jueves, 22 de octubre de 2015

ذكرى عاشوراء : الإله الزائف والشعب المستحمَر

0 comentarios
حينما يحتفل اليهود بنجاة موسى من شخص فرعونَ الزائل، فما هم بأكثر فرحا من النبي محمد ولا أعرف بقيمته منه.  فلإن كان بنو اسرائيل خذلوا موسى حينها وعاندوه، فإن محمدا أولى به لانه أكمل مسيرة التحرير والقضاء على فكرة الفرعونَ الباقية.

وإن فرعون موسى سوف يظل الرمز لكل نوع من أنواع الطغيان والإستكبار والآلهة المزيفة عبر العصور، وبنو إسرائيل كانوا النموذج الجليّ لكل شعب خفيف الظل مستحمَر مغلوب. وتبقى الأصوات الحرة خافتة مقموعة، والإرادات الجماعية متفرقة شِيعا، وأبناء الشعب يُقتلون ويجوعون. وعلى أمل ظهور موسى من جديد، فسوف تبقى الشعوب المستضعفة تحت عطف الجلاد ، تُقاد قود العبيد وتساق سوق النعاج .

تميزت قصة سيدنا موسى عليه السلام في القران الكريم بوجود مادة ثرية جدا في عدد الآيات وفي المواقف والأحداث التي ذكرت تفاصيلها الدقيقة من خلال عدة تفاعلات بين نبي الله موسى مع قومه قبل الدعوة وبعدها ومع فرعون وقارون والسامري والسحرة ومع قومه بعد الهجرة وفترة التيه وغير ذلك من المواقف.

النبي موسى : الولادة العسيرة والتربية في بيت العدو تحت حفظ الله ورعايته

رؤيا الفرعون والإبادة :

ولعل السر في تذبيح الأبناء الذكور بصفة خاصة والاستبقاء على النساء يرجع إلى رؤيا قيل: رآها فرعون، أو تخمين جاء في نفسه بأنه سوف يولد طفل من بني إسرائيل يكون هو سبب نهاية فرعون، وهذا غيب من غيب الله عز وجل، لا يطلع عليه إلا الله عز وجل ومن أراد من المرسلين، لكن جاء في ذهنه هذا الأمر، فأوحى إلى زبانيته أن كل ولد ذكر يولد لا بد أن يقتل، ولا يبقى إلا النساء، ثم جاءت فترة خشي أن ينقرض شعبه؛ فصار يقتل سنة ويستبقي سنة أخرى،

·           ومن عجائب قدرة الله عز وجل أن موسى ولد في السنة التي يقتل فيها فرعون الأبناء، حتى يكون أبلغ في التحدي، كما كان من التحدي أن يدخل موسى وهو طفل رضيع إلى بيت فرعون، ولذلك فإن الله عز وجل أراد أن يفرضه فرضاً عليه حتى يرى أن احتياطه لا ينفع ولا يرد من قضاء الله عز وجل وقدره شيئاً، فولد موسى عليه الصلاة والسلام، وشب في بيت فرعون، وألقى الله عز وجل عليه المحبة؛ فاحتضنته زوجة فرعون المؤمنة، وبقي هذا الطفل حتى أصبح رجلاً، فكان سبباً في نهاية فرعون.

إن علم فرعون ومنجميه بأمر هلاكهم على يد مولود في بني إسرائيل وكثرة قتلهم لكل من يولد فيهم من الذكور لم يمنع من جريان سنة الله في الكون والتاريخ ، ذلك لأن سنة الله لا تبديل لها ، وقضى بذلك الله أمرا كان مفعولا ، وهو أمر بالغ الأهمية ، ورسالة اعتبار لكل من أراد العبرة ، ذلك أنه مهما عظم مكر المستكبرين بالمستضعفين ، فإن مكر الله غالب على مكرهم " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ...

