jueves, 29 de octubre de 2015

بنو إسرائيل : شعب ممسوخ وجيل ميؤوس منه !

0 comentarios
إرادة الله لشعب بني إسرائيل المستضعف :

-  إن القصة تبدأ من قول الله تعالىوَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً  [القصص:5]، وتنتهي بقوله تعالى:  وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ  [الأعراف:137]

هؤلاء المستضْعَفون يريد الله أن يَمُنَّ عليهم بهِبَاته من غير تحديد، وأن يجعلهم أئمة وقادة، لا عبيدًا ولا تابعين، وأن يُورِثهم الأرض المباركة التي أعطاهم إيَّاها عندما استحقُّوها بعد ذلك بالإيمان والصَّلاح، وأن يمكِّن لهم فيها، فيجعلهم أقوياء راسِخِي الأقدام مطمئنِّين

  - وأمام تلك الابتلاءات والمحن: نجد موسى عليه السلام يوصى بالصبر ويبشرهم بالنصر بقوله: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف} .
   - قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137]

القابلية الاستعمار
           
 - لم يكتفِ القرآن الكريم بفَضْح الفرعونيَّة والإنكار الشديد عليها، وإنَّما حمَّل المسؤوليَّة كذلك للجماهير الرَّاضِخة المستسلِمة؛ فقال عن فرعون: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ الزخرف: 54.

فالظاهرة الفرعونيَّة تتَشَكَّل من الطاغِيَة الغَشُوم من جِهَة، والأمَّة المتَّصِفة بالسلبيَّة من جِهَة ثانية، ولم تأتِ هذه السلبيَّة وهذا الخُنُوع إلاَّ من حالة نفسية وفكرية هي "القابلية للاستِخفاف"، تمامًا مثل الظاهرة الاستعمارية التي حلَّلها الأستاذ مالك بن نبي - رحمه الله - تحليلاً علميًّا تاريخيًّا دقيقًا ليَخلُص إلى استِنباط سببها المتمثِّل في "القابليَّة للاستِعمار"؛ أي: وجود الأمَّة في حالة من الضَّعْفِ الثقافي والانهِيار النفسي والعجز عن الأداء تقضي على مناعتها الذاتية، فتكون فريسةً سهلةً للاحتِلال الأجنبي، وهذا يَنطَبِق تمامًا على الفرعونيَّة انطباقه على الاستعمار.

على أساس أن القابلية للاستعمار تعنى أن الشعوب الضعيفة والمتخلفة يتولد لدى الفرد فيها رغبة بقبول حالة استعمار أمة أخرى له ولبلده، بحيث يتبرع الفرد بنفسه كى يخدم الاستعمار ومصالحه. وقد ساق (مالك بن نبي) صورا وشواهد كثيرة تؤكد صدق تحليله. 

   - ثم استخدم على شريعاتى، المفكر الإيرانى، فكرة «القابلة للاستحمار» باعتبار أن لدى الجهلاء من البشر رغبة داخلية بأن يُكذب عليهم وهم يرتاحون نفسيا للكذب المزوق والمبالغات فى المواصفات وأهميتها حتى لو لم تكن ذات أهمية فعلية خارج الوجود الذهنى.

   - وقد قالها من قبل ويليام شكسبير بأن «عقول العامة فى آذانهم» أى من يسيطر على آذان العامة يسيطر على عقولهم، لأنهم يميلون للاعتقاد فى صحة آخر رأى سمعوه وتضعف قدرتهم للربط بين الأسباب والنتائج والتأكد من صحة المعلومات وسلامة عملية الاستنتاج.

