martes, 20 de agosto de 2013

شيخ الاسلام بن تيمية

0 comentarios

ولد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرَّاني ثم الدمشقي تقي الدين أبو العباس سنة 661هـ في  مدينة حرَّان بالشام، في أسرة علمية حنبلية المذهب راسخة الدعائم قوية الأركان في الفقه والحديث
-  فوالده الشيخ عبد الحليم كان عالمًا محدثًا
-  وجده مجد الدين أبو البركات صاحب متن «منتقى الأخبار» والذي يعتبر كتاب نيل الأوطار للشوكاني أحد شروحه وأشهرها...

في ذكر منشأه وعمره ومدة عمره رضى الله عنه وأرضاه
-         أما مولده انه ولد في حران في عاشر ربيع الأول سنة  661  وبقي بها إلى أن بلغ سبع سنين ثم انتقل به والده رحمه الله إلى دمشق المحروسة فنشأ بها أتم إنشاء وازكاه وأنبته الله احسن النبات واوفاه ... 

-         في نشأته ونبوغه : فكانت مخايل النجابة عليه في صغره لائحة ودلائل العناية فيه واضحة...

 أخبرني من أثق به عن من حدثه  أن الشيخ رضي الله عنه في حال صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي كان منزله بطريقه بمسائل يسأله عنها لما كان يلوح عليه من الذكاء والفطنة وكان يجيبه عنها سريعا حتى تعجب منه ثم انه صار كلما اجتاز به يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه فلم يلبث أن اسلم وحسن إسلامه وكان ذلك ببركة الشيخ على صغر سنه
·        وختم القران صغيرا ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية حتى برع في ذلك مع ملازمة مجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار...
·        ولقد سمع غير كتاب على غير شيخ من ذوي الروايات الصحيحة العالية أما دواوين الإسلام الكبار كمسند احمد وصحيح البخاري ومسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داوود السجستاني والنسائي وابن ماجة والدارقطني فإنه رحمه الله ورضي عنهم وعنه فإنه سمع كل واحد منها عدة مرات... وأول كتاب حفظه في الحديث الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي ... وقل كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه...
·        وكان الله قد خصه بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء غالبا الا ويبقى على خاطره أما بلفظه أو معناه وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره فإنه لم يكن له مستعارا بل كان له شعارا ودثارا...


   * قال الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي في (العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية....اتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب قدم إلى دمشق، وقال: سمعت في البلاد بصبي يقال له: أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصداً، لعلي أراه، فقال له خياط: هذه طريق كتّابه، وهو إلى الآن ما جاء. فاقعد عندنا، الساعة يجيء يعبر علينا ذاهباً إلى الكتّاب فجلس الشيخ الحلبي قليلاً، فمر صبيان، فقال الخياط: هذاك الصبي الذي معه اللوح الكبير: هو أحمد بن تيمية. فناداه الشيخ. فجاء إليه. فتناول الشيخ اللوح منه، فنظر فيه ثم قال له: امسح يا ولدي هذا، حتى أملي عليك شيئاً تكتبه، ففعل، فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر، أو ثلاثة عشر حديثاً، وقال له: اقرأ هذا، فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه. ثم دفعه إليه، وقال: اسمعه عليّ، فقرأه عليه عرضا كأحسن ما أنت سامع. فقال له: يا ولدي، امسح هذا، ففعل. فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا، فنظر فيه، كما فعل أول مرة. ثم أسمعه إياه كالأول. فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش الصبي ليكونن له شأن عظيم. فإن هذا لم يُرَ مثله.

*  حتى أنه جلس للتدريس بدار الحديث في دمشق سنة 683هـ أي وهو في الثانية والعشرين
*  ، ولبراعة إلقاء ابن تيمية للدرس، جعلوه يجلس في الجامع الأموي أكبر مساجد دمشق والشام وأشهرها لشرح التفسير وذلك في نفس السنة 683هـ.

ورغم كثرة مخالفيه من علماء وفقهاء عصره الذين غلب عليهم الجمود والتعصب المذهبي إلا إنهم كانوا معترفين بفضله مقرين بإمامته، خاضعين لتفوقه وبراعته العلمية الفذة، أما تلاميذه ومحبوه وحتى أهل الإنصاف فيعظمون الشيخ رحمه الله بما يليق بمكانته العلمية، وهذه طائفة من ثناء الناس عليه من الطائفتين جميعًا على حد السواء.


في  غزارة علومه ومؤلفاته ومصنفاته وسعة نقله في فتاويه ودروسه البديهية ومنصوصاته

1.     معرفته بعلوم القرآن المجيد واستنباطه لدقائقه ونقله لأقوال العلماء في تفسيره واستشهاده بدلائله وما أودعه الله تعالى فيه من عجائبه وفنون حكمه وغرائب نوادر...

·        ولقد كان إذا قريء في مجلسه آيات من القرآن العظيم يشرع في تفسيرها فينقضي  ويأخذ هو في القول على تفسيره وكان غالبا لا يقطع إلا ويفهم السامعون أنه لولا مضي الزمن المعتاد لاورد أشياء أخر في معنى ما هو فيه من التفسير لكن يقطع نظرا في مصالح الحاضرين .

        -  ولقد أملى في تفسير قل هو الله أحد مجلدا كبيرا  وقوله تعالى : )الرحمن على العرش استوى( نحو خمس وثلاثين كراسة ...
        -  ولقد بلغني انه شرع في جمع تفسير لو أتمه لبلغ خمسين مجلدا المجلس بجملته والدرس برمته وهو في تفسير بعض آية منها ...
        -  وكان مجلسه في وقت مقدر بقدر ربع النهار يفعل ذلك بديهة من غير أن يكون له قارئ معين يقرأ له شيئا معينا يبيته ليستعد لتفسيره بل كان من حضر يقرأ ما تيسر ..