النبي موسى في قصر عدوه تحت عناية الله :

تحكي التوراة والقرآن – معا – كيف أن الأقدار ساقت موسى إلى داخل القصر الفرعوني حيث تربى في صغره ومكث فيه سنين {قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا سنين} وقد تختلف التوراة عن القران في كيفية دخوله القصر وعلى يد من دخل، وكيف تقبله فرعون لكن كل هذا لا يهم بقدر ما يهمنا أنه دخل القصر فعلا وتربى فيه، فهل كان السر وراء هذا هو حمايته من القتل الذي لحق جميع الأطفال في سنه؟ أم كانت الحكمة من ذلك أكبر بكثير من هذا؟

     أعتقد أن العناية الإلهية كفيلة بحفظ موسى (الرضيع) من القتل في أي مكان أخر غير القصر، لكنها اختارت تربيته داخل القصر لأبعاد مستقبلية تدخل ضمن قول القرآن في سورة طه {واصطنعتك لنفسي..} فالله سبحانه يهيأ موسى لمخاطبة فرعون كملك وإله في ثقافة عصره. وإن مخاطبة شخصية بمثل هذه المواصفات والمهام والوظائف لن تتيسر لأي كان، ولكنها تسهل في وجه موسى الذي تربى وسط القصر كمقر للإله (فرعون) وكمركز لجميع السلط آنذاك والوظائف والمهام المتعلقة بسير البلاد.

إن تربية القصر بما توفر له من مركزية وأهمية حينها هي التي أسهمت في تشكل الشخصية الموسوية بما زودته به من خصائص قيادية واستيعابية للأدوات المعرفية لثقافة عصره[1]

  - وقال بعضهم : الحكمة في تربية سيدنا موسى في بيت فرعون : كان من إعداد الله تعالى لنبيه موسى ألا ينشأ في بني إسرائيل أولئك الذين بلغوا من الذل والخضوع حدَّ أن يأتي الشرطي فينزع الرضيع من يدي أمه فيقتله أمام والديه، ولا يملكان المقاومة !!
لذلك لم يتركه الله في هذه البيئة ، بل بمجرد ولادته أرسله ليتربى في قصر فرعون .. حيث لا يوجد الذل ..!!

الخروج الشريد وظهور الاصطفاء عند شجرة الطور ، وكلم الله موسى تكليما ...

تعرض موسى لمواقف عدة بعد خروجه من القصر، وقد نعتمد بعضا منها للاستدلال على بعض الصفات القيادية في شخصه التي عزونها للوسط الذي تربى فيه (القصر).

  * وأولها المقاضاة بين الناس التي كانت من خصائص القصر والملك وذلك عندما صادف الرجلين المتصارعين فتدخل فوكز احديهما فقتله، فالنص التوراتي يحكي احتجاج احد الرجلين ضد موسى مستنكرا فعلته وتدخله قائلا: “من أقامك رئيسا وقاضيا علينا..” فكان الرجل يرى موسى تجاوز حده بالمقاضاة بينهما التي ليست من صلاحياته أبدا.

  *  أما الموقف الثاني فيتعلق بما شهدت له به من قوة وأمانة إحدى المرأتين اللتين سقى لهما حينما كانتا تذودان على ماء مدين {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}

  *  أما الموقف الثالث هو حينما جاء لمخاطبة فرعون فواجهه فرعون بجريمته التي ارتكبها في حق الرجل الذي وكزه بعصاه فمات {وفعلت فعلتك التي فعلت وآنت من الكافرين. قال فعلتها إذا وأنا من الضالين. ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي رب حكما وجعلني من المرسلين..} فموسى هنا لم يكن لينكر جريمته بل، اعترف بها بكل جرأة وقوة في التعبير ولم يكن خائفا حينها ولم يكن مستعطفا لفرعون عندما استنكر عليه..[2]

الفرعون : الإلاه الزائف . حاشية السوء / والآلة الإعلامية الكاذبة (السحرة)