      - وقد تَناوَل الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - "القابليَّة للاستخفاف" ببيان رفيع يقول فيه مُعَلِّقًا على إعلان فرعون "أنا ربُّكم الأعلى": "قالها الطاغية مخدوعًا بغفلة جماهيره وإذعانها وانقيادها، فما يخدع الطُّغَاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلَّتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلاَّ فرد لا يملك في الحقيقة قوَّةً ولا سلطانًا، إنَّما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتَمُدُّ له أعناقها فيجر، وتَحنِي له رؤوسها فيستعلي، وتَتنازَل له عن حقِّها في العزَّة والكرامة فيَطغَى.
·           والجماهير تفعل هذا مخدوعةً من جِهَة، وخائفةً من جِهَة أخرى، وهذا الخوف لا ينبَعِث إلاَّ من الوهْم، فالطاغية - وهو فرد - لا يُمكِن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنَّها شعرت بإنسانيَّتها وكرامتها وعزَّتها وحريَّتها، وكلُّ فردٍ فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوَّة، ولكن الطاغية يخدعها فيُوهِمها أنَّه يملك لها شيئًا، وما يُمكِن أن يَطغَى فردٌ في أمَّة كريمة أبدًا، وما يُمكِن أن يطغى فردٌ في أمَّة رشيدة أبدًا، وما يُمكِن أن يطغى فردٌ في أمَّة تعرِف ربها وتُؤمِن به، وتأبى أن تتعبَّد لواحدٍ من خلقه لا يملك ضرًّا ولا رشدًا.
       فأمَّا فرعون فوَجَد في قومِه من الغفلة ومن الذلَّة ومن خَوَاء القلب من الإيمان ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: "أنا ربكم الأعلى"، وما كان ليقولها أبدًا لو وجد أمَّةً واعيةً كريمةً مؤمنةً، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدِر على شيء، وإنْ يسلبه الذباب شيئًا لا يستنقذ من الذباب شيئًا!".

·         وقال فرعون يا هامان ابن لي سرحا ...


      وليست المسألة متعلِّقةً بفترة تاريخية مُعيَّنة، ولا بحيِّز من الأرض، ولا بقومٍ دون آخَرين، إنما هي مجموعةٌ من الخصائص تَتجَمَّع بالتَّراكُم في شعبٍ أو شعوبٍ تَنهار نفسيًّا فتَفقِد الثقة بذاتها، ولا تَقوَى على تَفعِيل طاقاتها البشرية والمادية، فتخلد إلى إسلام أمرها إلى كلِّ مُتَسلِّط يفعل بها ما يشاء، سواء كان احتلالاً خارجيًّا، أم حاكمًا جائرًا، فهي كالجسم الفاقِد للمناعة تَعبَث به العِلَل وتُنهِكه الأمراض، فيُحاوِل صدَّها بأدوية لا فاعليَّةَ لها فيَنتَهِي به الأمر إلى الاستِسلام، وربما لعن المرض والعلاج الفاشل وغفل عن حالته العامَّة، وعدم أداء مختلف الأجهزة والغُدَد والأعضاء لوظائفها، فالموت هنا مسألة وقت لا مَحَالة.

وإذا كان نموذج فرعون يَتكرَّر عبر الزمان والمكان،    فإنَّ الساحة الإنسانية لا تعدم نموذج موسى - عليه السلام - صورة عُلَماء الدِّين الربانيين العاملين.

   فى البداية يؤكد المختصون أن الشعب هو الذى يصنع الفرعون لأنه ببساطة بمجرد تولى حاكم جديد يكون بالنسبة لهم الملهم والقادر على زيادة دخلهم وأنه لديه الفكر الخاص الذى يحولهم الى حياة أفضل دون أن يكون لهم دخل، وهنا يتبرأ الشعب من مسئوليته ويلقيها بالكامل على الحاكم الجديد.

التربية على الجهل والعمى :

لقد غادر بنو إسرائيل مصر في حدودها الجغرافية ولم يغادروها كثقافة إحيائية، فبينما هم يجتازون البحر بعد شقه تطلعوا للوراء ليروا فرعون وجنوده يغرقون، فانطلقوا ظنا منهم أنهم قد تخلصوا من مصر ومن فرعون ومن قهره واستبداده، ولم يكن ليخطر لهم على بال أنهم محملون بأهم شيء من أرض الخروج، وهو الثقافة التي تشبعوا بها وأشربوها، ولعل القرآن كان دقيقا في التعبير عندما قال: {وأشربوا في قلوبهم العجل}.


  -  كانت طبيعة بني إسرائيل تميل إلى الانحراف عن الحق والتعلق بالماديات، ولذا فإنهم بمجرد خروجهم من محنة فرعون ونزول النعم الإلهية عليهم يطلبون من موسى أن يكون لهم آلهة أصنام: 

    -  قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾.

إنه طلبٌ يتسم بالجرأة الشديدة على رسول الله موسى عليه السلام إذ يطلبون عبادةَ غير الله ويطلبون من موسى أن يجعل لهم هذا الإله.

