viernes, 10 de abril de 2015

الذكر شرط في السير والسلوك :

0 comentarios

  -  قول الامام القشيرى (والذكر ركن قوى فى طريق الحق سبحانا وتعالى، بل هو العمدة فى هذا الطريق ، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر) .

    ولقد ذكر العارف القشيرى أنه سمع شيخنا أبا على الدقاق رضى الله عنا يقول (الذكر منشور الولاية ، فمن وفق للذكر فقد أعطى المنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل ) وأصل المنشور: ما يكتب وينشر لمن ولى ولاية علي جهة من الجهات للدلالة على ثبوت الولاية له .

-   ويقول الامام العارف الضياء الكمشخانوي : (فاعلم أن الذكر هو العمدة فى هذا الطريق ، فلا يصل أحد إلى الله إلا بدوام ذكره وهو مأمور به .
الذكر حياة القلب وحياة الروح وتركه موت وحسرة وندامة :
        * قال ابن قيم الجوزية: (ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا تُرك صدىء، فإذا ذكر جلاه.

 -   قالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : سَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ : الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ مِثْلُ الْمَاءِ لِلسَّمَكِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ السَّمَكِ إذَا فَارَقَ الْمَاءَ .

   -  وَذُكِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَرْفَعُهُ أَيْضًا { لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا

وإذا كان الإيمان شجرة باسقة جذورها العقيدة الصحيحة باله، وفروعها العمل الصالح النافع، وثمارها الأخلاق الكريمة الطيبة، فإن ماءها الذي تسقى به والذي فيه استمرار حياتها إنما هو ذكر الله تعالى

-         قال عليه الصلاة والسلام: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت رواه البخاري.

-         وقال: والذي نفسي بيده إن القرآن والذكر ينبتان الإيمان في القلب كما ينبت الماء العشب رواه الديلمي. 


-  وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَا مِنْ سَاعَةٍ تَمُرُّ بِابْنِ آدَمَ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهَا إلَّا تَحَسَّرَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .

-  قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من قوم جلسوا مجلسا فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا تفرقوا عن جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة تفرد به أبن أبي عدي عن شعبة .

   -  وقال الحسن: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
حقيقة الذكر :

  - عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأربعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والورق، وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضبوا أعناقكم؟ قالوا: ما ذلك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله تعالى. الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه


وقفة مع الحديث :

·        الدين ليس مجرد طقوس وعبادات قسرية :
أحد أكبر أسباب ضعف المسلمين أنهم توهموا أن الدين هو العبادات الشعائرية، هذا أكبر خطأ، العبادات الشعائرية؛ الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والشهادة، ... خمسمئة ألف بند، أحكام البيوع بالمئات، أحكام الجوار، أحكام العلاقات، أحكام كسب المال، أحكام إنفاق المال، أحكام الزواج، الخطبة لها أحكام والدخول له أحكام، والميراث له أحكام والطلاق له أحكام، أي هذا الفقه تفاصيل التفاصيل، فأنت كمؤمن ينبغي أن تخضع لمنهج الله، تعريف العبادة غاية الخضوع لله مع غاية الحب، الأقوياء يخضع الناس لهم، لكن الخضوع شيء والحب شيء آخر..

أما العبادة غاية الخضوع مع غاية الحب . هي طاعة ليست قسرية ولكنها طوعية، هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية

·        ذكر الله هو المحرك للاعمال والمحرض عليها :
-   وفي الترغيب والترهيب : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عجز منكم عن الليل أن يكابده وبخل بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر ذكر الله .
   -  وعن عبد اللهِ بنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أنّ رجُلًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ . قَالَ: (( لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله )) الترمذي واللفظ له

·        ذكر الله هو البوصلة التي توجه الأعمال ترشدها إلى أسمى غايتها وهدفها وتبعث فيها روح الاخلاص..:

o      في الصلاة :

  -   قوله تعالى : وأقم الصلاة لذكري .