2.     أما معرفته وبصره بسنة رسول الله ص - وأقواله وأفعاله وقضاياه ووقائعه وغزواته وسراياه وبعوثه وما خصه الله تعالى من كراماته ومعجزاته ومعرفته بصحيح المنقول عنه وسقيمه وبقية المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في أقوالهم وأفعالهم وقضاياهم وفتاويهم واحوالهم وأحوال مجاهداتهم في دين الله وما خصوا به من بين الامة فإنه كان رضي الله عنه من أضبط الناس لذلك وأعرفهم فيه وأسرعهم استحضارا لما يريده منه...
·        فإنه قل أن ذكر حديثا في مصنف أو فتوى أو استشهد به أو استدل به إلا وعزاه في أي دواوين الإسلام هو ومن أي قسم  من الصحيح أو الحسن أو غيرهما وذكر اسم رواية من الصحابة وقل أن يسأل عن اثر إلا وبين في الحال حاله وحال أمره وذاكره ...

ومن أعجب الأشياء في ذلك أنه في محنته الأولى بمصر لما أخذ وسجن وحيل بينه وبين كتبه صنف عدة كتب صغارا وكبارا وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء وأسماء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم وعزا كل شئ من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم وذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها وأي موضع هو منها كل ذلك بديهة من حفظه لأنه لم يكن عنده حينئذ كتاب يطالعه ونقبت واختبرت واعتبرت فلم يوجد فيها بحمد الله خلل ولا تغير ومن جملتها كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول  وهذا من الفضل الذي خصه الله تعالى به.

·        ومنها ما منحه الله تعالى من معرفة اختلاف العلماء ونصوصهم وكثرة أقوالهم واجتهادهم في المسائل وما روي عن كل منهم من راجح ومرجوح ومقبول ومردود في كل زمان ومكان وبصره الصحيح الثاقب الصائب للحق مما قالوه ونقلوه وعزوه ذلك إلى الأماكن التي بها أودعوه حتى كان إذا سئل عن شئ من ذلك كأن جميع المنقول عن الرسول ص - وأصحابه والعلماء فيه من الأولين والآخرين متصور مسطور بإزائه يقول منه ما شاء الله ويذر ما يشاء وهذا قد اتفق عليه كل من رآه أو وقف على شئ من علمه ممن لا يغطي عقله الجهل والهوى...

3.     وأما مؤلفاته ومصنفاته فإنها اكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها بل هذا لا يقدر عليه غالبا أحد لأنها كثيرة جدا كبارا وصغارا وهي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه
 فمنها:
-          ما يبلغ إثني عشر مجلدا ك تلخيص التلبيس على أساس التقديس وغيره 
-         ومنها ما يبلغ سبع مجلدات ك الجمع بين العقل والنقل
-         ومنها ما يبلغ خمس مجلدات ومنها منهاج الاستقامة والاعتدال ونحوه
-          ومنها ما يبلغ ثلاث مجلدات ك الرد على النصارى وشبهه
-          ومنها مجلدان ك نكاح المحلل وإبطال الحيل وشرح العقيدة الأصبهانية
* ومنها مجلد ودون ذلك وهذان القسمان من مؤلفاته فهي كثيرة جدا لا يمكنني استقصاؤها لكن اذكر بعضها إستئناسا
-  كتاب تفسير سورة الاخلاص مجلد
-  كتاب الكلام على قوله عز و جل الرحمن على العرش استوى
-  كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول مجلد
-  كتاب الفرقان المبين بين الطلاق واليمين
-  كتاب الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

   4. وأما فتاويه ونصوصه وأجوبته على المسائل فهي اكثر من أن اقدر على إحصائها لكن دون بمصر منها على أبواب الفقه سبعة عشر مجلدا وهذا ظاهر مشهور

      - وجمع أصحابه اكثر من أربعين ألف مسألة وقل أن وقعت واقعة وسئل عنها إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمن طويل ومطالعة كتب وقد لا يقدر مع ذلك على إبراز مثله ..

-  أخبرني الشيخ الصالح تاج الدين محمد المعروف بابن الدوري انه حضر مجلس الشيخ رضى الله عنه وقد سأله يهودي عن مسأله في القدر قد نظمها شعرا في ثمانية أبيات  فلما وقف عليها فكر لحظة يسيرة وانشأ يكتب جوابها وجعل يكتب ونحن نظن انه يكتب نثرا فلما فرغ تأمله من حضر من أصحابه وإذا هو نظم في بحر أبيات السؤال وقافيتها تقرب من مائة وأربعة وثمانين بيتا وقد ابرز فيها من العلوم ما لو شرح بشرح لجاء شرحه مجلدين كبيرين هذا من جملة بواهره وكم من جواب فتوى لم يسبق إلى مثله

·        وأما ذكر دروسه :  فقد كنت في حال إقامتي بدمشق لا أفوتها وكان لا يهييء شيئا من العلم ليلقيه ويورده بل يجلس بعد أن يصلي ركعتين فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسوله صلى الله عليه و سلم على صفة مستحسنة مستعذبة لم اسمعها من غيره ثم يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون ونقول واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء ونصر بعضها وتبين صحته أو تزييف بعضها وإيضاح حجته واستشهاد بأشعار العرب وربما ذكر اسم ناظمها وهو مع ذلك يجري كما يجري السيل ويفيض كما يفيض البحر

-         وكان إذا فرغ من درسه يفتح عينيه ويقبل على الناس بوجه طلق بشيش وخلق دمث كأنه قد لقيهم حينئذ وربما اعتذر إلى بعضهم من التقصير في المقال مع ذلك الحال ..
-         يحضر درسه خلق كثير لم يحصر عددهم علماء ورؤساء وفضلاء من القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء وغيرهم من عوام المسلمين ..

