jueves, 10 de septiembre de 2015

العافية والمرض

0 comentarios

نعمة الصحة والغبن فيها

    -  يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله- :" أي: وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلا، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت..." .فتح القدير (3 /110)

   -  يقول وهب بن منبه –رحمه الله-:"رؤوس النِّعم ثلاثة؛ فأولها: نعمةُ الإسلام التي لا تتمُّ نعمُه إلا بها، والثانية: نعمةُ العافية التي لا تطيبُ الحياةُ إلا بها،والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتمُّ العيشُ إلا به".عدة الصابرين لابن القيم(ص117)

   -  يقول بكر بن عبد الله المزني -رحمه الله- : "يا ابن آدم إذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فَغْمِضْ عينيك ". الشكر لابن أبي الدنيا ( 182)

    -  جاء رجل إلى يونس بن عبيد –رحمه الله- يشكو ضيق حاله، فقال له : "أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟"،قال الرجل:لا،قال: "فبيديك مائة ألف؟"،قال الرجل: لا ، قال:" فبرجليك؟"قال الرجل: لا ، فذكره يونس بن عبيد -رحمه الله-بنعم الله عليه،ثم قال له:"أرى عندك مئين ألوف!،وأنت تشكو الحاجة!".الشكر لابن أبي الدنيا (101)

    -   فعن عبيد الله بن مِحْصَن الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيَا ".رواه الترمذي ( 2346) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-. 
   -  كما يَقولُ عليه الصَّلاة والسَّلام: [ما أُوتيَ أحدٌ بعدَ اليَقين خَيراً من مُعافاة] رَواه ابن ماجَة

   -  يقول المناوي –رحمه الله- :" يعني من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره ".فيض القدير ( 6 / 68)

إن بعض الناس -هداه الله - يحصر نعم الله في الأموال - الدرهم والدينار -، فتراه إذا خسر في تجارة أو ضاع منه مبلغ، أو ركبته الديون جزع وأصابه اليأس والقنوط، - والمال بلا شك من النعم التي أنعم بها علينا الخالق - وينسى أو يغفل عن نعم عديدة تحيط به من كل جانب، مثل نعمة البصر والسمع، ونعمة الشم والتذوق التي لو فقدها لم يجد للحياة مذاقا، فبها يتذوق حلاوة الطعام ولذة الشراب، وكذا نعمة اللسان التي يعبر بها عما يجول في خاطره ويخاطب بها من حوله

نعمة الصحة من النعم الني نسأل عنها يوم القيامة

   -   فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يوم الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ؟". رواه الترمذي ( 3358)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
  -   في قول المناوي –رحمه الله-:"( أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ) أي: جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره، ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به ".فيض القدير ( 2/204)

  -  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه:"اغْتَنِم خمسًا قبل خمسٍ: شَبَابكَ قَبل هَرمِكَ، وصِحَتَكَ قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قبل فَقْرِكَ، وفراغَكَ قبل شُغلِكَ، وَحياتَكَ قبل موتِكَ". رواه الحاكم في المستدرك ( 4/341)

ماذا يجب علينا تجاه نعمة العافية والصحة

تقدير صاحب النعمة وشكره وطاعته

-  فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّأخرجه الترمذي في سننه.)

-   فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يوم الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ؟". رواه الترمذي ( 3358)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.

   -   في قول المناوي –رحمه الله-:"( أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ) أي: جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره، ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به ".فيض القدير ( 2/204)

   -  يقول ابن الجوزي –رحمه الله- :" اعلم أنه قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش ، وقد يكون متفرغا من الأشغال ولا يكون صحيحا ،فإذا اجتمعا للعبد ثم غلب عليه الكسل عن نيل الفضائل فذاك الغبن  كيف والدنيا سوق الرباح ، والعمر أقصر ، والعوائق أكثر". كشف المشكل ( 2 / 437)

  - يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه ،وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به،وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته ". الفوائد (ص 193)

   -   يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله- :" ومن حفظ الله في صباه وقوته،حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخا يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره".جامع العلوم والحكم ( ص 186)

المحافظة عليها من الضياع فهي أمانة :

ولذلك، كانَ من واجِب المُسلِم أن يحافظَ على هذه النِّعمَة، ويَحذَر عليها من التَّبديل والتَّغيير بإساءَة التصرُّف، وإلاَّ حلَّ به العِقاب جزاءً وفاقاً على ذلك، بِمقُتَضى سنَّة الله الثَّابتة وقَوانينه.

   -  يقولُ الله عزَّ وجلَّ {ومن يُبدِّل نِعمةَ الله من بَعدِ ما جاءَته فإنَّ اللهَ شديدُ العِقاب} [البَقَرة، 211]

   -  وأيضا :  {ذلك بأنَّ اللهَ لم يَكُ مغيِّراً نعمةً أَنعَمَها على قَومٍ حتَّى يُغيِّروا ما بأَنفُسِهم} [الأَنفال، 53].

