lunes, 29 de agosto de 2016

ولا تحاسدوا

0 comentarios
الحسد مرض متفش ذائع :

"والحسد مرض من أمراض النفوس وهو مرض غالبٌ فلا يخلص منه إلا القليل من الناس؛
 -  ولهذا قيل: ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه.
والحسد الذي محله القلب دون الجوارح ليس بمظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك وبين الله تعالى، وقيل: إنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه،  ولما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال: غمه فإنه لا يضرك ما لم تبده.
   - وقال بعض السلف: الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء -يعني حسد إبليس لآدم عليه السلام- وأول ذنب عُصي الله به في الأرض -يعني حسد أبن آدم لأخيه حتى قتله"…
فإذا أحس الحاسد بشيء في قلبه على المحسود فليجاهد نفسه ، ويكظم ما عنده ، ولا يفعل شيئاً يخالف الشرع ، لا يؤذي المحسود ، لا بقول ولا بفعل ، ويتضرع إلى الله تعالى بالدعاء أن يزيل الحسد من قلبه ، فالإنسان إذا حسد ولم يحقق شيئاً لم يضره ذلك ، لأن الحسد كبيرة من كبائر الذنوب ، يؤاخذ عليها العبد ويحاسب عليها ، لأن في الحسد ضرراً للغير ، فإذا لم يفعل أذى للمحسود ، ولا كان سبباً في إزالة نعمة عنه ، ولم يتكلم في عرضه ، وإنما شيء في نفسه كظمه ، فإنه لا يضره ، ولكن عليه الحذر ، حتى لا يقول شيئاً يضر المحسود ، أو يفعل شيئاً يضره

ما هو الحسد :
       -  لغة  :
كره النعمة عند الغير وتمني زوالها .
       -  اصطلاحاً  :
  وقيل: الحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا، كما قيل: الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها، وقد يطلق اسم الحسد على الغبطة مجاز 
لماذا كان الحسد مذموما:

الحسد طاحونة الحسنات :
    -   لذلك قال عليه الصلاة والسلام : { الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } [رواه أبو داود وابن ماجه].
    -   وقوله: { لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد } [رواه البيهقي وابن حبان].

    -  قال عليه الصلاة والسلام: ثلاثة لا يُسْتجابُ دُعاؤُهم: آكل الحرام، ومُكْثِرُ الغيبة، ومن كان في قلبه غِلٌّ أو حسَدٌ للمسلمين.
-    عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله ، وفيح جهنم ، ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد " [ رواه ابن حبان في صحيحه ومن طريقه البيهقي وحسنه الألباني   . 
الحسد اعتراض على على فضل الله وقدره :
-  قيل : " الحسود غضبان على القدر " .

- الحاسد عنده شيء من الاعتراض على أقدار الله التي قدرها على عباده، وهو داء عظيم من أصيب به تبلد حسه وفتح عينيه على كل صغير وكبير، فلا يهمه إلا زوال الخير عن الغير، فلا هو قانع بما قسم الله له ولا هو راض بما قسم الله لغيره .

- وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [سورة الزخرف، آية: 32].

قل لِمَن بات لي حاسِداً     أتَدْري على من أسأْتَ الأدَب؟
أسأْتَ على الله في فِعْلِه    إذْ لم ترْضَ لي ما وَهَـــبَ

-  وقال تعالى : { أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً } [ النساء54 ] .
أم هنا بمعنى بل : أي بل أيحسدون النبي محمد صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة , ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان , والتصديق بالرسالة , واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم , والتمكين في الأرض , ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم ؟

-   وروي أن موسى عليه السلام لما تعجل إلى ربه تعالى رأى في ظل العرش رجلاً فغبطه بمكانه فقال: إن هذا لكريم على ربه، فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال أحدثك من عمله بثلاث: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا يعق والديه، ولا يمشي بالنميمة

الحاسد معاد لله :
     -  يقول الله عز وجل : " الحاسد عدو نعمتي ، متسخط لفعلي ، غير راض بقسمتي التي قسمت لعبادي " .
الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله، فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله ويحب زوالها والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة لأن ذنبه كان عن كبر وحسد..
لأنَّهُ تسْفيهٌ للحق سبحانه وتعالى على إنْعام نِعْمَةٍ ظَنَنْتَ صاحبها لا يسْتحِقُّها، هذا شِرْكٌ بالله، وكُفْرٌ به.

