sábado, 25 de abril de 2015

اقتضاء العلم العمل

0 comentarios
                                                                                                                                      
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: "ثُمَّ إِنِّي مُوصِيكَ يَا طَالِبَ الْعِلْمِ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي طَلَبِهِ، وَإِجْهَادِ النَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ شَجَرَةٌ وَالْعَمَلَ ثَمَرَةٌ، وَلَيْسَ يُعَدُّ عَالِمًا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ عَامِلًا.
وَقِيلَ: الْعِلْمُ وَالِدٌ وَالْعَمَلُ مَوْلُودٌ، وَالْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ، وَالرِّوَايَةُ مَعَ الدِّرَايَةِ.
فَلَا تَأْنَسْ بِالْعَمَلِ مَا دُمْتَ مُسْتَوْحِشًا مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا تَأْنَسْ بِالْعِلْمِ مَا كُنْتَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ وَلَكِنِ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُكَ مِنْهُمَا.

لا ينفع العلم إلا بالعمل به
إن العمل هو الغاية المقصودة من العلم و المثل الأعلى لطلابه، و العلم مهما بلغ فضله ليس إلا وسيلة  للعمل...
أما طلبه لرياء، وسمعة، وحشو الدماغ به، بدون تطبيقه في الخارج، والتصرف فيه، وتوليد بعضه ببعض بالبحث و النظر، فكمن يكدس أكياسا من الدراهم في خزانته بدون أن  يتصرف فيها لمنافعه، كإزالة ألم الجوع و العطش وسائر الطوارئ، ولا يأمن عليها أيضا من السلب  والنهب و الحرق.
- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَانَ يَقُولُ: [... إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا ] رواه مسلم.

وَكَمَا لَا تَنْفَعُ الْأَمْوَالُ إِلَّا بِإِنْفَاقِهَا، كَذَلِكَ لَا تَنْفَعُ الْعُلُومُ إِلَّا لِمَنْ عَمِلَ بِهَا، وَرَاعَى وَاجِبَاتِهَا فَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ، وَلْيَغْتَنِمْ وَقْتَهُ، فَإِنَّ الثَّوَاءَ قَلِيلٌ وَالرَّحِيلَ قَرِيبٌ، وَالطَّرِيقَ مَخُوفٌ، وَالِاغْتِرَارَ غَالِبٌ، وَالْخَطَرَ عَظِيمٌ، وَالنَّاقِدَ بَصِيرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى بِالْمِرْصَادِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَعَادُ {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يرة}(الزلزلة: ٧ – ٨).[1]
   -  عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟».
 -  وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ عِلْمٍ لَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ كَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
 -  وقَالَ أَبُو قِلَابَةَ،: "إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكَ عِلْمًا فَأَحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ النَّاسَ".
 -   وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "هِمَّةُ الْعُلَمَاءِ الرِّعَايَةُ، وَهِمَّةُ السُّفَهَاءِ الرِّوَايَةُ".
 -  وعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: "هَتَفَ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلَّا ارْتَحَلَ".
 -   وعن سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "الْعِلْمُ كُلُّهُ دُنْيَا، وَالْآخِرَةُ مِنْهُ الْعَمَلُ بِهِ".
في حديث مرفوع عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ، وَلا تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَلا تَتَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ " .

-  وعن مَعْرُوف بْنِ فَيْرُوزَ الْكَرْخِيِّ يَقُولُ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ".
تَعَلَّمِ الْعِلْمَ وَاعْمَلْ مَا اسْتَطَعْتَ بِهِ          لَا يُلْهِيَنَّكَ عَنْهُ اللَّهْوُ وَالْجَدَلُ
  -   وقال الراغب الأصبهاني [2](العبادة ضربان: علم وعمل. وحقهما أن يتلازما، لأن العلم كالأسِّ والعمل كالبناء، وكما لن يغنى أسّ ما لم يكن بناء ولا يثبت بناء ما لم يكن أسّ، كذلك لا يغني علم بغير عمل ولا عمل بغير علم. ولذلك قال – تعالى -: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) [فاطر: 10]. والعلم أشرفهما ولكن لا يغني بغير عمل ... ).
  -   وقال الزرنوجي – رحمه الله – [3](وإنما شرف العلم بكونه وسيلة إلى البر والتقوى الذي يستحق بها المرء الكرامة عند الله، والسعادة الأبدية . . فينبغي للإنسان ألا يغفل عن نفسه، ما ينفعها وما يضرها في أولها وآخرها، ويستجلب ما ينفعها، ويجتنب ما يضرها، كي لا يكون عقله وعلمه حجة عليه، فيزداد عقوبة، نعوذ بالله من سخطه وعقابه).