        - حكى من يوثق بنقله انه كان يوما بمجلس ومحدث يقرأ عليه بعض الكتب الحديثية وكان سريع القراءة فعارضه الشيخ في اسم رجل في سند الحديث قد ذكره القاريء بسرعة فذكر الشيخ ان اسمه فلان بخلاف ما قرأ فاعتبروه فوجدوه كما قال الشيخ.

·        واما ما خصة الله تعالى به من معارضة اهل البدع في بدعتهم واهل الاهواء في اهوائهم وما الفه في ذلك من دحض اقوالهم وتزييف امثالهم واشكالهم واظهار عوارهم وانتحالهم وتبديد شملهم وقطع اوصالهم واجوبته عن شبههم الشيطانية ومعارضتهم النفسانية للشريعة الحنيفية المحمدية بما منحه الله تعالى به.
هذا غير عشرات الرسائل التي رد فيها على المخالفين من المسلمين وغير المسلمين

تأثر المعاصرين بعلمه ومواقفه :

v             وهذه الثروة العلمية التي خلفها ابن تيمية كانت وما زالت مصدر إلهام لكثير من الحركات الإسلامية وقادة الصحوة، وأكبر باعث للتجديد على مر العصور، ونلمس هذا في تلاميذ الشيخ ومريديه ومن تأثر به، فبعضهم من المشرق وبعضهم من المغرب، وبعضهم من العرب، وبعضهم من العجم، بل من البربر أيضًا، وذلك عبر عصور متتالية، وكثير من تلاميذه ومن تأثر بفكره، صاروا أئمة وأعلامًا وقادة للصحوة الإسلامية، فمن تلاميذه: ابن القيم والمزي وابن كثير والذهبي والكتبي وابن عبد الهادي والبزار، وكلهم أئمة أعلام. وممن تأثر به ابن حجر العسقلاني والواسطي والعيني والبلقيني وابن فضل العمري والشوكاني...

*        أما من قادة الدعوات ومجددي الإسلام فلقد أثر ابن تيمية وفكره في العديد، منهم: الشيخ البشير الإبراهيمي، وعبد الحميد بن باديس قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائرية والتي قاومت الاحتلال الفرنسي وحافظت على الهوية العربية والإسلامية من الضياع والطمس، وكلا الرجلين قد تأثر بابن تيمية بشدة ...

 * وفي بلاد الهند البعيدة تأثر العلامة ولي الله الدهلوي بفكر ابن تيمية فراح ينشره في أرجاء الهند ولاقى معارضة شديدة وعنتًا من فقهاء الهند المتعصبين بشدة للمذهب الحنفي، ومن بعده قام الشهيد أحمد السرهندي بثورة كبيرة على الاحتلال الإنجليزي والبدع والخرافات المنتشرة جدًا في بلاد الهند، من بعدهما جاء الشيخ أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية وتأثر بمنهج وفكر ابن تيمية الإصلاحي، واستمد من مشروعه التجديدي النظرية التي أقام عليها منهج الجماعة الحركي.
 * وفي مصر تأثر الشيخ محمد عبده بابن تيمية ...
  -       وقد كان يقول عنه: ابن تيمية أعلم الناس بالسنة وأشدهم غيرة على الدين، وكذلك تأثر الشيخ رشيد رضا بابن تيمية ونشر فكره في مجلة "المنار" وحارب البدع والخرافات والغزو الفكري والثقافي.

في ذكر تعبده

أما تعبده رضي الله عنه فإنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى ما يراد له لا من اهل ولا من مال ...

-         وكان في ليلة متفردا عن الناس كلهم خاليا بربه عز و جل ضارعا مواظبا على تلاوة القرآن العظيم مكررا لانواع التعبدات الليلية والنهارية وكان اذا ذهب الليل وحضر مع الناس بدأ بصلاة الفجر يأتي بسنتها قبل اتيانه اليهم وكان اذا احرم بالصلاة تكاد تتخلع القلوب لهيبة اتيانه بتكبيرة الاحرام فإذا دخل في الصلاة ترتعد اعضاؤه حتى يميله يمنة ويسرة وكان اذا قرأ يمد قراءته مدا كما صح في قراءة رسول الله ص وكذلك عامة صلاته ...

-           وكان غالب دعائه اللهم انصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسر الهدى لنا اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين لك اواهين لك مخبتين اليك راغبين اليك راهبين لك مطاويع ربنا تقبل توباتنا واغسل حوباتنا وثبت حججنا واهد قلوبنا اسلل سخيمة صدورنا

-         وكان قد عرفت عادته لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر فلا يزال في الذكر يسمع نفسه وربما يسمع ذكره من الى جانبه مع كونه في خلال ذلك يكثر من تقليب بصره نحو السماء هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة

-         واذا رأى منكرا في طريقه ازاله او سمع بجنازة سارع الى الصلاة عليها او تأسف على فواتها وربما ذهب الى قبر صاحبها بعد فراغه من سماع الحديث فصلي عليه

-         وكان رضي الله عنه كثيرا ما يرفع طرفه الى السماء لا يكاد يفتر من ذلك كأنه يرى شيئا يثبته بنظره.


