lunes, 29 de agosto de 2016

سوء الظن

0 comentarios
سوء الظن :
ويعد سوء الظن من الصفات الرذيلة ومن الذنوب، وهو من الأمراض الأخلاقية المدمرة، فمن غمر قلبه سوء الظن، لا يرى الناس على حقيقتهم، ولا يمكنه إدراك الواقع، وقد حذر الدين الإسلامي من هذا الخلق الذميم،
-  إذ يقول الله في كتابه الكريم:" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم* ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقو الله إن الله تواب رحيم".
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):" إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء". .

والمناسبة في اقتران سوء الظن بالتجسس والغيبة أن سوء الظن ينتهي بصاحبه إلى إدخال الضرر على من أساء به الظن بأي وسيلة فهو يتجسس عليه تارةً   ويغتابة تارةً اخرى ويفتري عليه الكذب ثالثه وقد يتسبب في تشويه صورته بين الناس, او فصله من عمله أو اتهامه باحدى الجرائم التي لم يقترفها.

ونحن في كلامنا هذا نحاول علاج هذه الآفة الخطيرة، من خلال التأكيد على أهمية حسن الظن، وتقديمه على سوء الظن، والإنسان تمر به مواقف لا يرى فيها إلا وجها واحدا، يرى إنسانا في أمر ما فلا يراه إلا مسيئا عاصيا، فربما تكلم فيه ونشر خبره، ثم إذا اتضح الأمر وبانت الحقائق ظهر له أنه كان مخطئا، وهذا هو الذي لا يريده الله تعالى منا، لذا الواجب التحرز التام .. 

سوء الظن من علامات النفاق أولئك الحريصين على تدمير المجتمعات :
-  قال شاعر:
إذَا سَاءَ فعْلُ المرءِ ساءتْ ظنُونُه      وصدَّقَ ما يعتاده مِنْ توَّهم

وأكثرالناس يتضجرون من البحث عن المعاذير لاخوانهم، ولذلك تراهم يسيئون الظن ابتداء، لأن إساءة الظن ليس فيها تكلف ولا مشقة، كما في إحسان الظن والتماس المعاذير...

ولذا كان الملتمس للمعاذير مؤمنا، أي مثابا على ذلك، لأنه يحزنه ولا يرضيه الطعن في أخيه، فيجهد نفسه وعقله ولسانه بالدفاع عنه، بينما الطالب للزلات منافق، لا ثواب له، لأنه لا يدفع عن عرض المؤمن، بل يتشفى ويشمت ويفرح بزلات المؤمنين، وتلك ليست من صفات المؤمنين ...

حادثة الإفك كادت تؤدي إلى انقسام المجتمع الإسلامي

وإذا كانت عائشة قد نزل فيها قرآن يبرؤها، فغيرها لا يمكن أن يحظى بمثل هذا الشرف .
ولقد جاءت الآيات في حادثة الإفك محذرة من هذا الذنب العظيم المفسد للقلوب والصلات المشوه للسمعة،
-  قال تعالى: { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين }.
إن المؤمن يطلب المعاذير، وإن المنافق يطلب الزلات، وقد قيل: التمس لأخيك ولو سبعين عذرا.

يرى الإنسان الناس بعين طبعه وصورة لذاته :
ويلجأ الإنسان الضعيف للظن بالآخرين لسبب في نفسه؛ كأن يرى الناس بعين طبعه، فإذا كان لئيماً ظن كل الناس يتمتعون باللئم، وإن كان خبيثاً، سارقاً، كاذباً، فاتناً، ظن كل من حوله مثله، كما أن ضعيف الإيمان يظن سوءاُ بالناس، لأن الإيمان والثقة بالله لم تغمر قلبه.