فضل العلم لا يكتمل بمجرد العلم وإنما بالعمل به
يقول ابن جماعة رحمه الله:' واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم. لا من طلبه لسوء نية، أو خبث طوية، أو لأغراض دنيوية: من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب'[4]

العمل الصالح هو ما يحاسب عليه العبد ويحيا به وليس فقط العلم به.
   فإن العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح السعادة ، وأساس النجاة للعبد في معاشه ومعاده ، ومن رزقه الله علماً نافعاً ووفقه لعمل الصالح؛ فقد حاز الخير، وحظى بسعادة الدارين.
                                                   
    - قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[97]} [سورة النحل ].

    وإن الإسلام موقفاً رائعاً من العلم لا يدانيه في ذلك دين من الأديان السماوية التي نسخها الله به، وليس المهم في نظر الإسلام هو العلم والسعي في التحصيل، وإنما يراد من وراء ذلك ما هو أهم، وهو العمل بالعلم، وتحويله إلى سلوك واقعي يهيمن على تفكير المتعلم وتصرفاته، فالعلم يراد للعمل.
                                                                                                             
ولقد اهتم الإسلام بهذا الجانب العظيم من جوانب العلم، ورتب الأجر والنجاة على ذلك، كما ورد الذم والوعيد لمن لا يعمل بعلمه.

- قال الحسن:' لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟' [5]

التأثير الحقيقي للعلم حين يعمل به صاحبه :
- يقول سيد قطب: 'أن الكلمة لتنبعث ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها تستحيل يؤمئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة' [6]

يجب على العلماء أن يكونو القدوة بعلمهم
 وإلا قد يزهد الناس في  العلم ويرغبون في غيره لما يرون من انخاذل العلماء عن الحق والعمل به والقول به .
وَمَا شَيْءٌ أَضْعَفُ مِنْ عَالِمٍ تَرَكَ النَّاسُ عِلْمَهُ لِفَسَادِ طَرِيقَتِهِ، وَجَاهِلٍ أَخَذَ النَّاسُ بِجَهْلِهِ لِنَظَرِهِمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَالْقَلِيلُ مِنْ هَذَا مَعَ الْقَلِيلِ مِنْ هَذَا أَنْجَى فِي الْعَاقِبَةِ إِذَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ، وَتَمَّمَ عَلَى عَبْدِهِ النِّعْمَةَ، فَأَمَّا الْمُدَافَعَةُ وَالْإِهْمَالُ وَحُبُّ الْهُوَيْنَى وَالِاسْتِرْسَا لُ، وَإِيثَارُ الْخَفْضِ وَالدَّعَةِ وَالْمَيْلِ مَعَ الرَّاحَةِ وَالسَّعَةِ، فَإِنَّ خَوَاتِمَ هَذِهِ الْخِصَالِ ذَمِيمَةٌ، وَعُقْبَاهَا كَرِيهَةٌ وَخِيمَةٌ، وَالْعِلْمُ يُرَادُ لِلْعَمَلِ كَمَا الْعَمَلُ يُرَادُ لِلنَّجَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ قَاصِرًا عَنِ الْعِلْمِ، كَانَ الْعِلْمُ كَلًّا عَلَى الْعَالِمِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عِلْمٍ عَادَ كَلًّا، وَأَوْرَثَ ذُلًّا، وَصَارَ فِي رَقَبَةِ صَاحِبِهِ غَلًّا.[7]
القدوة السيئة بالعلماء فإذا كان العالم نفسه مثال التهتك و الاستهتار و التهاون بالعمل و بالدين فما ظنك بتلاميذه؟ وإذا كانت طبقة أهل العلم على هذا الشكل فكيف تكون طبقة العامة و الأميين الذين يتخذون علماء الدين ومن ينتسب إلى العلم هداة يقتفونهم في مفاوز الحياة؟
إذا كان رب البيت للطبل ضاربا      فلا تلم الصبيان فيه على الرقص
 ولا ريب أن المعلم إذا خالف فعله قوله؛ فليس بقدوة، إذ ليس من العقل أن يأمر الإنسان غيره بالخير وينسى نفسه، والمريض لن يستطيع علاج مريض مثله. وهذا لا عذر له مع علمه، وذنبه أشد؛ لأنه تصدى لتعليم المسلمين الذين يعتقدون أنه الأسوة الحسنة، والقدوة المثلى.