-          وكان في كل اسبوع يعود المرضى خصوصا الذين بالبمارستان 

        واخبرني غير واحد ممن لا يشك في عدالته ان جميع زمن الشيخ ينقضي على ما رأيته فأي عبادة وجهاد افضل من ذلك فسبحان الموفق من يشاء لما يشاء

في ذكر بعض ورعه وزهده وتواضعه وحسن خلقه وكرمه :

- كان رضي الله عنه في الغاية التي ينتهي اليها في الورع لان الله تعالى اجراه مدة عمره كلها عليه فإنه ما خالط الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة ولا تجارة ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة ولا كان ناظرا مباشرا لمال وقف ولم يكن يقبل جراية ولا صلة لنفسه من سلطان ولا امير ولا تاجر ولا كان مدخرا دينارا ولا درهما ولا متاعا ولا طعاما...

-         وإنما كانت بضاعته مدة حياته وميراثه بعد وفاته رضى الله عنه العلم اقتداء بسيد المرسلين وخاتم النبيين محمد ص - وعلى آله وصحبه أجمعين فإنه قال إن العلماء ورثة الانبياء وإن الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد اخذ بحظ وافر

فلما وفق الله هذا الامام لرفض غير الضروري منها انصبت عليه العواطف الالهية فحصل بها كل فضيلة جليلة بخلاف غيره من علماء الدنيا مختاريها وطالبيها والساعين لتحصيلها فانهم لما اختاروا ملاذها وزينتها ورئاستها انسدت عليهم غالبا طرق الرشاد فوقعوا في شركها يخبطون خبط عشواء ويحطبونها كحاطب ليل لا يبالون ما يأكلون ولا ما يلبسون ولا ما يتأولون ما يحصل لهم أغراضهم الدنيئة ومقاصدهم الخبيثة الخسيسة فهم متعاضدون على طلبها يتحاسدون بسببها اجسامهم مليئة وقلوبهم من غيرها فارغة وظواهرهم مزخرفة معمورة وقلوبهم خربة مأسورة  ولما رأوا هذا الإمام عالم الآخرة تاركا لما هم عليه من تحصيل الحطام من الشبه الحرام رافضا الفضل المباح فضلا عن الحرام تحققوا ان احواله تفضح أحوالهم وتوضح خفى أفعالهم وأخذتهم الغيرة النفسانية ... فحرصوا على الفتك به أين ما وجدوه وأنسوا انهم ثعالب وهو أسد فحماه الله تعالى منهم بحراسته..

·        أما زهده في الدنيا ومتاعها فإن الله تعالى جعل ذلك له شعارا من صغره..
- حدثني من اثق به عن شيخه الذي علمه القرآن المجيد قال: قال لي أبوه وهو صبي يعني الشيخ احب اليك أن توصيه وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القرأءة والتلقين ادفع اليك كل شهر أربعين درهما قال ودفع إلي أربعين درهما
 وقال أعطه إياها فإنه صغير وربما يفرح بها فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه وقل له لك في كل شهر مثلها فامتنع من قبولها وقال يا سيدي إني عاهدت الله تعالى ان لا آخذ على القرآن اجرا ولم يأخذها   فرأيت ان هذا لا يقع من صبي إلا لما لله فيه من العناية

-         لم يسمع انه رغب في زوجة حسناء ولا سرية حوراء ولا دار قوراء ولا مماليك جوار ولا بساتين ولا عقار ولا شد على دينار ولا درهم ولا رغب في دواب ولا نعم ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حشم ولا زاحم في طلب الرئاسات ولا رئي ساعيا في تحصيل المباحات مع أن الملوك والامراء والتجار والكبراء كانوا طوع أمره خاضعين لقوله وفعله وادين ان يتقربوا الى قلبه مهما أمكنهم مظهرين لإجلاله أو أن يؤهل كلا منهم في بذل ماله

·        كان رضي الله عنه مع شدة تركه للدنيا ..مؤثرا بما عساه يجده منها قليلا كان أو كثيرا جليلا او حقيرا لا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به ولا الكثير فيصرفه النظر اليه عن الاسعاف ب

-         كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئا نزع بعض ثيابه المحتاج إليه فيصل به الفقير
-          وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف و الرغيفين فيؤثر بذلك على نفسه
-         وربما خبأهما في كمه ويمضي ونحن معه لسماع الحديث فيراه بعضنا وقد دفعه الى الفقير مستخفيا يحرص أن لا يراه أحد .

وكان إذا ورد عليه فقير وآثر المقام عنده يؤثره عند الأكل بأكثر قوته

   -  حدثني الشيخ الصالح العارف زين الدين علي الواسطي ما معناه انه أقام بحضرة الشيخ مدة طويلة قال فكان قوتنا في غالبها انه كان في بكرة النهار يأتيني ومعه قرص قدره نصف رطل خبزا بالعراقي فيكسره بيده لقما ونأكل منه أنا وهو جميعا ثم يرفع يده قبلي ولا يرفع باقي القرص من بين يدي حتى اشبع بحيث أني لا أحتاج الى الطعام إلى الليل وكنت ارى ذلك من بركة الشيخ ثم يبقى الى بعد العشاء الاخرة حتى يفرغ من جميع عوائده التي يفيد الناس بها في كل يوم من اصناف القرب فيؤتيى بعشائنا فيأكل هو معي لقيمات ثم يؤثرني بالباقي وكنت أسأله ان يزيد على أكله فلا يفعل حتى إني كنت في نفسي اتوجع له من قلة اكله.

