jueves, 10 de diciembre de 2015

تفشي الكذب ودوافعه

0 comentarios
لماذا يكذب الناس (الدوافع) :

     لماذا يكذب الناس ، وهل يلجأون للكذب كحيلة للهروب من الواقع أم كوسيلة لتجميل صور ذواتهم في مرآة الآخرين على مبدأ – لا نكذب ولكن نتجمل – وهل أصبح للكذب فلسفة خاصة في زمن تعليب القيم والمعايير .

    - تقول دراسة حديثة وضعها عدد من الباحثين في جامعة كاليفورنيا الجنوبية أن الإنسان بصورة عامة يكذب كل 8 دقائق كمعدل وسطي ، بعدما زودوا 20 شخصاً بأجهزة للتنصت وجعلوهم يراقبون سراً تصرفات مجموعة من الرجال والنساء ، وتذهب الدراسة المذكورة إلى أن أكثر الناس ميلاً إلى الكذب هم الذين يقيمون علاقات اجتماعية كثيرة أو يسعون بحكم مهنهم وراء المعلومات ، ويندرج ضمن هذه الفئة : الباعة ، السكرتيرات ، الأطباء ، الصحفيون ، المحامون ، العلماء النفسيون .. والسياسيون والشعراء وكشفت أجهزة التنصت أن بين كل ثلاثين كاذباً توجد عشرون امرأة وعشرة رجال .[1]

1.     إبرازا للذات وحبا للظهور والتفوق :  و ذلك بمحاولة إرضاء الآخرين أو إسعادهم أو إضحاكهم :

-  عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن يترك المراء  وإن كان محقا ، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه »

-  « وعن عبد الله بن عامر - رضي الله عنه - قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في بيتنا . فقالت : ها تعال أعطك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه " قالت : أعطيه تمرا فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أما إنك لو لم تعطيه لكتبت عليك كذبة » رواه أحمد وأبو داود .

-  وللترمذي وحسنه مرفوعا : « ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب . ويل له ويل له .

2.     قد يكذب البعض شيطنة وحقدا وانتقاما وإفسادا لذات البين :

·        فبعض الناس عياذًا بالله لا يهدأ له بال، ولا يقرّ له قرار حتى يفسد ذات البين، ويفرق شمل المتحابين، فتراه يختلق الأقاويل، وينسج الأباطيل تلو الأباطيل؛ ليفسد بذلك ذات البين، ويحل محلها القطيعة والبين.

فهذا العمل بلية عظيمة، ورزية جسيمة؛ فكم تقطعت لأجله من شواجر، وكم تَفَصَّمَتْ من روابط، وكم تحاصَّت من أرحام.
               ولا يقوم بهذا الصنيع إلا دنيء النفس حقيرها، فإصلاحه عزيز، والحيلة معه قليلة.

·        وهناك من إذا خالفه أحد، أو كان بينه وبين أحد عداوة   بدأ يبحث عمّا يشفي غليله من هذا المخالف أو المعادي، فتراه يكذب عليه، ويلصق التهم به، ويغري به عند أصحاب المناصب وأرباب الولايات؛ رغبة في إلحاق الأذى بهذا المخالف أو المعادي.

·        وهناك من إذا خالفه أحد، أو كان بينه وبين أحد عداوة   بدأ يبحث عمّا يشفي غليله من هذا المخالف أو المعادي، فتراه يكذب عليه، ويلصق التهم به، ويغري به عند أصحاب المناصب وأرباب الولايات؛ رغبة في إلحاق الأذى بهذا المخالف أو المعادي.

3.     غياب الوعي عند الطرف الآخر (المتلقي ، المستمع ، المستفيد ...) .

