jueves, 19 de noviembre de 2015

وإنها لكبيرة الا على الخاشعين

0 comentarios


قد تتحول الصلاة إلى مجرد حركات وروتين يومي:
الأرقى من الصبر على أداء الصلاة؛ الصبر على الاستفادة منها.
ومنشأ الحاجة إلى هذا اللون من الصبر، وهو طبيعة الحسّ البشري.
إنّ أروع المناظر الطبيعيّة هي في معرض أن تتحوّل لديك إلى أمور عاديّة إذا تكرّرت مشاهدتك لها، وكذلك كلّ معنى بديع وشعور جميل ونعمة سابغة.

   - ألا ترى الذين يعيشون وسط مناظر الطبيعة الجميلة - من غير ذوي الإحساس المرهف - لا يثير وجدانهم الجماليّ جبلٌ تشتبك خضرته بأشعة الشمس عند الأصيل، وتتراقص أطياره على خرير واديه، وتبعث أزاهيره عطاءها في نسيمه العليل... حتى إنّ حسّهم لا يكاد يفرّق بين هذا الجمال الباذخ، وبين قاعٍ بلْقع، ووادٍ يابس!

-  ألا ترى الأغنياء وأبناء الأغنياء - من غير ذوي الإحساس المرهف - كيف يفقدون الإحساس بالغِنى والمال والجمال...
-  وقرّاء القرآن ذوي الإيمان الخافت، قد حُرموا من مروج القرآن وينابيعه وسخائه؛ ذلك أنّ النفس البشريّة يطرأ عليها التلبّد إذا تكرّر عليها الشيء الجميل، ما لم تعط لذاتها على الدوام دفعة الحيويّة اللازمة من أجل الحفاظ على جدّة إحساسها وإرهافه.
والصلاة بأوضاعها ومحتواها لوحة غنيّة بالعطاء والجمال، ولكنّ ضرورة تكرارها اليومي تجعلها في معرض أن تتحوّل إلى عمل شكلي يتبلّد إحساس النفس به، وتنغلق عن روعته وعطائه... ولذلك كانت هذه الفريضة بحاجة إلى لون آخر من الصبر، يتمثّل في تفتيح العقل والشعور عليها والعودة إلى الحيويّة في أدائها.

   و مفتاح ذلك هو عزمَة الخشوع التي تبدأ فيها صلاتك وتضفي عليها كل مرة معنى جديدا ولذة مختلفة وراحة متجددة... :

الخشوع هو الضامن الوحيد لبقاء معنى الصلاة وعدم تحولها إلى طقس سطحي :
    والخشوع في أصل اللغة الانخفاض ، والذل ، والسكون ، - قال تعالى وخشعت الأصوات للرحمن أي سكنت ، وذلت ، وخضعت ،
   * ومنه وصف الأرض بالخشوع ، وهو يبسها ، وانخفاضها ، وعدم ارتفاعها بالري والنبات ، قال تعالى ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت .

  -  وجعل سبحانه وتعالى الخشوع من صفه أهل الفلاح من المؤمنين فقال:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }  المؤمنون.      
    - وقال {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء : 90].                        

ليس المقصود من الصلاة أداؤها فحسب ، بل مقصود الشارع الحكيم أعم من ذلك وأشمل.

 -  ففي كلام الله عز وجل : ( وأقيموا الصلاة )
 - وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما عدَّد أركان الإسلام : (وإقام الصلاة) ...

 وعليه فإقامة الصلاة تشمل القيام بشروطها وأركانها وخشوعها والمحافظة على أوقاتها ومراعاة سننها وآدابها
لخشوع في الصلاة مسألة ليست بالسهلة :

فالمشكلة التي تكمن في عدم تحقيق الخشوع في الصلاة: هي هذه الحالة من هجوم الخواطر والخيالات والأوهام في الصلاة.. فالصلاة من الأمور الهامة التي تغيظ الشيطان ، لأنها تمثل لقاء العبد بربه ، و من المعلوم ان من ثمرات اللقاء بسلطان الوجود والشكى عنده على الاعداء هو دفع بلاء الاعداء وابطال كيدهم ، ومن هنا فإنه متربص بالإنسان المصلي ، فما أن يبدأ بالتكبير إلا وشغله بهذا وذاك ، حتى ينهي الصلاة وهو لا يدري كم صلى ، ولا يفقه ما قال في صلاته!.. ومن القبيح المخجل حقا أن يأتيه في الصلاة بالصور الشهوية ، وهو بين يدي الله عزوجل!..
  * قصة ابي حنيفة والرجل الذي نسي ماله فتذكره في الصلاة .
لقد صلى بعض الناس في أحد مساجدنا ، ولما كان في التشهد الأخير جاءه الشيطان وقال له : يا أبا فلان إن صاحب المحل قد أخطأ في الحساب فراجع الفاتورة ، إني لك من الناصحين . فصدق المسكين وأخرج الفاتورة ليراجعها أمام الناس وهو يصلي . فالله المستعان .