أمَّا المُحافظةُ على هذه النِّعمَة فتَكون برعايةِ الصحَّة والقيام بكلِّ ما يُبقيها ويُحسِّنها؛ فكلُّ ما يقرِّره أهلُ الذِّكر من الأطبَّاء أنَّه مفيد للصحَّة يجدر بالمُسلِم أن يَعملَ به. وقد وردَ في الكِتاب والسنَّة كَثيرٌ من التَّعاليم التي تَرسُم للمُسلِم طرقَ المُحافَظة على صحَّة بدنِه جملةً، وصِحَّة أعضائِه تَفصيلاً.
هل من وراء المرض حكمة

كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى .

  - قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ولو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالنا من حكمة الله في خلقه وأمره لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع، مع قصور أذهاننا، ونقص عقولنا ومعارفنا، وتلاشيها وتلاشي علوم الخلائق جميعهم في علم الله كتلاشي ضوء السراج في عين الشمس.

ولا شك أن الأمراض والأسقام من الحوادث التي تحدث في الواقع، وفيها من حكم الله تعالى شيء كثير جداً، حتى ذكر رحمه الله تعالى نحواً من مائة فائدة فيما يتعلق بالأمراض والأسقام، وهذه الأمراض والأسقام بالنسبة لنا ولا شك هي شر، ولكن ليس في أفعاله تعالى شر محض، فلا بد أن يوجد فيها وجوه متعددة من الخير انتبه لها من انتبه، وغفل عنها من غفل نسأل الله أن لا يجعلنا من الغافلين.
لولا المرض لما عرف الناس قدر الصحة والعافية :

فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم .

·        الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى

  حقًا .. لا يعلم قيمة ذلك التاج ولا يراه إلا المحروم منه .. ذلك الموجع الفاقد للقابلية على مواصلة الضحك والابتسام. نعم .. للصحة تاجها الذي لم تلمسه أي يد بشرية .. ولم يصمم في دور المجوهرات العالمية .. ولم يعرض في النشرات الإعلانية والإخبارية .. ولم يعرض يومًا للبيع في المزادات العلنية. ذلك التاج الذي صاغته قدرة إلهية كبرى .. وضعت فيه كل الموصفات والمقاييس الصحية التي لا تستطيع إنجازها كل مصانع الأدوية العالمية على شتى ماركاتها وعلاماتها التجارية .. تاج لا يقاس بالموازين .. ولا بالمكاييل .. ولا بالقيراط .. ولا بأي وزن تبيحه المنظمات الدولية والعالمية. إنه تاج إلهي من صنع الخالق الجبار الذي لا يمكننا أن ننكر عليه هذه الهبة الكريمة .. ولا يمكننا إلا أن ندعوه بدوامها ودوام ذلك التاج على كل الرؤوس .. حتى وإن لم نتمكن من رؤيته .. وحتى يظل المجتمع دائمًا سليمًا ومعافى من كل سوء.

    عندما تشتاق لمجرد رشفة صغيرة من الماء دون أن تملك حق تجرعها إلا بإذن الطبيب وعندما تهفو النفس إلى ابسط الأطعمة دون أن تجرؤ على مجرد اقتراب منها أو حتى لمسها، وقتها تذكر نعمة الله التي من بها عليك بصحة البدن لتأكل وتشرب ما تشتهي النفس، وعافية الجسد لتجري وتركض كيفما تشاء، وتصحو وتنام عندما يحلو لك دون أية منغصات من ألم أو مرض أو متاعب صحية. من يمر بتجربة المرض تتغير نظرته تماما الى كل تلك الأشياء التي كان يتصور أنها عادية ولم تكن تستوقفه يوما أو تسترعي انتباهه، وعلى الرغم من أننا جميعا معرضون للمرض وأننا عايشنا ونعايش التجربة يوما ما مع أحد أحبائنا أو أقاربنا أو معارفنا، وهو بالطبع أمر يشعرنا ولو لأيام أو ساعات أو ربما لحظات بما نحن عليه من صحة إلا أن الإنسان سرعان ما ينسى ذلك ويعود إلى طبيعته وممارسة حياته بشكل طبيعي دون أية منغصات إلى أن يفاجأ يوما ما انه أسير مرض ما ربما يكون مزمنا، أو أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش بعضا من الوقت، وقتها فقط يستشعر بقوة قيمة ما كان عليه من نعمة لم يكن ليدرك أهميتها.