       من أسباب الحسد :

الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان
 لأن الحاسد شبيه بإبليس وهو في الحقيقة من أتباعه لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعم الله عنهم كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله وأبى أن يسجد له حسداً فالحاسد من جند إبليس بدائع الفوائد 2/ 459.
والحسد خلق نفس ذميمة وضيعه ساقطة ليس فيها حرص على الخير
 فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى: ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء﴾ [النساء: 89] الروح 1/ 252.
المنافسة في الدنيا :    
 هو أن يرى بغيره نعمة في دين أو دنيا، فيغتم ألا يكون أنعم الله عليه بمثل تلك النعمة، فيحب أن يلحق به ويكون مثله، لا يغتم من أجل المنعم عليه نفاسة منه عليه، ولكن غمّاً ألا يكون مثله.
  - وهو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من  كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ».
ومن دواعي الحسد التقارب ما بين الناس والتشارك :

ولو كان بعيدا لا يعرفه وليس بينه وبينه شراكة لما اكترث أن يزداد ما عنده أو ينقص .
-  قيل لبعضهم : ما بال فلان يبغضك ؟ قال : لأنه شقيقي في النسب ، وجاري في البلد ، وشريكي في الصناعة ، فذكر جميع دواعي الحسد .
-  وقال مالك بن دينار : " شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض ، فإنهم أشد تحاسداً من التيوس " . 
ومن  أضرار الحسد العظيمة وآثاره :

1.     أنه يورث البغضاء بين الناس، ويقطع حبل المودة؛ لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمن وأخيه، يقول : { لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً } [متفق عليه].

 -وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث أيام»(4).
فقد جعل الله المحبة الخالصة بين المسلمين هي أوثق عرى المحبة في الله ، وجمع المتحابين تحت ظلال عرشه ، ووثق الإسلام بذلك بوجوب المحافظة على مال المسلم وعرضه ونفسه ، بأن لا يصيبه أذى ولا يُمس بسوء . 

    ولكن تبحر بعض النفوس في مياه آسنة تتشفى ممن أنعم الله عليهم ورزقهم من خيره بالحقد والحسد فيثمر ثمراً خبيثاً غيبةً ونميمةً واستهزاء وغيرها . ولا يخلو مجتمع من تلك النفوس الدنيئة . 

2.       أنه يحمل الحاسد على محاولة إزالة النعمة عن الحسود بأي طريقة(الغيبة والنميمة والبهتان) ولو بقتله كما حصل مع ابني آدم عندما قتل أحدهما الآخر.
لأن الحاسد ظلوم جهول، وليس يشفي صدره و يزيل حزازة الحسد الكامن في قلبه إلا زوال النعمة عن غيره، فحينئذ قد يتعذر الدواء.  
وداريت كل الناس لكن حاسدي *** مداراته عزت وعز منالها
   وكيف يداري المرء حاسد نعمة *** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها 

3.     انه يمنع الحاسد من قبول الحق خاصة إذا جاء عن طريق المحسود، ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه، كما حصل من إبليس لما حسد آدم فحمله ذلك على الفسق على أمر الله والامتناع عن السجود، فسبب له الحسد الطرد من رحمة الله.

    -  كما قال تعالى ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [البقرة: 109](27).

4.     يجعل الحاسد في هم وقلق لما يرى من تنزل فضل الله على عباده وهو لا يريد ذلك ولا يقدر على منعهِ فيبقى مهموماً مغموماً.
  اصبر على كيد الحسود *** فإن صبرك قاتله
      كالنار تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله

فيعيش الحاسد منغص البال، مكدر المزاج، وكله بما جنته يداه.

   -  وقال الأصمعي : رأيت أعرابياً قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة فقلت له : " ما أطول عمرك ؟ " فقال : تركت الحسد فبقيت .

-  وقال أعرابي : " الحسد داء منصف ، يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود " ، قاتل الله الحسد ما أعدله ، بدأ
بصاحبه فقتله . 

-  ويقال : " ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش : الحقد ، والحسد ، وسوء الخلق " .
 