  -  وحدثني الشيخ العالم الفاضل المقرئ ابو محمد عبد الله ابن الشيخ الصالح المقرئ احمد بن سعيد قال كنت يوما جالسا بحضرة شيخ الاسلام ابن تيمية رضي الله عنه فجاء انسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجا الى ما يعتم به فنزع الشيخ عمامته من غير ان يسأله الرجل ذلك فقطعها نصفين واعتم بنصفها ودفع النصف الاخر الى ذلك الرجل ولم يحتشم للحاضرين عنده

  - وحدثني من اثق به ان الشيخ رضي الله عنه كان مارا يوما في بعض الازقة فدعا له بعض الفقراء وعرف الشيخ حاجته ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه فنزع ثوبا على جلده ودفعه اليه وقال بعه بما تيسر وأنفقه واعتذر اليه من كونه لم يحضر عنده شئ من النفقة

  -  وحدثني من اثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان لا يرد أحدا يسأله شيئا كتبه بل يأمره أن يأخذ هو بنفسه ما يشاء منها 
      *  وأخبرني أنه جاءه يوما إنسان يسأله كتابا ينتفع به فأمره ان يأخذ كتابا يختاره فرأى ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفا قد اشترى بدراهم كثيرة فأخذه ومضى  فلام بعض الجماعة الشيخ في ذلك فقال ايحسن بي ان امنعه بعد ما سأله دعه فلينتفع به
   * وكان الشيخ رضي الله عنه ينكر إنكارا شديدا على من يسأل شيئا من كتب العلم التي يمكلها ويمنعها من السائل ويقول ما ينبغي ان يمنع العلم ممن يطلبه

·        وأما تواضعه فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك كان يتواضع للكبير والصغير والجليل والحقير والغنى الصالح والفقير
-         وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الاغنياء حتى أنه ربما خدمه بنفسه وأعانه بحمل حاجته جبرا لقلبه وتقربا بذلك الى ربه

-         وكان لا يسأم ممن يستفتيه أو يسأله بل يقبل عليه ببشاشة وجه ولين عريكة ويقف معه حتى يكون هو الذي يفارقه كبيرا كان أو صغيرا رجلا أو امرأة حرا أو عبدا عالما أو عاميا حاضرا أو باديا ولا يجبهه ولا يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط

ولقد بالغ معي في حال إقامتي بحضرته في التواضع والإكرام حتى إنه لا يذكرني باسمي بل يلقبني بأحسن الالقاب ويظهر لي خصوصا بين أصحابي من الإكرام والتبجيل والإدناء منه بحيث لا يتركني اجلس الا الى جانبه قصيرا كان مجلسه أو طويلا خاصا أو عام

- وأظهر لي من حسن الأخلاق والمبالغة في التواضع بحيث أنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة يحمل هو بنفسه النسخة ولا يدع أحدا منا يحملها عنه وكنت أعتذر اليه من ذلك خوفا من سوء الأدب فيقول لو حملته على رأسي لكان ينبغي ألا احمل ما فيه كلام رسول الله ص –
- وكان يجلس تحت الكرسي ويدع صدر المجالس حتى إني لأستحي من مجلسه هناك وأعجب من شدة تواضعه ومبالغته في إكرامي بما لا استحق ورفعي عليه في المجلس ولولا قراءتي حديث رسول الله ص - وعظم حرمتها لما كان ينبغي لي ذلك

وأما في هيئته ولباسه وطعامه

·        كان رضي الله عنه متوسطا لا يلبس فاخر الثياب بحيث يرمق ويمد النظر إليه ولا أطمارا ولا غليظة تشهر حال لا بسها ويميز من عامة الناس بصفة خاصة يراه الناس فيها من عالم وعابد بل كان لباسه وهيئته كغالب الناس ومتوسطهم ولم يكن يلزم نوعا واحدا من اللباس فلا يلبس غيره بل كان يلبس ما اتفق وحصل ويأكل ما حضر

 * ومن العجب اني كنت قد رايته قبل لقيه بمدة فيما يرى النائم ونحن جلوس نأكل طعاما على صفة معينة فحال لقيتي له ودخولي عليه وجدته يأكل مثل ذلك الطعام على نحو من الصفة التي رأيت فأجلسني وأكلنا جميعا كما رأيت في المنام

·        وأخبرني غير واحد أنه ما رآه ولا سمع أنه طلب طعاما قط ولا  غداء ولا عشاء ولو بقي مهما بقي لشدة اشتغاله بما هو فيه من العلم والعمل بل كان يؤتي بالطعام وربما يترك عنده زمانا حتى يلتفت اليه وإذا أكل أكل شيئا يسيرا

في ذكر بعض كراماته وفراسته

أخبرني غير واحد من الثقات ببعض ما شاهده من كراماته وأنا أذكر بعضها على سبيل الاختصار وأبدأ من ذلك ببعض ما شاهدته :

      - فمنها ما جرى بيني وبين بعض الفضلاء منازعة في عدة مسائل وطال كلامنا فيها وجعلنا نقطع الكلام في كل مسألة بأن نرجع الى الشيخ وما يرجحه من القول فيها   ثم أن الشيخ رضي الله عنه حضر فلما هممنا بسؤاله عن ذلك سبقنا هو وشرع يذكر لنا مسألة مسألة كما كنا فيه وجعل يذكر غالب ما أوردناه في كل مسأله ويذكر اقوال العلماء ثم يرجح منها ما يرجحه الدليل حتى أتى على آخر ما أردنا ان نسأله عنه وبين لنا ما قصدنا أن نستعلمه منه فبقيت أنا وصاحبي ومن حضرنا أولا مبهوتين متعجبين مما كاشفنا به وأظهره الله عليه مما كان في خواطرنا

-  وكنت في خلال الايام التي صحبته فيها إذا بحث مسأله يحضر لي إيراد فما يستتم خاطري به حتى يشرع فيورده ويذكر الجواب من عدة وجوه .

