lunes, 6 de mayo de 2013

اعقلها وتوكل

0 comentarios


  -  قال تعالى : وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ   [المائدة:11].
    فجعل التوكل مع التقوى، وهي هنا شاملة للقيام بالأسباب المأمور بها، فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجزٌ محض...

     - وهذا المعنى يدل عليه أيضاً ما رواه الترمذي وغيره عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه ! أَعْقِلُها وأتوكل، أو أُطْلِقُهَا وأتوكل؟ قال: { اعقلها وتوكل }.
       - وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: { كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يَقُوت   [رواه أبو داود.

-  ولمثل أولئك قال عليه الصلاة والسلام:  المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن باللّه ولا تعجز، فإن أصابك شيءٌ فلا تقولن: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر اللّه وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان }.

- وقال ابن عباس: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله هذه الآية: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197] .

 - وقال معاوية بن قرة: لقي عمر بن الخطاب ناسا من أهل اليمن فقال من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: «بل أنتم المتأكلون إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله»...

- فمن يكل أمره إلى غيره فليس بمتوكل على الله وإنما هو ضعيف وعاجز ؛ لأن الله جعل لعباده إرادة ينطلقون منها في فعل ما أمروا به، وما يحتاجون إليه في أمور دنياهم. كما أنه عزوجل حين هيأ لهم أسس حياتهم أمرهم بفعل الأسباب فيها...
    * وقال يوسف بن أسباط: «اعمل عمل رجلٍ لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كُتب له».

ما وقع فيه بعض الصوفية من جهل في تواكلهم ورفضهم المتعمد للأسباب :
ما  روى القشيري رحمه الله حكايات كثيرة عن عدد من مشايخ الصوفية، تركوا الأسباب، بل رفضوها عمداً، ودخلوا البادية المقفرة من غير زاد، متوكلين على الله تعالى، منكرين على مَن يتعلق بسبب، في أي وجه، وأية صورة.
ونقل الإمام الغزالي هذه الحكايات في كتابه "منهاج العابدين" لتكون نموذجاً يُحتذى للسائرين المريدين للآخرة، والسالكين للطريق إلى الله تعالى. كما ذكرها في "الإحياء" محاولاً تبريرها.
     - يقول بعضهم: حججتُ أربع عشرة حَجَّة، حافياً، على التوكل.
     
   -  ويقول آخر: إني لأستحي من الله أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل (أي عزمت عليه) لئلا يكون شبعي زاداً أتزود به!
      
  - وقال آخر: دخلت البادية مرة بغير زاد، فأصابتني فاقة، فرأيت المرحلة (القرية أو محطة الاستراحة) من بعيد فسررتُ بأني قد وصلت، ثم فكرت في نفسي: أني سكنت واتكلت على غيره تعالى، فآليت ألا أدخل المرحلة، حتى أُحمَل إليها. فحفرت لنفسي في الرمل حفرة، وواريت جسدي فيها إلى صدري! فسمعوا صوتاً في نصف الليل عالياً يقول: يا أهل البادية؛ إن لله تعالى ولياً حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه .. فجاءني جماعة فأخرجوني وحملوني إلى القرية!

  - فهذا الإمام سفيان بن سعيد الثوري يقول: "العالِم إذا لم تكن له معيشة صار وكيلاً للظلمة، والعابد إذا لم تكن له معيشة أكل بدينه، والجاهل إذا لم تكن له معيشة صار وكيلاً للفُسَّاق".

ممن نقد الصوفية في مسلكهم هذا نقداً موضوعياً، وإن لم يخل من حرارة وشدة: الإمام أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الشهير"تلبيس إبليس". فقد ذكر حكاياتهم، وعقَّب عليها بالرد في ضوء الأصول الشرعية.

   -  نقل رحمه الله عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: لو توكلنا على الله تعالى ما بنينا الحيطان، ولا جعلنا لباب الدار غلقاً مخافة اللصوص.

   -  وعن ذي النون المصري أنه قال: سافرتُ سنين وما صحَّ لي التوكل إلا وقتاً واحداً: ركبتُ البحر فكسر المركب، فتعلقت بخشبة من خشب المركب فقالت لي نفسي: إن حكم الله عليك بالغرق فما تنفعك هذه الخشبة؟ فخليت الخشبة، وقطعت على الماء، فوقعت على الساحل!

    ** قال معلقا : واعلم أن الذي أمر بالتوكل أمر بأخذ الحذر فقال: (خذوا حذركم) (النساء: 71)، وقال: (وأعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ) (الأنفال: 60)، وقال: (فأسر بعبادي ليلاً) (الدخان: 23)، وقد ظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين، وشاور طبيبين، واختفى في الغار. وقال: (من يحرسني الليلة)؟ وأمر بغلق الباب. وفي الصحيحين من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أغلق بابك). وقد أخبرنا أن التوكل لا ينافي الاحتراز (أي في قوله: اعقلها وتوكل).