*  العمل بالعلم يهيء للعالم مكانة مرموقة، ونظرة حسنة، وبه يكون قدوة طيبة، يؤخذ كلامه، ويوثق بفتواه: وكلما ظهرت آثار العمل على العالم أحبه الناس وتعلقوا به ورغبوا فيه، ولكن إذا رأوا العالم وقد ظهرت عليه آثار الانحراف والمخالفة لما علم به، وقعوا في حيرة بين القول والفعل. وراحوا يفسرون هذا الانفصام بين العلم والسلوك تفسيرات شتى، ومن ثم لا يثقون بقوله، ولا يقيمون وزناً لشخصه، وإذا كان العالم مرموقاً منظوراً إليه ولا سيما في بلده كانت المسؤولية أعظم لأنه متبع ومقتدى به.
ما أدرك السلف  الأول  درجات التربية والسلوك بمجرد المعلومات وإنما بمطابقة أقوالهم أفعالهم :
    -  وَقَالَ سَهْلُ بْنُ مُزَاحِمٍ: .. مَعَ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ، لَكِنَّ الْعَالِمَ أَشَدُّ عَذَابًا إِذَا تَرَكَ مَا عَلِمَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَلْ أَدْرَكَ مِنَ السَّلَفِ الْمَاضِينَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى إِلَّا بِإِخْلَاصِ الْمُعْتَقَدِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالزُّهْدِ الْغَالِبِ فِي كُلِّ مَا رَاقَ مِنَ الدُّنْيَا. وَهَلْ وَصَلَ الْحُكَمَاءُ إِلَى السَّعَادَةِ الْعُظْمَى إِلَّا بِالتَّشْمِيرِ فِي السَّعْيِ، وَالرِّضَى بِالْمَيْسُورِ، وَبَذْلِ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ؟ ...[8]
  -  و"كان أمير المؤمنين عمر - رضِي الله عنه - إذا نهى الناسَ عن شيءٍ جمَع أهلَ بيته فقال: إنِّي نهيتُ الناس عن كذا وكذا،  وإنَّ الناس يَنظُرون إليكم كما يَنظُر الطَّير إلى اللحم، وايمُ الله، لا أجد أحدًا منكم فعَلَه إلاَّ أضعَفتُ له العقوبة ضعفين".[9]
               
  -  روي عن الحسن البصري شيخ الواعظين أن عبيد البصرة  جاءوا إليه يوماً وقالوا له :- يا شيخنا لقد أساء سادتنا  معاملتنا فأخطب خطبة تحثهم فيها على عتقنا فوعدهم  وأنتظر العبيد جمعة .... وجمعة ..... وجمعة , وهو لا يخطب  كما وعدهم , ثم خطب خطبة حث الناس على عتق العبيد  فما من أحد سمعها إلا خرج وأعتق عبده , وبعد أن تحرر العبيد  إجتمعوا في بيته وقالوا له :- ما الذي أخرك عن الخطبة هذه المدة قال لهم : كنت لا أملك عبداً ولم تكن معي ما أشتري به عبداً لأعتقه  فلما رزقني الله ثمن عبد أشتريه فأعتقه حتى أكون قد طبقت الكلام على  نفسي أولاً . 
                                                   