وما فعل فرعون موسى ببني إسرائيل من التَّجويع والتَّقتيل، ومصادرة أمْوال الأغنِياء وتصْليبِهم وسفْك دمائِهم، ما فعل ذلك إلا ليستبْقِي الهالة التي حصل عليْها من ادِّعائه الربوبيَّة، والسُّلطة التي تمكَّن منها؛ {

  - قال تعالى : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ الزخرف: 51

الفرعون ومصادرة عقل الشعب :

   وزاد الطين بلَّة أنه صادَر عقول كل الشعب، وقال لهم بوضوح: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 29].

     فإن فرعون اختزل الشعب في نفسه، وتكلَّم باسم الشعب الذي يراه عبيدًا له، وبالتالي فهو لا يَأْبَه به ولا بإرادته؛ ولهذا واجه موسى بهذه الصِّيغ التي تدل على إلغائه لإرادة شعبه، بل وزعَم أن موسى هو (عدوُّ الشعب)، وأنه جاء ليخرج الشعب المصري من أرضه، مع أن أكبر أهداف موسى أن يَخْرج هو وبنو إسرائيل من مصر، لكنه منهاج الفراعنة في قلب الحقائق، وفي الدفاع عن فرعونيَّتهم بكل الوسائل!

أن هذا الشعار وهذه المقولة التي تنضح بالفكر القمعي، والمتسلط المستبد، والتي تنبعث منها رائحة الأنا الغاشمة، والدكتاتورية البائسة، ويحفها الكبر والغرور، ويلفها العنف والنفور، هي سياسة يتبناها دومًا الطغاة، ويمتطي صهوتها الجبابرة العتاه، وهم معجبون بوسمها ورسمها كيفما كان! ويلقنوها لأبنائهم السذج، وتلامذتهم الهمج، ممن هم على شاكلتهم، والنتيجة سيأتي الإشارة إليها لاحقًا في ختام كلامنا.

ومن أغرب ما رأيت في هذا الباب ووقفت عليه، مما وصل به الحال بهؤلاء - وهو كثير :

      -  كما لا يخفى - ما ذكره الجاحظ في البيان والتبيين، قال: خطب عدي بن زياد الإيادي[3]  فقال: أقول كما قال العبد الصالح: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾، فقالوا له: ليس هذا من قول عبد صالح، إنما هو من قول فرعون. فقال: من قاله فقد أحسن".

فانظر إلى أي مدى بلغ الوضع بهم، لتزداد عجبًا وتعجبًا. ثم تأمل كيف يجمع الطغاة إلى باطلهم، وقهرهم وقمعهم، جهلهم بكتاب الله - عز وجل!

   هذا القمع السياسي الفرعوني، والذي مُورس ضد موسى - عليه السلام - واتباعه، هو لا يعدوا أن يكون - في أحسن حالاته - نوبات من الجنون، وضرب من ضروب الهستيريا، تنتاب صاحبها...

·    أنه بين - أيضًا - منهج أهل سياسة: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ مع اتباعهم: أنهم يعمدون إلى إكراههم على ما يعتقدون، ويفرضونه عليهم فرضًا، ويلزمونهم بالأخذ به عنوة وبقوة - لا عن اقتناع - وإن كان الذي يعتقدون أو يرون، لا تستسيغه الفطر ولا تقبله العقول، بل ربما عمدوا مع ذلك كله، إلى ابتكار الحيل، لكبت الحريات، وتضييق الخناق عليها، وفرض المعتقدات الفاسدة، ورسوم الوثنية الكافرة.

دعوى الفرعون أنه حريص على استقرار البلاد والحفاظ على المكتسبات

     - إن حجة فرعون - في قتل موسى - كانت: ﴿ وقال فرعون فذروني أقتل موسى وليدع ربه إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ غافر:26.