  -    قال تعالى بعد ذكر صلاة الخوف: ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم...) 

  -   قوله تعالى في سورة الجمعة: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون

o      في الصوم :

 -  قال تعالى في ثنايا آيات الصيام: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) .

o       في الحج :

- قوله تعالى : (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا)
  - كانت العرب في الجاهلية إذا أفرغوا من حجهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل، فيذكرون مفاخر آبائهم ومآثارهم وفضائلهم ويعددون محاسنهم ومناقبهم، وما كان لهم من بسالة وحسسن بلاء في الحروب، وما اتصفوا به من كرم وسخاء ونحر نعم، حتى أن الواحد منهم ليقول: اللهم إن أبي كان عظيم القبة عظيم الجفنة كثير المال، رحب الفناء، يقري الضيف، وكان كذا كذا وكذا، يذكر مفاخره ولا يذكر غير أبيه، وكانوا يتناشدون الأشعار في ذلك، ويتكلمون بالمنظوم والمنثور من الكلام الفصيح، وغرضهم الشهرة والسمعة والرفعة بذكر مناقب سلفهم وآبائهم. فلما من الله عليهم بالإسلام امرهم أن يكون ذكرهم لله لا لآبائهم، لأنه سبحانه هو الذي أحسن إليهم وإلى آبائهم. وعليهم أن يتركوا حمية الجاهلية، ويتخلوا عن المفاخرة والمباهاة، وذلك باستغاثتهم بالله واللجوء اليه ...

  *  قال ابن رجب رحمه الله: " و في الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها و ذكر الله باقٍ لا ينقضي و لا يفرغ منه ".
o      في الجهاد

-  قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )
      * قال العلامة السعدي: " أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالأعداء، فأمر بالإكثار منه في هذه الحال إلى غير ذلك من الحكم" .
تمام معنى الذكر :
v     ذكر الدوام لا الانقطاع :

لقد علمنا رسول الله أن نذكُره سبحانه وتعالى في كل عملية نقوم بها خلال النهار والمساء، أي حركة يخطوها المسلم لها ذكر،  فقد أمرنا عز وجل أنه نذكره كثيرا، نذكره تضرعا وخفية، نرطب دوما ألسنتا برحيق تمجيد الله وذكر صفاته والثناء عليه بما هو أهل  له.

  -  وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ وَلَفْظُهُ { أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُمْ إنَّ آخِرَ كَلَامٍ فَارَقْت عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قُلْت أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُك رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ

   -  أمر الله جل ذكره بأن يذكر ذكراً كثيراً ووصف أولى الألبابا الذين ينتفعون بالنظر في أياته بأنهم :
­         ( الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ) أل عمران : 191}
­         ( والذاكرين الله كثيراً أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً ) {الأحزاب : 35 }

   - وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ } .

·        حال الصالحين المكثرين من ذكر الله تعالى :
- ثابت البناني قال ذهبت ألقن أبي وهو في الموت لا إله إلا الله فقال يا بني دعني فاني في وردي السادس او السابع.

*  و أتى رجل أبا مسلم الخولاني فقال له : أوصني يا أبا مسلم ؟  قال اذكــر الله تعالى تحت كل شجــرة ومدرة ، فقال : زدني ،  فقال : اذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله تعالى مجنونا ،

    -   حدث أحدهم فقال : مررت بجماعة يترامون بالنبل ورجل جالس بعيدًا عنهم فأردت أن أكلمه  فقال : ذكرُ الله أشهى ، فقلت : أنت وحدك ؟  فقال : معي ربي وملكاي ، فقلت : من سبق من هؤلاء ؟  فقال : من غفر الله له ،  فقلت : أين الطريق ؟ فأشار إلى السماء ومشى ،  وقال : يا رب أكثر خلقك مشغول عنك .