     -   يقول بعض الخبراء بأن سذاجة بعض الناس هي التي تجعل من الكاذب كاذبا محترفا

    ذلك أن كل مَن مارس السياسة، أو تدبير شأن عمومي مِن أي موقع كان، يعرف بالسليقة، أن أكثر ما تحتاجه الحشود، ليس عملا جيدا، ينتشر خيره بينهم، بل إلى مَن يُحسن مُخاطبتهم، حسب عُقولهم، ألم يصف القرآن عشرات المرات "أكثر الناس" بأنهم "لا يعقلون"؟ فكيف لِمن لا يعقل، أن يتدبر الكثير من تعقيدات الحياة، فبالأحرى أن يتبين سواء السبيل في متاهاتها؟

·        الحقيقة قد تكون مرة  قاسية ، يصعب قبولها :

      -  كما يقول أنس منصور : لان الحقيقه وحيده فهي خائفه ، و لذلك يجب ان نحميها بجيش من الاكاذيب.!!

فالحقيقة وجه ليس دائما صبوحا او مرغوب به لذلك كثيرا ما يعمل البعض على تجميله حسبما يشتهي ويتمنى !

    -    قيل في أساطير الأقدمين ..
   إن الكذب والحقيقة ذهبا أحد أيام الصيف ليستحما في ينبوع بللوري .. فخرج الكذب من الماء أولاً وارتدى ثوب الحقيقة وانطلق !!!
فلما خرجت الحقيقة لم تجد ثوبها، لكنها أبت أن ترتدي ثوب الكذب فسارت بين الناس مجردة ، عارية ..
فصدموا من جرأتها، واتهموها بالوقاحة في بادئ الأمر... ولكنهم مع مرور الأيام اكتشفوا أن الحقيقة التي تصدم خير من الكذب الذي يخدع ...

·        الخوف الناجم عن التزام الصدق  :

في ظروف ناشئة من سلطة أو حالة استبداد وقهر أو من مواجهة الخطر ، حيث يصبح الكذب"-كما يشير – وسيلة لحماية الذات، لكن استمرار هذه الظروف لابد أن يؤدي بفعل العادة إلى انعدام الشعور الأخلاقي بمساوىء الكذب وإلى نشوء وتزايد الانسجام بين المصلحة الفردية والكذب ، واتساع دائرة ممارسته فيتفشَّى القلق والخداع والغش والاحتيال والخيانة والسرقة ، وتفسد الضمائر.

·        تربيتنا على الكذب والغش والنفاق :

   بالطبع , يعتقد أغلب الآباء أن أطفالهم يدركون أن الكذب سلوك غير مقبول , لكن هذه التجارب تشير إلى أن الأطفال لا يصبحون أكثر صدقاً كلما زادت أعمارهم – بل أنهم يطورون من أساليب كذبهم ....

-   يقول كانج لي وهو باحث في جامعة تورنتو " إن فريق عمله تفاجأ من كم الكذبات التي يكذبها الآباء , وأوضحت نتائج بحثنا أنه حتى الآباء الذين يحثون أولادهم بشدة على الأمانة والصدق هم أنفسهم يربون أولادهم على الكذب.

·        الكذب حماية لمصالحنا ومنافعنا :

    -  تؤكد الدراسات : 1. بوجه عام فإن أكثر من (50%) من كذبنا "لصالحنا", أي أن الكذبة تكون في صالح الكاذب فالمتقدم للوظيفة التي ينمق سيرته الذاتية ويكذب بشأن خبرته السابقة أثناء المقابلة الشخصية من الواضح جداً أنه يكذب لمصلحته هو وليس لمصلحة أي شخص آخر.

   2.  وهناك (25%) من كذبنا "لصالح الآخرين" , نريد من خلاله حماية شخص آخر , فربما نقول لزميل لنا مثلاً: "كان  عرضك رائعاً" , رغم أننا كنا نلعب لعبة السكودو تحت الطاولة أثناء تقديمه العرض لنكسر إحساسنا بالملل.

·        لذلك يقال : تصدر أكبر الأكاذيب ممن لديهم الكثير ليفقدوه.

