lunes, 29 de agosto de 2016

لا يزال الرجل يكذب

0 comentarios
ما هو الكذب :

 - يقول المنفلوطي في النظرات عرّف الحكماء الكذب بأنه مخالفة الكلام للواقع ؛ولعلهم جاروا في هذا التعريف الحقيقة العرفية ( أي الحقيقة التي يعرفها الناس ). ولو شاءوا لأضافوا إلى كذب الأقوال كذب الأفعال . لا فرق بين كذب الأقوال كذب الأفعال في تضليل العقول ,والعبث بالأهواء وخذلان الحق واستعلاء الباطل عليه .

   -  و لا فرق بين أن يكذب الرجل فيقول : إني ثقة أمين لا أخون ولا أغدر فاقرضني ما أرده إليك ثم لا يؤديه بعد ذلك وبين أن يأتيك بسبحة يهمهم بها فتنطق سبحته بما سكت عنه لسانه من دعوى الأمانة والوفاء فيخدعك ألف مرة قبل أن يخدعك كاذب الأقوال مرة واحدة لأنه لا يكتفي بقول الزور بلسانه حتى ينمّ عن قضيته بيّنة كاذبة من جميع حركاته وسكناته .

وحقيقة الكذب هي الإخبار عن الشيء بخلاف الواقع، وليس الإخبار مقصورًا على القول، بل قد يكون بالفعل، كالإشارة باليد، أو هز الرأس، وقد يكون بالسكوت([1]).

-  وقال رجل لأبي حنيفة: ما كذبتُ قط، فقال: أما هذه فواحدة([2]).


الكذب رأس الشرور والآثام :

-  عن مسلمة بن علي قال : قال يزيد بن ميسرة : « الكذب يسقي باب كل شر كما يسقي الماء أصول الشجر.

    ليس الكذب شيئا يستهان به فهو أسّ الشرور ورذيلة الرذائل ؛ فكأنه اصل والرذائل فروع له بل هو الرذائل نفسها . وإنما يأتزر في اشكال مختلفة ويتمثل في صورة متنوعة .

المنافق كاذب لان لسانه ينطق بغير ما قلبه. والمتكبّر كاذب لأنه يدّعي لنفسه منزلة غير منزلته والفسق كاذب لأنه في نقض الإيمان ونقض ما عاهد الله عليك . والنمّام كاذب لانه لم يتّق الله الله في فتنته فيتحرى الصدق في نميمته والمتملّق كاذب لان ظاهره ينفعك وباطنه يلذعك .

   * والكذب يفتح أبواباً كلها تفضي إلى الجحيم.. جحيم الدنيا والآخرة.

فالكذب يفتح أبواب: الرياء، والغش، والمراء، والمداهنة، والتجسس، والتحسس، والنفاق، وترصد عورات الناس، وأخطاءهم، وغيرها من الصفات الذميمة والمكروهة والمذمومة.


   -  قال شيخ الإسلام: "الصدق أساس الحسنات وجماعها، والكذب أساس السيئات ونظامها، فإن الله سبحانه فطر القلوب على قبول الحق، والانقياد، والطمأنينة به، والسكون إليه، ومحبته، وفطرها على بغض الكذب، والباطل، والنفور عنه، الريبة به، وعدم السكون إليه".



-  وقيل في منثور الحكم: الكذاب لصٌ؛ لأن اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك ([3]).

- قال الماوردي :  والكذب جماع كل شر، وأصل كل ذمٍّ؛ لسوء عاقبته، وخبث نتائجه؛ لأنه ينتج النميمةَ، والنميمةُ تنتج البغضاءَ، والبغضاءُ تؤول إلى العداوة، وليس مع العداوة أمن ولا راحة؛ ولذلك قيل: من قلَّ صدقُه قلَّ صديقُه ([4]).

الصادقون اليوم في غربة :

   * لقد هان على الناس امر الكذب حتى انك لتجد الرجل الصادق فتعرض على الناس امره وتطرفهم بحديثه كانك تعرض عجائب المخلوقات وتتحدث بخوارق العادات .

     فويل للصادق من حياة نكدة لا يجد فيها حقيقة مستقيمة وويل له من صديق يخون العهد ورفيق يكذب الود ومستشار غير امين وجاهل يُفشي السر ,وعالم يحرّف الكلم عن مواضعه ,وشيخ يدّعي الولاية كذبا , وتاجر يغشّ في سلعته , ويحنث في إيمانه , وصحفي يتجر بعقول الأحرار كما يتجر النخّاس ( تاجر العبيد ) بالعبيد والإماء ويكذب على نفسه وعلى الله وعلى الناس في كل صباح ومساء .