- وقد قال عليه الصلاة والسلام " وإن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها "[1]

وعلى قدر الحضور في الصلاة يكون الأجر والمنزلة:

فلا يغرنك وقوف مصليين متجاورين في صف واحد فإنه قد يكون بينهما من التفاوت في الأجر كما بين السماء والأرض.
أول ما يرفع من الأمة هو ذهاب الخشوع :

-  فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (أول شيءٍ يُرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعـًا)).   [2]

 -  وقال حذيفة رضي الله عنه : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ورب مصل لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا .

*  أصبحنا نشكو إلى الله قسوة في قلوبنا وذهاباً لخشوعنا . فلم تعد الصلاة عند بعضنا صلة روحانية بينه وبين ربه تبارك وتعالى ، بل أصبحت مجرد حركات يؤديها الإنسان بحكم العادة لا طعم لها ولا روح . فأنى لمثل هذا أن يخشع ؟.

           -  قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين


وهكذا كان الصحابة والسلف الصالح من بعده .

-  فقد روي عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه أنه كان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من شدة خشوعه وسكونه

-  وكان ابن الزبير يصلي في الحجر ، فيرمى بالحجارة من المنجنيق فما يلتفت .


-  وفي أحد الأيام وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار . فما رفع رأسه حتى أطفئت . فقيل له في ذلك فقال : ألهتني عنها النار الأخرى .

-  وقالت بنت لجار منصور بن المعتمر : يا أبت أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة ؟ قال : يا بنيته ذاك منصور يقوم الليل .

-  سرق رداء يعقوب بن إسحاق عن كتفه وهو في الصلاة ولم يشعر ورُدّ إليه فلم يشعر لشغله بعبادة ربه.

-  كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذم حائط ينزل على ظهره العصافير .

-  قال إسحاق بن إبراهيم كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبدالعزيز على الحصير في الصلاة .

كيف نخشع في صلاتنا ؟

لا شك أن للخشوع أسباب كثيرة ، فنذكر منها على سبيل الإجمال أهم هذه الأسباب :

الاستعداد للصلاة:

مسألة الدخول في بحر الصلاة، تحتاج إلى تهيؤ نفسي مسبق.. فقبل دخول الوقت، يا حبذا لو يجعل الإنسان حائلا بينه وبين الصلاة؛ أي منطقة برزخية حائلة بين العالمين: فلا هي صلاة، ولا هي تعامل مع البشر.. نحنُ أرواحنا ليست كالحاسوب، ندخل قرصا فتتغير البرامج فوراً.. بني آدم يعيش جوه الذي كانَ يعيشه قبلَ قليل: إنسان يعيش حالة الخصومة والكلام؛ يعيش ذلك في صلاته.. ولهذا يلاحظ بأن القرآن الكريم، يؤكد على هذه الحقيقة: ألا وهو التسبيح قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب.. فعلى الإنسان أن يجلس في المصلى قبل أن تغرب الشمس، وفي مكان يهيئ نفسه للدخول بين يدي الله -عز وجل- بذكر بعض التسبيحات، والتهليلات، وباقي المستحبات بحيث يخرج تدريجياً من جو التفاعل مع عناصر هذه الدنيا.

وجعل الاسلام للصلاة مقدّمات، وأحاطها بأجواء ومراسيم، واشترط لصحتها وتحقق آثارها شروطاً لا تكتمل الغاية التعبدية إلا بها، تنسج من هذه المراسيم والأجواء الروحية هيكلاً قدسياً يحيط بالصلاة وينظم روحها وأهدافها، فجعل لكل بعد في هذا الهيكل حقيقة ومغزى، ترسم للروح خطّاً في خارطة التكامل، فاذا ما اجتمعت هذه الخطوط والأبعاد أدّت عملاً إيحائياً متوافق النتائج والآثار في نفس المصلّي واتجاهه في الحياة

*  منها إصباغ الوضوء كما أمرك الله متحرياً واجباته وشروطه سننه لتكون على أكمل طهارة،ثم انطلق إلى بيت الله سبحانه بخطى ملؤها السكينة والوقار واحرص على الصق الأول يمين الإمام


*  إفراغ النفس من المشاغل عند الدخول في الصلاة، فحاول أخي أن لا تدخل إلى الصلاة وأنت مشغول البال مشتت الفكر، وعوِّد نفسك أن تؤجل التفكير في أمورك الدنيوية إلى ما بعد الصلاة .

      - روي عن حاتم الأصم أنه سئل عن صلاته، فقال:إذا حانت الصلاة،أسبغت الوضوء ، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوام ‘لي صلاتي ،وأجعل الكعبة بين حاجبي ،والصراط تحت قدمي ،والجنة عن يميني،والنار عن شمالي ،وملك الموت ورائي ،وأظنها آخر صلاتي ،ثم أقوم يسن يدي الرجاء والخوف ,أكبر تكبيراُ بتحقيق ,وأقرأ بترتيل ،وأركع وكوعاً بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع..وأتبعها الإخلاص ،ثم لا أدري أقبلت أم لا؟. 

أن يستشعر قلب المصلي الوقوف بين يدي خالقه.