الحكم على الناس بظواهرهم لا بخفايا قلوبهم :

إن نيات الناس أمور خفية لا يعلمها إلا الله تعالى، وبالتالي: لا يُحكم على أي شخص سوى  بحسب ما يظهر منه فقط.. قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّما الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى".
  -  وفي صحيح البخاري أن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كان في بعث لرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ، "فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟"، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ".
   -  وكذلك ورد في صحيح مسلم أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ".
        *  قال النووي رحمه الله ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان , وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه , فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان . وقال : أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب , يعني ولا تطلب غيره . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أفلا شققت عن قلبه)
فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر , والله يتولى السرائر). ‏
- واسمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إنكم تختصمون إلىّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض  فأقضي له بنحو ما أسمع ، فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقتطع له جمرة من نار ، فليستقل أو ليستكثر.  (رواه البخاري) .
فحمل النبي عليه الصلاة والسلام الأمر في الخصومة على الظاهر ، لكن وراءك النار إذا كنت كاذباً في دعواك ، وأنك أخذت القاضي بلسانك وبشهادة الزور ، فإنما يقتطع لك جمرة من النار فاستقل أو استكثر.

·        وخلاصة ما تقدم : أن الإنسان في الدنيا على الظاهر ، وأما يوم القيامة فعلى الباطن .
فعلينا نحن أن نعامل غيرنا بما يظهر لنا من حاله ، وأمره إلى الله ، وعلينا نحن أنفسنا أن نطهر قلوبنا ، لا يكون فيها شيء ؛ لا يكون فيها بلاء ، كبر ، حقد ، حسد ، شرك ، شك ، نسأل الله أن يعيذنا من هذه الأخلاق ، فإن هذا خطير جداً

  -  وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول : إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيراً ، أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً ، لم نأمنه ، ولم نصدقه وإن قال : إن سريرته حسنة )) رواه البخاري

     وقال في شرحه : " قال المؤلف فيما نقله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من رواية عبد الله بن عتبة بن مسعود ؛ عمه عبد الله ابن مسعود ـ الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه ؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إنا نعلم يعني عمن أسر سريرة باطلة في وقت الوحي بما بنزل من الوحي ؛ لأن أناساً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا منافقين يظهرون الخير ويبطنون الشر، ولكن الله تعالى كان يفضحهم بما ينزل من الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم ، يفضحهم لا بأسمائهم ، ولكن بأوصافهم التي تحدد أعيانهم .
والحكمة من ذكرهم بالأوصاف دون الأعيان ؛ أن ذلك يكون للعموم ، يعني لكل من اتصف بهذه الصفات ، مثل قوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ [التوبة:75،77]
-  ومثل قوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) [التوبة:58]
  ومثل قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) [التوبة: 79]
وهذا كثير في سورة التوبة التي سماها بعض السلف : الفاضحة ؛ لأنها فضحت المنافقين .
   -  يقول رضي الله عنه : من أظهر لنا خيراً ؛ أخذناه بما أطهر لنا ، وإن أسر سريرة ، يعني سيئة ، ومن أظهر لنا شراً ، فإننا نأخذ بشره ولو أضمر ضميرةً طيبة ؛ لأننا نحن لا نكلف إلا بالظاهر ، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا ألا نحكم إلا بالظاهر ؛ لأن الحكم على الباطن من الأمور الشاقة ، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها .
وقد نطلق على الانسان احكام جائره فنقول هذا فاسق وهذا جاهل وهذا يفتخر بحسب ونسب ..
وننطلق نشهر بهذا الشخص وربما عقد لنا له جلسات المناصحه... او كتبنا له. مواضيع واشعار لننهاه عن فعله المشين كما رأينا وحكمنا وعلى الانسان ان ينظر لنفسه اولا قيل ان يحكم على الناس

                                                         ظاهرة تصنيف الناس :

يعني تصنيف الناس تقسيمهم بحسب أوصاف وأسماء نطلقها عليهم، بسبب أفكارهم أو توجهاتهم أو عقائدهم أو أفكارهم أو انتماءاتهم العرقية أو الجغرافية.. تقسيمات تقوم على الشك  بالآخرين، وعدم الثقة فيهم، في محاكم تفتيش قلبية، وثكنات تجسس عقلية، ومشانق فكرية منصوبة لهم، بزخرف القول، وفاسد التبرير، مع أنه لا حكم على الناس إلا ببينة مؤكدة.
لكن للأسف، فشا بين الناس مرض تصنيفهم، فهذا متشدد، وذاك منحل، وهذا صوفي، وذاك وهابي،  وهذا تغريبي، وذاك راديكالي.. إلخ.