وفي ظل مناخ مثل هذا، ما الذي نتوقعه من أصحاب هذه النزعات المادية الذاتية الشخصية، غير أن يدوسوا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية في سبيل تحقيق طموحاتهم وأطماعهم؟!.

إخبار النبي - ص- بفشو الكذب في الناس  :
                                                                                                                              
   -   عن جابر بن سمرة السوائي ، فقال : خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية ، فقال : يا أيها الناس ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم اليوم ، فقال : « أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها ، ويحلف على اليمين لا يسألها ، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، فلا يخلون أحدكم بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما ، من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ».


   -  عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « يوشك أن لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق ، ويكثر الهرج » ، قيل : وما الهرج ؟ قال : « القتل ».

عن عاصم الأحول ، قال : سمعت أبا العالية ، يقول : « أنتم أكثر صياما وصلاة ممن كان قبلكم ، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم ».
صناعة الكذب في زماننا :

     الفن صناعة، والحب صناعة، والازدهار صناعة، والبُغْض صناعة، وكذلك الكذب صناعة؛ فالكذب رأسُ كل خطيئة، وقلب كل بليَّة، ودأب كل رزية، وهو من أقصرِ الطرق إلى النار، ما يزال الكذَّاب يكذب ويتحرَّى الكذب، كذبة ثم كذبة تنتهي إلى مصنع متحرِّك للكذب، حتى يُكتَب في سجلِّ الكذابين المفترين، والعياذ بالله، ويصبح هذا خُلقًا وديدنًا له، يصبح عليه ويمسي عليه، يصوم عليه ويُفطر عليه، يصبح أحلى عنده من العسل، وألذَّ عنده من المطعَم والمشرَب.
   قد  تحول   الكذب في عالمنا إلى  فن عظيم وليس من الممكن على  أي إنسان من أن يصبح كاذبا محترفابسهولة ، فالكذب بحاجة إلى ممارسة وخبرة ومفهومية .

سار الكذب  فنا  له أساتذة ومدرسه وله أناس متخصصون في إخراج الكذبة من البداية إلى النهاية دون أي رتوش ودون أن تشعر كمتلقي بأنها كذبة ...

       نعم.. للكذب والتضليل والتشويه فن يُدرّس في كليات الإعلام والعلوم السياسية، وربما كليات أخرى..

فلكي يكذب الإنسان يحتاج لقدرات ذهنية (تفكير جيد وذاكرة قوية ومنطق متطور وخيال واسع وتبريرات جاهزة)، وقدرات نفسية وانفعالية، مثلا لتحكم بمشاعره وتعابير وجهه وتصرفاته وتكييفها حسب الوضع الذي يخلقه عندما يكذب، وهذه القدرات اللازمة للكذب يجب أن ترافقها استعداد الشخص أخلاقياً وتربوياً للكذب.
صناعة الكذب والتزييف في عالم الإعلام :

  إن  الإنسان قد يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال لمعلومة يعرفها، أو لكلمات يقرؤها، أو لخطبة يسمعها، وهذا التحول قد يكون إيجابيًّا، وقد يكون سلبيًّا؛ تبعًا للكلمات التي يتلقاها. ولقد تحوَّل العرب الجفاة الغلاظ إلى بناة حضارة، وقادة إنسانية عندما سمعوا كلمات القرآن الكريم.

     هناك حقيقة يعرفها كل دارس لحياة المجتمعات وأفكارها، وهي أنّ "الشيء إذا تكرر تقرر"؛ فالأمر الذي يظل صاحبه يكرره بلسانه وقلمه على مسامع الناس قد يصدم الناس أول مرة، ولكن في الثانية لن يستنكروه أما بعد عدة مرات فسيتحول هذا القول إلى حقيقة مقررة يستشهد بها الناس في حواراتهم لإثبات أمور أخرى.

