domingo, 17 de mayo de 2015

عندمــــا يموت الضميـــر

0 comentarios
عندمــــا يموت الضميـــر[1]


·        الخطبــــة الأولى :

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلًا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير . له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه يرجعون.

واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرًا ...

·        أما بعد :
   
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن هذه الدنيا دار ممر لا دار مقر ، وقد جعلكم الله مستخلفين فيها لينظر كيف تعملون ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى).

 -         أيها المسلمون ، إن العالم اليوم يعيش أوج مراحلة التقنية والمعلوماتيه ، ويشهد حمم براكين الإبتكارات والمحدثات في كافة الميادين ؛ فلا يلبث الناس لحظات يسيرة مع مستحدث جديد يتأملون صورته إلا داهمهم من الجديد ما ينسيهم الأول .
وهكذا دواليك وفي حين إن العالم اليوم استطاع بهمته وحب استطلاعه أن يصل إلى الفضاء ويصنع القنبلة النووية إلا أنه في الوقت نفسه لم يستطع إيقاظ الضمير لدى المجتمعات والشعوب ولم يملأ الخواء الروحي في أن يجعل الحياة وسيلة لا غاية ، فابصروا نجوم الفضاء وعموا عن القذاة في العين.

الضمير الحي مطلب بحت لأجله أصوات الناصحين المخلصين ، المخلصين لأمتهم وشعوبهم ، عز عليه أن يلاقي رجع صدى ينتشل أمة الإسلام من الضيق إلى السعة ، ومن الذل إلى العز ، ومن الأثرة إلى الإثار ، ومن الشين إلى الزين .

وغالبًا ما تكون اليقظة متأخرة -إن وجدت - بعد الوقوع لا قبله والموقظ فيها هو الوقوع نفسه لا أصوات الناصحين ، فيصدق

  -قول بعضهم :
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

الضمير عباد الله : هو ذالكم الشعور الإنساني الباطني الذي يجعل المرء رقيبًا على سلوكه ، ولديه الاستعداد النفسي ليميز الخبيث من الطيب في الأقوال والأعمال والأفكار واستحسان الحسن واستقباح القبيح .
والإسلام في صميمه شريعة حرة قد حررت العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ودلت على أن العزة مع الإيمان والذله والدون مع الكفر والفسوق والعصيان .
يبدو ذلك كله جليًا من خلال ضمير الفرد وينتهي في محيط ضمير المجتمعات المسلمة في أسرها ؛ لأن الضمير الحي إذا غاب عن المجتمعات أصبح أفرادها أشباحًا بلا أرواح ، وربما ترقت ببعض بنيها إلى أن يكونوا شياطين في جثمان إنس ، ولا يمكن أن يكون في واقع الناس قضايا مشتركة في الضعف والقوة والغنى والفقر والإيمان والفسق والعدل والظلم إلا وله صلة وثيقة بيقظة الضمير أو غفلته وغفوته .
لقد عانت المجتمعات المسلمة في هذا العصر من غياب الضمير الحي الواعي ذلكم الضمير الذي عودهم في قابل الأزمان أنه إذا عطس أحد منهم في المشرق شمته من في المغرب ، وإذا استغاث من في الشمال لامست استغاثته أسماع من بالجنوب .
بيد أن الدهشة كل الدهشة ما أصاب الأمة بهذا العصر حيث يصرخ من هو بجانبك ويئن فلا يسمع ويشير بيديه الغوث الغوث فلا يرى ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )
إنه لن يستيقظ ضمير الأمة إلا بيقظة ضمائر أفرادها إذ كيف يستقيم الظل والعود أعوج ، وكيف يلبس الخاتم امرؤ أبتع اليدين
وكلما ضعف الضمير كلما تأخرت ساعة الوعي وكأنما على ضمائر أقفالها فأصبحت عقراء حلقا ثم إن الناس أصناف مع ضمائرهم : فصنف ضميره ظاهر حي يعرف المعروف وينكر المنكر يشارك أمته همومها وآلامها وأمالها ،
يواسي ويتوجع ، ذليل على المؤمنين الصادقين ، عزيز على الجبابرة المجرمين ، لا يخاف لومة لائم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليك .
وصنف من الناس ضميره مستتر لا محل له من الإعراب مثل العبد الذي هو كل على مولاه أينما يوجه لا يأتي بخير وجوده زيادة في العدد لا يهش ولا ينش فهو لم يمت ولكنه مستتر لدنيا يصيبها أو حظ يستوفيه أو يخشى ذرية ضعافًا من خلفه ولسان حاله يقول :
نفسي نفسي فلا يستفيد منه فقير ولا ينصح مستنصح وكأنه خلق ليأكل ويشرب ومثل هذا إن لم يتعاهد ضميره فسيكون مع الزمن في عداد الضمائر الميتة .
وصنف ثالث وهو الضمير الميت الذي يغلب شره خيره أو لا خير فيه لا تجده في المقدمة ولا في الساقة لا يشاطر إلا في الشر ولا تراه إلا في دوائر القبح يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويقبض يديه نسي الله فنسيه لا تجده إلا كاذبًا غاشًا أنانيًا همازًا لمازًا مشاء بنميم لسان حاله يقول : أنا ومن ورائي الطوفان .وإن لم تتغدى بزيد تعشى بك .
هو كالذباب لا يقع إلا على الجروح يعوذ مجتمعه من أمثاله حين يمسي وحين يصبح وكأنه إنما خلق ليثقل ميزانه بالآثام فيلقى ربه يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله واعلموا أن الضمير الحي هو مضخة الإيمان الحقيقي المكمل التواد والتراحم والتعاطف وهو جامع الأعضاء في جسد واحد وهو جسد الأمة المتكامل