وهذه هي ألفاظ الجبابرة ولغة الطغاة ؛ لإنفاذ أوامرهم، وهي إحدى عباراتهم التي مُلئت من مثلها قواميسهم، وهم بها ينصبون لمن خالفهم الحبائل ، ويرمون عن قوس واحدة، هي قوس رمي أهل الحق بالتهم الباطلة جزافًا، ودون حرج، بل يزيد العجب ولا يكاد ينقضي إذا علمت أنهم يرمون أهل الحق، بما هو فيهم من الباطل! وهذا هو منطق المعادين لله - عز وجل - ولدينه في كل مكان وزمان، ولا ندري ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذريات: 53]،

 إذ كيف يصبح فرعون واعظًا ومذكرًا؟!! و "هل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال [الوثني]، عن موسى - عليه السلام - الرسول الموحى إليه من الله - عز وجل - تلك المقالة؟! أوليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد، عن كل داعية مصلح؟ أليست هي كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث، لإثارة الشبهات في وجه الإيمان الهادئ؟

     إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان، على توالي الزمان واختلاف المكان، والقصة قديمة تعرض بين الحين والحين".[4]


وجعل أهلها شيعا :

يقول المفسرون :  وجعل أهلها شيعا  يعني بالشيع : الفرق ، يقول : وجعل أهلها فرقا متفرقين

سياسة : فرق تسد

يعمل الفرعون على التفرقة بين شعبه ويضرب بعضهم ببعض ويششتتهم أحزابا وجماعات حتى لا تقوى شوكتهم وتتحد كلمتهم وبهذا وحده يضمن بقاءه هو متربعا على السلطة بدون منافس قوي ويكون حينها الضمان الوحيد لاستقرار الأوضاع !!
وشبه هذا أو عينه ما وقع في تاريخنا الإسلامي وهو المبرر الأساسي في ظهور مختلف الفرق وطغيان بعضها على بعض وانقلاب بعضها على بعض .ويدعم الحكام كل مرة طائفة فإن قويت يدعمون أعداءها ضدها ... ليبقو هم الأمل الوحيد لضعاف العقول العاجزين عن فهم عمق الأمور [5]

حاشية السوء :

يجمع فرعون بِطانة المكر والتزييف التي تُحيط به، وهذه البطانة هي أكبر صانع للفراعنة والطواغيت، وهي أكبر خائن للأوطان وبائع لها؛ من أجْل مصالحهم التي تتحقق من وجودهم حول فرعون، ومن تثبيته - بكلامهم المزوَّر - على الفرعونية، بل وتعميقها في فرعون، ولا سيَّما مع طول بقائه في موقع السلطة، لدرجة أنه بعد عقدين من الزمان تقريبًا ينفصل تمامًا عن إنسانيَّته ومشاعره، وصِلته بشعبه صلة إنسانية قائمة على أساس البشرية

ما أفسد فرعون إلا هامان

    كان في زمن هارون الرشيد رجلاً على قدر رفيع من الدين والزهد والورع يدعى سفيان الثوري وهو أحد أئمة المذاهب المندثرة ، إفتقده الرشيد فترة من الزمن ، و ذات يوم تذكره فسأل عنه فقالوا له يشكوا المرض ، فأشار الى حاشيته بضرورة زيارته للأطمئنان عليه لما لهذا الرجل من مكانة مهيبة بين الناس ، فلما دخل عليه الرشيد وجلس بجانبه أخذ يده وقال له ما أحسنها من يد أذا نفذت من الحساب يوم القيامة إنك مسؤول عن كل فرد من أمة محمد (ص) ، عندها إغتم الرشيد وشعرت الحاشية بذلك ، فبادر أحدهم وهمس في أذن سفيان الثوري قائلاً ... لقد غممت أمير المؤمنين وأفسدت له صفوه ، فبادر سفيان للرد عليه غاضبا ً ... أسكت ما أفسد فرعون إلا هامان .