والواقع أنه لولا هذه التصنيفات التي تنغص علينا حياتنا؛ لما انقسمت أمتنا هذا الانقسام المريع، ولما عانت من هذا الفشل الذريع، ولكنا أكثر تجانسا ووداً، فالأمة بخير، وكما قال إيليا أبو ماضي: "كن جميلا ترى الوجود جميلا".
التصنيف القائم على القسط والعدل،

وبحسب اعتقاداتهم وأعمالهم، لإنزال كل منهم منزلته، فهذا ثابت شرعاً، وواقع فعلاً.
   - قال تعالى: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ".
-   وقال سبحانه: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
-  وقال سبحانه: "لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ".
-  وقال تعالى أيضاً: "لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى".

   وهكذا: لا يستوي المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمطيع والعاصي، والغافل والطائع، وحتى الأنبياء والرسل، فالكل: مراتب، ودرجات.. وكذلك: الكفر والكفار، والنفاق والمنافقون، والشرك والمشركون: مراتب، ودرجات، في تصنيفهم، وتقسيمهم.. كما أنبأنا القرآن الكريم، والسنة المطهرة.. المهم: العدل والإنصاف، وإصابة الحق، وعدم الظلم والحيف والانحياز والمحاباة .

الحكم على الناس يعني أن تتخذ منهم موقفا وعملا ولا يبنى إلا باليقين والتبين لا بالظن :

ومن هنا حذرنا الله تعالى أشد التحذير من الوقوع في هذا الخطأ بل الخطيئة.. إذ قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".".(الحجرات: 6).
  - امتثالًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - :  إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا (.

   -  وقال سبحانه: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ".(النور: 15).

    -  وقال عَز مِن قائل: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". (المائدة: 8).
    -   قال تعالى : "وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ."(الزخرف)
·        وما قطع إبراهيم الاستغفار لأبيه الكافر إلا بعدما تبين كونه يموت كافرا لا بمجرد الظن:
 - ولقد قال الله تعالى في قصة ابراهيم (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه)، وهي قوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (19:47)}.
      فلما تبيَّن لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير، وأنه سيموت كافرًا، تركه وترك الاستغفار له، وتبرأ منه. إن إبراهيم عليه السلام عظيم التضرع لله، كثير الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلات.

   إذا فالحكم بالظنون والوساوس والأوهام فهي تليق بمرضى النفوس، فقراء القيم، خاويي الضمائر.. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ".(الحجرات: 12).
هذا عن تصنيف الناس القائم على الهمز واللمز، والغمز والظلم..

إنه ليس دورنا الحكم على الناس والتنقيب في أعماقهم ولا تحديد مصائرهم

v    إن الله بعثنا دعاة ولسنا قضاة.
v    هل هدفنا هو السعي على براءة ذمة الناس أم الفرح بالصاق التهمة عليهم أن يظهرو مخطئين أم مصيبين .

     - انظر إلى حرص الشارع البالغ على تقديم حسن الظن على سوء الظن، ولذا جاء في الأثر : (ادرءوا الحدود بالشبهات) ، فالشبهات تدرء الحدود وتعطلها .
v    هدفنا أن نستخرج الخير المدفون في أعماق الناس لا أن نذيع الشر الذي يظهر منهم :

فمذهب الحق ان الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر فى وقت واحد، وهذا هو الحق الواضح الذى شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال بالإحباط وكفر المؤمنين بالمعاصى والذنوب كما فعلت الخوارج وغيرهم.

فلا يجوز حمل أحد من المسلمين على المحامل السيئة ما دام الأمر قابلاً للتأويل.

  -  وفى الحديث الشريف: "إذا رأيتم من اخيكم حسنة فأحبوه عليها، واعلموا أن لها أخوات".