-  حتى قال علي بن أب طالب : لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله :

-  وحكي في هذا المعنى  أن رجلاً من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمة ، وصار يدخل على حريمه من غير استئذان ، وكان له وزير حاسد ، فغار من البدوي وحسده ، وقال في نفسه : إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله ، أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه ، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله ، فطبخ له طعاماً وأكثر فيه من الثوم ، فلما أكل البدوي منه قال له : احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك ، فإنه يكره رائحته ، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلاً به وقال : يا أمير المؤمنين ! إن البدوي يقول عنك للناس : إن أمير المؤمنين أبخر ، وهلكت من رائحة فمه ، فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين ، جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم .
فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال : إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح ، فكتب أمير المؤمنين كتاباً إلى بعض عماله يقول فيه : إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله .
ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب وقال له : امض به إلى فلان ، وائتني بالجواب ، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين ، وأخذ الكتاب وخرج به من عنده ، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال : أين تريد ؟ قال : أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان ، فقال الوزير في نفسه : إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل ، فقال له : يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ، ويعطيك ألفي دينار ، فقال : أنت الكبير ، وأنت الحاكم ، ومهما رأيته من الرأي أفعل ، قال : أعطني الكتاب فدفعه إليه ، فأعطاه الوزير ألفي دينار ، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده ، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير ، فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي ، وسأل عن الوزير ، فأخبر بأن له أياماً ما ظهر ، وأن البدوي بالمدينة مقيم ، فتعجب من ذلك ، وأمر بإحضار البدوي فحضر ، فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها ، فقال له : أنت قلت عني للناس إني أبخر ؟ فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن اتحدث بما ليس لي به علم ، وإنما كان ذلك مكراً منه وحسداً ، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه ، فقال أمير المؤمنين : قاتل الله الحسد ما أعدله ، بدأ بصاحبه فقتله ، ثم خلع على البدوي ، واتخذه وزيراً ، وراح الوزير بحسده ، وقال المغيرة شاعر آل المهلب : آل المهلب قوم إن مدحتهم *** كانوا الأكارم آباء واجداداً 


5.     إضافة إلى أن الحسد يوقع المجتمع في التخلخل والتفكك؛ ولهذا قال : { دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء } [رواه البيهقي].
-   وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا " [ رواه الطبراني ورواته ثقات وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب 3 ] .

الحسد المحمود :

3- الغبطة: تمني المرء أن يكون له من الخير مثل ما لمن يروق حاله في نظره.
فالغبطة: ألاّ تحب زوال النعمة على المنعم عليه، ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها.

   قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه وهو أول درجات الحسد

  - ما جاء في صحيح الحديث، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار يقول لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل ورجل آتاه الله مالا ينفقه في حقه فيقول لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل»(32).
قد يشكل هنا تسمية الغبطة حسداً ما دام همه أن ينعم الله عليه بمثل ما أنعم على صاحبه؟ فيقال: مبدأ هذا الحب هو نظره إلى إنعامه على الغير وكراهيته أن يفضل عليه، ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك، فذلك كان حسداً لأنه كراهة تتبعها محبة، وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شيء، ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني.[1]
فهذا الحسد معناه الغبطة وكذلك ترجم عليه البخاري باب الاغتباط في العلم والحكمة، وحقيقتها: أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة
ومنه قوله تعالى﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]،(33)
     -   وقال تعالى:  ﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
     -   وفي الأثر عن الفضيل بن عياض: المؤمن يغْبِطُ والمنافق يحْسُد.

علاقة الحسد بالعين :