   -  قال قاضي القُضاة (أبويوسف): كنت أمشي مع أبي حنيفة فقال رجل لآخر، هذا أبوحنيفة لا ينام الليل، فقال أبوحنيفة: والله لا يتحدّث الناس عنّي بما لم أفعل.. فكان يحيي الليل صلاةً ودعاءً وتضرّعًا...

ومتى أدركنا هذا الهدي النبوي علمنا كيف أنّ السلف الصالح تباطأوا في الاستظهار
 إذ كان قصدهم الأجلّ هو استظهار العمل لا لوك اللسان وتكرار الرواية..
 روى الإمام مالك في الموطأ: أنّه بلغه أنّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلّمها..
 -  وذكر عبدالله عن أبيه عمر قال تعلم أبي عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة فلمّا ختمها نحر جزورًا.
مرض الأمة اليوم ليس قلة العلم فقط وإنما قلة العمل :
والواقع أن هناك تقصيراً واضحاً في موضوع العمل بالعلم، يظهر ذلك على تصرفات الناس وهيئاتهم وأحوال معاشهم، فالذي يأكل الربا يعلم يقيناً أن الربا محرم، والذي يأكل أموال الناس بالباطل بواسطة الغش، أو الخداع يعلم أن ذلك لا يجوز. والذي يبيع ما لا يحل بيعه، أو يقتني ما يحرم اقتناؤه لو سألته عن ذلك ما قال إنه يجوز. وفي مجال اللباس مخالفات كثيرة لا يخفى على أحد – في الغالب – حكمها. هذه أمثلة لبعض الأفعال.
ومن الأمراض المزمنة الفتاكة بالمسلمين، تركهم للعمل وعدم اكتراثهم به إلى أن بلغوا من الانحطاط  والهوان ما بلغوا.
ليست الأخطار المحدقة ببلاد الإسلام كلها لجهل المسلمين وعدم إقبالهم على العلم فحسب، و لكن السبب الأعظم فيها إنما هو تركهم للعمل، وتهاونهم بما يأمر به الدين.
إن المسلمين على اختلاف طبقاتهم من راعى الأنام إلى راعي الأغنام يعلمون وجوب الصلاة و الزكاة،  والصوم، و الحج، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و صلة الأرحام و غيرها،  يعلمون حرمة قتل النفس، والفجور، و الخمور، و الظلم، و الربا، و أكل أموال الناس الخ.. فهل هم يعملون بعلمهم هذا، فيمتثلون أوامر الدين ويجتنبون نواهيه؟ كلا ولئن عمل أحد منهم به فهل يعمل بصدق وإخلاص؟ إلا من شاء الله !
كل منا يعلم ما بيننا وبين الصحابة و السلف الصالح رحمهم الله من البون العظيم، و الفرق الشاسع، ولكن هذا بماذا؟ أبغزارة العلم منهم و عراقتنا في الجهل؟ ألأنهم  يعلمون أمور الدين الضرورية ونجهلها؟
كلا يا أخي فلنا عقول كما لهم عقول، وقد قامت علينا الحجة بأمور الدين كما قامت عليهم، بل اتسعت دائرة العلم في عصرنا هذا و توفرت أسبابه، وسهلت مرافق الحياة لدينا أضعاف ماكان لديهم، ولكن الفرق بيننا وبينهم هو، أنهم يعملون بعلمهم ويعملون بإخلاص، ونحن لا نعمل به، وإذا عملنا به فبرياء وسمعة إلا ما ندر.
-  روي عن عمّار بن ياسر  "رضي الله عنه"  قال: بعثني رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  إلى حي من قيس أعلّمُهم شرائع الإسلام فإذا قوم كأنّهم الإبل الوحشية، طامحة أبصارهم، ليس لهم همّ إلاّ شاة أو بعير، فانصرفت إلى رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  فقال: «يا عمّار، ما عملت؟» فقصصت عليه قصّة القوم وأخبرته بما فيهم من السّهوة.
فقال: «يا عمّار، ألا أُخبِرك بأعجب منهم؟ قوم علموا ما جهل أولئك ثم سهوا كسهوهم»..       