الفرق بين الكذب والتكاذب :

 حينما يتحول الكذب إلى ثقافة وعادة

    تكذب هو خطأ وقد ترتكبه مرة أو مرتين أو إلى الأبد وقد يتوقف لاحقاً عند الحصول على ما تريد، أمّا من يمارس التكاذب فهذا شأنه شأن، لأن ذلك السلوك يصبح من ضمن صفات الإنسان المكتسبة التي يعتقد فيها أنه أفهم الفاهمين وأذكى الأذكياء ومن حوله هم أناس عاديون جداً وكل شيء ينطلي عليهم، فالذي يمارس الكذب هو مخطئ وخطؤه محصور أو محدود لتحقيق غرض ما، أمّا ممارس التكاذب فهو مخطئ مع سبق الإصرار وخطؤه غير محدود ويشمل نفسه ومجتمعه ووطنه، وهو لا يتوقف عند حد معين

    - قال النبي "محذرًا من الكذب:  وإياكم والكذبَ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل لَيَكْذِبُ حتى يكتبَ عند الله كذابًا  ([5]).

لذلك منع النبي الكذب ولو في أدنى منازله حتى لا يصبح ثقافة وعادة :

  -  « وعن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في بيتنا . فقالت : ها تعال أعطك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه " قالت : أعطيه تمرا فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أما إنك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبة » رواه أحمد وأبو داود .


 - عن سفيان بن أسيد الحضرمي ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق ، وأنت له به كاذب »

ومن ذلك جاء التشديد في الشرع على الكذب و العقوبة الدينية للكذاب :


* ذهاب الايمان وحلاوته وقسوة القلب وحلول النفاق *


-  عن ابن عجلان ، عن أنس ، قال : « إن الرجل ليحرم قيام الليل ، وصيام النهار بالكذبة يكذبها »

-  قال الحسن : كان يقال : « إن من النفاق اختلاف السر والعلانية ، والقول والعمل ، والمدخل والمخرج ، وأصل النفاق الذي يبنى عليه النفاق : الكذب »

-  عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلى ، وقال إني مسلم : الذي إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف »

- وفي الموطأ عنه « لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ، فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين » .
* عذابه يوم القيامة :*

عن سمرة بن جندب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت كأن رجلا جاءني فقال لي : قم ، فقمت معه ، فإذا أنا برجلين أحدهما قائم والآخر جالس ، بيد القائم كلوب   من حديد ، يلقمه   في شدق الجالس ، فيجذبه حتى يبلغ كاهله ، ثم يجذبه فيلقمه الجانب الآخر ، فيمده ، فإذا مده رجع الآخر كما كان ، فقلت للذي أقامني : ما هذا ؟ قال : هذا رجل كذاب يعذب في قبره إلى يوم القيامة »


درجات الكذب وأنواعه :
                                                                                                                                                    

أخطره هو الكذب على الله

ومن أقبح أنواع الكذب، الكذب على الله تبارك وتعالى، أن يكذب على الله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الصف:10].

    -   وقال تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الأنعام:21].
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  [هود:18 .
ومن افتراء الكذب على الله:

    1.  أن يدَّعي الإنسان على الله أنه أحلَّ كذا، وحرَّم كذا، وفرض كذا، دون نصٍّ صحيح صريح سالم من المعارضة من كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم،
·        وإنما يقول فيما اختلف فيه العلماء: أُرجِّح كذا وكذا. ولا يزعم أن هذا حكم الله ورسوله، إلا ما ثبت بحكم قطعيِّ الثبوت، قطعيِّ الدلالة، وإلا سأله الله يوم القيامة من أين لك هذا؟

   -  قال تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59]، {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل:116].

يقول الإمام مالك رحمه الله: "لم يكن أسلافنا يقولون: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسنًا، ونتقي هذا، ولا نرى هذا...