   فالحاشية عند الحُكام والملوك هى البطانة أوالمجموعة المنتقاة التى تلتف حول الحاكم سواء إختارهم هو أم تبرعوا هم بتقديم الخدمات.. إذن فللحاكم بطانتين، بطانة سوء وبطانة خير.. بطانة السوء تنظر ماذا يريد ثم تُزينه له، بل تُصفق له لتورطه، ولكن حين يسقط تتخلى عنه وتنفض أيديها وكأنها لم تكن الدافع ولا المُحرض لأفعاله.. وتلك المجموعة من البشر لا تُكلف بل تتطوع .

مكر الدعاية الإعلامية وسحرها

المتأمِّل في مسيرة الكذب الإعلامي في قصصِ الأوَّلين، يجدُ ارتباطَها الوثيق بتوجهٍ معيَّن يريدُه صاحبُ السلطة والنفوذ؛ حيث يعزِّز هذا التوجُّه بكل ما أوتيَ من قوة؛ للحيلولة دون وجود المنافس الذي قد ينزله عن عرش الهيمنة والقهر.

وقد اشتركت جميعُ الوسائل الإعلامية - قديمها وحديثها - في الكلمة الكاذبةِ لتوجيه الجمهور نحو توجُّه معيَّن يريده مَن يملك الكلمة، والكلمة هنا هي الخطابُ الإعلامي، والذي كان في القِدَم ما يصدُر عن اللسان، وفي العصر الراهن أيضًا ما يصدر عن اللسان، ولكن في صورٍ مطبوعة ومرئية ومسموعة

-       وأيضا استعمل المنطق الفرعوني المؤشر العددي في التضليل الإعلامي للتعبير عن مصداقيته ، وعدم مصداقية الخط الرسالي ، لأن المنطق الفرعوني ينطلق من الأكثرية كمؤشر على القوة وبالتالي على الحق ، بينما الأقلية هي مؤشر على الضعف وبالتالي على الباطل ﴿فأرسل فرعون في المدائن حاشرين﴾ أي عمل على خلق تعبئة مضادة للخط الرسالي تقلل من شأنه ﴿إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون.

-       وبما أن فرعون كان يشيع عن موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - أنهما مجرد ساحرين يريدان إخراج الناس من وطنهم، فالأمر الطبيعي أن تستنفرَ الأمة كلها؛ حتى لا تخرج من أرضها، وأن يُجمَعَ أمْهَر السحرة من كل أنحاء مصر، عن طريق الإعلام الفرعوني القادر على الوصول إلى كل المدائن، بحيث يُؤتَى بكل ساحر عليمٍ باحثٍ عن المجد والثراء؛ حتى يتحقق النصر المبين على هذين الساحرين الكبيريْن اللَّذين يدَّعيان النبوَّة؛ ولأنه - من البديهي والمعروف - أنه لا يَفلُّ الحديد إلاَّ الحديد، فكذلك لا يستطيع أن يُحبط كيد الساحر إلا ساحر أقوى منه، فكيف إذا كان سحرةُ فرعون أمهرَ السَّحرة على مستوى الوطن كله؟!

  -  قال تعالى : ﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ، قال لهم موسى ويلكم لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه: 61].

       إن الإعلا -عندنا -  يحول الحاكم الى فرعون ويمكن أن يكون الحاكم لديه صفات حميدة كالتواضع والبساطة ولكن الاعلام يحوله الى فرعون لأنه ينظر الى كل تحركاته وتصرفاته ويقوم بإلقاء الضوء عليها بصورة مبالغ فيها.
     فخطب الحاكم تعاد كل يوم أكثر من مرة وهذا يعطى انطباعا أن الحاكم هو الملهم وهنا يمكن أن يتحول الحاكم مع مرور الوقت الى فرعون والإعلام دوره أن يغطى الأحداث ويكون رقيبا على أداء الحاكم وينتقد ما يكون خطأ فى أدائه وليس دوره ان يبحث عن كل ما يقوم به الحاكم ليبرزه.