   1.  يقوم بعض بعض الإعلاميين باختلاق الكذبة، ثم يتحدثون عنها ويستضيفون من يؤيدها، ويظل الأمر لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، حتى يتحدث المجتمع كله عنها، وبعد ذلك يثبت كذب القصة ولكن لا أحد من الجمهور يعلم بذلك، فقد ثبت في قرارة نفسه أن ما سمعه أو رآه حقيقة لا تحتمل الجدل.

·        أصدرت سلسلة (عالم المعرفة) الكويتية (مرّتين) كتاباً بعنوان (المتلاعبون بالعقول: كيف يجذب محرّكو الدُّمى الكبارُ في السياسة والإعلان ووسائلِ الاتصال الجماهيري خيوطَ الرأي العام..) الكتاب من تأليف: هربرت شيلر، وعنوانه الحرفي بالإنجليزية: مديرو العقول.

       -  قال المؤلف في مقدمته: "يقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عمليةِ تداولِ (الصورِ والمعلوماتِ)، ويشرفون على معالجتها، وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها. تلك الصور والمعلومات التي تحدّد معتقداتنا، ومواقفنا بل وتحدّد سلوكنا في النهاية. وعندما يعمد مديرو أجهزة الإعلام إلى طرح أفكار وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول. 

      -  قال بعض الإعلاميين : [2]
حينما يتحول الحق إلى شك..
ويتحول الشك إلى زور..
ويتحول الزور إلى بهتان.. فتش عن الإعلام..
اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصدق..
هؤلاء المتلاعبون بالعقول بكل منهجية وبكل إبداع يستحقون من الناحية المهنية كل إعجاب، حتى وإن كانوا من الناحية الأخلاقية يستحقون كل احتقار”.

-  وفي أمريكا مثلا فإن الوسائل الإعلامية المؤثرة تغيِّر تمامًا من الرأي العام الأمريكي، وتبرز اليهود دائمًا في صورة طيبة جميلة، وتبرز أعداءهم في صورة إرهابية مقيتة. كما أن هذه الوسائل الإعلامية تؤثر بشكل مباشر على انتخابات الرئاسة وغيرها من الانتخابات[3]

الكذب في عالم السياسة :

يقول البعض بأن فن الكذب هو التعريف الأشمل لعلم أو للعلوم السياسية ويجب أن يكون الكذب متزنا وخارجا من عقول مدربة على فن الإقناع وإذا فشل رجل السياسة في الكذب فهذا معناه شيئ واحد وهو الافتقار إلى فن الكذب والدعاية السياسية

  -  مرة ذهب مرشح للبرلمان الإيطالي إلى إحدى المناطق النائية في إيطاليا من أجل إشهار حملته السياسية الدعائية وقدم لأهل المنطقة وعودا كثيرة حتى أنه نسي نفسه وهو يكذب على الشعب إلى أن قال لهم : سأبني لكم جسرا كبيرا في هذه المنطقة لكي يريحكم أثناء التنقل بدل أن تقطعوا النهر في قوارب فنظر إليه المواطنون وقالوا له : بس إحنا ما فيش عندنا في منطقتنا نهر أو بحر حتى تبني لنا عليه جسرا فقال لهم : مش مهم راح من أجلكم أبني لكم نهرا أو بحرا لأبني عليه الجسر فسخر منه المواطنون وفشل في عملية الانتخابات وخسر حملته الدعائية .

·        لأن السياسة، كما يقول أكبر دهاة السياسة «ديغول»، هي فن استغفال الناس !!
الفرق ببساطة بين السياسة وعدم السياسة هو في أن تكون كاذباً أو صادقاً، أو في أفضل الأحوال تكون هوايتك عندما لا تجد ما تفعله هو أن تكذب على الآخرين، وإن لم تجد تكذب على نفسك بأنك رجل صادق، وأنك لا تكذب ولكن تتجمل!!
السياسة هي فن الكذب:

