبر هنا بالرجاء من باب التواضع وخفض الجناح
ما بين طيشهم وبطشهم وانتقامهم على أعدائهم وحلمه وصفحه وسعة صدره :
إنَّنا إذا أردنا أن نعرِف بإيجاز: كيف كانت سيرةُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مظهرًا وتجليًّا للكمال البشري، فلننظرْ - مثلاً - كيف كان يغضب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ومتى كان يغضب؟ وهل كان يَستِبدُّ به غضبُه، فيفعل ما لا يَليق بمقام النُّبوَّة؟
- أمَّا كيف كان يغضب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ومتى كان يغضب؟ فيكفي أن نعرف أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يكن ينتقمُ لنفسه قطُّ، ولم يكن يغضبُ إلاَّ إذا انتُهِكتْ حُرماتُ الله، وكان إذا غضب لا يقول إلاَّ صِدقًا، ولا يفعل إلاَّ عدلاً، وحين وجَّه بعضُ الصَّحابة اللَّومَ لعبدالله بن عمرو؛ لأنَّه كان يكتب كلَّ ما يسمعه من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقالوا له: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتكلَّم في الغضب، فلا تكتب كلَّ ما تسمع، فسأل عبدُالله بن عمرو النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك، فقال له النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اكتبْ، فوالذي نفسي بيده، ما خَرجَ من بينهما إلا حقٌّ))؛ يعني: من شفتيه الكريمتين؛ رواه أبو داود.

   نجده محبًّا للسلام مُؤْثِرًا للصُّلْح؛ ويوقِّع شروط الهدنة علَى القرطاس بقلب مطمئن وجأش هادئ، ومعه ألوف من أصحابه كل منهم شجاع باسل وصاحب حماسة وحميّة تملأ جوانحه.
ونشاهده بطلًا شجاعًا يصمُد وحده لآلاف من أعدائه غير مكترِث بكثرتهم. وهو مع ذلك؛ رقيق القلب، رحيم رؤوف، متعفِّف عن سَفْك قطرة دم.
له. لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه، وكان يدعو لعدُوِّه بالخير، ويريد لهم الخير، لكنه لا يعفو عن أعداء الله ولا يتركهم، ولا يزال يُنذِر الَّذِين قد صَدُّوا عن سبيل الله ويوعدهم عذاب جهنم.

   أحواله مع الاعراب ونزقهم وتفاهتهم ...
وجُفَاة الْأَعْرَاب من حديثي العهد بالإسلام الذين أساء بعضهم الأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد صبر وحلم على جفائهم وغلظتهم معه, بل وأحسن إليهم، فكان مثالا للمعلم والمربي الذي يدرك أحوالهم, وطبيعة بيئتهم وحياتهم المتصفة بالشدة والقسوة، فكان يبين لهم برفق، ويعاملهم بحكمة على قدر عقولهم وتفكيرهم وطبيعتهم، بل اتسع حلمه عليهم حتى جاوز العدل إلى الإحسان إليهم، فكان بهم رحيماً، ولهم محسنا ومصلحاً .
    -  وعن محمَّد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنه: ( بينما يسير هو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقفله (رجوعه) من حنين، فَعَلِقَهُ (تبعه) الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة (شجرة)، فخطفت رداءه، فوقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه (شجر له شوك) نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا ) رواه البخاري .
  - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه ـ قال : ( فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال : فقلت: والله لأخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصِرف (صبغ أحمر)، ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!، قال : ثم قال : يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا ) رواه مسلم .
      *  يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد تعليقا : " ومعلوم أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل .. ولعمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله، ومعرفته بربه وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله " .
-  وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ثم أمر له بعطاء ) رواه مسلم، وفي رواية النسائي ( ضعفها الألباني ) أن الأعرابي قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " فإنك لا تعطي من مالك ولا مال أبيك " .
  -  عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ابتاع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذّخيرة (العجوة)، فجاء منزله، فالتمس التمر، فلم يجده، فخرج إلى الأعرابي فقال: عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذّخيرة، ونحن نرى أن عندنا، فلم نجده، فقال الأعرابي: واغدراه، واغدراه، فوكزه الناس وقالوا:إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ تقول هذا؟!، فقال: دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالا، فردد ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقول لك إن كان عندك وسق من تمر الذّخيرة فسلفينا حتى نؤديه إليك إن شاء الله تعالى، فذهب إليها الرجل ثم رجع قال: قالت: نعم هو عندنا يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ للرجل: اذهب فأوفه الذي له، فذهب فأوفاه الذي له، قال فمرَّ الأعرابي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيْتَ وأطيبت، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: أولئك خيار الناس الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُون (الذين طيب الله أوصافهم) ) رواه أحمد وحسنه الألباني .
نجده محبًّا للسلام مُؤْثِرًا للصُّلْح؛ ويوقِّع شروط الهدنة علَى القرطاس بقلب مطمئن وجأش هادئ، ومعه ألوف من أصحابه كل منهم شجاع باسل وصاحب حماسة وحميّة تملأ جوانحه.
ونشاهده بطلًا شجاعًا يصمُد وحده لآلاف من أعدائه غير مكترِث بكثرتهم. وهو مع ذلك؛ رقيق القلب، رحيم رؤوف، متعفِّف عن سَفْك قطرة دم.
له. لم ينتقم من أحد قط لذات نفسه، وكان يدعو لعدُوِّه بالخير، ويريد لهم الخير، لكنه لا يعفو عن أعداء الله ولا يتركهم، ولا يزال يُنذِر الَّذِين قد صَدُّوا عن سبيل الله ويوعدهم عذاب جهنم