    - العين: هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة.
إن الوحي جاء بما لا يقبل الشك أو التأويل بأن هناك حسد وعين، وأنهما حق واقع لا يسبقهما شيء سوى القدر، ولا يردهما إلا الدعاء، وهي نصوص صحيحة صريحة من الكتاب والسنة، أكدتها المشاهدة وتقريرات النبوة، ولذلك فإن كثيراً ما يطرق أسماعنا موضوع الحسد أو العين، أو أن فلان إنسان حسود أو عائن، أو أصابتني عين حاسد أو عائن، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الموضوع يكاد يكون من الأمور التي لا تخفى على أحد؛ مع تفاوت في تقبله والأخذ بأسبابه بين الناس، فمن منكر له ومن غال فيه، فالناس بين إفراط وتفريط، فإنا نجد من يصدق بالخرافات ويأخذ بالغث والسمين، ومنهم من لا يصدق إلا بعد جهد جهيد، وكل ذلك راجع إلى نوع الثقافة التي تلقاها والبيئة التي أحاطت به.
أن آية سورة الفلق ربما أوحت في ظاهرها أن الحسد شر يستعاذ بالله منه كما يستعاذ بالغاسق إذا وقب وبالنفاثات في العقد؛ إلا أن المدقق في الألفاظ يجد أن المستعاذ منه في الآية إنما هو الحاسد وليس الحسد، لأن الحاسد إذا حسد وامتلأ قلبه بالحقد وتمنى زوال النعمة من المحسود قد يسعى في أذيته بنفسه فيضربه أو يحرق ماله أو يسرقه أو يقتله، فيكون هنا الحسد سبباً في ضرر غير مباشر يصدر عن الحاسد بشخصه وأفعاله المادية لا مجرد أمنيته زوال النعمة.[2]
  -     وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا.
   -  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد! اشتكيت؟ قال: نعم، قال: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك»أخرجه الترمذي في صحيحه
 -  يفهم منه أن عينه لا تؤثر بمجردها إذ لو نظر إليه نظر لاه ساه عنه كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره لم يؤثر فيه شيئاً، وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة واتسمت واحتدت فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود تأثيراً بحسب صفة ضعفه وقوة نفس الحاسد فربما أعطيه وأهلكه بمنزلة من وجه سهماً نحو رجل عريان فأصاب منه مقتلاً، وربما صرعه وأمرضه والتجارب عند الخاصة والعامة بهذا أكثر من أن تذكر. بدائع الفوائد2/ 453.
    وأعراض الحسد تظهر على المال والبدن والعيال بحسب مكوناتها، فإذا وقع الحسد على النفس يصاب صاحبها بشيء من أمراض النفس، كأن يصاب بالصدود عن الذهاب إلى عمله أو مصدر رزقه، أو يصد عن تلقى العلم ومدارسته واستذكاره وتحصيله واستيعابه وتقل درجة ذكائه وحفظه، وقد يصاب بميل للانطواء والانعزال والابتعاد عن مشاركة الأهل في المعيشة، بل قد يشعر بعدم حب ووفاء وإخلاص أقرب وأحب الناس له، وقد يجد في نفسه ميلاً للاعتداء على الآخرين، وقد يصير من طبعه العناد، ويميل إلى عدم الاهتمام بمظهره وملبسه، ولا يألفه أهله وأحبابه وأصحابه ويسيطر عليه الإحساس بالضيق، ويشعر بالاختناق ولا يستقر له حال.
   وأما العين فإن كثيراً من الناس يصابون بها وهم لا يعلمون، لأنهم يجهلون أو ينكرون تأثير العين عليهم، فان أعراض العين في الغالب تكون كمرض من الأمراض العضوية إلا أنها لا تستجيب إلى علاج الأطباء.[3]

تنقسم العين الى ثلاثة أقسام ، وهذا تقسيم افتراضي وليس قطعي :

v    العين المعجبة :

 ولذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"  إذا رأى أحدُكم من نفسِهِ أو مالِهِ أو من أخيه ما يعجبُه فليدعُ بالبركةِ فإنَّ العينَ حقٌّ " انظر حديث رقم : 556 في صحيح الجامع 

   -  يقول ابن حجر : أن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه أ.هـ.

   - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ قَالَ هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ لَهُ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ." مسند أحمد "

   - وقال ابن علان : ( ولعل القاضي حسين أشار إلى هذه القصة في قوله : (إن بعض الأنبياء نظر إلى قومه فأعجبوه ، فمات منهم في يوم سبعون ألفا ، فأوحى إليه إنك عنتهم وليتك إذ عنتهم حصنتهم بقول : حصنتكم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ، ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ! - قال المعلق عن القاضي حسن : وكان عادة القاضي – رحمه الله – إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم ، حصنهم بهذا المذكور، والله أعلم ) ..
v    العين الحاسدة :

 وهي في الأصل تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود فتخرج سهام الحسد من نفسٍ حاسدةٍ خبيثة ، باعثها الاستحسان المشوب بالصفات الذميمة كالغيرة والحقد والكراهية والحسد ، وتؤثر بالمحسود أو شيئا يخصه ولو بغير إرادة ومشيئة ومعرفة الحاسد وهذا هو الفارق بينها وبين العين القاتلة .