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تفسيره (زاد المسير في علم التفسير : وقد ذهب طائفة من العلماء: إلى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر، ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله مُتَعَمدًا في تحليل حرام، أو تحريم حلال - كفر محض. اهـ.
   2. إذًا من الكذب على الله تعالى تشريع أمرٍ لم يأذن به الله تعالى:

   -   والنبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن عامر الخزاعي يجُرُّ أمعاءه في النار؛ لأنه أول مَن غيَّر في دين العرب، وشرع لهم أمورًا لم يأذن بها الله تعالى، فحرَّم أنواعًا من الإبل أن تركب، وأنواعًا أخرى حرَّم حلبها، وأنواعًا أخرى سيَّبها لآلهتهم المزعومة

    3.  ومن الكذب على الله قول البعض: "يعلم الله كذا وكذا" وهو على يقين أن الأمر بخلاف ذلك، وقد نهى الشرع عن هذا القول كذبًا أو حال الشك؛

       - فقد أخرج البخاري في (الأدب المفرد) بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا يقولنَّ أحدكم لشيء لا يَعلمه: الله يَعلمه، والله يَعلم غير ذلك، فيُعلم اللهَ ما لا يَعلم؛ فذاك عند الله عظيم".

     -   قال الإمام النووي رحمه الله في  الأذكار : وهذه العبارة (يعلم الله) فيها خطر، فإن كان صاحبها مُتيقِّنًا أن الأمر كما قال، فلا بأس بها، وإن كان تشكك في ذلك، فهو من أقبح القبائح؛ لأنه تعرَّض للكذب على الله تعالى، فإنه أخبر أن الله تعالى يعلم شيئًا لا يتيقن كيف هو، وفيه وقيعة أخرى أقبح من هذا، وهو أنه تعرَّض لوصف الله تعالى بأنه يعلم الأمر على خلاف ما هو، وذلك لو تحقَّق كان كفرًا، فينبغي للإنسان اجتناب هذه العبارة". اهـ

4. ويدخل في الكذب على الله ورسوله كذلك الفتوى بغير علم، ولقد حذَّر الله من هذا.

   -  فقال تعالى:  وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36].
   -  وقال تعالى :  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}   [الأعراف:33].

  * قال ابن الجوزي رحمه الله في قوله تعالى: { "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ : "عام في تحريم القول في الدين من غير يقين"   زاد المسير في علم التفسير

    -  وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العِبَاد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذ الناسُ رؤوسًا جُهَّالاً، فسُئِلُوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا».
الكذب على  دينه وسنة نبيه :

 أقبح أنواع الكذب عند الله تعالى أيضًا، الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن كذب علي متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار"

·        الكذب على رسول الله، يقول على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يقُل.

   -  وقد قال علي رضي الله عنه: "لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل". رواه البخاري وغيره
الخطر من الأحاديث الموضوعة:
    والخطر هنا: أن بعض الناس يروي هذه الأحاديث المكذوبة، بعض الخطباء والوعَّاظ والمذكِّرين، لا يعرفون الغثَّ من السمين، ويعمدون إلى هذه الأحاديث التي فيها غرائب ومبالغات، لِيمصمص الناس شفاههم، ويجتذبوا إعجاب العامة، وهي كاذبة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم...

 - وقد روى الإمام مسلم في مقدِّمة صحيحه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن حدَّث بحديث يرى أنه كذب، أو يُرَى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين."     

 ويقول: "كفى بالمرء كذبًا - وفي رواية:  كفى بالمرء إثمًا - أن يُحدِّث بكلِّ ما سمع". لا بدَّ أن ينتقي ويختار.


  - وقد قال الإمام مالك رحمه اللهاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ..

·        وفي وقتنا هذا أصبح العرفون بصحة الأحاديث وتمييز سقيمها عن صحيحها كالكبريت الأحمر.

ظهور الوضع والكذب في الأحاديث ودوافعه :


     -  كان عصر الصحابة من أنظف العصور وأسلمها من حيث استقامة المجتمع وصلاحهم   فكانوا من حملة الآثار عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وجابوا البلدان ليبلغوا ما حملوا من دين الإسلام ، فهم العدول بتزكية من الله تعالى ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجل وأعظم من أن يكذبوا

وكان الصدق شعارهم ، فلم يعرف الكذب بينهم ، وكان الواحد منهم لا يُكذّب الآخر ، بل كان يحرص على التوثّق منه ، والحرص على الحقّ.


v    وومما يؤكد ذلك:

 ما رواه ابن أبي مليكة ، أو غيره ، عن عائشة ، قالت : « ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الكذب ، ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذبة ، فما تزال في نفسه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة ».