      إن مرضك لا يذهب بلذة النعمة الإلـهية في الصحة بل على العكس، انه يذيقك أيـّاها ويطيـّبها ويزيدها لذة، ذلك ان شيئاً ما اذا دام واستمر على حاله يفقد طعمه وتأثيره. حتى اتفق أهل الـحق على القول: ((انـما الاشياء تُعرف بأضدادها..)) فمثلاً: لولا الظلمة لـما عُرف النور ولظل دون لذة، ولولا البرودة لـما عُرفت الـحرارة ولبقيت دون استساغة، ولولا الـجوع لـما اعطى الاكل لذته وطعمه، ولولا حرارة الـمعدة لـما وَهَبنا احتساء الـماء ذوقاً، ولولا العلـّة لكانت العافية بلا ذوق.

   - ولولا الـمرض لباتت الصحة عديـمة اللذة.

ان الفاطر الـحكيم لـمـّا اراد اشعار الانسان واحساسه مـختلف احسانه واذاقته انواع نَعمه سوقاً منه الى الشكر الدائم، جهـّزه بأجهزة في غاية الكثرة لتُقبل على تذوق تلك اَلآلاف الـمؤلفة من انواع النعم الـمختلفة، لذا فلابد من انه سيُنزل الامراضَ والاسقام والعلل ايضاً مثلما يُلطف ويرزق بالصحة والعافية.

واسألك: ((لو لـم يكن هذا الـمرض الذي اصاب رأسك او يدك او معدتك.. هل كان يـمقدورك ان تتحسس اللذة الكامنة في الصحة التي كانت باسطة ظلالـها على رأسك او يدك او معدتك؟ وهل كنت تتمكن ان تتذوق وتشكر النعمة الإلـهية التي جسّدتها تلك النـعمة؟ بل كان الغالب عليك النسيان بدلاً من الشكر، او لكنت تصرف تلك الصحة بطغيان الغفلة الى سفاهة دون شعور!)).

ومتى ما أراد الإنسانُ أن يعرفَ قدر نعمة الصحة التي تفضل بها عليه أرحم الراحمين،فليذهب إلى المستشفيات لزيارة مرضى المسلمين، ولينظر إلى من هم حوله من المبتلين!وإلى من فقد أحد أعضائه! وكذلك إلى المعاقين! فهؤلاء - شفاهم الله-، لو أنهم خُيروا بين أموال الدنيا!وسلامة الجسد!لاختاروا بلا شك!نعمة الصحة والعافية من المرض بإذن رب العالمين.

اختبار صبر العبد وتحمله ورضائه بقدر الله وقضائه

·        فإذا  نزل بالعبد مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور. ما لا يعلمه إلا هو سبحانه .
                -  قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

  -  ويقول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة) رواه البخاري

  -  وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :  ( إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا : نعم فيقول وهو أعلم : فماذا قال ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فقال : ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد .

ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله .

  والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً ..

      -  لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري.

وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر.

      -  قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور.

نموذج الصبر على البلاء في قصة النبي أيوب عليه السلام

  -  قصة النبي أيوب عليه السلام جاءت في سورة الأنبياء على النحو التالي: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين} (الأنبياء:83-84).

  -  وجاءت في سورة (ص) وفق التالي: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب *اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب *ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب} (ص:41-43).

يخبرنا تعالى عن عبده ورسوله أيوب عليه السلام، وما كان ابتلاه به من الضر في جسده، وماله، وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفظت ودَّه؛ لإيمانها بالله ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة، وتطعمه، وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة. وقد كان رفضه القريب والبعيد، سوى زوجته رضي الله عنها، فإنها كانت لا تفارقه صباحاً ولا مساء إلا لخدمة الناس ثم ما تلبث أن تعود لخدمته ورعايته والقيام على شأنه. ولما طال عليه الأمر، واشتد به الحال، وانتهى القدر المقدور، وتم الأجل المحدد تضرع أيوب إلى ربه قائلاً: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}، وفي الآية الأخرى، قال: {رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب}، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عيناً، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عيناً أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً؛ ولهذا قال تعالى: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب}.
                                                                                                                                                                                                                  
   -  وقد روى البزار وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال: أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له. فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق. قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام، أن {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فاستبطأته، فتلقته تنظر، فأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان. فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك! هل رأيت نبي الله هذا المبتلى. فوالله على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك، إذ كان صحيحاً. قال: فإني أنا هو. قال: وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير - الأندر: البيدر - فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رجال البزار رجال الصحيح.

   -  وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أيوب يغتسل عرياناً، خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو في ثوبه، فناداه ربه، يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك). ولهذا قال تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب}، قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم. قال أبو حيان: "والجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله، وعافى المرضى، وجمع عليه من شُتِّت منهم".

    -  وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم}، قال: (ردَّ الله تعالى امرأته إليه، وزاد في شبابها، حتى ولدت له ستاً وعشرين ذكراً).