وأهل الطائف الذين سمعتم بخبر ما فعلوا بالرسول، لما أسلموا عفا عنهم.

   وهاكم الموقف الأكبر، المثل الأعلى في بابه، في كل العصور: أهل مكة الذين جرعوه وأصحابه الصَّاب والعلقم، وآذوه في جسده ونفسه وعقيدته، وقالوا عنه، ونالوا منه، ومن أصحابه، وقاطعوه، وحبسوه في الشِّعب، ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا على رأسه كرش الناقة، وهو ساجد، وسخروا منه أنواع السخريات، واستمر ذلك لا يوما ولا يومين، ولا سنة ولا سنتين، ولكن ثلاث عشرة سنة، ثم حاربوه وذبحوا أقرباءه وأصحابه، حتى ظفر بهم، وأقامهم أمامه حول الكعبة، أذلاء لا يملكون دفاعا، وجاءت ساعة الانتقام... لا ، دعُوا كلمة الانتقام فإنها لا تليق بالمقام، ساعة العقوبة المشروعة، التي يكون فيها الرد على هذه السلسلة الطويلة من التعديات والإساءات وها هو ذا يقول لهم: "ماذا ترون أني فاعل بكم؟".
إنهم يذكرون ما صنعوا ويعرفون ما يستحقون، ولكن يذكرون أيضا خلق محمد ويعرفون مثله، فيقولون: "أخ كريم، وابن أخ كريم". ويسكتون في انتظار الحكم القطعي.

 ولو كان الحكم بقتلهم جميعاً، لما وجد من كتّاب التاريخ الصديق منهم والعدو من يلومه بكلمة، ولكن حكم محمد كان غير ذلك، كان مفاجأة لا يتوقعها أحد، مفاجأة أدهشت عصره وكل عصر يأتي بعده، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

·         حتى إنه لما  َأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صلي الله عليه وسلم رَايَتَهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ أَمَامَ الْكَتِيبَةِ ، فَلَمّا مَرّ سَعْدٌ بِرَايَةِ النّبِيّ صلي الله عليه وسلم نَادَى : يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ، الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا.
فلما بلغ الرَسُول صلي الله عليه وسلم الخبر قال : «الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ فِيهِ قُرَيْشًا»  وعزل سعدا وأعطى الراية لغيره .