  -  وعن عمرو بن ميمون قال: (ما أخطأني ابن مسعود رضي الله عنه عشية خميس إلا أتيته فيه , قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   فرعد حتى رعدت ثيابهقال: فنظرت إليه وهو قائم , محلول أزرار قميصه  قد اغرورقت عيناه , وانتفخت أوداجه , فقال: أو دون ذلك , أو فوق ذلك , أو قريبا من ذلك , أو شبيها بذلك

   - وعن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن  لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟، فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.  

v  وقد عيّن بعض العلماء بداية الوضع :

 حيث ظهر لهم أنه بدأ في سنة أربعين ، وقيل : إحدى وأربعين بعد الهجرة ، على عهد الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، حين تنازع المسلمون شعياً وأحزاباً ، وانقسموا سياسياً إلى جمهور ، وخوارج ، وشيعة ، أي أن الوضع ظهر وبدأ مع ظهور الفتنة والانقسام بين المسلمين.

إذاً فظهور الوضع في الحديث بدأ باندلاع الفتنة التي أشعل فتيلها أقوام من الحاقدين على الإسلام المتّشحين بوشاحه كعبدالله بن سبأ ومن معه فأخذوا ينشروا الإشاعات ، ويضعون الأحاديث ويختلقونها ؛ لينتصروا لمذهبهم ، وحزبهم ، ويثلبوا خصمهم ومخالفهم.

·        وأول معنى طرقه الوضاعون في الحديث هو فضائل الأشخاص ، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم...
             -  كحديث : (عليٌّ خيرُ البشر ، فمن أبى فقد كفر) 
-  وحديث : (الأمناء عند الله ثلاثة : أنا، وجبريل ، ومعاوية (.

الأسباب التي حملت بعض الناس على اختلاق الأحاديث وافترائها

هي أسباب كثيرة جدا ومعقدة ومتراكبة لكن يمكن أن نجمل أهمها فيما يلي :


   1- التقرب إلى الله تعالى بوضع الحديث ترغيباً للناس في الخيرات وترهيباً من فعل المنكرات وهؤلاء قوم ينسبون إلى الزهد والصلاح وهم شر أنواع الوضاعين لقبول الناس موضوعاتهم ثقة بهم ومن هؤلاء : أبو عصمة نوح بن أبي مريم .

- يقول بعضهم: إني رأيتُ الناس قد أعرضوا عن القرآن،  وانشغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة .   

    * ولما قيل له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" . قال: هذا فيمن كذب عليه، ونحن لم نكذب عليه، وإنما كذبنا له! يعني كذبنا لمصلحة دينه.
وهذا عذر أقبح من ذنب، لأنه يدعي أن الدين ناقص وهو يكمِّله، والله تعالى قد أكمل الدين.

 -  قصد الواضع إفساد الدين على أهله وتشكيكهم فيه وهذا إنما صدر عن الزنادقة ومنهم : عبد الكريم بن أبي العوجاء ومحمد سعيد المصلوب .



 -  الانتصار للمذاهب ولا سيما أصحاب الأهواء والبدع كالخطابية (وهي فرقة شيعية) وبعض السالمية ( أتباع سالم  الجواليقي يقولون بالتجسيم وحلول الحوادث)  فقد وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلباً لمخالفهم فقد روى عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته قوله : انظروا هذا الحديث ممن تأخذون فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثاً .



 - الرغبة في التكسب والارتزاق كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث فيوردون بعض القصص المسليَة والعجيبة حتى يستمتع الناس إليهم ويعطوهم وقد اشتهر بذلك جماعة منهم : أبو سعيد المدائني .

 -  قصد الواضع والتزلف إلى الخلفاء والنفاق لهم لتتسع له مجالسهم وتنفق سوقه عندهم ومن هؤلاء غياث بن إبراهيم   ألنخعي   .

6  -  قصد الواضع الشهرة ومحبة الظهور حيث جعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً وجعل بعضهم إسناده المشهور ليستغرب ويطلب سمعه .


** و هناك أسباب أوقعت أصحابها في الكذب من غير تعمد له أهمها ما يلي : **


1-  غلبة الزهد والعبادة على بعض الناس حتى جعلتهم يغفلون عن الحفظ والتميز حتى صار الطابع لكثير من الزهاد الغفلة .

2-  ضياع الكتب أو احتراقها ممن يعتمد عليها ثم بعد ذلك يحدث من حفظه فيقع الغلط في كلامه وذلك مثل : عبد الله بن لهيعة .

3- الاختلاط فقد حصل لقوم ثقات أن اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم فخلطوا في الرواية وقلبوا والمرويات وذلك مثل إسماعيل بن عياش وغيره .