    إن هنالك نفوس شريرة بطبعها، ونفوس طيبة في طينتها، وقد كان بنو إسرائيل من القسم الأول، فقد فضّلهم الله على العالمين، إذ بعث فيهم أنبياء، وجعل منهم ملوكاً، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين.
لذلك قالو لموسى عليه السلام : أرنا الله جهرة :

·        لقد كانوا يميلون إلى الماديات وكانوا يتصورون أن الله ذا جسمٍ كالإنسان وكانت عشرتهم الطويلة للوثنيين من قوم فرعون قد أثرت في نفوسهم.


   -  يقول الله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة/55-56.

فقد كانت الصاعقة عقوبة لهم على جرأتهم على الله ، وإصرارهم على التعنت في السؤال ، والتكلف في تحقيق أسباب الإيمان ، ومكابرتهم رغم كل الآيات والبراهين التي أراهم الله عز وجل ، ومع ذلك سألوا الله أن يروه جهرة في الدنيا ، وعلقوا إيمانهم بهذه الآية

      -  وقوله تعالى : ( بعثناكم من بعد موتكم ) : هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة ، ثم بعثهم ليرتدعوا ؛ ويكون كفارة لهم ؛ ولهذا قال تعالى : ( لعلكم تشكرون ) أي : تشكرون الله سبحانه وتعالى ؛ و " لعل " هنا للتعليل "  .[1]

 -  يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله : "وكان ذلك إرهابا لهم وزجرا ، ولذلك قال : ( بظلمهم ) ، والظلم هو المحكي في سورة البقرة من امتناعهم من تصديق موسى إلى أن يروا الله جهرة ، وليس الظلم لمجرد طلب الرؤية ؛ لأن موسى قد سأل مثل سؤالهم مرة أخرى : حكاه الله عنه بقوله : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) الآية " انتهى. [2]

فأضلهم السامري

لقد كان بنو إسرائيل ضعاف الإيمان فبعد طلبهم الأول من موسى عليه السلام أن يصنع لهم أصناما آلهة ليعبدوها وتحذيره لهم، كانت فتنتهم الثانية التي حصلت بغياب موسى عليه السلام عنهم وقصة ذلك أن رجلاً منهم يسمى السامري جمع ما كان لدى بني إسرائيل من ذهب الفراعنة ومجوهراتهم، وصنع منها عجلاً له صوت خاص (خوار)، ودعا بني إسرائيل لعبادته. فاتَّبعه أكثر بني إسرائيل، وبقي هارون - أخو موسى وخليفته - مع أقلية من القوم على دين التوحيد، وحاول هؤلاء الموحدون الوقوف بوجه هذا الإنحراف فلم يفلحوا، وأوشك المنحرفون أن يقضوا على حياة هارون أيضاً، فما هو سبب الانحراف هذا بعد كل الآيات التي أظهرها لهم الله تعالى ورأوها بأعينهم؟

إنه الضعف في العقيدة والجهل الذي أدى بهم إلى ترك ديانة التوحيد وهو امتحانٌ واختبارٌ لهم من الله عز وجل لأن الإيمان الصحيح والقوي يصمد أمام هذا النوع من الامتحان، وأما الإيمان الضعيف فإنه سوف ينهار أمام أضعف الشبهات وهذا ما حصل مع بني إسرائيل.

﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ .

وكان لا بد لموسى عليه السلام أن يغضب لهذا، إنَّه الغضب المشوب بالرحمة لخوفه على قومه من العقاب الإلهي الشديد نتيجة كفرهم، وهذا هو موقف كل مؤمن يدعو إلى الله تعالى.

       - فقوله تعالى:  فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ

 -  قال الزجاج:  بَصُرَ الرجل يبصر إذا صار عليماً بالشيء، قال المفسرون: فقال له موسى وما ذاك؟ قالت: رأيت جبريل على فرس، فألقى في نفسي أن أقبض من أثرها (أثر الفرس)، فقبضت قبضة، والقبضة الأخذ بجميع الكف أي من تربة موطئ جبريل عليه السلام، فنبذتها: أي قذفتها في العجل أي في صورة العجل المصاغ من الحُلي، وكذلك: وكما حدثتك (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِيأي: زينت وحسنت لي نفسي.
  - قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) [طـه:97]... أي: لا أمسُّ ولا أُمسّ، فصار السامري يهيم في البرية لا يمس أحداً، ولا يمسه أحد عاقبه الله بذلك، وألهمه أن يقول: (لا مِسَاسَ) . وكان إذا لقي أحداً يقول (لا مِسَاسَأي: لا تقربني، ولا تمسني، فكانت عقوبته الطرد، والنفي من المجتمع .