  *  وانظر ماذ وقع مع صفوان بم أمية يوم فتح مكة ، راح عمير بن وهب يُناشد صفوان الإسلام ويدعوه إليه، بيْد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن، فذهب عمير الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال له: { يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر، فأمِّـنه صلى الله عليك }.
فقال النبي: { هو آمن }.
قال: { يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك }.
فأعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمامته التي دخل فيها مكة.
 فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان فقال: { يا صفوان فِداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد جئتك به }.
قال له صفوان: { وَيْحَك، اغْرُب عني فلا تكلمني }.
قال: { أيْ صفوان فداك أبي وأمي، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضـل الناس وأبـر الناس، وأحلـم الناس وخيـر الناس، عِزَّه عِزَّك، وشَرَفه شَرَفـك }.
قال: { إنـي أخاف على نفسـي }.
 قال: { هو أحلم من ذاك وأكرم }.
 فرجع معه حتى وقف به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال صفوان للنبي الكريم: { إن هذا يزعم أنك قـد أمَّـنْتَنـي }.
قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: { صـدق }.
قال صفـوان: { فاجعلني فيها بالخيار شهريـن }.
فقـال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { أنت بالخيار فيه أربعة أشهر }.
....
 ويوم حُنَين لمّا أجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السير إلى هوازن ليلقاهم، ذُكِرَ له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال: { يا أبا أمية، أعرنا سلاحك هذا نلقَ فيه عدونا غداً }.
       فقال صفوان: { أغصباً يا محمد ؟}.
      قال: { بل عارِيَةٌ ومضمونة حتى نؤديها إليك }.نه
      قال: { ليس بهذا بأس }.
وقد هلك بعضها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { إن شئت غَرِمتُها لك ؟}.
      قال: { لا، أنا أرغبُ في الإسلام من ذلك }.

تصور لو أن رجلا قتل أحبّ الناس إليك وأعزهم عليك، ثم جاءك مستسلما لدعوتك (وأنت الداعية)، هل تنسى ما ذرفت من ماء العين على قريبك، وما أرقت عليه من دمع القلب... وتعفو؟
لقد عفا الرسول عن (وحشي) قاتل (حمزة)، لما أسلم، لكن غلبته طبيعته البشرية، فيما لا يخالف الإسلام، ولا يضر الرجل، فقال له: " لا تجعلني أراك "، فكان يتوارى عن عينيه.

وهند، هند امرأة أبي سفيان، التي بلغ من حقدها على محمد ودعوته، أن فعلت ما لا تفعله امرأة، ولا يفعله إنسان، ولا يفعله الذئب، ولا النمر. شقت صدر حمزة وأخرجت قلبه وأكلته.. هند التي فعلت في حرب الرسول الأفاعيل، لقد عفا عنها وبايعها وقَبِل إسلامها

البرج العاجي للحكام وبعدهم عن شعوبهم وعالمهم الغامض الى تماهي رسول الله مع أصحابه وكيف كان واحدا منهم.
نجده يشارك أصحابه في مأكلهم ومشربهم كما يشارك النبي أصحابه كذلك في مزاحهم ولهوهم -ولم يكن مزاح رسول الله  إلاَّ حقًّا

    -  وكان النبي يحبُّ صحابيا ، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي يومًا، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النبي... وجعل النبي يقول: "مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟" فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا. فقال النبي  : "لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ". أو قال: "لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ [3]
   هكذا كان يتعامل رسول الله مع نفسيَّة أصحابه فيُعلي من شأنهم، فيسعد لسعادتهم ويحزن لحزنهم.


   وفي أحلك لحظات المسلمين شدَّة وجدنا رسول الله مع أصحابه كواحد منهم، يعاني ممَّا يعانون، ويتألَّم ممَّا يتألَّمون، ويلتمس أي شيء يكون سببًا في إشباعهم من الجوع، وإسعادهم من الحزن، فرغم جوع المسلمين في الخندق، ورغم قلَّة الطعام الذي أعدَّه جابر بن عبد الله   إلاَّ أنَّ رسول الله   لم يأكل دون إشراك أصحابه معه؛ حيث نادى في أصحابه قائلاً: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا ، فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ.

فلم يتميَّز  عنهم بمزيَّة، بل كان كواحد منهم في المأكل والمشرب والملبس، وهو ما جعل كثير من المشركين يتعجَّبون لهذه الرابطة القويَّة التي جمعته بأصحابه، فقال أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه: "ما رأيتُ من الناس أحدًا يحبُّ أحدًا كحُبِّ أصحاب محمد محمدًا!!"

وكان متوازنا في سلوكه، معتدلا في سمته ودله.