    - وحدثني الشيخ الصالح المقريء أحمد بن الحريمي أنه سافر الى دمشق قال فاتفق اني لما قدمتها لم يكن معي شئ من النفقة البتة وانا لا اعرف احدا من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعا فسلم وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة وقال لي انفق هذه الآن وخلي خاطرك مما انت فيه فإن الله لا يضيعك ثم رد على أثره كأنه ما جاء إلا من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك  وقلت لبعض من رأيته من الناس من هذا الشيخ  فقال وكأنك لا تعرفه هذا ابن تيمية لي مدة طويلة لم أره اجتاز بهذا الدرب ...
 وكان جل قصدي من سفري الى دمشق لقاءه فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي فما احتجت بعدها الى احد مدة إقامتي بدمشق بل فتح الله علي من حيث لا احتسب واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يكرمني ويسألني عن حالي فاحمد الله تعالى الي

   - وحدثني الشيخ العالم المقريء تقي الدين عبدالله ابن الشيخ الصالح المقريء احمد بن سعيد قال : سافرت إلى مصر حين كان الشيخ مقيما بها فاتفق أني قدمتها ليلا وأنا مثقل مريض فأنزلت في بعض الامكنة فلم ألبث أن سمعت من ينادي باسمي وكنيتي فاجبته وأنا ضعيف فدخل إلي جماعة من أصحاب الشيخ ممن كنت قد اجتمعت ببعضهم في دمشق فقلت كيف عرفتم بقدومي وأنا قدمت هذه الساعة فذكروا أن الشيخ أخبرنا بأنك قدمت وأنت مريض وأمرنا ان نسرع بنقلك وما رأينا أحدا جاء ولا أخبرنا بشيء

  - وحدثني ايضا : قال مرضت بدمشق اذ كنت فيها مرضة شديدة منعتني حتى من الجلوس فلم اشعر إلا والشيخ عند رأسي وأنا مثقل مشتد بالحمى والمرض فدعا لي وقال جاءت العافية   فما هو إلا أن فارقني وجاءت العافية وشفيت من وقتي

-  وحدثني أيضا قال أخبرني الشيخ ابن عماد الدين المقرئ المطرز قال قدمت على الشيخ ومعي حينئذ نفقة فسلمت عليه فرد علي ورحب بي وأدناني ولم يسألني هل معك نفقة ام لا  فلما كان بعد أيام ونفدت نفقتي أردت أن اخرج من مجلسه بعد ان صليت مع الناس وراءه فمنعني وأجلسني دونهم فلما خلا المجلس دفع الي جملة دراهم وقال انت الآن بغير نفقة فارتفق بهذه فعجبت من ذلك  وعلمت ان الله كشفه على حالي أولا لما كان معي نفقة وآخرا لما نفدت واحتجت الى نفقة .

 - وحدثني من لا أتهمه ان الشيخ رضي الله عنه حين نزل المغول بالشام لاخذ دمشق وغيرها رجف أهلها وخافوا خوفا شديدا  وجاء اليه جماعة منهم وسألوه الدعاء للمسلمين فتوجه الى الله ثم قال أبشروا فإن الله يأتيكم بالنصر في اليوم الفلاني بعد ثالثة حتى ترون الرؤوس معبأة بعضها فوق بعض   قال الذي حدثني فوالذي نفسي بيده او كما حلف ما مضى إلا ثلاث مثل قوله حتى راينا رؤوسهم كما قال الشيخ على ظاهر دمشق معبأة بعضها فوق بعض...

-  وحدثني الشيخ الصالح الورع عثمان بن احمد بن عيسى النساج أن الشيخ رضي الله عنه كان يعود المرضى بالبيمارستان بدمشق في كل اسبوع فجاء على عادته فعادهم فوصل الى شاب منهم فدعا له فشفي سريعا وجاء الى الشيخ يقصد السلام عليه فلما رآه هش له وأدناه ثم دفع اليه نفقة وقال قد شفاك الله فعاهد الله أن تعجل الرجوع الى بلدك أيجوز أن تترك زوجتك  وبناتيك أربعا ضيعة وتقيم ها هنا فقبل يده وقال يا سيدي أنا تائب الى الله على يدك وقال الفتى وعجبت مما كاشفني به وكنت قد تركتهم بلا نفقة ولم يكن قد عرف بحالي أحد من أهل دمشق ..

  -  وحدثني من أثق به ان الشيخ رضي الله عنه أخبر عن بعض القضاة انه قد مضى متوجها الى مصر المحروسة ليقلد القضاء وأنه سمعه يقول حال ما اصل الى البلد قاضيا احكم بقتل فلان رجل معين من فضلاء اهل العلم والدين قد أجمع الناس على علمه وزهده وورعه ولكن حصل في قلب القاضي منه من الشحناء والعداوة ما صوب له الحكم بقتله فعظم ذلك على من سمعه خوفا من وقوع ما عزم عليه من القتل لمثل هذا الرجل الصالح وحذرا على القاضي ان يوقعه الهوى والشيطان في ذلك فيلقى الله متلبسا بدم حرام وفتك بمسلم معصوم الدم بيقين وكرهوا وقوع مثل ذلك لما فيه من عظيم المفاسد فأبلغ الشيخ رضي الله عنه هذا الخبر بصفته  فقال إن الله لا يمكنه مما قصد ولا يصل الى مصر حيا فبقى بين القاضي وبين مصر قدر يسير وأدركه الموت فمات قبل وصولها كما اجرى الله تعالى على لسان الشيخ رضي الله عنه
·        ومن اظهر كراماته أنه ما سمع بأحد عاداه او غض منه إلا وابتلي بعدة بلايا غالبها في دينه وهذا ظاهر مشهور لا يحتاج فيه الى شرح صفته...