علمونا أن السياسة هي فن الكذب وأن السياسيّ الناجح هو السياسيّ الذي يجيد التلوّن والتحوّل من موقع لآخر فتارة يكون في اليمين وأخرى في اليسار .فلا يشعر بالحرج من ذلك. ونحن لا نشعر أنه أخطأ بل نبرر ذلك لأننا تعلمنا أن السياسة هي هكذا لا قيم لها ولا أعرافْ. بل غابةٌ من المتناقضات يجوز فيها كل شيء. وعندما اقتنعنا بذلك أعطينا للسياسي جواز العبور إلى حيث يشاء وأن يفعل ما يشاء وأن يشرّع ما يشاء فتركنا سفينة الدولة تبحر بدون اتجاه . وهنا كل تبريرات فشل النظام تصبح مقبولة وعادية

     فيزداد رجل السياسة وجاهة وقوة كلما زاد كذبه واحتياله على الناس والظروف والأيام والليالي والسنين 

  -  فالسياسي، كما قال ميكيافيلي، لا ينتصر فقط بالقوة ولكن بالحيلة والخديعة أيضا.

   ثم إنّ السياسة حلبة خطباء، ومجال الأخذ والرد، وتقوم أساسا على استمالة الجمهور واستقطاب الرأي العام لتحقيق الغلبة على الخصوم والاستحواذ على الفضاء العمومي. ولما كان الناس، كما يقول نيتشه، لديهم ميل فطري للانخداع، فإنّ السياسي لا مفر له من التوسل بحسن الخطاب، وبلاغة القول، وبصنوف من الكذب ومشتقاته من مكر ودهاء لاستثارة خيالهم، وتأجيج آمالهم، وشحذ هممهم، ولنا خير مثال على ذلك في كذبة "الحاج فرانكو"[4] التي وظفها فرانكو لاستمالة المغاربة إلى جانبه في الحرب الأهلية الإسبانية.[5]

   إنّ الكذب السياسي يقوم أساسا على الأقاويل الخطابية والجدلية ولا يقوم على الأفعال والبرهنة العقلية ما دام لا يتوجه إلى الخاصة بل إلى العامة؛ وبالتالي، فهو في أساسه قول تخييلي يقوم على علاقة فاسدة بين القول والحقيقة.

   -  وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم, شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر."

·        فما دمنا لا نستطيع تغيير الواقع، فلنأمل على الأقل، أن نتوفر على مَن يعرف كيف يكذب علينا، فنكون من المُفلحين.

ولكن: هل بالكذب نبني دولة واقتصاداً قوياً وثقافة قوية متحضرة ؟

    -  وقد قال أبرهام لنكولن الرئيس الأمريكي الذي اشتهر بأنه محرر الرقيق في أمريكا بعد حرب أهلية شعواء في تلكم القارة حين قال: (إنك تستطيع أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت .

هل بالكذب نبني أجيالاً تصلح لتقود المستقبل بثبات واقتدار؟
كيف يكون الكذب مرفوضاً أخلاقياً وعند كل الشعوب وفي نفس الوقت يصبح زاد السياسيّ اليومي يعيش منه وعليه ؟ كيف نوفّق بين الكذب الذي يُذهب الثقة بين الناس ويزرع العدوات, وبين عمل السياسيّ ...وهل كذب السياسيّ لا يجلب العداوات بل المحبة ؟؟هذه المقولة أعتقد أنها زُرعت في عقولنا بهدف تخديرها لنرضى كل أفعال السياسيين ونخضع لها ولا نناقش بها . فلا نرى ماذا يفعلون أو يخططون فتتحول الدولة إلى مزرعة شخصية وليس بيتا كبيرا للجميع يحتاجه الجميع. بيتا يحتاج الحبّ والتعاون والتفاني ...

·        في السياسة يجب أن نميز بين نوعين من السياسة:

   1. على صعيد السياسة الداخلية: فالسياسة هنا هي علاقة شركاء أحدهم مدير والثاني وزير والثالث رئيس والرابع موظف عادي .هي علاقة صادقة بين النظام والشعب يتكلم فيها النظام بصدق, ويوضح بصدق, وينظر للجميع كإخوة أو أبناء له, فلا يستغلّ الشعارات ويركبْ موجة العظمة والكبرياء .