·        ولكن الإعلام الحر في دولة الفرعون مصيره : فلأقطعن أيديك وأرجلكم من خلاف 


النهاية هي: ركوب الشعب و صناعة العبيد وبشر خفيف الظل و قابلية الاستعمار

 - لم يكتفِ القرآن الكريم بفَضْح الفرعونيَّة والإنكار الشديد عليها، وإنَّما حمَّل المسؤوليَّة كذلك للجماهير الرَّاضِخة المستسلِمة؛ فقال عن فرعون: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ الزخرف: 54.

فالظاهرة الفرعونيَّة تتَشَكَّل من الطاغِيَة الغَشُوم من جِهَة، والأمَّة المتَّصِفة بالسلبيَّة من جِهَة ثانية، ولم تأتِ هذه السلبيَّة وهذا الخُنُوع إلاَّ من حالة نفسية وفكرية هي "القابلية للاستِخفاف"، تمامًا مثل الظاهرة الاستعمارية التي حلَّلها الأستاذ مالك بن نبي - رحمه الله - تحليلاً علميًّا تاريخيًّا دقيقًا ليَخلُص إلى استِنباط سببها المتمثِّل في "القابليَّة للاستِعمار"؛ أي: وجود الأمَّة في حالة من الضَّعْفِ الثقافي والانهِيار النفسي والعجز عن الأداء تقضي على مناعتها الذاتية، فتكون فريسةً سهلةً للاحتِلال الأجنبي، وهذا يَنطَبِق تمامًا على الفرعونيَّة انطباقه على الاستعمار.

      - وقد تَناوَل الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - "القابليَّة للاستخفاف" ببيان رفيع يقول فيه مُعَلِّقًا على إعلان فرعون "أنا ربُّكم الأعلى": "قالها الطاغية مخدوعًا بغفلة جماهيره وإذعانها وانقيادها، فما يخدع الطُّغَاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلَّتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلاَّ فرد لا يملك في الحقيقة قوَّةً ولا سلطانًا، إنَّما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتَمُدُّ له أعناقها فيجر، وتَحنِي له رؤوسها فيستعلي، وتَتنازَل له عن حقِّها في العزَّة والكرامة فيَطغَى.
·           والجماهير تفعل هذا مخدوعةً من جِهَة، وخائفةً من جِهَة أخرى، وهذا الخوف لا ينبَعِث إلاَّ من الوهْم، فالطاغية - وهو فرد - لا يُمكِن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنَّها شعرت بإنسانيَّتها وكرامتها وعزَّتها وحريَّتها، وكلُّ فردٍ فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوَّة، ولكن الطاغية يخدعها فيُوهِمها أنَّه يملك لها شيئًا، وما يُمكِن أن يَطغَى فردٌ في أمَّة كريمة أبدًا، وما يُمكِن أن يطغى فردٌ في أمَّة رشيدة أبدًا، وما يُمكِن أن يطغى فردٌ في أمَّة تعرِف ربها وتُؤمِن به، وتأبى أن تتعبَّد لواحدٍ من خلقه لا يملك ضرًّا ولا رشدًا.
       فأمَّا فرعون فوَجَد في قومِه من الغفلة ومن الذلَّة ومن خَوَاء القلب من الإيمان ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: "أنا ربكم الأعلى"، وما كان ليقولها أبدًا لو وجد أمَّةً واعيةً كريمةً مؤمنةً، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدِر على شيء، وإنْ يسلبه الذباب شيئًا لا يستنقذ من الذباب شيئًا!".

·         وقال فرعون يا هامان ابن لي سرحا ...