       -  يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد عندما تعرض لتفسير سورة الفلق : فلله كم من قتيل وكم من سليب وكم من معافى عادى مضني على فراشه يقول طبيبه لا أعلم داءه ما هو ، فصدق ليس هذا الداء من علم الطبائع ، هذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفيتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس والمحجوبون منكرون له أ.هـ.

      -  يقول ابن القيم في الزاد :أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة له ، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجاباً ، وأكثفهم طباعاً ، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس . وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها ، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين.
   -  ويقول: ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ، ولهذا أمر الله - سبحانه - رسوله أن يستعيذ به من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل  المحسود ، فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها ، انبعثت منها قوة غضبية ، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ، ومنها ما تؤثر في طمس البصر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر ، وذي الطفيتين من الحيات : " إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل "(1) .

v    العين القاتله (السمية) :

 هي أشد انواع العين تأثيرا في المعيون ، فهي تخرج  من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر وبإرادة ومشيئة العائن من بعد مشيئة الله تعالى

    -   وسمى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإصابة بالعين بالقتل وذلك لما أعان عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ." مسند أحمد "

    -  يقول الشاعر:
ترميك مـزلقة العيون بطرفها ... وتكل عنك نصال نبل الرامي

  -  وذكر نحوه الماوردي أن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ؛ فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله.

  - قال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب من خبائه فتمر به النعم فيقول : ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله تعالى نبيه وانزل قوله تعالى: }وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ{ .

المبالغة في أمر العين:

 ومن خلال المتابعة و الإستقراء يظهر لي أنه تختلف معرفة وشعور العائن بخروج العين منه وعلمه بإصابة المعين من شخص الى آخر ، فقد يعين الرجل نفسه أو ولده أو دابته أو صديقه وهو لا يعلم و بغير إرادته ، وآخر يعلم انه يصيب بعينه وعندما يشعر بتحرك العين في نفسه يمنعها بإرادته بأن يصرف نظره ويذكر الله تعالى ، وربما تخرج العين من العائن بإرادته أو بغير ارادته ويشعر بها ولكنه لا يمكنه ردها لأنه لم يبادر بذكر الله ، وبعضهم يصرفها عن الهدف الى غير ، وقد تجتمع هذه الصفات في العائن أي انه يشعر احيان ولا يشعر أحيانا أخرى .  

     يذكر أحدهم أنه يركز على الشيء أو يصفه وصفاً جيداً فيصيبه ، ويقول آخر بكل بساطة أنظر الى الشيء الذي أريد إصابته فاصيبه ، ويقول آخر أنظر الى الشيء وأتمناه لي فأصيبه أو أني أذكر الله فلا أصيبه ، ويقول آخر لا أعلم كيف أصيب بالعين ألا انني أجد في نفسي وصفا لما أشاهد فأتلفظ به فيتأثر الموصوف .

و تشتهر بعض مناطق القرى والأرياف بأن أهلها مشهورون بالعين ، وكأن العين عندهم مهنة يتعلمونها ويتوارثونها ، وهذا معلوم منذ القدم :
   -  فقد ذكرت كتب التفسير أن العين كانت في بني أسد حتى إن كانت الناقة السمينة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه ، فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر. ويذكر بعض العلماء بأن كل انسان يمكنه تعلم العين وقال آخرون بأن العين يتوارثها الأبناء عن الآباء كتوارث الشكل والطبائع مع الجينات .
لذلك فالعين لا تخالف القدر بل هي من القدر :

-    وقوله ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له وأن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر." عمدة القاري باب العين"


-  قال الإمام القرطبي:  الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود.

-  قال شمس الحق العظيم أبادي: ( " والعين " أي أثرها " حق " وتحقيقه أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل يعقبه النقص ، ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها قاله القاري

   -  وفي فتح الودود: والعين حق لا بمعنى أن لها تأثيرا ؛ بل بمعنى أنها سبب عادي كسائر الأسباب العادية يخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شيء وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة انتهى ) ( عون المعبود – 10 / 259 )









[1]  مفردات القرآن1/ 320.
[2]   الحسد بين الهدي النبوي والعلم الحديث للأستاذ الدكتور: خمساوي أحمد الخمساوي نقلاً من موقع: http://www.55a.net
  [3] أخذا من موقع :   http://www.khayma.com


0 comentarios:

Publicar un comentario