·        تنشأ العقليات الخرافية والأسطورية والعاشقة لعالم الشعوذة تحت وطأة الجبر والقهر والظلم .

كيف قرر الله تعالى توبتهم :

  -  أما القوم الذين عبدوا العجل.. فقد قرّر الله لهم توبةً فريدةً في نوعها، وهي أن يشهر الجميع ـ العابد للعجل، والساكت عليه ـ سيوفهم، بعضهم على بعض، وهكذا يقتل البعض البعض الآخر حتى يأمرهم موسى بالكفّ عن ذلك، فـ (قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم..).

فقد وقف بنو إسرائيل صفّين طويلين، شاهرين السيوف، وغشيتهم ظلمة، حتى لا يرى القاتل المقتول فيرق له، وأخذ يقتل بعضهم بعضاً، وموسى وهارون عليهما السلام وقفاً يتضرّعان إلى الله سبحانه، في رفع هذا الحكم، وإنزال التوبة.

حتى ارتفعت الظلمة، ونزلت التوبة، وسرّ الجميع، وبعد ما أحصوا القتلى، انكشف الأمر عن سبعين ألف قتيل!!


لكن من المظنون أن الله سبحانه، قدّر رؤوس الفساد بهذه الكيفية، فإنّ في كل أمة جماعةً لا يزالون يعبثون بمقدّرات الأمة، وينشرون الفساد والضلال، ولا نجاة للأمة في حاضر أمرها، ولا للأجيال الآتية في المستقبل، إلا بالتخلّص من مؤامرات هؤلاء وإفسادهم، أليس من الأحسن أن يقتل سبعون ألفاً لنجاة ملايين من البشر؟.

-  وقال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة .

-   وقال الحسن البصري أصابتهم ظلمة حندس ، فقتل بعضهم بعضا [ نقمة ] ثم انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك

-   وقال السدي في قول (فاقتلو أنفسكم) قال : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيدا ، حتى كثر القتل ،حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل بينهم سبعون ألفا ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا أهلكت بني إسرائيل ، ربنا البقية البقية ،  وهكذا ذهبت اغلب التفاسير

فالحكم كان أشبه بحكم الاعدام على الذين عبدوا العجل تكفيرا عن الذنب - أي أنه حكم خاص -وهذا ليس انتحار كما يتوهم النصراني فهم اذنبوا واقترفوا جرم عظيم اوجب قتلهم واعدامهم  ولم يكن بقتل انفسهم من تلقاء ايديهم كما توهم الحاقدون.
التعنت وعدم الإستجابة لأوامر الله تعالى

    - عن ابن عباس قال : ثم سار بهم موسى ، عليه السلام ، متوجها نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب ، فأمرهم بالذي أمره الله تعالى [ به ] - أن يبلغهم من الوظائف ، فثقلت عليهم ، وأبوا أن يقربوها حتى ينتق الله الجبل فوقهمكأنه ظلة ، قال : رفعته الملائكة فوق رءوسهم .[3]

  -  وقال سنيد بن داود في تفسيره ، ... قال : هذا كتاب ، أتقبلونه بما فيه ، فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم ،  وما أمركم وما نهاكم ؟ قالوا : انشر علينا ما فيها ، فإن كانت فرائضها يسيرة ، وحدودها خفيفة قبلناها . قال : اقبلوها بما فيها . قالوا : لا حتى نعلم ما فيها ، كيف حدودها وفرائضها ؟ فراجعوا موسى مرارا ، فأوحى الله إلى الجبل فانقلع فارتفع في السماء ، حتى إذا كان بين رءوسهم وبين السماء قال لهم موسى : ألا ترون ما يقول ربي عز وجل ؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها ، لأرمينكم بهذا الجبل . قال(الراوي) : فحدثني  الحسن البصري قال : لما نظروا إلى الجبل خر كل رجل ساجدا على حاجبه الأيسر ، ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل ، فرقا من أن يسقط [ عليه ] فكذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر ، يقولون : هذه السجدة التي رفعت بها العقوبة.