  -    كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) [ رواه مسلم ]
إنه لو حاكم كل واحد منا نفسه أمام ضميره لعلم أن شجرة الضمير الغافل لا تثمر أبدًا .
وأن من بالغ في الاستسلام لما يمليه عليه ضميره إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر فإن ضميره ستضيق به الواسعة بما رحبت وتزغل عينه عن رؤية الحقيقة
وسيعلم كل محتم أن عواقب الصمت عن محاسبة الضمير وتعاهده أشد خطورة من أسبابه ؛ ولذا فإنه ينبغي أن يستنطق كل حريص ضميره ؛ لأن الضمير الصامت شيطان أخرس كما أن الضمير الناطق بالسوء شيطان ناطق .
وقد كانت الشريعة الإسلامية سادة أبواب موت الضمير وضعفه حاثة المجتمع المسلم على إدراك ذالكم لئلا يقع ضحية ضمير ميت أو غائب في حين إن قِوامه وقوته وتكامله إنما يكون بضمير حي واعي لا شيء غير ذلك .

  -   وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات وذلك هو الضمير الحي عباد الله - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة قد قلت ما قلت إن كان صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان واستغفر الله إنه كان غفارًا .

الخطبــــة الثانيــــــة :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فيا أيها الناس لا يشك صادق البتة أن الأمة بمجموعها وهي تكتوي بلهيب الصراعات والنكبات والعدوان والحروب التي أكلت الأخضر واليابس أحوج ما تكون إلى الضمير الصادق الذي لا غل فيه ولا حسد
الضمير المشرق الناصح الذي يقدم مصلحة بني ملته ومجتمعه وأهله الظاهرة على مصلحته الشخصية القاصرة ، لأننا ندرك أنه عندما بموت الضمير تزأر الأثرة وحب الذات ويصبح منطق الأفراد والمجتمعات عليك نفسك لا تقدم أو تأخر ماذا عساك أن تصنع لست كفيلًا على بني آدم ولا وكيلًا ولا حفيظًا .
إنه عندما يموت الضمير يقال دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر عندما يموت الضمير يؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق .
عندما يموت الضمير يستأسد الحمل ويستنوق الجمل ويستنسر البغال وتستقي البحار من الركايا وتنطق الرويبضة ويتخذ الناس رؤسًا جهالًا فيضلوا ويضلوا .
عندما يموت الضمير يصبح التعيير نصيحة والغيبة حرية والنميمة تحذيرًا .
وعندما يموت الضمير يمكن للظالم أن يدك شعبًا كاملًا فلا يدري في أي وادي هلك فيقتل ويفجر ويأسر ويشرد فيستصرخون ويستغيثون وينادون ولكن لا حياة لمن ينادى .
عندما يموت الضمير يعلو الظلم ويخبوا العدل ويكثر الشح ويقل الناصح وتستمطر الآفات والعقوبات ويهدم البنيان لبنة لبنة ولا ت ساعة ترميم .
·      وآخيرًا : عندما يموت الضمير يموت الإحساس وإذا مات الإحساس استوت الأعالي والأسافل فصار باطن الأرض خيرًا لأهلها من ظاهرها
-  فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول ياليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء ) [ رواه البخاري ومسلم ] .

فلا خير في نيل الحياة وعيشها** إذا ضاع مفتاح الضمائر وانمحا
ألست ترى أن الحبوب ثخينة ** تحول دقيقا كلما تطحن الرحا

هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية محمد ابن عبد الله صاحب الحوض و الشفاعة فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون فقال جل وعلا : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى أصحابه الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين .




 [1]   للشيخ سعود الشريـــــــم

0 comentarios:

Publicar un comentario