   وما رأيت احدا كان أشد تعظيما للشيخ من أخيه هذا أعني  القائم بأوده وكان يجلس بحضرته كأن على رأسه الطير وكان يهابه كما يهاب سلطانا وكنا نعجب منه في ذلك ونقول من العرف والعادة أن اهل الرجل لا يحتشمونه كالاجانب بل يكون انبساطهم معه فضلا عن الاجنبي ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه فيقول إني ارى منه اشياء لا يراها غيري أوجبت علي ان أكون معه كما ترون  وكان يسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك

·         وقل ان يراه أحد ممن له بصيرة الا وانكب على يديه يقبلهما حتى انه كان اذا راه ارباب المعايش يتخطون من حوانيتهم للسلام عليه والتبرك به وهو مع هذا يعطي كلا منهم نصيبا وافرا من السلام وغيره

في ذكر قوة قلبه وشجاعته 
أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:

     ـ ما حدث سنة 693هـ عندما سب أحد النصارى الكفرة من أهل السويداء وهي قرية من قرى الشام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قام ابن تيمية بقيادة جمع غفير من الناس للقصاص من هذا الكافر المجرم وجرت خطوب كثيرة بسبب حماية أحد الأمراء الأتراك لهذا الكافر وآل الأمر إلى ضرب ابن تيمية وحبسه، وقد صنف ابن تيمية في هذه الواقعة كتابه الشهير [الصارم المسلول على ساب الرسول].

    ـ وفي شوال سنة 699هـ خرج ابن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة وأهل حوران لقتال أهل جبل الجرد وكسروان وهم من النصيرية الكفرة بسبب تعاونهم مع التتار وكفرهم وضلالهم وخروجهم على الطاعة.

   ـ وفي سنة 699هـ دار ابن تيمية وأصحابه على الحانات والخمارات التي فتحت في دمشق بعد دخول التتار إليها فأراقوا الخمور وعزروا أصحاب الحانات ومنعوهم من العودة لمثل هذه الفواحش.
  ـ وفي سنة 701هـ ثار جماعة من الحسدة على الشيخ ابن تيمية، وشكوا منه أن يقيم الحدود ويعزر ويحلق رءوس   الصبيان، ولكن الشيخ أصر على مواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

   ـ وفي سنة 704هـ أمر ابن تيمية بعض جهلة المتصوفة بترك ما هم عليه، مثل الشيخ إبراهيم القطان وكان يتشبه بالحيوانات في هيئته، ومحمد الخباز البلاسي وكان يتعاطى المحرمات، وفي نفس السنة راح ابن تيمية إلى مسجد التاريخ بدمشق وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كان الناس ينذرون إليها ويزورونها، فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك الذي يقع عندها.

   وقد بلغ الحسد بخصومه لأن يزوروا عليه جوابًا ليتهموه بأنه يصانع التتار وأنه جاسوس لهم بدمشق، وذلك سنة 702هـ، وكانت هذه التهمة كفيلة بإعدام ابن تيمية لو وجدت من يصدقها، وكان الساعي فيها رجلين من أهل الشر والحسد وهما: أحمد الغناري واليعفوري، فبان كذبهما وانكشفت مؤامرتهما، فأمر الوالي بقتلهما.

ثانيًا: جهاده:
فلم يكن ابن تيمية ذلك العالم الفقيه الذي يجلس في زاوية منعزلاً عن أحوال أمته، حبيس أوراقه وأقلامه، بل كان من كبار المجاهدين تمامًا مثلما كان من كبار العلماء، بل كان في هذا الميدان شديد الوعي بفقه الأولويات،

*  حتى أنه قد حمل السلاح وجاهد تحت راية وقيادة السلطة التي مات مظلومًا في سجونها، فضرب لنا مثلاً في الوعي الحضاري بفقه الأولويات، نحن الآن في أمس الحاجة لفهمه في واقعنا المعاصر

 وهذه طائفة من أخباره الجهادية التي كانت تملأ السمع والبصر وجعلت الناس تجمع على إمامته.

1.  جهاده في معركة قازان سنة 699هـ، عندما هجم التتار بقيادة محمود قازان على بلاد الشام وهزموا جيوش المماليك بقيادة الناصر محمد بن قلاوون، وعاثوا في الأرض فسادًا، فاجتمع ابن تيمية مع أعيان دمشق من القادة والعلماء واتفقوا على السير إلى قازان وأخذ الأمان منه لأهل دمشق، وبالفعل اجتمعوا مع قازان وكلمه ابن تيمية كلامًا قويًا شديدًا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين، ثم عاد ابن تيمية إلى دمشق وحض أمير القلعة وهو الأمير أرجواش على ألا يسلم القلعة للتتار مهما كانت الظروف، وبالفعل عمل أرجواش بالنصيحة وحاول التتار فتحها لعدة شهور ولكنهم فشلوا، وبصمود القلعة صمدت دمشق أمام الهجوم التتاري.

2.  ثم عاود ابن تيمية الكرة وذهب إلى مخيم التتار وقابل زعيمهم وأقنعه بإطلاق سراح أسرى المسلمين، بل إن ابن تيمية رحمه الله قد ضرب أروع الأمثلة على سماحة الإسلام والمسلمين ومدى حماية الدولة المسلمة لأهل ذمتها؛ إذ أصر ابن تيمية على إطلاق سراح النصارى الذين أسرهم التتار من بيت المقدس، بل ربط إطلاق أسرى المسلمين بإطلاق أهل الذمة، وهذا الإصرار جعل قطلوشاه أمير جيش التتار يوافق على إطلاق سراح الجميع.