فإنه متى ما استشعر ذلك ؛ خشع في صلاته،  وأقبل عليها، وسكنت جوارحه فيها...
وأصل الخشوع ، خشوع القلب مهابةً لله وتوقيراً، وتواضعاً في النفس لله وتذللاً لعظمته.

  - تقول أم المؤمنين عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يحدثنا ونحدثـه، فإذا حضرت الصلاة؛ فكأنه لم يعرفـنا ولم نعرفه).. كانَ أنيساً ورفيقاً بمن حوله.

-  وهاهو زين العابدين علي ابن الحسين إذا توضأ اصفر وجهه ، وإذا قام إلى الصلاة ارتعد . فإذا سئل عن ذلك ، قال : تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي ؟ .

البعض منا يعطى ورقة، ليقرأ الورقة أمام الوزير أو الأمير، يتلعثم في كلامه، من هيبة الموقف.. ونحنُ نقف أمام رب العالمين، ليس فقط لا نتلعثم، بل نفكر في كل شيء، ما عدا الحديث معه سبحانهُ وتعالى.. فالأمرُ يحتاج إلى تهيئة، ليس بالتمني، وليس بحضور المسجد؛ القضية تحتاج إلى تهيئةٍ مُسبقة.

- قيل لخلف بن أيوب ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال لا أعود نفسي شيئاً يفسد على صلاتي قيل له وكيف تصبر على ذلك قال بلغني أن الفساق يصبرون تحت أسواط السلطان ليقال فلان صبور ويفتخرون بذلك فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك [3]
الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك

    -  قال بعض السلف الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرّجل أو مريضة أو دميمة أو قبيحة ، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح .. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟ والله طيب لا يقبل إلا طيبا وليس من العمل الطيب : صلاة لا روح فيها . كما أنّه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه ."[4]

   -  قال الله تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين).

أن يتدبر المصلي ما يقوله من القرآن أو الأذكار

القرآن نزل للتدبر ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا الألباب ) ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر.

  -  قال الله تعالى : (والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا ) وهنا يتبين أهمية الاعتناء بالتفسير.

  -  قال ابن جرير رحمه الله : " إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله ( أي : تفسيره ) كيف يلتذ بقراءته " [5]

فمن المهم لقارئ القرآن أن ينظر في تفسير ولو مختصر مع التلاوة

·        وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات كما روى ( حذيفة قال : صليت مع رسول الله ذات ليلة .. يقرأ مسترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ )[6]

- وفي رواية ( صليت مع رسول الله ليلة ، فكان إذا مر بآية رحمة سأل ، و إذا مر بآية عذاب تعوذ ، و إذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح ) .[7] وقد جاء هذا في قيام الليل .

     -  وقال سعيد بن عبيد الطائي : سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية ( فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحبون . في الحميم ثم في النار يُسجرون . ) .


     -   وقال القاسم رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي فقرأ ( واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت ) فرددها بضعا وعشرين مرة .


    -   وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد الله : بتنا ذات ليلة عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر : وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها ) فلما أصبح قلنا : يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الآية سائر الليل ، قال : أرى فيها معتبرا ، ما أرفع طرفا ولا أردّه إلا وقد وقع على نعمة وما لا يُعلم من نعم الله أكثر .[8]


  -  وكان هارون بن رباب الأسيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح : ( قالوا يا ليتنا نُردّ ولا نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ويبكي حتى يُصبح .

     *  وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره وخشوعه صلى الله عليه وسلم مع بيان وجوب التفكر في الآيات : عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال ابن عمير : حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة ذريني أتعبّد لربي ، قالت : قلت : والله إني لأحبّ قربك ، وأحب ما يسرّك ، قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكّر ما فيها : ( إن في خلق السموات والأرض ... الآية ) رواه ابن حبّان وقال في السلسلة الصحيحة رقم 68 : وهذا إسناد جيد .

·        ومما يعين على التدبر أيضا حفظ القرآن والأذكار المتنوعة في الأركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها .
·        ومما يعين على الخشوع أيضا تحسين الصوت بالتلاوة وفي ذلك وصايا نبوية منها قوله صلى الله عليه و سلم : ( زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا )[9]

-  كما قال الله عز وجل : ( ورتل القرآن ترتيلا )
-  وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم ( مفسرة حرفاً حرفا . )  [10]

أن يفقه حركات الصلاة وحقيقتها :
   لو تفكرت في الصلاة لوجدتها مجموعة من الحركات تُؤدى: ركوع وسجود، وقيام وقعود، ولكن وراء كل حركة معنى وفلسفة وحقيقة وهدفا وعمقا ومعنى ، لو تفكر فيها المسلم منحته قوة الحضور والشعور ولأسبغت عليه إشراقات الروح. ولحلق عاليا في ملكوت الأرض والسماوات...