    -  ماتت ابنة أحد الصالحين فرآها في المنام فسألها عن حالها فقالت له : يا أبتِ ، نحن هنا نعلم ولا نعمل وأنتم تعملون ولا تعلمون ،  والله الذي لا إله غيره إن قول سبحان الله رأيناه هنا خيرًا من الدنيا وما فيها ..

    -  نام بعضهم عند إبراهيم بن أدهم قال :  فكنت كلما استيقظتُ من الليل وجدته يذكر الله فأغتمّ ، ثم أعزي نفسي بهذه الآية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )

    -  وكان أبي هريرة رضي الله عنه له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به .        

   -  كان خالد بن معدان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن ،  فلما مات وضع على سريره ليغسل ، فجعل يشير بإصبعه يحركها بالتسبيح .


وقال عبد العزيز بن أبي رواد : كانت عندنا امرأة بمكة تُسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحه فماتت فلما بلغت القبر اختُلست من بين أيدي الرجال .

درجات الذكر :
v     ذكر اللسان :

وقد يكون الانسان ذاكرا بلسانه وهو غافل بحاله أو ذاكرا بلسانه وهو فاسق بقلبه  ونيته !!
   
-  استغفارنا يحتاج إلى استغفار :

لكن البداية في الذكر لا بد أن تكون باللسان :

وذلك على سبيل التدرج والانطلاقة وأن تشغل جارحة من جوارحك بذكر الله .


  -  سئل أبو عثمان؛ فقيل له: نحن نذكر الله تعالى، ولا نجد في قلوبنا حلاوة؟ فقال: احمدو الله عالى، عن أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته.

v     ذكر القلب :

    - الذكر هو ما يجري على اللسان والقلب، باستحضار  الصفات الإلهية، من تسبيح الله تعالى وتنزيهه وحمده والثناء عليه، ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجمال والجلال، وكل قول ذكر والقول جارحته اللسان ومستودعه القلب والجنان:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما      جعل اللسان على الفؤاد دليلا[1]
ومن هذا القبيل ما اصطلح عليه علماء النفس باسم الذاكرة التي هي قوة لحفظ صور من المحسوسات، والعمل على خلق صور أخرى جديدة منها: فهي قوة تحفظ صور المعاني المجردة عندما يدركها العقل. ولا يقف عملها عند الحفظ فحسب، بل إن عوامل النضج الإدراكي، وتجارب الحياة المستمرة الدائبة، تخلق من المعاني المختزنة معاني جديدة مولدة. ولا يمكن ذلك إلا بإثارتها عن طريق الشعور والإدراك اللذين يشكلان المنافذ بين الذات والعالم الخارجي، فبالمنافذ تلك وبواسطتها تنقل صور المحسوسات والمعقولات إلى الذاكرة، وذلك هو عملية التذكر والاستذكار.

  - بن القيم في الوابل الصيب :  فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيِّج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا من هذه الآثار، وإن أثمر شيئا منها فثمرة ضعيفة" .

وذكر اللسان مع حضور القلب - يسمى ذكر العبادة - وهو ذكر الخواص وثمرته الثواب

v     وأعظم درجة انعكاس الذكر على الجوارح والأعمال :

وذكر بجميع الجوارح والأعضاء - ويسمى ذكر المحبة والمعرفة - وهو ذكر خواص الخواص ، وثمرته لا يمكن التعبير عنها، ولا يعلم قدر ذلك الذكر إلا الله .

 - وروى عن النبي قوله: ((من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير، ومن عصى الله فقد نسى الله، وإن أكثر صلاته وصومه وصنيعه للخير)). 

ليس الذكر من قال سبحان الله والحمد لله وقلبه مصر على الذنوب وإنما الذاكر من إذا هم بمعصية ذكر مقامه بين يدي علام الغيوب .

    - وقال بعض السلف : ليس الذاكر من همهم بلسانه وإنما الذاكر من إذا جلس في سوقه وأخذ يزن بميزانه علم أن الله مطلع عليه فلم يأخذ إلا حقاً ولم يعط إلا حقاً .