طلب العلم لغير العمل من علامات الساعة :
  - عن علي – رضي الله عنه - أنه ذكر فتناً في آخر الزمان. فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ قال: (إذا تفقه لغير الدين وتعلم العلم لغير العمل والتمست الدنيا بعمل الآخرة)رواه عبدالرزاق وصححه الألباني.
- قال الحسن:' لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟' [10]

العالم الذي يعلم الناس ولا يعمل بما يقول
   -  فقال سبحانه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44).
فذكر من صفات اليهود وطبائعهم وأخلاقهم كونهم يأمرون بالخير ولا يفعلونه ويدعون إلى البر ويهملونه، لتحذير هذه الأمة من سلوك طريقهم، أو التشبه بشيء من أخلاقهم...
    -  وقال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «مثل الذي يُعَلّم الناس الخير وينسى نفسه مَثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها أو كالسّراج يضيء للناس ويحرق نفسه»، وقال  " صلى الله عليه وسلم" : «إنّ أناسا من أهل الجنّة ينطلقون إلى أُناس من أهل النار فيقولون: بم دخلتم النار؟ فيقولون: إنّا كنّا نقول ولا نفعل!!»
   - كان سيّدنا عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: «مثل الذي يحمل العلم ولا يعمل به كمثل الأعمى يحمل سراجًا ليستضيء به غيره».
   -  وقال حكاية عن شعيب صلّى الله عليه وسلّم إذ نصح قومه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88)، فطبّق ونفّذ شعيب ما يقوله لهم من قبل أن يدعوهم إليه.
- قال ابن القيم:'العلماء ثلاثة: عالم استنار بنوره واستنار به الناس، فهذا من خلفاء الرسل، وورثة الأنبياء، وعالم استنار بنوره، ولم يستنر به غيره، فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه، فبينه وبين الأول ما بينهما، وعالم لم يستنر بنوره ولا استنار به غيره، فهذا علمه وبال عليه وبسطته للناس فتنة لهم وبسطة الأول رحمة لهم' [مدارج السالكين [3/302] ].

خطورة من يقول ما لا يفعل :
   وكفى بالقرآن معلّمًا ومطالبًا المؤمنين بالعمل بما علموا إذ قال سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} – (الصّف: 2-3).
       * فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ' كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد، يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال : إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به'. فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الآية.

-  وعن الحسن قال، قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «ما من عبد يخطب خطبة إلاّ الله عزّ وجلّ سائله عنها أظنّه قال: ما أراد بها؟ وكان مالك بن دينار: إذا حدّث بهذا الحديث بكى طويلًا ثم يقول: تحسبون أنّ عيني تقرّ بكلامي عليكم وأنا أعلم أنّ الله عزّ وجلّ سائلي عنه يوم القيامة، ما أردت به؟.
يعاقب العالم بضعف ما يعاقب به الجاهل :
فالجاهل قد يعذر ببعض التفاصي لالتي قد تغيب عنه .

·         فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل

  -  قوله تعالى: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[30] وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا[31]} [سورة الأحزاب].

  -  قال النسفي:'{ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } ضعفي عذاب غيرهن من النساء؛ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل؛ لأن المعصية من العالم أقبح' [ تفسير النسفي [3/301-302] ].