  2. أما السياسة على الصعيد الخارجي فهي فنّ الممكن وليست الكذب والتلوّن .وفنّ الممكن هو أن نسلك كلّ الطرق الممكنة التي تجلب الخير والمنفعة وتحقق مصالح الشعب . فالعلاقات الدولية تحكمها المصالح والمنافع. والذي يملك أوراقا أكثر وأكبر في لعبة المصالح يستطيع أن يحقق ويكسب أكثر ..وهنا نجد أن الصادق مع نفسه وشعبه يستطيع أن يبني اقتصادا أقوى ومجتمعا متماسكا و يستطيع أن يتبوأ وطنه مرتبة أعلى ويكون له دور فاعل أكبر وحضور مؤثر في العلاقات الدولية

لا مجال لأهل الأخلاق والقيم في فنون الكذب :
                                                                                                                           
-  عن صفوان بن سليم قال قيل ، لرسول الله « أيكون المؤمن جبانا ؟ قال : نعم . قيل أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : نعم . قيل أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا » .

-  عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب ، قال : « لا تنظروا إلى صلاة أحد ، ولا إلى صيامه ، ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق ، وإذا ائتمن أدى ، وإذا أشفى ورع  »

هنا نعلم - في تاريخنا - سبب نجاح الأمويين بقيادة معاوية وبعده ابنه اليزيد وريثا للحكم.... وفشل آل البيت في اعتلاءء السلطة لأن أولئك عمدو إلى فن الدعاية والتزييف والكذب واستغفال الناس ، وآل البيت كانت عمدتهم المبادئ والأخلاق والصدق ولا مكان للسياسة في ذلك .!!

عالم الكذب اليوم في التجارة والتسويق :

    - وفي الحديث الصحيح عند مسلم: "ثلاثة لا يكلِّمهم الله، ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولهم عذابٌ أليم". قال أبو ذر: مَن هم، يا رسول الله؟ لقد خابوا وخسروا. فكان من هؤلاء الثلاثة: المنفق سلعته بالحلف الكاذب".
    الذي ينفق سلعته ويروِّجها، والله لقد اشتريتُها بكذا، والله إنها أحسن سلعة في السوق، والله لقد بعتُ منها بكذا وكذا، وهو كاذب في هذا. المنفق سلعته بالحلف الكاذب، في هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلف مَنفَقَة للسلعة، مَمحَقَة للبركة"  الكذب في الحلف.

-  عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ، ممحقة  للكسب »

 -  يحيى بن أبي كثير ، عن أبي راشد ، أنه سمع عبد الرحمن بن شبل ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن التجار هم الفجار   » ، قيل : يا رسول الله ، أليس قد أحل الله البيع ؟ قال : « بلى ، ولكنهم يحلفون فيأثمون ، ويحدثون فيكذبون ».

-  عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة  يمنعه ابن السبيل  ، ورجل بايع رجلا على سلعة بعد العصر فحلف بالله أخذها بكذا وكذا فصدقه ، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا ، فإن أعطاه منها وفى له ، وإن لم يعطه لم يف له »
صناعة الكذب في عالم الفن :

  -  وتعتبر هوليوود -وهي مدينة السينما الأولى في العالم- مدينة يهودية خالصة، والجميع يعلم ذلك، ولقد قال قبل ذلك الممثل الأمريكي العالمي مارلون براندو سنة 1996م: "إن هوليوود يديرها اليهود، ويملكها اليهود، يظهرون دائمًا مرحين لطفاء محبين كرماء، في الوقت الذي يفضحون فيه أية مجموعة عرقية أخرى".

·        فيجعل الحرب "فعلاً أمريكياً مأساويا "، وليس فعلا أمريكيا إجراميا!.