      وليست المسألة متعلِّقةً بفترة تاريخية مُعيَّنة، ولا بحيِّز من الأرض، ولا بقومٍ دون آخَرين، إنما هي مجموعةٌ من الخصائص تَتجَمَّع بالتَّراكُم في شعبٍ أو شعوبٍ تَنهار نفسيًّا فتَفقِد الثقة بذاتها، ولا تَقوَى على تَفعِيل طاقاتها البشرية والمادية، فتخلد إلى إسلام أمرها إلى كلِّ مُتَسلِّط يفعل بها ما يشاء، سواء كان احتلالاً خارجيًّا، أم حاكمًا جائرًا، فهي كالجسم الفاقِد للمناعة تَعبَث به العِلَل وتُنهِكه الأمراض، فيُحاوِل صدَّها بأدوية لا فاعليَّةَ لها فيَنتَهِي به الأمر إلى الاستِسلام، وربما لعن المرض والعلاج الفاشل وغفل عن حالته العامَّة، وعدم أداء مختلف الأجهزة والغُدَد والأعضاء لوظائفها، فالموت هنا مسألة وقت لا مَحَالة.

وإذا كان نموذج فرعون يَتكرَّر عبر الزمان والمكان،    فإنَّ الساحة الإنسانية لا تعدم نموذج موسى - عليه السلام - صورة عُلَماء الدِّين الربانيين العاملين.

نهاية الفرعون :

  -  يقول صاحب "الظِّلال": "الله يريد غيرَ ما يُرِيد فرعون، ويقدِّر غير ما يقدِّر الطَّاغية، والطُّغاة البُغاة تخدعهم قوَّتهُم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديره، ويحسبون أنهم يَخْتارون لأنفسهم ما يحبُّون، ويختارون لأعدائهم ما يشاؤون، ويظنُّون أنهم على هذا وذاك قادرون، والله يُعلِن هنا إرادته هو، ويَكشف عن تقديره هو...


·        فكان هلاكًا لقريته التي ارتَضَت الفساد، ورضَخَت للتَّرف والاستعباد.

   - قال تعالى :   ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16]، وكذلك كل الفراعنة التابعين، سيَنالهُم نفْسُ المصير؛ إنْ آجِلاً أو عاجلاً؛ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام: 123].

 - و كان العقاب الإلهي يزداد درجة وحدة ، فقال تعالى أولا : ﴿فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم

·      وكان وبالاً على نَفْسِه التي سوَّلَت الفَساد! - قال تعالى :  ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ يونس: 90 – 92

·        و كان لعنة ودمارًا على بطانته التي مررت له الفساد في الدنيا والآخرة : ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ القصص: 42.

·     وبعد أن أيقن فرعون أنه من الهالكين ، عرف أن الحق كان حليف المؤمنين المستضعفين ، فأعلن إيمانه وإسلامه لله رب العالمين قائلا ﴿حتى إِذا أدركه الغرق قال آمنت أنّه لا إِله إلّا الذي آمنت به بنوا إِسرائيل﴾ ، هذا الإيمان المتأخر الذي يصدع به الظالمون بعد فوات الأوان على طريقة "أنا فهمتكم" ، ما كان ليقبل عند الله لأنه جاء متأخرا وبعد فوات الأوان، قائلا له ﴿الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾ ، فهو الجواب الإلهي لكل من تأخر في فهمه و إيمانه، فأراد الله تعالى أن يجعله عبرة لمن بعده من الظالمين ، كي لا يسلكوا مسلكه وينتهوا عند ما انتهى إليه ﴿فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية﴾ .









[1]  موقع الدكتور : محمد الشحرور
[2]  موقع الدكتور : محمد الشحرور
[3]  أحد أزلام الحجاج وولاته على الري.
[4]   في ظلال القرآن (6/254). بتصرف وزيادة يسيرة.
[5]  للتعمق في هذا المعنى : مراجعة كتاب الفردية ، لابن الوزير اليمني .
[6]   كلام للشيخ بن عثيمين
[7]   التحرير والتنوير " (4/301)
[8]  رواه النسائي بطوله 

0 comentarios:

Publicar un comentario