وكذلك لما (قالو ادع لنا ربك يبين لنا ما هي)

 أن نفوس بني اسرائيل كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا،واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن فيذبح بقرة.
  
 ولعل السياق القرآني - في قصة البقرة - يورد ..عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)[2]بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقرعادة.

  كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاءه و الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ)3

ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.


قلوب كالحجارة أو أشد قسوة :

قاسى موسى من قومه أشد المقاساة، وعانى عناء عظيما، واحتمل في تبليغهم رسالته ما احتمل في سبيل الله. ولعل مشكلة موسى الأساسية أنه بعث إلى قوم طال عليهم العهد بالهوان والذل، وطال بقاؤهم في جو يخلو من الحرية، وطال مكثهم وسط عبادة الأصنام، ولقد نجحت المؤثرات العديدة المختلفة في أن تخلق هذه النفسية الملتوية الخائرة المهزومة التي لا تصلح لشيء. إلا أن تعذب أنبيائها ومصلحيها.

وقد عذب بنو إسرائيل موسى عذابا نستطيع نحن أبناء هذا الزمان أن ندرك وقعه على نفس موسى النقية الحساسة الكريمة.
نكران الجميل للنبي وإذايته :

 ولم يقتصر العذاب على العصيان والغباء واللجاجة والجهل وعبادة الأوثان، وإنما تعدى الأمر إلى إيذاء موسى في شخصه.

 -  قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً)[4]ونحن لا نعرف كنه هذا الإيذاء، ونستبعد رواية بعض العلماء التي يقولون فيها أن موسى كان رجلا حييا يستتر دائما ولا يحب أن يرى أحد من الناس جسده فاتهمه اليهود بأنه مصاب بمرض جلدي أو برص، فأراد الله أن يبرئه مما قالوا، فذهب يستحم يوما ووضع ثيابه على حجر، ثم خرج فإذا الحجر يجري بثيابه وموسى يجري وراء الحجر عاريا حتى شاهده بنو إسرائيل عاريا وليس بجلده عيب. نستبعد هذه القصة لتفاهتها، فإنها إلى جوار خرافة جري الحجر بملابسه، لا تعطي موسى حقه من التوقير،وهي تتنافى مع عصمته كنبي.
ونعتقد أن اليهود آذوا موسى إيذاء نفسيا، هذا هو الإيذاء الذي يدمي النفوس الكريمة ويجرحها حقا، ولا نعرف كيف كان هذا الإيذاء، ولكننا نستطيع تخيل المدى العبقري الآثم الذي يستطيع بلوغه بنو إسرائيل في إيذائهم لموسى.

خذلانه ورفض للقتال معه :

  - ولعل أعظم إيذاء لموسى، كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشرعقيدة التوحيد في الأرض، أو على أقل تقدير، السماح لهذه العقيدة أن تستقر على الأرض في مكان، وتأمن على نفسها، وتمارس تعبدها في هدوء. لقد رفض بنو إسرائيل القتال. وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) 5.

   - قال تعالى في وصف المشهد : ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ.

التيه والتشرد في الأرض
    
فقد سبق أمر الله سبحانه، لعقوبتهم على المخالفة، بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، وقد كان تيههم في فراسخ معدودة، فإذا أمسوا أخذوا يتحرّكون، ثم إذا أصبحوا رأوا أنّهم في مكانهم الأوّل، وهكذا إذا ساروا صباحاً، وجدوا أنفسهم في الليل في نفس المكان.
                                              
وعزم جماعة منهم على الرحيل والرجوع إلى مصر، لكن أنى لهم ذلك، وقد كان المقدّر أن يتيهوا في نفس تلك الأرض.

     واشتكوا إلى موسى ما يلاقونه في تلك البرية من حر الشمس نهاراً، وبرد الليل والجوع والعطش، فدعا الله موسى (عليه السلام)، فأرسل الله سبحانه قطعة من السحاب كانت تظللهم كل يوم وتقيهم من حر الشمس.

جحود النعمة بعدما ألفو الفقر والمجاعة :

     بعد أن أنجى الله بني إسرائيل من فرعون أغدق عليهم نعمه الإلهية عناية منه بهم لما لاقوه من عذاب على يد فرعون ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ3.