 -  "فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه - يتحدث عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: كنت جاره، فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه فأكتب الوحي، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكرها معنا"
لم يكن يدفع أصحابه للموت في المعارك وهو يتفرج !
بل كان أكثرهم إقداما وشجاعة وتضحية  :

  في ثباته في المعامع الحمر حتى كان أبطال الصحابة يحتمون به، وفي شجاعته التي تضعضع أمامها صناديد الرجال،

-  ويكفي ما ذكر في معركة أحد وبلاء رسول الله فيها :  ففي الصحيحين عن أبي عثمان قال‏:‏ لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة ابن عبيد الله وسعد ـ بن أبي وقاص ـ وكانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين، ولم يتوان المشركون في انتهاز تلك الفرصة، فقد ركزوا حملتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وطمعوا في القضاء عليه، رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكُلِمَتْ شفته السفلي...
    وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري فَشَجَّه في جبهته، وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صلى الله عليه وسلم ضربة أخري عنيفة كالأولي حتى دخلت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجْنَتِه، وقال‏:‏ خذها وأنا ابن قمئة‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهة‏:‏ ‏‏(‏أقمأك[4] الله‏)‏ ‏‏
   ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم، إذا حمي الوطيس واشتد البأس يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول علي رضي الله عنه: " كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " رواه أحمد .

  ولما أصاب الصحابة يوم حنين من الأذى والهزيمة ما أصابهم، فر بعضهم من أرض المعركة، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفر، فلقد كان على بغلته و أبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول بصوت عالٍ: ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) رواه البخاري و مسلم

Nos encontramos ante los perfumados hálitos de la ética del Profeta (s.a.w.) que iluminan los corazones, purifican los sentimientos y colman las almas de satisfacción y sosiego. Es la luz cuyas ondas son irradiadas desde ese sol naciente para iluminar luego los espacios del cosmos, portando una imagen brillante de una vida basada en la virtud y la elevación del ser, un sano pensamiento, y la felicidad humana. 
Muhammad (s.a.w.) no solo es el Profeta (Nabi) y Mensajero de Allah (Rasulallah), es el Maestro y el Camino Recto (siratal-mustaquim) que nos conduce a Allah, la Unidad y Realidad Absoluta.
   Como Nabi es el sello de la Profecía, con él se concluye el ciclo de la profecía en el que se invita a los hombres al   
    Como Rasulallah, Muhammad (s.a.w.) es el Mensajero y Enviado de Allah, que es una misericordia de Allah para todos los mundos,
Como Maestro, nos enseña el camino más recto para llegar en el menor tiempo posible a Allah. De hecho él es el camino, porque su Sunna es el camino y la luz que ilumina ese camino es el Sagrado Corán, el milagro de Dios transmitido y sembrado en Muhammad (s.a.w.).
El Profeta Muhammad (s.a.w) es el Insan al kamil, el Hombre Perfecto, el modelo a seguir por los que nos decimos musulmanes ., por que es ante todo e independiente de su rango espiritual, un hombre completo y un siervo fiel a Allah.
   Fue un buen hijo y obediente; un excelente, respetuoso y amoroso marido y padre; un compañero y amigo leal; un trabajador, pastor y comerciante honrado y entregado; religioso y místico de gran rango, un líder religioso y político; político justo y un militar compasivo; hombre entregado a Allah y a Sus obras; entregado y preocupado por el bien espiritual, social y económico de su comunidad y de la humanidad; modelo y ejemplo de carácter y de comportamiento en todos los aspectos de la vida.
Me permitiré hacer referencia algunos de los aspectos de su personalidad, que hacen los biógrafos, los cuales resaltan su estado espiritual y su cercanía con Allah; pido perdón de antemano si omito alguno y si mi apreciación es corta y limitada.
1.- Repartía su tiempo en tres partes, la primera era para Allah; la segunda para su familia y la tercera para si mismo, aunque en el fondo todo lo hacia por amor Allah
2.- Tenía un intelecto destacable.
3.- Hacía todas las cosas en el Nombre de Dios.
4.- Era sincero.
5.- Tenía buena moral, ética y compañerismo (Sus modales eran el Sagrado Corán).
6.- Era amable y tenía buenos modales.
7.- Mostraba amor por la reforma y la reconciliación.
8.- Ordenaba hacer el bien y prohibía hacer el mal.
9.- Amaba la purificación; decía: “No me gusta mencionar el Nombre de Dios cuando no estoy en estado de pureza”.
10.- Cuidaba sus palabras.
11.- Destacaba en sus actos de adoración.
12.- Mostraba tolerancia y bondad.
13.- Tenía buen aspecto físico y cuidaba su limpieza. 
14.- No era ostentoso, sino humilde.
15.- Era Altruista, no negaba nada a nadie si lo que le pedían no iba contra Dios.
16.- Tenía una Fe firme y una entrega total a Allah.
17.- Era bondadoso y compasivo.
18.- Tenía un temor a Dios y cuidado de no traspasar Sus límites. Era devoto.
19.- Buscaba siempre la simplificación y facilidad.
20.- Era generoso y hospitalario.
21.- Tenía un espíritu cooperativo, ayudaba a todos los miembros de su familia y a su comunidad.
22.- Era honesto en todo. Mostraba siempre honestidad y lealtad.
23.- Honraba y cumplía los límites establecidos por Allah.
24.- Mostraba valentía y coraje en los asuntos que lo requerían.
25.- Mostraba timidez y modestia.
26.- Era humilde.
27.- Era perseverante y paciente.
28.- Mostraba justicia y equidad en todos los asuntos.
29.- Temía a Dios y siempre era consciente de El.
30.- Estaba contento con lo que poseía y tenía una riqueza de corazón.
31.- Tenía deseos bondad hasta con sus enemigos.
32.- Mantenía una relación cercana con sus compañeros, a los cuales también consultaba cuando era necesario.
33.- Visitaba a los enfermos.
34.- Era agradecido con Dios.
35.- Era agradecido con la bondad de la gente.
36.- Recompensaba generosamente.
37.- Era desprendido de los bienes materiales y del mundo. Decía que él “estaba en el mundo como extranjero a la sombra de un árbol, del cual se levanta y se va”.
38.- Amaba ayudar a otros.
39.- No esperaba que le sirvieran, él se servía a si mismo. Ayudaba en las labores del hogar.
40.- Tuvo una vida intachable.
41.- Era digno de confianza.