غير أن الله تعالى سخر رجالا حملو لواء الدب عن السنة وجمعها وتنقيحها وغربلتها من الغث والسمين

    -  روح حاتم بن يوسف ، يقول : أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه ، فقلت : يا أبا علي معي خمسة أحاديث ، إن رأيت أن تأذن لي ، فأقرأ عليك فقال لي : « اقرأ » فقرأت فإذا هو ستة ، فقال لي : « أف   قم يا بني تعلم الصدق ، ثم اكتب الحديث ».

الكذب على الناس والافتراء عليهم بالشائعات  :

الكذب كلُّه حرام، ولكنه كما قلنا: درجات ومراتب. وكلَّما شاع الكذب واتَّسع نطاقه، كان إثم صاحبه أعظم.
                                                                                                                                                                                                                       
  - وقد روى البخاري من حديث سَمُرة بن جُندب، أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، رأى رؤيا فيها أشياء كثيرة، ومما رأى في هذه الرؤيا، رجلاً تُشَقُّ أشداقه بكلاليب، حتى يسيل دمًا، ثمَّ يعود إلى حالته، ثمَّ يعود إليه من هو مُوكل بعذابه، فسأل الملكين: ما هذا الرجل الذي يُشَقُّ شدقه؟ فقيل: هذا الرجل يكذب الكذبة، فتؤخذ منه حتى تبلغ الآفاق".
  الكذبة التي تشيع في الناس، هذا يدخل فيه مروجو الإشاعات، الذين يفترون على الناس بالباطل، عندهم قدرة على تطيير الأنباء، مثل وكالات الأنباء في العالم الآن، وما أكثر كذبها بالنسبة للمسلمين، ومثل الصحفيين الذين لا يتحرَّون الحقائق، ويتقرَّبون إلى أصحاب الجاه أو السلطان أو الحزب الغالب أو نحو ذلك، ويرجوِّن الباطل على الناس، لم يعُد كذبًا في مجلس، أو في مجموعة صغيرة، وإنما كذب يقرأه الآلاف، بل ربما يقرأه الملايين في بعض البلاد، كلَّما اتَّسعت دائرة الكذب كان إثم صاحبه أعظم [6].

إن الافتراء على الأبرياء جريمة عظيمة، وخطيئة منكرة .

    -  قال تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) سورة النــور 15. 

    -  قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا سورة الأحزاب 58.

    إن الظن السيئ، والتسرع في الاتهام، رُوّع به أقوام من الأبرياء، وظُلم به فئام من الناس، وهُجر به صلحاء دون مسوغ شرعي.

·        والمبعث على ذلك : العداوة، والسلاسل المظلمة من المجهولين الذين ينقلون الأخبار، والظن الآثم، والغيبة النكراء، والبهتان المبين...

           **  فلا بد أن نتثبت، وأن نتبين، والتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل.

    -  قال عليه الصلاة والسلام إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق  قال: أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).  و البهتان هو الكذب العظيم.

وهناك من الكذب ما تترتب عليه عليه ذمم ومواثيق وعلاقات :
              مثل الكذب في الشهادة، أن يُدعَى الإنسان إلى شهادةٍ ليقول الحقَّ، فيجعل الحقَّ باطلاً، ويشهد بالزِّور.
                                                                        
   -  فهذا كما جاء في حديث الصحيحين من أكبر الكبائر: "ألا أنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين". وكان متَّكأ فجلس، ثم قال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور".


      * قال راوي الحديث أبو بكرة: فما زال يكرِّرها حتى قلنا: ليته صلى الله عليه وسلم سكت.  إشفاقًا عليه صلى الله عليه وسلم. قول الزور، شهادة الزور، لما فيها من ضياع الحق.

الكذب على النفس :
              
فالكذب على الذات حيلة نفسية يلجأ اليها الضعيف للهروب من الحقيقة ومن مجابهة الواقع المر ..

كل من يحاول أن يقنع نفسه بأنه بذل ما في وسعه، واستنفذ كل طاقته، لأداء ما يجب عليه؛ ليسلم من عتاب النفس وتوبيخها، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئاً من ذلك.

إن من يكذب على نفسه ، ويرضى أن تنطلي عليه أكاذيبه ، يصل من ذلك إلى أن يصبح عاجزًا عن رؤية الحقيقة في أيّ موضع ، فلا يعود يراها لا في نفسه ولا فيما حوله ، وهو ينتهي أخيرًا ، لهذا السبب ، إلى فقد احترامه لنفسه واحترامه لغيره . وإذا أصبح لا يحترم أحدًا ، أصبح لا يحبُّ أحدًا ، فإذا هو من أجل أن يتسلى ، لإنّه أصبح بغير حبّ ، يستسلم للأهواء ويندفعُ وراءَ الملذاتِ الخسيسة ، فيهوي عندئذٍ إلى قاع الرذيلة ، ويصلُ من ذلك إلى درجة الحيوانية ، وما هذا كلّه إلاّ لأنّه يكذب بغير انقطاع ، يكذب على غيره ويكذب على نفسه.