    لقد كانوا يعيشون في نعم الله التي خصهم بها ولكن ميل بني إسرائيل إلى الشهوات جعلهم يتذمرون من هذه النعمة ويبحثون عن أشياء هي اقل بكثير من هذه النعم إنهم يبحثون عن الطعام الذي اعتادوا عليه أيام ذلهم واستعباد فرعون لهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَ﴾.

       لقد تخلوا عن النعمة، وهذا نوع من الكفر بالنعمة تلبس به بنو إسرائيل، واستجاب الله عز وجل لهم هذا الطلب بعد أن أنَّبهم موسى عليه السلام على ذلك ولكن هذا الطلب لا يمكن أن يتم وهم يعيشون في أمان، بل إن هذا النوع من الحياة المادية المبنية على الشهوة والتي كان يسعى إليها بنو إسرائيل سوف تنقلهم من حياة العزِّ والكرامة إلى حياة الذلِّ والمهانة: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ .

    وكان مع موسى حجرٌ يضعه وسط العسكر، فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، لكل سبطٍ من الأسباط نهرٌ خاص به، ليشرب منه الماء ويقضي به حوائجه. وكانت عصى موسى بالليالي المظلمة تشع لهم، كالمصباح القوي، فيرون الأشياء .
نتيجة حتمية لجيل ممسوخ :

     وبهذه النفسية حكم الله عليهم بالتيه. وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة، وقد مكث بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة، حتى فني جيل بأكمله. فني الجيل الخائر المهزوم من الداخل، وولد في ضياع الشتات وقسوة التيه جيل جديد. جيل لم يتربى وسط مناخ وثني، ولم يشل روحه انعدام الحرية. جيل لم ينهزم من الداخل، جيل لم يعد يستطيع الأبناء فيه أن يفهموا لماذا يطوف الآباء هكذا بغير هدف في تيه لا يبدو له أول ولا تستبين له نهاية. إلا خشية من لقاء العدو. جيل صار مستعدا لدفع ثمن آدميته وكرامته من دمائه.

    جيل آخر يتبنى قيم الشجاعة العسكرية، كجزء مهم من نسيج أي ديانة من ديانات التوحيد. أخيرا ولد هذا الجيل وسط تيه الأربعين عاما.
وعلى كل حال، فقد ضربت عليهم الذلة الأبدية (وباءوا بغضب من الله) ولعنة الدّهر (ذلك بـ) سبب (أنهم كانوا يكفرون بآيات الله) بأدلته وحججه (ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).

  - فمثلاً: حين كانوا في (التيه) عجزوا عن الإقامة ولم يقدروا على دخول الأرض المقدسة الموعودة، ولمّا ألحّوا على موسى أن يدخلوا بعض البلاد ليشتروا ويأكلوا كما يريدون أجاز لهم أن يدخلوا بيت المقدس، بشرط أن يسجدوا لله شكراً عند باب المدينة، ويقولوا هذه الكلمة: (حطّة) بمعنى : اللهم حطّ عنا ذنوبنا، لكنهم دخلوا الباب قهقرى ـ استهزاءً ـ وقالوا: (حنطة) عوض (حطة).


  -  ومن عجيب أمرهم أنهم من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أذلّة مطاردون، لم تستقم لهم دولة، وإذا اغتصبوا مكاناً ـ كفلسطين ـ فإن الاغتصاب إنما يتسنّى لهم بألف تملّق من دول قويّة، وألف بذل لأعراضهم للأعداء، فإن كل واحد يعلم أنهم حصلوا على وعد (بلفور) بإرسال فتياتهم الجميلات إلى الضبّاط والقادة وأهل النفوذ، وهكذا إلى اليوم يجعلون أنفس شيء ـ وهو العرض ـ سبباً لبقاء نفوذهم المزيّف..

·           ولقد قدر لموسى. زيادة في معاناته ورفعا لدرجته عند الله تعالى. قدر له ألا تكتحل عيناه بمرأى هذا الجيل. فقد مات موسى عليه الصلاة والسلام قبل أن يدخل بنو إسرائيل الأرض التي كتب الله عليهم دخولها. مات هارون قبل موسى بزمن قصير. واقترب أجل موسى، عليه الصلاة والسلام. وكان لم يزل في التيه. قام يدعو ربه: رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر. أحب أن يموت قريبا من الأرض التي هاجر إليها. وحث قومه عليها. ولكنه لم يستطع، ومات في التيه. ودفن عند كثيب أحمر حدث عنه آخر أنبياء الله في الأرض حين أسرى به.Principio del formulario