   فمن نسى الله نسى أوامره وخالف إلى ما نهى عنه. وأصبحت الشعائر عنده مجرد تقاليد يبدئ فيها ويعيد، دون إدراك عميق لمعانيها ولا فهم صحيح لمراميها.

الذاكر لله تعالى ليس هو من يستحضر الله تعالى في عقله فقط, فقد يستحضر الإنسان ربه في عقله وهو يمارس الحرام بدون أن يردعه ذلك الاستحضار عن فعله, فهذا ليس ذكراً, بل الذكر هو الاستحضار الذي يواكبه ترتيب أثر المعرفة الحاضرة.

من هنا فإن المعرفة العقلية النظرية التي لا تتجلى في ممارسة الإنسان ليست ذكراً, بل هو تلك المعرفة التي يكتبها قلم العقل على لوح القلب و تتجلّى في سير الإنسان وسلوكه.


  -   وقال أحد العارفين: المؤمن يذكر الله تعالى بكله، لأنه يذكر الله بقلبه فتسكن جميع جوارحه الى ذكره فا يبقى منه عضو إلا وهو ذاكر في المعنى، فاذا امتدت يده الى شيء ذكر الله فكف يده عما نهى الله عنه، وإذا سعت قدمه الى شيء ذكر الله فغض بصره عن محارم الله، وكذلك سمعه ولسانه وجوارحه مصونة بمراقبة الله تعالى، ومراعاة أمر الله، والحياء من نظر الله، فهذا هو الذكر الكثير الذي أشار الله إليه بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) الأحزاب. 


كيف ترتقي من درجة الغفلة إلى درجات الحضور:

الحضور مع الله عزوجل في الذكر مراتب وليس مرتبة واحدة، وهناك درجات لترتقي إلى مرتبة الحضور ..

1.      التأدب بآداب ظاهرة تعينك على المقصود :

·        طهارة البدن والثوب : قبل الذكر، قال سيدنا عمر ( إن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان). 
  - قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ خَالِيًا مِنْ الْقَاذُورَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي احْتِرَامِ الذِّكْرِ ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّظَافَةُ مُعْتَبَرَةً فِي مَجْلِسِ الذِّكْرِ وَمَحَلِّهِ

·        الجلوس باتجاه القبلة ساكنا خاشعا، استعدادا لمناجاة الله تعالى. 

·        اختيار المكان والوقت المناسب :  فلا تذكر الله في مواضع الضوضاء والزحام التي تشوش على القلب فيتشتت في أودية كثيرة يسترق السمع إليها، ويا حبذا لو اخترت أوقات السكون الطبيعي في جوف الليل حين يصغي القلب إلى الخير دون أن يعترض طريقه أحد، ومن هنا تفهم لماذا أُمرنا بذكر الله في الثلث الأخير من الليل، ونفهم لماذا كان الإسراء ليلاً، ونفهم سِرَّ نهي النبي (ص) أن يجهر أحدنا بصلاته على صلاة أخيه.


·        ومن الشواغل الظاهرة كذلك ما يشوِّش على البصر كذلك فيزيغ وراء ما يلفت الأعناق ويخلب العقول، وعلى المرء أن يجتنب الذكر في هذه الأماكن ما استطاع، يقتدي في ذلك برسول الله (ص)، فعنأنس قال: كان قِراملعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي (ص): «أميطي عنا قِرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي».[2]
               
       * يفضل إغماض العينين، لئلا يشتغل بشيء من متاع الدنيا، ولصرف القلب والفكر الى تدبر معاني الذكر، ومراقبة الله سبحانه وتعالى. 


·        وأن يجلس في كامل الأدب والهيبة والتعظيم والسكون :
-  ولتقتد في ذلك بالصحابة -رضوان الله عليهم- الذين كانوا إذا سمعوا القرآن فكأن على رؤوسهم الطير، وكن كالليث إذا أراد الصيد؛ إذ ليس مع الجلبة قنص، ولا كالسكون معين على حضور القلب وتفريغ الباطن وتهيئته لتلقي بذور الخير وقطف ثمرات الذكر.