مشايخ الدين والكذب :

· هنالك دعايات مضللة من قبل شيوخ الدين عن مشاهد يوم القيامة طبعا وكلها كذب في كذب وافتراء على لله

ما يجوز فيه الكذب :


جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة تستثني من تحريم الكذب بعض الصور والحالات ، ومن هذه الأدلة :
-   حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا) رواه مسلم 2605

-   وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) رواه البخاري (3611) ومسلم (1066 .

·        استنبط العلماء من الأدلة السابقة ـ وغيرها ـ بعض الأحكام ، منها :

  1-   الكذب ليس محرماً لذاته ، بل لما يترتب عليه من المفاسد .
  2-   إذا كان الكذب سيؤدي إلى دفع مفسدة أعظم ، أو جلب مصلحة أكبر : صار جائزاً حينئذ .

وينبغي عدم التهاون في شأن الكذب مع دعوى أنه لدفع مفسدة ، بل لا بد من الموازنة الصحيحة ، بين المصالح والمفاسد .

   3-  من استطاع أن يستغني عن الكذب باستعمال التورية والمعاريض : فلا شك أنه أولى وأفضل ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب).[6]

ومعنى المعاريض : أي الكلام الذي يظنه السامع شيئاً ويقصد المتكلم شيئاً آخر .

·        وهذه أقوال لبعض العلماء في تقرير هذه الأحكام .

     **   قال أبو حامد الغزالي رحمه الله " : اعلم أن الكذب ليس حراماً لعينه ، بل لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره ، فإن أقلَّ درجاته أن يعتقد المخبَر الشيء على خلاف ما هو عليه فيكون جاهلاً ، وقد يتعلق به ضرر غيره .
ورب جهل فيه منفعة ومصلحة ، فالكذب محصل لذلك الجهل ، فيكون مأذوناً فيه ، وربما كان واجباً .
فنقول : الكلام وسيلة إلى المقاصد :

1 -          فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً : فالكذب فيه حرام .
2 -         وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق : فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً .

   3 -      وواجب إن كان المقصود واجباً ، كما أن عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ، ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بكذب : فالكذب مباح إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ؛ لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه ، وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة ، فيكون الكذب حراماً في الأصل إلا لضرورة .
فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره .

     كما لو أخذه ظالم ويسأله عن ماله : فله أن ينكره ، أو يأخذه سلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها : فله أن ينكر ذلك فيقول : ما زنيت ، وما سرقت ، وقال صلى الله عليه وسلم : (من ارتكب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله) وذلك أن إظهار الفاحشة فاحشة أخرى ، فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلماً ، وعرضه بـلسانه وإن كان كاذباً .
وكما لو سأله سر أخيه فله أن ينكره .  وكما لو أراد أن يصلح بين اثنين ، وأن يصلح بين الضرات من نسائه بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه ، وإن كانت امرأته لا تطاوعه إلا بوعد لا يقدر عليه فيعدها في الحال تطييبا لقلبها ، أو يعتذر إلى إنسان وكان لا يطيب قلبه إلا بإنكار ذنب وزيادة تودد فلا بأس به .

ولكن الحد فيه أن الكذب محذور ، ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور ، فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ، ويزن بالميزان القسط .
فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعاً في الشرع من الكذب فله الكذب ، وإن كان ذلك المقصود أهون من مقصود الصدق فيجب الصدق ، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما ، وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى ؛ لأن الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة ، فإن شك في كون الحاجة مهمة فالأصل التحريم ، فيرجع إليه .
ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ، وكذلك مهما كانت الحاجة له فيستحب له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب ، فأما إذا تعلق بغرض غيره فلا تجوز المسامحة لحق الغير والإضرار به ، وأكثر كذب الناس إنما هو لحظوظ أنفسهم ، ثم هو لزيادات المال والجاه ، ولأمور ليس فواتها محذوراً ، حتى إن المرأة لتحكي عن زوجها ما تفخر به وتكذب لأجل مراغمة الضرات ، وذلك حرام .
 -   وقالت أسماء : سمعت امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : إن لي ضرة ، وإني أتكثر من زوجي بما لم يفعل ، أضارها بذلك ، فهل علي شيء فيه ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) متفق عليه .