   -  وقوله سبحانه: {رحمة منا} أي: رحمة به على صبره، وثباته، وإنابته، وتواضعه، واستكانته، {وذكرى لأولي الألباب} أي: عبرة لذوي العقول؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة.

   -  وفي سورة الأنبياء: {رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}، أي: أجبنا دعاءه، وفعلنا معه ما فعلنا من ألوان الخيرات، من أجل رحمتنا به، ومن أجل أن يكون ما فعلناه معه عبرة وعظة وذكرى لغيره من العابدين، حتى يقتدوا به في صبره على البلاء، وفي المداومة على شكرنا في السراء والضراء.

  - وقوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث}، ذكروا أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ونقم عليها في أمر فعلته. قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة. وقيل: لغير ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تُقَابَل بالضرب، فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً - أي: حزمة أغصان كثيرة - فيه مائة قضيب، فيضربها بها ضربة واحدة، وقد برت يمينه، وخرج من حنثه، ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه؛ ولهذا قال تعالى: {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}، أثنى الله تعالى عليه ومدحه بقوله: {إنه أواب} أي: رجَّاع منيب للحق.

المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها

فمن فوائد المرض أنه الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف .
يا مدعي الكبر إعجاباً بصورتـــه *** انظر خلاك فإن النت تثريب 
 
    لو فكر الناس ما في بطونهم *** ما ادعى الكبر شبان وشيبان

           فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرهاً ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .

  -  قال تعالى :  (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك) الانفطار 

  -  وقال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً)...

·        قد يعطل المرض في أعضاء وأجهزة ولكنه يحيي فيك أجهزة أخرى (القلب ، والروح ، والعاطفة ..)

ويعرف العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله

فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه ولولا أن سلّط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه.

   -  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله .

المرض يكون مستعتباً للمؤمن في محاسبة نفسه ورجوعه ويقظته من غفلته

وقال عبد الرحمن بن سعيد عن أبيه: كنت مع سلمان رضي الله عنه وعاد مريضاً، فلما دخل عليه قال: أبشر فإن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل. أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

ومعنى أن المرض يكون مستعتباً للمؤمن يعني سبباً في محاسبة نفسه ورجوعه عن الإساءة، ويقظته من غفلته بخلاف الفاجر والكافر، فإن مرضه لا ينفعه، وهو لا يزال مصراً على المعصية، ولذلك هو كالبعير الذي أمسكه وربطه أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم أمسك ولم أرسل، الكافر إذا مرض لا يدري لماذا مرض وما هي الحكمة من المرض ولا يحتسب أجراً ولا يرجع إلى الله.
في المرض تكفير للذنوب والخطايا ورفع للدرجات

   -  فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه

  -  وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال : ( لا بارك الله فيها " أي الحمى " فقال صلى الله عليه وسلم ((لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا ) 

  -  وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)

  -  وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر)) والاختلاج هو الحركة
والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه

  -  وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح

  -  وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري

  -  وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: (كفارات)، قال أبي بن كعب رضي الله عنه: وإن قلّت؟ قال: (وإن شوكة فما فوقها). قال: فدعا أُبي على نفسه أن لا يفارقه الوعك حتى يموت، في أن لا يشغله عن حج ولا عن عمرة ولا جهاد في سبيل الله، ولا صلاة مكتوبة في جماعة.فما مسه إنسان إلا وجد حره حتى مات. وهذا الحديث حسنه الدمياطي وابن حجر وغيرهما رحمهم الله تعالى.
                                                                                                                                                                                                     
       * ودعاء أبي رضي الله عنه على نفسه اجتهاد صحابي، والمأمور به شرعاً أن لا يدعو الإنسان على نفسه بالبلاء، ومن فقهه أن قال: لا يمنعني ذلك عن حج ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صلاة جماعة، فهو يريد أجر المرض ولا يريد أن يقطعه ذلك عن هذه الطاعات، وعلى أية حال نحن أمرنا أن نسأل الله العافية، ولم يشرع لنا أن نأمر الله بأن يوقع بنا البلاء والمرض، وهذا فعله صلى الله عليه وسلم.

·         ثم إنه قد يكون للعبد منزلة عظيمة عند الله، لكن أعماله لا تؤهله للوصول إليها، أعمال العبد من الصلاة والزكاة والطاعات لا تؤهله للوصول إلى هذه الدرجة، والله كتب أنه في هذه الدرجة، فكيف يصل إليها العبد؟
                                                                                                                                                                                                                                                                                                     
يسلط الله عليه من أنواع المصائب والأمراض والآلام والغموم ما يصبر به العبد فيرتقي إلى تلك الدرجة التي كتبها الله له.

 - قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى)حديث صحيح رواه أبو داود وغيره.

·        ويعقبه لذة وسرور في الآخرة

 فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . 



0 comentarios:

Publicar un comentario