Quisiera terminar con estas palabras.
¡Oh Muhammad que la misericordia de Allah esté siempre contigo! Si no fuera por ti, Allah no habría hecho descender el Sagrado Corán, que es cura para todas enfermedades, sobre todo las del corazón y es un bálsamo para los que sufren.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Cúbrenos con tú manto verde y reconócenos como parte de tu comunidad, para que seamos considerados en Día del Reconocimiento.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Permítenos como Abu Bakú (la paz sea con él) ser compañeros tuyos dentro de la cueva de tú corazón y bajo la protección de tú amor.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Permítenos formar parte de tú círculo del Recuerdo, para ser coparticipes del círculo celestial donde Allah recuerda a los que Le Recuerdan.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Que la luz de tú corazón ilumine nuestros corazones para que por tú intersección se abran nuestros corazones a la Luz y Conocimiento del Sagrado Corán que es la Luz y Conocimiento Divino.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Tómanos de tú mano para que juntos realicemos la circunvalación de la Santa cava y se nos permite girar en amor en torno a la Luz de Allah.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Eres la joya de la creación, el amado de Allah, por ti los demás profetas y enviados alcanzaron la cercanía del Rostro de Allah y tú eres le imam en las oraciones de los profetas, enviados y mensajeros y maestros.
¡Oh Muhammad! que la Misericordia de Allah esté siempre contigo! Que excelente amigo y compañero eres en el camino, luz en la oscuridad y guía para los invidentes del corazón.
Alabado sea Allah, Señor y Sustentador de los mundos. Las gracias sean dadas a Allah – El Altísimo – por Muhammad, el alabado y digno de confianza, misericordia de Allah para todos los mundos.






[1] من مقالات علي الطنطاوي
[2]  ثبت في صحيح مسلم أنه جاءت إليه امرأة كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ»، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا
[3] أحمد (12669)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (11724).

[4] أَقمَأَ فلانٌ الشيءَ : صغَّره وأَذلَّه  - معجم المعاني - 

0 comentarios:

Publicar un comentario