ليست الحركات مقصودة لذاتها :[11]

فالمقصود بهما التعظيم قطعاً- أي السجود والركوع - ... وإذا خرج عن كونه تعظيماً لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به ثم يجعله عماد الدين والفاصل بين الكفر والإسلام ويقدم على الحج وسائر العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص وما أرى أن هذه العظمة كلها للصلاة من حيث أعمالها الظاهرة إلا أن يضاف إليها مقصود المناجاة فإن ذلك يتقدم على الصوم والزكاة والحج وغيره بل الضحايا والقرابين التي هي مجاهدة للنفس بتنقيص المال قال الله تعالى لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يناله التقوى منكم أي الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة فكيف الأمر في الصلاة ولا أرب في أفعالها فهذا ما يدل من حيث المعنى على اشتراط حضور القلب.

  *  فإن قلت إن حكمت ببطلان الصلاة وجعلت حضور القلب شرطاً في صحتها خالفت إجماع الفقهاء فإنهم لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير فاعلم أنه قد تقدم في كتاب العلم أن الفقهاء لا يتصرفون في الباطن ولا يشقون عن القلوب ولا في طريق الآخرة بل يبنون أحكام الدين على ظاهر أعمال الجوارح وظاهر الأعمال كاف لسقوط القتل وتعزير السلطان فأما أنه ينفع في الآخرة فليس هذا من حدود الفقه على أنه لا يمكن أن يدعى الإجماع...

        ففي النداء : فإذا سَمِعْتَ نِدَاءَ الْمُؤَذِّنِ فَأَحْضِرْ فِي قَلْبِكَ هَوْلَ النِّدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَشَمَّرْ بِظَاهِرِكَ وَبَاطِنِكَ لِلْإِجَابَةِ وَالْمُسَارَعَةِ فَإِنَّ الْمُسَارِعِينَ إِلَى هَذَا النِّدَاءِ هُمْ الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته مملوءاً بالفرح والاستبشار مشحوناً بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء.

        وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَإِذَا أَتَيْتَ بِهَا فِي مَكَانِكَ وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهي غلافك الأقرب ثم في بشرتك وهي قِشْرُكَ الْأَدْنَى فَلَا تَغْفُلْ عَنْ لُبِّكَ الَّذِي هو ذاتك وهو قلبك فاجتهد له تطهيراً بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَرَّطْتَ وَتَصْمِيمِ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَطَهِّرْ بِهَا بَاطِنَكَ فإنه موضع نَظَرِ مَعْبُودِكَ.

      وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَاهُ تَغْطِيَةُ مَقَابِحِ بَدَنِكَ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ فإن ظاهر بدنك مرتع لِنَظَرِ الْخَلْقِ فَمَا بَالُكَ فِي عَوْرَاتِ بَاطِنِكَ وَفَضَائِحِ سَرَائِرِكَ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ ...

      وَأَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فَهُوَ صَرْفٌ ظاهر وَجْهِكَ عَنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ إِلَى جِهَةِ بَيْتِ الله تعالى أفترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مَطْلُوبًا مِنْكَ هَيْهَاتَ فَلَا مَطْلُوبَ سِوَاهُ...

     وأما النية فاعزم عَلَى إِجَابَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْتِثَالِ أمره بالصلاة وإتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها وإخلاص جميع ذلك لوجه الله سبحانه رَجَاءً لِثَوَابِهِ وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ..

      وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَإِذَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ قَلْبُكَ فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ شيء هو أكبر من الله سبحانه فالله يشهد إنك لكاذب وإن كان الكلام صدقاً كما شهد على المنافقين في قولهم أنه صلى الله عليه وسلم رسول الله.

     في القراءة والأذكار :  لو حَلَفَ الْإِنْسَانُ وَقَالَ لَأَشْكُرَنَّ فُلَانًا وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ حَاجَةً ثُمَّ جَرَتِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى لِسَانِهِ فِي النَّوْمِ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَلَوْ جَرَتْ عَلَى لِسَانِهِ فِي ظُلْمَةٍ وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ حَاضِرٌ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ حُضُورَهُ وَلَا يَرَاهُ لَا يَصِيرُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ إِذْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ خِطَابًا وَنُطْقًا مَعَهُ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ حَاضِرًا فِي قَلْبِهِ ...

ولا شك أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَالتَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ وَالْمُخَاطَبُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وقلبه بِحِجَابِ الْغَفْلَةِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ فَلَا يَرَاهُ وَلَا يشاهده بل هو غافل عن المخاطب ولسانه يَتَحَرَّكُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَمَا أَبْعَدَ هَذَا عَنِ الْمَقْصُودِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي شُرِعَتْ لِتَصْقِيلِ الْقَلْبِ وَتَجْدِيدِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُوخِ عَقْدِ الْإِيمَانِ به هذا حكم القراءة والذكر

     عبودية الركوع:[12]

ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه، واستكانة لهيبته وتذللا لعزته.
فثناء العبد على ربه في هذا الركن؛ هو أن يحني له صلبه، ويضع له قامته، وينكس له رأسه، ويحني له ظهره، ويكبره مُعظماً له، ناطقاً بتسبيحه، المقترن بتعظيمه.