      - قال سرى السقطي صليت ليلة وردى ومددت رجلي في المحراب فنوديت يا سرى كذا تجالس الملوك قال فضممت رجلي ثم قلت وعزتك لا مددت رجلي أبدا .

·        التدرج في الذكر والمصابرة عليه : تحديد عدد الاوراد :[3]

    * وللورد، تحديدا ودواما، سند في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "أحب الأعمال إلى الله أدومها ولو قل". الدوام معناه تكرار عدد العبادة يوميا. وهذا معنى الورد.
تحديد العدد ورفعه بالتدريج سياسة للنفوس الكالة الكسول وليس تشريعا. وبعضهم يندد بمن يعين لنفسه عددا من النوافل والأذكار والدعوات والقرآن أو يحدده له غيره، يعتبر ذلك افتياتا على الشارع. وما هي إلا سياسة.
ولا بأس أن يتواصى الإخوة ويتنافسوا في الذكر. فما جاء من أذكار وعبادات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محدودة بالعدد، فلا مكان لتجاوزها. وما ترك فيه لنا الخيار أو ندبنا فيه إلى الإكثار أكثرنا. 
يقول الصالحون من هذه الأمة: "من لا ورد له فلا وارد له". والوارد هو مزيد الإيمان الذي يقذفه عز وجل في قلب المتبتلين الذاكرين الله كثيرا المتهجدين. 
كان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوراد وأحزاب (أي أجزاء من القرآن ونوافل من الخير يومية لا ينامون عنها)، أنظر كتاب "حياة الصحابة".

2.      مجالس الذكر تعين على الحضور (مثل صلاة الجماعة) :

اجعل لك وقتاً ولو مرة في الأسبوع مجلس ذكر مع أحبابك وإخوانك ما وجدت في بلدتك أنت وزوجتك وأولادك أنت وإخوانك في بيتك الذي أنت فيه أنت وأصدقاؤك اجعل لك أصدقاء على مائدة الذكر تجتمع أنت وإياهم على ذكر الله سبحانه فإن ذلك يعين على الحضور...

3.      تفعل شيئاً يخرجك عما يحيط بك :

ما يعينك على الحضور- أن تفعل شيئاً يخرجك عما يحيط بك، ما الذي يشتت حضورك مع الله في الذكر؟ انشغالك بما يحيط بك..(الخواطر) الدكان، الصاحب، المدرسة، الجامعة، الهم، الرزق، الأمور كلها تأتي!! لماذا؟ لأنها لحظة فيها شيء من السكون، وعندما يسكن الإنسان تحرك ما كان شاغلاً في باله

   -  يقول الإمام الحداد المجدد رحمه الله تعالى: أنك في البداية لتدرب نفسك على الحضور استحضر أو تخيل أمامك حروف الذكر التي تذكر الله بها، عندما تقول لا إله إلا الله أستحضر (ل ا- إ ل ه – أ ل ا – ا ل ل ه)، ارسم الحرف أمامك وأنت تذكر، قال هذه نقلة تخرج بها أول من انشغالك بالأشياء الأخرى إلى تركيز بشيء له علاقة بالذكر.
4.      التفكير في معنى الذكر :

فيستشعر معنى إخراج ما سوى الله من قلبه عند النفي والإثبات في لا إله إلا الله، ويستحضر تعظيم الحق عزوجل وتنزيهه في التسبيح إذا قال سبحان الله، ويستشعر عظمة الحق إذا قال الله أكبر، ثم يرتقي بعد الحروف والمعاني إلى استشعار الحضور مع المذكور سبحانه حيث تضمحل الحروف وتضمحل المعاني ولا يبقى ساعة الذكر إلا الباقي سبحانه عز وجل، حيث يستشعر الذاكر أن هذا العالم الذي يحيط به هباء،. يضمحل في مشهده، بل يستشعر أنه هو هباء يـَفنى في مشهده فلا يبقى أمامه إلا من يـَذكـُر سبحانه عز وجل، ولو تذكرون كنا نقول أن هذا الأمر في أوله يحتاج إلى تكلـّف، يحتاج إلى مجاهدة للنفس، يحتاج إلى الصبر والمكابدة يحتاج إلى أن تسبقه مقدمة إتقان الفرائض على وجهها.