   - قال ابن مفلح: [وليحذر العالم وليجتهد فإن ذنبه أشد، نقل المروذي عن الإمام أحمد رحمه الله قال:'العالم يقتدى به ليس العالم مثل الجاهل'. قال: وقال شيخنا – يعني ابن تيمية – :'أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه فذنبه من جنس ذنب اليهود'] [ الفروع [1/526 ].
العقوبة الأخروية للذين يقولون ما لا يفعلون

- وكان أبوالدرداء يقول: إنما أخشى من ربّي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربِّ، فيقول: «ما عملت فيما علمت؟».
    -  وفيما رواه الإمام أحمد عن منصور قال: نبّئت أنّ بعض من يلقى في النار يتأذّى أهل النار بريحه، فيقال له: ويلك ما كنت تعمل؟ ما يكفينا ما نحن فيه من الشّر حتّى ابتلينا بك وبنتن ريحك، فيقول: كنت عالِمًا فلم أنتفع بعلمي. 
  - عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ ] [11]

   - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قَالَ قُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالُوا خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ] [12]

الذين يعملون بعلمهم  يزيدهم الله علما ورسوخا والعكس صحيح :

   -  وقال  " صلى الله عليه وسلم" : «مَنْ عَمِلَ بما عَلِم أورَثه الله ما لم يعْلَم».
  -  قال عَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت: ٦٩) الْآيَةُ. قَالَ: "الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ نَهْدِيهِمْ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ".[13]
   -  قال أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ: "مَتَى أَرَدْتَ أَنْ تُشَرَّفَ بِالْعِلْمِ وَتُنْسَبَ إِلَيْهِ وَتَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ تُعْطَى الْعِلْمَ مَا لَهُ عَلَيْكَ، احْتَجَبَ عَنْكَ نُورُهُ وَبَقِيَ عَلَيْكَ رَسْمُهُ وَظُهُورُهُ، ذَلِكَ الْعِلْمُ عَلَيْكَ لَا لَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ يُشِيرُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَإِذَا لَمْ تَسْتَعْمِلِ الْعِلْمَ فِي مَرَاتِبِهِ رَحَلَتْ بَرَكَاتُهُ".
   من عمل بعلمه أورثه الله علم ما لم يعلم، وفتح بصيرته وأنار قلبه: قال تعالى:{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[17] } [سورة محمد].
                                                                                                       
 وأما من لم يعمل بعلمه، وأعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعاً لهواه، فإن ذلك يورثه الجهل والضلال حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح، وهو حري أن يسلبه الله ما علم،

- يقول تعالى:  {... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ...[5]} [سورة الصف].

    * قال ابن كثير:'أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان'.
لذلك : العمل بالعلم من أقوى أسباب حفظه وبقائه:

 لتحوله إلى صورة عملية وواقع مشاهد، ولذا يستطيع كل واحد منا أن يكتب صفة الوضوء والصلاة والحج ونحو ذلك؛ لأن هذا علم قد عمل به، وتحول إلى سلوك واقعي، فأصبح موصولاً بالذهن، مرتبطاً بالذاكرة، يستدعيه متى أراده.

·         خاتمة :

وإن المطابقة بين القول والعمل أمر عسير غير يسير إلا على من وفقه الله، إنه يحتاج إلى صلة دائمة بالله، وإخلاص، ثم رياضة وجهد ومحاولة، واستعلاء على الرغبات والشهوات، ومن ترك العمل بما علم؛ فقد استسلم لشهواته، وانقاد لهواه، وهو على خطر عظيم..وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.




[1]   اقتضاء العلم العمل / الخطيب البغدادي
[2]  في كتاب-تفصيل النشأتين-:
[3]   في تعليم المتعلم:
[4]  [ تذكرة السامع والمتكلم ص13 ] .
5  حلية الأولياء [2/155]].
[6]  [ في ظلال القرآن [1/85]].
[7]  اقتضاء العلم العمل / الخطيب البغدادي
[8]   اقتضاء العلم العمل / الخطيب البغدادي
[9]  "المصنف"؛ لابن أبي شيبة:
[10]   حلية الأولياء [2/155]].                                  
[11] رواه البخاري ومسلم.
[12]  رواه أحمد، وسنده حسن انظر صحيح الترغيب [1/125].
[13]  اقتضاء العلم العمل / الخطيب البغدادي

0 comentarios:

Publicar un comentario