فاجتمع له خضوع القلب، وخضوع الجوارح، وخضوع القول على أتم الأحوال، ويجتمع له في هذا الركن من الخضوع والتواضع والتعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض، فإنَّ الخضوع وصف العبد، والعظمة وصف الرب.

·        و تمام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع، ويتضاءل لربه، بحيث يمحو تصاغره لربه من قلبه كلَّ تعظيم فيه لنفسه، ولخلقه ويثبت مكانه تعظيمه ربه وحده لا شريك له.
·        إذا عظَّم القلب الرب خرج تعظيم الخلق وكلما استولى على قلبه تعظيم الربِّ، وقوى خرج منه تعظيم الخلق، وازداد تصاغره هو عند نفسه فالركوع للقلب بالذات، والقصد والجوارح بالتبع والتكملة.

     ثم عند الرفع من الركوع .. شرع له أن يحمد ربه، ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن هيئاته، منتصب القامة معتدلها فيحمد ربه ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن تقويم، بأن وفقه وهداه لهذا الخضوع الذي قد حُرٍمَه غيره.

·        ولهذا الاعتدال ذوقٌ خاص وحال يحصل للقلب، ويخصه سوى ذوق الركوع وحاله، وهو ركنٌ مقصود لذاته كركن الركوع والسجود سواء.

-  ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطيلُه كما يطيل الركوع والسجود، ويُكثر فيه من الثناء والحمد والتمجيد، كما ذكرناه في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاته وكان في قيام الليل يُكثر فيه من قول: "لربي الحَمد، لربي الحمد" ويكرِّرها.

   عبودية السجود: 

ثم شرع له أن يكبر ويدنو ويخرَّ ساجدا، ويُعطي في سجوده كل غضو من أعضائه حظَّه من العبودية، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه، مسندة راغما له أنفه، خاضعا له قلبه، ويضع أشرف ما فيه ـ وهو وجهه ـ بالأرض ولاسيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدا على الأرض معفِّراً له وجهه وأشرف ما فيه بين يدي سيِّده، راغماً أنفه، خاضعاً له قلبه وجوارحه، متذلِّلاً لعظمة ربه، خاضعاً لعزَّته، منيباً إليه، مستكيناً ذلاً وخضوعاً وانكساراً، قد صارت أعاليه ملويةً لأسافله.

... وقد سجد معه أنفه ووجهه، ويداه وركبتاه...وشرع له أن يُقلَّ فخذيه عن ساقيه، وبطنه عن فخذيه وعَضُديه عن جنبيه، ليأخذ كل جزءٍ منه حظّه من الخضوع لا يحملَ بعضه بعضاً.

فأحرِ به به في هذه الحال أن يكون أقرب إلى ربه منه في غيرها من الأحوال كلِّها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربَّه وهو ساجدٌ".[13]

فالإنسان في حال السجود تقريباً لا يكاد يرى شيئاً، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد.

-  وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الصَّلَاةُ تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه وتنادم وتضع يديك فتقول اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهِيَ خِدَاجٌ[14]
محاولة ضبط الجوارح :

    *  التأني في الصلاة والطمأنينة فيها:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" [15]

     -  وقال عليه الصلاة والسلام : لَا يَنْظُرُ الله يوم القيامة إلى العبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده [16]

فلكي يتحقق الخشوع لا بد من إتقان الصلاة والتروي فيها وعدم الاستعجال :

   -  كما قال عليه الصلاة والسلام : " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته . قالوا : وكيف يسرق من صلاته ؟ . قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .

o       ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه )[17]
   -  وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل الذي لا يتمّ ركوعه ، وينقر في سجوده ، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ، لا يغنيان عنه شيئا )[18]
   -  وصح عن عبدالله بن عمر أنه رأى فتى يصلي فأطال صلاته وأطنب فيها فقال : أيكم يعرف هذا ؟ فقال رجل: أنا أعرفه . فقال ابن عمر : لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن العبد إذا قام إلى الصلاة أتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه .

   -  قال ابن رهب : رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع حتى نودي بالعشاء .

     أما حالنا فمؤسف . فقد أصبحت الصلاة ثقيلة على كثير من الناس يأتي بعض الناس إلى الصلاة كالمكره .. كأن فوق رأسه حملاً ثقيلاً يريد أن يلقيه بأسرع وقت ممكن .. حتى إذا كبر أومأ بحركات لا روحانية ، ونقر الصلاة كنقر الغراب لا يذكر الله فيها إلا قليلاً . فهلك النقارون .
     و لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً بين أظهرنا لقال لهم : ارجعوا فصلوا ، فإنكم لم تصلوا .
الصلاة ليست غرامة ولا ضريبة ، بل هي أمانة ينظر إليك صاحبها سبحانه كل يوم خمس مرات فيشهد لك بالوفاء والصدق والإخلاص فيثيبك بأعظم الجزاء .