التماس الأعذار للناس وحمل كلامهم وأفعالهم على أحسن المحامل :
- يقول الامام الشافعي:
إقبل معاذيرَ منْ يأتيكَ معتذراً  إن برَّ عندكَ فيما قالَ أوْ فجرا
لقدْ أطاعكَ منْ يرضيكَ ظاهرهُ   وقدْ أجلكَ منْ يعصيكَ مستترا

1 . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً , وأنت تجد لها في الخير محملاً  

2 . قال الحسن البصري رحمه الله: ابن آدم ! تبغضُ الناس على ظِنةٍ  وتنسى اليقين من نفسك

 3. لما دخل الربيع بن سليمان على الشافعي وهو مريض فقال له: قوّى الله ضَعفك فقال الشافعي: لو قوّى ضعفي قتلني  فقال الربيع: والله ما أردتُ إلا الخير .فقال الشافعي: أعلمُ أنك لو شتمتني لم تُرد إلا الخير ...


  - روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟  قال : كلا والله الذي لا إله إلا هو !  فقال عيسى : آمنت بالله ، وكذّبت عيني


   -  قال ابن القيم رحمه الله ." كان الله سبحانه وتعالى في قلب المسيح عليه السلام أجلّ وأعظم من أن يَحلف به أحد كاذبا ، فلما حَلَفَ له السارق دار الأمر بين تُهمتِه وتُهمة بَصَرِه فَـرَدّ التهمة إلى بصره لما اجْتَهَدَ له في اليمين ، كما ظنّ آدم عليه السلام صدق إبليس لما حلف له بالله عز وجل وقال : ما ظننت أحدا يحلف بالله تعالى كاذبا " في قوله تعالى : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ...

-  لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك قال - وهو جالس في القوم -ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه بُرداه ونظره في عِطفيه ! فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلتَوالله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

   وقال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلّفه عن غزوة تبوكوالله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بِعُذر ، ولقد أعطيت جدلا ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يُسخطك عليّ ، ولئن حدثتك حديث صدق تَجِد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من عذر . رواه البخاري ومسلم
... خرج الامام أبو داود في سننه باسناده الى عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت ثم أعاد عليه الكلام فصمت فلما كان في الثالثة قال: (اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة).[1]
فالتماس العذر ديدن المسلم، وهكذا أوصانا علماء الإسلام الربَّانيون، حيث يقول محمد بن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه.

من عرف طبائع الناس وظروف نشأتهم وخبر أحوالهم التمس لهم الأعذار :

وهناك إجراء آخر، وهو التأمل في حقيقة البشر، من حيث الذهول والضعف والنسيان ...
فإذا تأمل المرء في حقيقة البشر، وجد نفسه مرغما على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف..
ضعف النفس البشرية:
من عرف النفس البشرية في ضعفها ونسيانها وغفلتها وذهولها قدم الاعتذار على التهمة، والتسامح على المؤاخذة، وحسن الظن على سوء الظن ..
كثيرا ما ينسى الإنسان نفسه، ويقع في أمور لا يحسب لها حسابا، ويتلبس بالشبهات وهو لا يدري ولا يقصد، فإذا رآه من لم يعرف بشرية الإنسان ربما آخذه واتهمه بسوء النية..
لكنه لو كان يدري ما الإنسان في نسيانه وذهوله لما آخذه ولقدم الاعتذار له، فالمنصف يعلم من نفسه أنه قد يخطيء دون قصد الخطأ، وقد يتلبس بالشبهة وهو لا يقصد، وكذا الناس مثله، ومن ثم يقدم الاعتذار ..
·        ضع نفسك في مكانه :
فم من يتقدم للحديث مع الناس أو نصحهم أو معاملتهم فلا بد أن يقترب قليلا من زاويتهم ليرى الأمور كما يراها هو أو كما هي حالته أو وفقا لظروف نشأته وبيئته ...