5.      معرفة المذكور واستشعار عظمته وجلاله:

هذه أعلى في الحضور في البداية حضرت مع الحرف ثم حضرت مع المعنى، ثم في الدرجة الثالثة؟ ارتقيت من الحرف إلى المعنى إلى المذكور حضرت مع معنى أنك الآن تذكر الله أي أنك جليس الله

 “  -أنا جليس من ذكرني
-          (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)

 ما معنى أنك ذكرت الله عز وجل؟ أي: أن الله يذكرك، تعرف معنى أن الله يذكرك؟ تعرف ما معنى أني المسكين، الحقير، الضعيف، المذنب، المسيء الملطخ، فقط إذا تنبهت وخرجت من غفلتي وجلست أذكره (لا إله إلا الله) فإذا به يذكرني هو في عليائه سبحانه وتعالى

-         أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهممُتَّفَقٌ عَلَيه
ملوك الدنيا يعطون من يجالسهم، تسمع واحد أعطي أرض حجمها كذا وكذا لأن صديقه المسؤول الفلاني جلس عنده، ملك الملوك المطلق في عطائه أكرم الأكرمين خالق السخاء أرحم الراحمين سبحانه وتعالى اللطيف بعباده من أدمن مجالسته لأنه صار صاحب حضور مع الذكر، لا إله إلا الله أستشعر أني مع الله صرت مع الله ربع ساعة، صرت مع الله نصف ساعة، صرت مع الله ساعة، صرت مع الله، صرت مع الله، صرت مع الله، كم تجالسه وتعود فاضي؟
حاشا الكريم يردهم عطشى وقد ** وردوا وأصل الجود من ذا المنبع ِ
وردوا على نهر الحياة وكلهم ** شربوا وكم في الركب من متضلع ِ
يا رب لي ظن جميل وافرٌ ** قدمته أمشي به يسعى معي
كل الذين يرجون فضلك أمطروا ** حاشاك أن يبقى هشيماً موضعي

ومن نظر إلى شرف المذكور وعلو قدره، وسموه وانصافه بجميع الكمالات وتنزهه عن كافة النقيصات، ومن ذاق سعة رحمته وعظيم حلمه وجوده وكرمه، وإن جميع النعم واردة منه صادرة عنه على الحقيقة عرف ذكر الباري تعالى واطمأن به وإليه.

إن كل ظاهرة طبيعية تحدث في الكون من حولك يجب أن تذكرك بعظمة الله وأن هذا الكون يجري بمشيئته، فتذكر الله ايضا اذا هبت الريح، واذا نزل الغيث، واذا رأيت الهلال .... وهكذا حتى اذا انتهى يومك وأويت إلى فراشك بدأت بترديد الذكر المخصص للنوم، فتنام قرير العين بمعية الله، لابد أن تكون لهذه الأذكار فلسفة عميقة، فهي تبقيك مرتبطا بالله، مستحضرا وجوده وعظمته وسلطته المباشرة عليك. فتكون بمثابه تطوير لعبوديتك لله وتعديل اذا قصرت.

نعم قد لا يشعر الإنسان بوجوده تعالى لشدَّة ظهوره، فيكون حاله كحال تلك السمكة التي سمعت يوماً أن الماء هو إكسير الحياة, فبحثت عن الماء فلم تتعرف عليه, وبقيت تبحث عن الماء وهي تسبح فيه متعجبة كيف يكون الماء إكسير الحياة, وهي تشعر بحياتها لكنها لا تشعر بذلك الماء, مع أنَّه يحيط كل كيانها؟!