- ولقد نهى رسول الله   في الصلاة عن ثلاث: عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير، وإبطان البعير: يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يُغير مناخه فيوطنه.
وإذا قامو إلى الصلاة قامو كسالى : (صلاة المنافقين)

صلاة الكُسالى هي : الصلاة التي تفقد حرارتها، العاطفيّة والفكريّة، وتتحوّل إلى عمل جامدٍ، بعد أن كانت حقلاً خصباً جميلاً.

ولهذا يعجز المنافق مهما أعْمل قدرته في التمثيل والتضليل، أن يعطي أعماله الخيّرة روح الخير - كالذي يؤمن بها ويتفاعل معها - فيحدث أن تنعكس روحه المنافقة على القيم التي يتحدّث عنها، والصلاة التي يصلّيها، والمال الذي ينفقه، وأحياناً يتّضح خموله الروحي ونفاقه، فتراه يشعر بعمل الخير ضريبة مكروهة يدفع إليها نفسه دفعاً، بينما تراه يمارس أعماله النفعيّة بكلّ إقبال.
- يقول الله عزّ وجلّ عن المنافقين: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) ٤ - ٧ الماعون.

   *  عدم تحريك الأعضاء ومنها اليدان وترك العبث بهما ، وهما أكثر الأعضاء حركة .
فترى بعض الناس هادئاً ساكناً ، فما إن يكبر حتى تبدأ يداه بالعبث بغترته أو أولحيته أوساعته ...

 *  كف البصر عما وراءه، و منع من يجتاز بقربه... و منع الشيطان من المرور أو التعرض لإفساد الصلاة
   - قال عليه الصلاة والسلام: { إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته [19] [
            - ويجب النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أن رسول الله   إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض  

       *  وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو : ما حكم إغماض العينين في الصلاة خصوصا وأن المرء قد يحس بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟

      -  ولنفسح المكان للعلامة أبي عبد الله ابن القيم يبين الأمر ويجلّيه ، قال رحمه الله تعالى : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه في الصلاة ، وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ولا يُجاوز بصره إشارته ...
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلاة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلام والجارية وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث ردّ السلام بالإشارة على من سلّم عليه وهو في الصلاة ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين . فهذه الأحاديث وغيرها يُستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة .

   - وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه الإمام أحمد وغيره وقالوا : هو فعل اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه ... والصواب أن يُقال إن كان تفتيح العين لا يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك لا يُكره التغميض قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم " زاد المعاد 1/293 ط. دار الرسالة


* ترك الالتفات في الصلاة: لحديث أبي ذر  قال: قال رسول الله : { لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه }
  - وقد سئل رسول الله  عن الالتفات في الصلاة فقال: { اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد }[20]  

·      عدم رفع البصر إلى السماء: وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله : { إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء }[21]  

 واشتد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى قال: { لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم }  [22]

   -  وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أن يجعل الله وجهه وجه حمار.
                                                 الابتعاد عن المشوشات :

  *  أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قام النبي الله  يصلي في خميصة ذات أعلام - وهو كساء مخطط ومربّع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: { اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيّه - وهي كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي } [23]

  *  أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه: قال عليه الصلاة والسلام : { لا صلاة بحضرة طعام } [24]

         -  ولهذا جاء في حديث أنس أن رسول الله قال: ((إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء))[25]  

  *  أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب: لاشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط، ولذلك نهى رسول الله  أن يصلي الرجل و هو حاقن: أي الحابس البول، أوحاقب: و هو الحابس للغائط.

       - قال اصلى الله عليه وسلم: { لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان }[26]   وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح.

  *  أن لا يصلي وقد غلبه النّعاس: عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله : { إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول } [رواه البخاري].

  *  أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم: لأن النبي  نهى عن ذلك فقال: { لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث } لأن المتحدث يلهي بحديثه، ويشغل المصلي عن صلاته.والنائم قد يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم.

* اختيار الأماكن المناسب : لأن الأماكن الني يكثر فيها التشويش أو غيره من موانع الخشوع تفقد المصلي صوابه فضلاُ عن خشوعه. 

   -  عن البياضي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه مالك  [27]
-      فمن المستحب أن يجعل الإنسان في بيته، محلاً خاصاً للصلاة بين يدي الله عز وجل.
معرفة أحكام الصلاة وفقهها :

   وإنما جعل فقه الصلاة من أسباب الخشوع ،لأن الجهل بأحكامها ينافي أداءها كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ،ولأن خشوع المسيء صلاته ،لا يفيده شيئاً في إحسانها ولا يكون له كبير ثمرة حتى يقيم صلاته كما أمر الله. .

  - ولقد صلى رجل أمام رسول الله عليه وسلم فأساء صلاته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع فصل فإنك لم تصل"[رواه البخاري ومسلم وأبو داود}

فيجب عليك – أخي الكريم – أن تعلم أركان الصلاة وواجباتها ، وسنن الصلاة ومبطلاتها ،حتى تعبد الله بكل حركة أو دعاء تقوم به في الصلاة.

-   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"صلوا كما رأيتموني أصلي". 

وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب ، وثمرته على الجوارح[28]

     -  ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة ، فقال : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه..
د

     -  وقال بعض العارفين : حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن .

  -      ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن ، فقاليا فلان ، الخشوع هاهنا ، وأشار إلى صدره ، لا هاهنا ، وأشار إلى منكبيه .

     -  وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة ، يقول : إياكم وخشوع النفاق ، فقيل له : وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع .

    -   ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة ، فقال : يا صاحب الرقبة ، ارفع رقبتك ، ليس الخشوع في الرقاب ، إنما الخشوع في القلوب.


-  وكان من ذكر النبي في ركوعه: (خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي)) وفي رواية لأحمد: ((وما استقلَّت به قدمي لله رب العالمين) .

   *  فإذا فسد خشوع المرء بالغفلة ، والوساوس ، فسدت عبودية الأعضاء ، والجوارح ، فإن القلب كالملك، والأعضاء كالجنود ، به يأتمرون ، وعن أمره يصدرون ، فإذا عزل الملك وتعطل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرهبة وهي الجوارح ، و لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.

ولكن لخشوع القلب لا بد من خشوع الجوارح كذلك :
                                                                                                                                          
.لكن تحقيق الخشوع لا يتم بالقلب فقط بل يجب ان يستهل ثم يقترن باستمرار مع عمل الجوارح وإلا لما طلب الله منا ان نذكره ألا بالقلب .
 خصوصاً وان الخشوع بجانبه القلبي يمكن تحقيقه بدون أي طقس –كطقس الصلاة – فقد نخشع ونحن بالسيارة أو قبيل النوم ولكن مع ذلك فالخشوع لا يكتمل ألا من خلال الجوارح وهو يقوى دائماً بأتيانها .
 أذن الخشوع بجانبه القلبي من دون عمل الجوارح هو ( تأمل ) وهو لا يغني ابداً عن عمل الجوارح لأنها الاعلان بالطاعة والخضوع لله عملياً واثباته لأنفسنا قبل غيرنا .

 ومرة اخرى لو كان الأمر يتوقف على التفكير القلبي بالله والاعتراف به معنوياً لكان أصبح الله وطاعته كباقي امور الدنيا لأننا سنفكر به حينها بالقلب فقط دون الجوارح ,والقلب يحب غير الله ايضاً ويفكر به كما يفكر بالله . فالقلب يحب المرأة ...المال...الجمال يحب الدنيا عموماً . أذن فالتفكير بالله كقضية حالها حال هذه القضايا يجعل منها شيئاً فشيئاً امراً ثانوياً عارضً يمر ببالنا كأي عارض دنيوي آخر.

 ولا ننسى ان امور الدنيا هي أكثر احتكاكاً بنا تؤثر علينا بصورة حسية منظورة ونؤثر بها ايضاً بنفس الصورة ,وعندها سيصبح الله مجرد فكرة عابرة حاشاه وتقدس عن ذلك . لذا تم اضافة عمل الجوارح الى العلاقة مع الله لأظهار واعلان تميزها عن باقي علاقاتنا.

·        إذا فحركات الصلاة مقصودة كذلك ومرجوة ولا عدول عن الالتزام بضبطها والتقيد بها ولم يقل أحد بتجاوزها والمحيد عنها ...ولا تفرقة في الإسلام بين الظاهر والباطن .

   وفي الاخير:  الخشوع في الصلاة، هو توفيق من الله جل وعلا، يوفق إليه الصادقين في عبادته ، المخلصين المخبتين له ،العاملين بأمره والمنتهين بنهيه. فمن لم يخشع قلبه بالخضوع لأوامر الله خارج الصلاة،لا يتذوق لذة الخشوع ولا تذرف عيناه الدموع لقسوة قلبه وبعده عن الله .
إن رب العالمين يريد من عبده ان يكون مدافعا للخواطر وان لم يصل الى مرحلة التلذذ الانسي معه ، ولو انتهت صلاته وهو فى حال المصارعة مع الشيطان فانه يعد في عداد الخاشعين في صلاتهم ، اذ ليس من اللازم أن يعيش حتماً حالات شعورية تحليقية ، فهذه مرحلة ثانية ، وهي هبة إلهية ، فرب العالمين إذا أراد أن يعطي عبده يعطيه متى شاء ، فلا ينبغي أن يبحث الإنسان عن الخشوع بحثا ، فالخشوع يعطى ولا يؤخذ ، وهذه منحة بيد الملك الجبار ، وجائزة لا يُعلم متى تُعطى!..
    فإذن، يكفي أن يجاهد الإنسان إلى آخر الصلاة ، ولو لم يخشع لحظة واحدة ، فليس تكليفه الخشوع ، وإنما تكليفه -بتعبير علمي- دفع الموانع ، وأما إيجاد المقتضي فهذا أمر بيد الجليل!..

La concentración en el salat
    La concentración en el salat es esencial, y su significado es estar presente de corazón frente a Allah, con humildad  .., consciente del versículo que se está recitando y de las súplicas y fórmulas que se pronuncian.