     فغضب الله عليهم, وكتب عليهم الذلة والمسكنة, وحرّم عليهم الخروج من سيناء أربعين سنة يتيهون فيها, وكلما أرادوا الخروج تاهوا من جديد ــ ويقال إن التيه وطور سيناء في شمال الحجاز ــ حتى إذا هلك ذلك الجيل العنيد المتكبر الجبان, ومات موسى وهارون عليهما السلام أَذِنَ اللهُ لهم في الخروج بقيادة نبيه يوشع (يشوع, فتى موسى) لهم فدخلوا الأرض المقدسة, وقد حبس الله الشمس ساعة من نهار ليوشع عليه السلام حينما دعا ربه أن يحبسها عليه قبل أن تغيب يوم الجمعة فيحرم عليهم القتال، ففتح الله عليهم (وقد أسرف مزوروا العهد القديم فيما ذكر وحشية يشوع وإهلاكه الحرث والنسل ما يتنزه عنه الأنبياء المعصومون من الله تعالى.

ما كتب على اليهود من الجلاء والتيه في عالمنا المعاصر:

وتشتت اليهود الشتات العظيم، وتفرقوا في الآفاق تحت الأمم التي كانت تسومهم سوء العذاب، فتارة بالتـخوين لهم في أوروبا الغربية والجنوبية، وتارة بقتلهم وطردهم وإجلائهم من جزيرة العرب، وتارة بإقامة محاكم التفتيش لهم كما في أسبانيا، إلى أفران الغاز الهتلرية وغيرها كثير.

وقد مكثوا في الشتات قرابة ألفي سنة، حتى عادوا سنة (1948م) لتحقيق نبوءتهم المترددة بين نهايتهم كما يقول فريق من محققيهم وبين نصرهم المؤقت وملكهم وانتظارًا لمسيحهم (الدجال) الذي سوف يُقتل على يد مسيح الهدى ابن مريم وأتباعه المسلمين في آخر الزمان.

وإني لا أعلم أمة عُذبت واضطهدت وشُردت وسبيت وأذلت أكثر من هذه الأمة الغضبيّة! التي لولا ما جُبلت عليه من أصول الأخلاق الفاسدة من المكر والخيانة والظلم والكذب والكبر والكفر وقتل النبيين والصالحين وكفران النعم والمنعِم وسوء الأدب معه؛ لكانت حريّة بالعطف والشفقة والرحمة والمواساة، لكن الله تعالى عدل حكيم, محيط عليم, قديرحليم, وله الأمر من قبل ومن بعد.

 -  قال الأستاذ محمد قطب: «لِحِكمة ما أخرج الله أمة اليهود، وناط بها دورًا تؤديه في التاريخ، وهو الإفساد! ومشكلة هذه الأمة كانت في جبلّتها المنحرفة التي لا تستجيب لدواعي الخير، ولا تستقيم على الهدى، جحدوا فضل الله عليهم، وجحدوا أنبياءهم، وجحدوا كل فضل قدّمه إليهم أحد من البشر، وقابلوا كل ذلك بإنكار الجميل وبالطمع والحسد والجشع وقساوة القلب. كرهتهم كل الأمم لخصالهم تلك، فانطووا على أنفسهم، يملأ نفوسهم الحقد الدفين على الأمم كلها، يريدون القضاء على الشعوب ليبقوا وحدهم، أو يريدون استعبادها لمصالحهم. وعقدتهم الكبرى أنهم شعب الله المختار، من ثم ينبغي أن يكون بقية البشر خدمًا لهم وعبيدًا».[4] وقد عقد فصلًا خاصًا بدور اليهود في الإفساد في الأرض.

 -  وفي الختام أقول: يكفي في بيان مخططهم الإفسادي ما جاء في البروتوكول الرابع من بروتوكولات حكماء صهيون: «يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول غير اليهود، وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية». وانظر مقال: وما أدراك ماالتلمود؟ حتّى تقف على على ذهنيّتهم وثقافتهم الموجّهة لتصوراتهم وأفعالهم.





[1]   كلام للشيخ بن عثيمين
[2]   التحرير والتنوير " (4/301)
[3]  رواه النسائي بطوله 
 [4]مذاهب فكرية معاصرة، ص79، بتصرف بسيط

0 comentarios:

Publicar un comentario