هكذا هو حال الكثير من الناس غير الشاعرين بوجود الله تعالى. وقد تحجب ذنوب الإنسان هذه المعرفة وتسترها عنه.

·       الارتقاء في درجات الذكر هي دخول في درجة الفناء عن الغير والنفس :  

  * الذكر روح السير إلى الله تعالى فإذا عمدت إلى هذا الذكر ابتدأت تدخل طوراً من الحضور مع الله عز وجل تنسى فيه نفسك لمَ؟ لأنك تذكر من تحب ومن تحب يذكرك، بقي هناك انشغال بالناس؟ لا!! الناس نسيناهم من زمان لم يبقى هناك انشغال بالخلق ولا بالسماء ولا بالأرض ولا بالملك ولا بالملكوت حتى.. أصبح الانشغال بالله وحده لكن بقيت النفس، الآن النفس تذوب أمام ذكر الله فيبدأ الفناء عن النفس.

   وقيل : حقيقة الذكر أن تذكر الله تعالى وأنت ناس لكل شىء سواه ..

   -  ولهذا قال ذو النون : (من ذكر الله على الحقيقة نسى فى جنب ذكره كل شىء، وحفظ الله تعالى عليه كل شىء(.


·      مثال محسوس:

   إذا رأيتم شخص يجلس أمام مباراة كرة، والمباراة محتدمة، والوقت في نهايته وهو مهتم بفريقه، هل يشعر بالذين حوله؟ لايشعر بهم لوكلمه أحد قد لا يسمعه، يناديه فلان لايجيب، فلان لا يجيب، فلاااااان، فيقول نعم، فيقول له صاحبه كم مرة ناديتك وأنت لا تجيب، فيقول والله ما سمعتك، صدق أم كذب؟ صدق، هو صادق ما سمعك، هل تعطلت حاسة السمع؟ لا هو يستمع وكان يرى ما تعطلت لكن لما اجتمع قلبه على شيء قد انشغل به وأحبه وامتلأ اهتماماً واعتناء به، عطله و أفناه عما سواه، هذا في مباراة، لعب، مع احترامي للرياضة وأهلها لكن لعب في النهاية، فإذا قابلت رباً وجالست الله وجمعت قلبك عليه تجلى لك بأنوار يفيضها على قلبك، هل يمكن أن تشعر بشيء؟
وصول درجة الاستئناس بالله تعالى (ذكر المحبة) :

  - فمقصد العامة اكتساب الأجور، ومقصد الخاصة القرب والحضور، وما بين المقامين بون بعيد، فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب، وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب. 

·      وهنا يأتي ارتباط الذكر بالحب ففرق كبير بين من يشتغل بالذكر وروحه تتوهج وتتوقد حبا وبين من يذكر فقط ليذكر، يذكر فقط ليمضي وقتاً، يذكر فقط ليحصل الخير وهو على خير، لكن الفرق كبير ومن صدق في محبة الله فلا بد وأن يكون مكثرا من الذكر، من (أحب شيئاً أكثر من ذكره) .

- وفي الحديث القدسي : يقول الله عز وجل : من شغله ذكري عن مسألتي ، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين .[4]





[1] الاخطل
[2]  والقِرام: ستر رقيق من صوف ذو ألوان ونقوش، وقد شغل النبي (ص) عن صلاته فأمر بإزالته على الفور، بل ولما صلى في خميصة أهداها له أبو جهم، والخميصة: ثوب يلفت البصر بما فيه من زخارف وعلامات، ردَّها وقال:«اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة، وأتوني بأنْبجَانِيَّتِه فإنها ألهتني آنفًا في صلاتي» 3. 
[3] من المنهاج النبوي / عبد السلام ياسين
[4]  الراوي: عمر بن الخطاب - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 4989 

0 comentarios:

Publicar un comentario