3.  وأثناء هجوم التتار على دمشق كان ابن تيمية يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس والمدافعين على الصبر والقتال، ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط، ويشد أزر المدافعين عن القلعة، وكان له أعظم الأثر في رفع معنويات الناس، فصمدوا في القتال بشدة.

4-  وفي سنة 700هـ عندما تواترت الأخبار بعزم التتار على الهجوم مرة أخرى على الشام وعم الذعر بين أهل دمشق وأخذوا في الرحيل وارتفعت الأسعار بشدة، وهرب معظم الأعيان والقضاة والعلماء من البلد إلى مصر خوفًا من التتار...      
 - قام ابن تيمية وخطب بالناس في الجامع الأموي بدمشق وحرضهم على القتال والصبر والمرابطة وأوجب عليهم قتال التتار، فسكن الناس قليلاً وربط جأشهم، ثم انتدب أمير دمشق الشيخ ابن تيمية سفيرًا إلى مصر ليستحث السلطان الناصر محمد على المجيء والدفاع عن البلد، وقد كلم ابن تيمية السلطان بمنتهى الجراءة والشدة حتى أنه قال له: إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانًا يحوطه ويحميه، وفي ذلك تهديد شديد للسلطان بالعزل إذا لم يقم بواجباته تجاه الأمة، ثم قال له: لو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه، واستنصركم أهله وجب عليكم النصر، فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعاياكم وأنتم مسئولون عنهم.

5. وقد اشترك ابن تيمية بنفسه في القتال ضد التتار في معركة شقحب، وقد انتدب هو ومجموعة من أصحابه للقتال في أشد مناطق القتال خطورة ـ في المقدمة ـ وأبدى شجاعة وبطولة نادرة، حتى أن السلطان قد طلب منه أن يقف تحت رايته في القتال، وكانت المعركة في 2 رمضان سنة 702هـ، فأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الجنود والقادة وفي يده خبز يأكل منه، وكان قتاله يوم شقحب من أعظم أعماله الجهادية رحمه الله.

في ذكر وفاته وكثرة من صلى عليه وشيعه


-  قالوا إن الشيخ قدس الله روحه مرض أياما يسيرة وكان إذ ذاك الكاتب شمس الدين الوزير بدمشق المحروسة  فأجابه الشيخ رضي الله عنه بأني قد احللتك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق ...

 فلما علم بمرضه استأذن في الدخول عليه لعيادته فأذن الشيخ له في ذلك فلما جلس عنده اخذ يعتذر له عن نفسه ويلتمس منه أن يحله مما عساه ان يكون قد وقع منه في حقه من تقصير أو غيره فقال احللت كل واحد مما كان بيني وبينه إلا من كان عدوا لله ورسوله

قالوا ثم إن الشيخ رضي الله عنه بقي الى ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة الحرام وتوفي الى رحمة الله تعالى ورضوانه في بكرة ذلك اليوم وذلك من سنة ثمان وعشرين وسبع مئة وهو على حاله مجاهدا في ذات الله تعالى صابرا محتسبا لم يجبن ولم يهلع ولم يضعف ولم يتتعتع بل كان رضي الله عنه الى حين وفاته مشتغلا بالله عن جميع ما سواه

-  قالوا فما هو إلا أن سمع الناس بموته فلم يبق في دمشق من يستطيع المجئ للصلاة عله وارادة إلا حضر لذلك وتفرغ له حتى غلقت الاسواق بدمشق وعطلت معايشها حينئذ وحصل للناس بمصابه امر شغلهم عن غالب امورهم واسبابهم وخرج الامراء والرؤساء والعلماء والفقهاء والاتراك والاجناد والرجال والنساء والصبيان من الخواص والعوام
فغسل رضي الله عنه وكفن ...
·         وازدحم من حضر غسله من الخاصة والعامة على الماء المنفصل عن غسله حتى حصل لكل واحد منهم شيء قليل ...
 ثم أخرجت جنازته فما هو إلا ان رآها الناس فأكبوا عليها من كل جانب كلا منهم يقصد التبرك بها حتى خشي على النعش ان يحطم قبل وصوله إلى الى القبر فاحدق بها الامراء والاجناد واجتمع الاتراك فمنعوا الناس من الزحام عليها خشية من سقوطها وعليهم من اختناق بعضهم وجعلوا يردونهم عن الجنازة بكل ما يمكنهم وهم لا يزدادون إلا إزدحاما وكثرة حتى ادخلت جامع بني أمية المحروس ظنا منهم أنه يسع الناس فبقي كثير من الناس خارج الجامع وصلي عليه رضي الله عنه في الجامع ثم حمل على ايدي

-           واتفق جماعة من حضر حينئذ وشاهد الناس والمصلين عليه على انهم يزيدون على خمسماية الف

·        وقال العارفون بالنقل والتاريخ لم يسمع بجنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الامام احمد بن حنيل رضي الله عنه

ولم ير لجنازة أحد ما رئي لجنازته من الوقار والهيبة والعظمة والجلالة وتعظيم الناس لها وتوقيرهم إياها وتفخيمهم امر صاحبها وثنائهم عليه بما كان عليه من العلم والعمل والزهادة والعبادة والاعراض عن الدنيا والاشتغال بالاخرة والفقر والايثار والكرم والمروءة .

وختمت له الختمات الكثيرة في الليالي والايام في اماكن كثيرة لم يضبط عددها خصوصا بدمشق المحروسة ومصر والعراق وتبريز والبصرة وغيرها حتى جعل كثير من الناس القراءة له ديدنا لهم واديرت الربعة الشريفة على الناس لقراءة القران المجيد واهدائه له وظيفة معتادة





0 comentarios:

Publicar un comentario