  -  عن عمرو بن العاص قال عجبت من الرجل يفر من القدر وهو مواقعه ! ويرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه ! ويخرج الضغن من نفس أخيه ويدع الضغن في نفسه.
    يقول : ستيفنر.كوفي كنت في صباح يوم أحد الايام في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك وكان الركاب جالسين في سكينة بعضهم يقرأ الصحف وبعضهم مستغرق بالتفكير وآخرون في حالة استرخاء, كان الجو ساكناً مفعماً بالهدوء !! فجأة ... صعد رجل بصحبة أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم عربة القطار ... جلس الرجل إلى جانبي وأغلق عينيه غافلاً عن الموقف كله ..كان الأطفال يتبادلون الصياح ويتقاذفون بالأشياء ,,, بل ويجذبون الصحف من الركاب وكان الأمر مثيراًً للإزعاج .. ورغم ذلك استمر الرجل في جلسته إلى جواري
دون أن يحرك ساكناً ..!!؟؟ لم أكن أصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد .. والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون أن يفعل شيئاً ..!؟
يقول (كوفي) بعد أن نفد صبره ..التفت إلى الرجل قائلاً : .. إن أطفالك ياسيدي يسببون إزعاجا للكثير من الناس .. وإني لأعجب إن لم تستطع أن تكبح جماحهم أكثر من ذلك ..!!؟ انك عديم الاحساس . فتح الرجل عينيه .. كما لو كان يعي الموقف للمرة الأولى وقال بلطف :
.. نعم إنك على حق ..يبدو انه  يتعين علي أن أفعل شيئاً إزاء هذا الأمر .. لقد قدمنا لتونا من المستشفى ...حيث لفظت  والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة .. إنني عاجز عن التفكير .. وأظن أنهم لايدرون كيف
يواجهون الموقف أيضاًً ..!! يقول ( كوفي ) .. تخيلوا شعوري آنئذ ؟؟ فجأة امتلأ قلبي بآلام الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود ..

قلت له : هل ماتت زوجتك للتو؟ ... أنني آسف .... هل يمكنني المساعدة ...؟؟ لـــــــــقد ... تغيـــــــــــــــــر كل شيء في لحـــــــــــــــــظة !! 
إعذار المرء بجهله وعدم الإسراع إلى تكفيره :

ولو رأى إنسان آخر يسجد لصنم أو يذبح عند قبر أو يطوف به، ما جاز له أن يكفره، على الرغم من أن الفعل كفر لا شك.. لماذا؟ .
لأنه ربما كان معذورا بجهالة أو غفلة أو مكره على ذلك، ففرق بين كون الفعل كفرا والفاعل كافرا، فالفعل كفر نعم، لكن فاعله لا يكفر حتى تثبت في حقه الشروط وتنتفي الموانع ، أي تقام عليه الحجة الواضحة، بحيث لا يؤاخذ إلا بجريرة واضحة ثابتة يقينا، لا يؤاخذ بالظنة ..

    - تكلم شيخ الإسلام عن القلندرية والملامية[2] أصل في جنس هؤلاء من المسلمين؛ فقال في مجموع الفتاوى (35/ 165): وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك.وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات: يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه،

     كما في الحديث المعروف: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير؛ والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار".

   ... ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم؛ لعلي أضل عن الله ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان..


  -  وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل عليَّ عجوزان من اليهود، فذكرتا عذاب القبر، فكذَّبتُهما ولم أنعم أن أصدقهما، فلما خرجتا دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن عذاب القبر، فقال: "عائذاً بالله من عذاب القبر"، ثم لم أزل بعد أسمعه يستعيذ بالله من عذاب القبر"، فهذا الحديث صريح في أن عائشة لم تكن تعلم عقيدة عذاب القبر، وهي من تفصيلات العقيدة، من الإيمان باليوم الآخر وهي  القيامة الصغرى، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بتجديد الإيمان ولم يجدد نكاحها وعذرها بجهلها في ذلك
    - ومثل هذا حديث ذات أنواط، وهو ما أخرجه أصحاب السنن وأحمد في المسند عن أبي واقد الليثي قال: مررنا بشجرة كانت  تدعى في الجاهلية ذات أنواط[19]، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفس محمد بيده ما قال أصحاب موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}"، فجعل هذا كفراً، ولكن لم يكفرهم به معذرة لهم بالجهل لأنه من الأمور التفصيلية، فهم يرون أن هذه الشجرة تعظم تعظيماً أقل من تعظيم الإلهية، فلم يروا ذلك شركاً، وهو شرك في الواقع، لكن لأنهم جهلوا وكانوا حدثاء عهد بالإسلام عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك..[20]