   Esta es una de las mejores formas de adoración y de los más apreciados actos de obediencia. Por ello, Allah, el Altísimo, dijo en Su libro que esto forma parte de las cualidades que poseen los creyentes: “Por cierto que triunfarán los creyentes que observen sus oraciones con sumisión” .

·        Quien experimenta la entrega en el salat disfruta el sabor de la adoración y la fe.
 -     Sobre eso decía el Mensajero de Allah (que la paz y las bendiciones de Allah sean con él): “La mayor felicidad la encuentro en el salat” (Annasai 394).

Los medios que ayudan a alcanzar la concentración en el salat:
Existen diversas formas que nos ayudan a concentrarnos en el salat. Entre ellas:
1. La disposición y preparación para realizar el salat:

   Esto se alcanza llegando temprano a la mezquita en el caso de los hombres, y realizando los salat voluntarios antes del obligatorio, así como vestir ropas adecuadas, y dirigirse a la mezquita con tranquilidad.

2. Alejar las distracciones y lo que pueda molestar:
    No se puede hacer el salat si enfrente de uno hay algo que lo distrae, como una pantalla, entretenimientos, música o ruidos. Tampoco es posible concentrarse en el salat conteniendo la necesidad de ir al baño, o si se está hambriento o esperando la comida;         la mente de quien va a realizar el salat debe estar libre de todas estas cosas, porque lo distraen de la comunicación y el diálogo con su Señor.

3. La serenidad en los actos del salat:
    El Profeta (que la paz y las bendiciones de Allah sean con él) realizaba serenamente el rukú y el suyud, ordenando a quien no lo realizara de esta forma que se serenara durante los actos del salat, prohibiendo que se hiciera apresuradamente, llegando a compararlo con la rapidez de un cuervo comiendo.
-  Dijo el Mensajero de Allah (que la paz y las bendiciones de Allah sean con él): “La peor gente que roba es aquella que roba de su salat”; le preguntaron: “¡Oh, Mensajero de Allah! ¿Cómo es que roba de su salat?” Dijo: “No completa bien su rukú ni su suyud” (Áhmad 22634).

    Quien no tiene serenidad en su salat no puede estar concentrado, porque con el apuro se va la concentración.
4. Prepararse para presentarse ante Allah:
    Recordar la grandiosidad del Creador y Su majestuosidad, y la debilidad del ser humano, su insignificancia ante Él; presentarse ante su Señor invocándolo y suplicándole con concentración, entrega y humildad, recordando la recompensa que Allah ha prometido en la Otra Vida a los creyentes y el castigo que ha prometido a los incrédulos, y el momento en que le toque presentarse ante Allah el Día del Juicio.

    Si el creyente se prepara de esta forma para su salat, es como aquellos a quienes Allah ha descrito en Su libro, quienes siempre piensan que están frente a su Señor.

   - dice allah : (Por cierto que la práctica de la oración es difícil, excepto para los piadosos; aquellos que tienen certeza del encuentro con su Señor y de la comparecencia ante Él” (Corán 2:45-46).
    Que el orante recuerde que Allah, glorificado sea, lo escucha, le otorga y le responde, y esto según el grado de concentración que tenga.

5. Meditar sobre los versículos que se recitan y las demás súplicas del salat:
    El Corán fue revelado para pensar y reflexionar: “Éste es el Libro bendito que te revelamos para que mediten sobre sus preceptos, y recapaciten los dotados de intelecto” (Corán 38:29).
   La meditación no puede darse a menos que uno esté atento y concentrado, tratando de comprender los profundos significados; entonces las palabras del Corán le producirán lágrimas y sentimientos, tal como a quien Allah describió cuando dijo: “Aquellos que cuando se les exhorta a reflexionar sobre los versículos de su Señor no se hacen los sordos ni los ciegos” (Corán 25:73).






[1] رواه أبو داود وحسنه الألباني .
[2] حديث صحيح.
[3]  الإحياء
[4]   المدارج 1/526
[5] مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10 ولذلك
[6]  رواه مسلم رقم 772
[7]  تعظيم قدر الصلاة 1/327
[8]  التذكار للقرطبي ص: 125
[9]  أخرجه الحاكم 1/575 و هو في صحيح الجامع رقم 3581
[10]  مسند أحمد 6/294 بسند صحيح صفة الصلاة : ص: 105                                                                                                     
[11]  الإحياء - ابو حامجد الغزالي
[12] لابن قيم الجوزية - أسرار الصلاة
[13]  رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
[14]  أخرجه الترمذي والنسائي بنحوه من حديث الفضل بن عباس بإسناد مضطرب
[15]  [رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه]. 
[16]  أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح
[17]  صحح إسناده في صفة الصلاة
[18]  رواه الطبراني في الكبير
[19]  رواه أبو داود.
[20]  [رواه البخاري].
[21]  [رواه أحمد].
[22]  [رواه البخاري].
[23]  [رواه مسلم].
[24]  [رواه مسلم].
[25]  متفق عليه.
[26]  [صحيح مسلم]،
[27]الموطأ 1/ 80.
[28]   انظر مدارج السالكين ص517-518 

0 comentarios:

Publicar un comentario