هناك نوع من الكذب سيكون مدمراً في النهاية لكل من يلازمه وهو الكذب على النفس؛ فمن شأن الكذب على النفس أن يجعلك تتمادى في العيب والخطأ، فلو تخيلنا موظفاً مقصراً في عمله لكنه يقنع نفسه بأن هذا التقصير ذكاء، وأنه من باب أخذ حقوقه التي تهضمها الشركة؛ فسوف يستمر في هذا التقصير، وستكون النتيجة الطبيعية عدم نيله حقوقه المهضومة، ولا تقدمه في العمل.

ومن الكذب على النفس كذلك أن يقوم طالب بإقناع نفسه بأن هذه المادة لن يأتي فيها أسئلة في الامتحان لأنها غير مهمة؛ لكن السبب الحقيقي هي أنها صعبة، ومن الكذب على النفس أن تقنع نفسك بحب شخص تتعامل معه من الجنس الأخر مع أنك لست في حالة حب أبداً.

   - (ديكارت) كان ذكياً بمبدأ الشك بكل الأفكار التي لدينا، حيث ينبغي علينا مراجعة كل الأفكار والقناعات التي لدينا والتي نعيش على أساسها لنصل إلى القرارات الخاطئة التي نعيش عليها، ونقوم بإيقاف تنفيذها، ونصلح قليلاً من حياتنا،
أنت تكذب على نفسك وتخدع ذاتك وتدخلها في نفق الحسابات المعقدة وتمارس عليها أقسى أنواع الكذب؛ لأنك تحاول أن تخدعها وتقسو عليها وتجردها من إنسانيتها وتعاملها بهمجية عندما تكذب عليها وتلبسها رداءً لا يناسب مقاسها، فتتعرض شخصيتك للارتباك وعدم التوزان وللسقوط المتكرر، وذلك عندما تحاول المرور بهدوء بين وجوه المحيطين بها لتقنعهم بصدق هذه النفس وشفافيتها.

إنها حكمة الكذب على النفس التي تجعلك يومياً تتحول إلى طالب نجيب في مدرسة لا يصطف الطلبة في طوابيرها ولا يجلسون جماعات في فصولها.. وقد لا يلتقون إلاّ صدفة في حبك.. تفاصيل الحكايات التي تبدأ بالكذب وتنتهي به.. فأنت تخترع الكذبة وتحفظ تفاصيلها جيداً ثم تنطلق إلى مسرح الكذب لتلعب دور البطولة فيه وحدك.
وذكر أن بعضهم يحاول أن يضفي المديح على نفسه، ومنهم من يردد أمام مجتمعه أنه شخص مهم، ويضطر لأجل ذلك الظهور لشراء سيارة فارهة والسكن في منزل راقٍ، وفي حال كانت امرأة فإنها تضطر لارتداء مجوهرات غالية الثمن وملابس من أرقى الماركات، مما يضطرهم إلى تحمل الديون والوقوع في مشاكل مع الآخرين نتيجة المظاهر المخادعة.
·        إن استطعت ان تكذب على نفسك التي تعتبر اغلى شيء لديك فبالتالي سيكون من السهل جداً ان تكذب على الناس.

   الكذب آفة فالبعض يعيش كذبته ويصدقها. والبعض يعوض ما لديه من نقص بالكذب او ليعطى لنفسة قيمة فى نظر الاخرين فيغطى على ضعف فى شخصيتة ويعيش خيالات من إيحاء وتعايش مع أكاذيبه !!!

فهو يعيش في عالمه الذي صنعه هو لنفسه و كلما قابله الواقع اخترع كذبة أخرى كي لا يرى الحقيقة المرة أمامه













 (3) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي، وانظر: كتاب الأخلاق لأحمد أمين،  ص 199.
 (5) المحاسن والمساوئ لإبراهيم البيهقي، ص 443.
 ([3]) (3) أدب الدنيا والآخرة، ص 261.
 (2) أدب الدنيا والدين، ص 262.
 (1) رواه البخاري 10/422، ومسلم (2607) .
[6] موقع القرضاوي 

0 comentarios:

Publicar un comentario