فهل يعني هذا الكلام أن نغتر بمظاهر الناس وأن نجعل فقط السبيل الوحيد لمعاملتهم :

وللبيان فيجب التفريق بين التفتيش في الأسرار وعدم الانخداع بالمظاهرومعرفة الناس على أساس الخبرة والتبين:

لا يوجد على الإطلاق ثمة تعارض بين الحكم على الناس من خلال التجربة والمعايشة , وأن لا ينخدع المرء في المظاهر الكاذبة وبين النهي عن التفتيش عما في قلوب الناس 

·        فقد تخدع المظاهر وتكذب :

     -  وعن سهل بن سعد الساعدي , قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رجل. فَقَالَ النبي : مَا تَقُولُونَ فِى هَذَا ؟ قَالُوا : رأيك في هذا.نقول : هذا من أشرف الناس , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , أَنْ يخطب ، وَإِنْ شَفَعَ , أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْ يُسْمَعَ لقوله , فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم , وَمَرَّ رَجُلٌ آخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : نقول : والله يا رسول الله , هذا من فقراء المسلمين , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , لمَ يُنْكَحَ , وَإِنْ شَفَعَ , لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ , أَنْ لاَ يُسْمَعَ لقوله , فَقَالَ النبي صلى الله ع ليه وسلم : لهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا.أخرجه البخاري

   -  قال البارودي:   واختبر من شئت تَعْرِفهُ ، فما      يعرفُ الأخلاقَ إلا مَنْ فَحَصْ

فلربما رأيت شخصاً قد لا يدل مظهره على أنه من أهل الجاه والواجهات فتحتقره وهو عند الله تعالى من أهل الصدق والولايات.

  - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ.أخرجه مسلم

ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام درساً عملياً في عدم احتقار المسلم لأخيه وازدراءه والحط من شأنه أو التعالي عليه لأنه رأى من مظهره ما لا يعجبه

   -   فعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ : أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلاَمَ ، فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا فِي اللهِ ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ : بِئْسَ وَاللَّهِ مَا قُلْتَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَنُنَبِّئَنَّهُ ، قُمْ يَا فُلاَنُ ، رَجُلاً مِنْهُمْ ، فَأَخْبِرْهُ ، قَالَ : فَأَدْرَكَهُ رَسُولُهُمْ ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ فُلاَنٌ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا السَّلاَمَ ، فَلَمَّا جَاوَزْتُهُمْ أَدْرَكَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فُلاَنًا قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا الرَّجُلَ فِي اللهِ ، فَادْعُهُ فَسَلْهُ عَلاَمَ يُبْغِضُنِي ؟ فَدَعَ اهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ ، فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ : قَدْ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَلِمَ تُبْغِضُهُ ؟ قَالَ : أَنَا جَارُهُ وَأَنَا بِهِ خَابِرٌ ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّي صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، قَالَ الرَّجُلُ : سَلْهُ يَا رَسُولَ اللهِ : هَلْ رَآنِي قَطُّ أَخَّرْتُهَا عَنْ وَقْتِهَا ، أَوْ أَسَأْتُ الْوُضُوءَ لَهَا ، أَوْ أَسَأْتُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا ؟ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : لاَ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يَصُومُ قَطُّ إِلاَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي يَصُومُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ رَآنِي قَطُّ أَفْطَرْتُ فِيهِ ، أَوِ انْتَقَصْتُ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا ؟ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : لاَ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يُعْطِي سَائِلاً قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُهُ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي شَيْءٍ مِنْ سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ ، إِلاَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، قَالَ : فَسَلْهُ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ كَتَمْتُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَطُّ ، أَوْ مَاكَسْتُ فِيهَا طَالِبَهَا ؟ قَالَ : فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لاَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : قُمْ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ خَيْرٌ مِنْكَ. مسند أحمد .