وكل من أتى بكذبة فقد وقع في خطر الاجتهاد ، ليعلم أن المقصود الذي كذب لأجله هل هو أهم في الشرع من الصدق أم لا ، وذلك غامض جدا ، والحزم تركه ، إلا أن يصير واجباً بحيث لا يجوز تركه ، كما لو أدى إلى سفك دم أو ارتكاب معصية كيف كان .
وقد نقل عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب ، قال عمر رضي الله عنه : أما في المعاريض ما يكفي الرجل عن الكذب . وروي ذلك عن ابن عباس وغيره .
وإنما أرادوا بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب ، فأما إذا لم تكن حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعاً ، ولكن التعريض أهون" انتهى باختصار من "إحياء علوم الدين الغزالي" (3/136-139) .

   **  وقال العز بن عبد السلام رحمه الله :(الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة , فيجوز تارة ويجب أخرى ، وله أمثلة :
     أحدها : أن يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز .
وكذلك الكذب للإصلاح بين الناس وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته...- ثم ذكر صوراً أخرى يجوز فيها الكذب ثم قال :–  التحقيق في هذه الصور وأمثالها أن الكذب يصير مأذوناً فيه" انتهى من " قواعد الأحكام " (ص/112) .

   **  وقال ابن حزم رحمه الله : (ليس كل كذب معصية ، بل منه ما يكون طاعة لله عز وجل وفرضاً واجباً يعصي من تركه ، صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً) ، وقد أباح عليه السلام كذب الرجل لامرأته فيما يستجلب به مودتها ، وكذلك الكذب في الحرب .

   ثم نقل الإجماع على أن المسلم يجب عليه أن يكذب إذا سأله سلطان ظالم عن مكان مسلم ليقتله ظلماً ، وأنه إن صدقه وأخبره بموضعه كان فاسقاً عاصياً" انتهى من " الفصل في الملل " (4/5) .

     *   فمثلا في الحرب :
- وعن أسماء بنت يزيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ، فقال : « ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما تتابع الفراش في النار كل الكذب ، يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب » .

·        وبإسناده هذا إلا رجل يحدث امرأته ليرضيها هكذا رواه عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن ابن حوشب ، ورواه إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله وزاد فيه : « أو إصلاح بين اثنين ».






[1] موقع مجلة - الديار اللباننية
[2]   الإعلامي يسري فودة إحدى حلقاته سري للغاية على قناة الجزيرة  ...
[3] راغب السرجاني / مقال : الإعلام اليهودي وقيادة أمريكا . من موقعه على الإنترنيت . حيث يبين سيطرة اليهود الشبه كاملة على القنوات والمجلات والصحف وشركات الإنتاج...
[4] عندما انقلب الجنرال فرانكو على الحكومة الجمهورية في يوليوز 1936، كان في حاجة إلى محاربين بشجاعة المغاربة لمواجهة أعدائه أثناء الحرب الأهلية التي استمرت ثلاث سنوات،  ولكي يقنعهم بالمحاربة إلى جانبه ويضمن، في المقابل، عدم انضمامهم إلى صفو الجمهوريين، روّج فرانكو فكرة أنه «دخل الإسلام».. الحاج» فرانكو!..
 [5] حمد المصباحي: "هل يمكن الكلام عن الحق في الكذب في المجال السياسي؟"، ضمنفلسفة الحق، كانط والفلسفة المعاصرة، تنسيق: محمد المصباحي، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 143، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2007. ص ص 191-221
[6]  رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (10/199) .

0 comentarios:

Publicar un comentario