-  كما حكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة الرائعة لكي نتعلم منها عدم الحكم على الناس من خلال الثياب بل لا بد من التحقق والمعايشة والمعرفة .

-  قال صلى الله عليه وسلم: " .. وَبَيْنَا صَبِىٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِى مِثْلَ هَذَا . فَتَرَكَ الثَّدْىَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ . قَالَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْكِى ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ في فَمِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا . قَالَ وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ . وَهِىَ تَقُولُ حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِى مِثْلَهَا . فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا . فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِى مِثْلَهُ . فَقُلْتَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ . وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ . فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِى مِثْلَهَا . فَقُلْتَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا قَالَ إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ . وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ . وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى مِثْلَهَا. أخرجه أحمد ..

-  روى الجاحظ أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظر إلى النخّار بن أوس العُذري، الخطيب الناسب، في عباءة في ناحية من مجلسه، فأنكره وأنكر مكانه زِرايةً منه عليه، فقال: من هذا؟ فقال النخّار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها!.[3]

وعَن الشعبي قال: شهدت شريحاً وجاءته امرأة تخاصم رجلاً فأرسلت عينيها فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظن هذه البائسة إِلَّا مظلومة؛ فقال: يا شعبي: إن إخوة يوسف:{جَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ[يوسف:16}[4]

-   وجاء رجل يشهد لرجل بالصلاح عند أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال له: أأنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: أسافرت معه في سفر طويل يسفر عن أخلاق الرجال؟، قال: لا، قال: أعاملته بالدينار وبالدرهم ـ الذي به يظهر ورع المرء من شرهه ـ؟ قال: لا، قال: لعلك رأيته في المسجد يمسك بالمصحف، يقرأ القرآن، يرفع رأسه تارة ويخفضها تارة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل: ائتني بمن يعرفه.[5]

الابتعاد عن مواطن الريبة حتى لا يساء الظن :
 من أسباب إساءة الناس الظنِّ بالمرء تواجده في أماكن الريب والفجور، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ .[6]
-  قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ)  [7]
فيجب على الإنسان البعد عن الشبهات حتى لا يساء به الظن :
ففي كل الأمور الأولى بالمسلم أن ينأى عن الشبهات وكل ما يشين ويعرض العرض للذم والتشوية، فإن بعض ذوي النفوس المريضة يعجبهم البحث عن الزلات وتضخيمها وأن يضيفوا إليها ما ليس منها، وهذا الصنف لا يمكن أن يخلو المجتمع منه، وحتى نتقي شر هؤلاء المغرضين فحتم أن يسعى المرء في الابتعاد عن كل شبهة قد تضره في دينه ودنياه..
·        فالإنسان قد يقع في الشبهة من طريقين:
الأول: أن يكون الأمر ليس فيه شبهة أصلا، لكن الناس قد ينظرون إليه على أنه شبهة، كما في قصة صفية رضي الله عنها، فمن المستحسن البيان والتوضيح إذا شعر بريبة الحاضرين.
الثاني: أن يكون شبهة في نفس الأمر، كمن رؤي يكلم امرأة أجنبية، ربما كانت تسأل عن الطريق أو غير ذلك، فمثل هذا لازم عليه أن يبين ـ لمن شك فيه ـ حقيقة القضية، ولا يتركه بشكه ..



[1]   والحديث حسَّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح:(3/341)، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود:(5164).
[2]  طرق صوفية معرةف في القرن السادس
[3]  الدينوري : المجالسة وجواهر العلم 2/419, الوطواط : غرر الخصائص الواضحة 98.
[4]  وكيع : أخبار القضاة 2/221.
[5]  إحياء علوم الدين 2/83.
[6]  رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (445). وللأثر طرق أخرى كلها ضعيفة.
[7]  ((روضة العقلاء)) (1/100).

0 comentarios:

Publicar un comentario