- وقد حكوا عن شقيق البلخي - وهو من أهل العبادة والزهد- أنه ودَّع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة عزم عليها. ولم يلبث إلا مدة يسيرة، ثم عاد، ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله عما رجع به قبل أن يتم غرضه، فقصَّ عليه قصة شهدها، جعلته يغير وجهته ويلغي رحلته، ويعود قافلاً.
ذلك أنه نزل للراحة في الطريق، فدخل خربة يقضي فيها حاجته، فوجد فيها طائراً أعمى كسيحاً لا يقدر على حركة، فرَقَّ لحاله، وقال: من أين يأكل هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة؟ ولم يلبث أن جاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، وظل يراقبه عدة أيام وهو يفعل ذلك، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني! وقرر العودة.
    - وهنا قال له ابن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره، ولا تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله من العمي والمقعدين؟! أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)؟.
فقام إليه شقيق وقبَّل يده وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق!

فعدم الأخد بالأسباب طعن في الشرع والعقل الذين هما قوام تدبير شؤون العباد :
         وقيل: «عدم الأخذ بالأسباب طعن في التشريع، والاعتقاد في الأسباب طعن في التوحيد».

أنت تخطط والله يدبر وأنت تعمل والله يعطي النتائج :
  - قول ابن عطاء الله رحمه الله ورضي عنه: (أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك).
     لكن هناك فارق معتبر بين التوكل وبين التدبير الذي يتحدث عنه الشيخ، وهو الفارق بين الأسباب والنتائج، أي بين العمل بمعنى الأخذ بالأسباب وبذل الجهد والفكر والوقت، وبين نتيجة العمل بمعنى الأحداث والأرقام والمآلات والمحصلة التي تترتب على العمل. أنت عليك العمل، وعليك الأخذ بالأسباب، وعليك التوكل، ولكن ليس عليك أن تدبر الأمر، فالذي يدبر الأمر هو الله سبحانه وتعالى. { وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ؟}، هذا سؤال بنص القرآن.
والتوكل لا ينافي ما نسمّيه بلغة العصر التخطيط ودراسة الجدوى ودراسات السوق، إلى آخره ...

   لكن ليس عليك التدبير بمعنى ليس عليك النتائج سواء الخسارة أو النجاح، ليس عليك المكسب أو الخسران في المال، وليس عليك النجاح أو الفشل في الامتحان أو في مشروع ما، أو في المسائل الدينية، الدعوية منها والعلمية والعبادية، أنت تتعبد لله سبحانه وتعالى بأن تدعو الناس إلى الخير مثلاً؛ لكن: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}، و{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، فأنت تدعو الناس إلى الخير، لكنك لا تدبر الأمر فيما وراء ذلك...
  -      و قد فسر العلماء التوكل فقالوا : ليكن عملك هنا و نظرك في السماء .

ما يحققه التوكل على الله من تحريض للعمل وشحن للعزم واندفاع للعطاء ..

والتوكل على الله يعد بلا ريب قوة دفع للمؤمن في حياته أما فقط الاعتماد على النفس أو المواهب أو التخطيط فهناك مليون سبب يثبطك عن ويرشدك إلى الفشل !!

قلت: والتوكل على الله يعد بلا ريب قوة دفع للمؤمن في حياته؛ فهو حين يؤمن أن توكله على الله يحقق له مطلبه ومبتغاه فإنه لن يتردد في العمل من أجل هذا المطلب؛ ذلك أن النفس عند إرادتها عملاً مّا تحتاج إلى قوة دفع من داخلها ؛ ألم تر أن المرء عندما يواجه ظرفاً أو موقفاً غير عادي تبدأ أحاسيسه ومشاعره ومختلف قواه تتحفز لمواجهة هذا الموقف؛ فيكون جهده فيه أكبر من جهده في الأحوال العادية، فإذا توكل العبد على الله مخلصاً من قلبه في هذا التوكل مستشعراً في نفسه عظمة المتوكل عليه، قويت أحاسيسه ومشاعره بل وسائر قواه للقيام بأي عمل مهما كانت مخاطره؛

 فمثلاً:
     * المجاهد  ومن في حكمه حين يضع نصب عينيه قول الله عز وجل:  قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون..
يتحفز للقتال دون أن يستشعر في نفسه احتمالات الخطر ...

     * والعامل كذلك في قيادة الطائرة أو السفينة أو ما في حكمهما ، حين يتوكل على الله يمنحه هذا التوكل قوة العمل مهما كانت احتمالات المخاطر التي قد يتعرض لها.

     *  ومثله الفلاح والصانع حين يتوكلان على الله في البحث عن رزقهما، فإنهما ينسيان احتمالات فساد الزرع أو فشل الصناعة.

لذلك المتوكلون يعملون في راحة وسعادة غير متشائمين ولا متطيرين بل يبعثهم التوكل على التفاؤل والنظر الى التدبير بعين الرضى ...

  - ابن تيمية : ومن توكَّل على اللّه فإنه ينال من فضائله وثمراته بحسب تحقيقه له ما لا يخطر له على بال، ولا يحيط به مقال، فهو أشرح الناس صدراً، وأطيبهم عيشاً، قال تعالى:   وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ   [الطلاق:3].
  - وفي الحديث فيما رواه عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أُرِيتُ الأمم بالموسم فرأيت أمتي قد ملؤوا السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم فقيل لي أرضيت ؟ قلت: نعم قيل إن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب)، قيل من هم يا رسول الله ؟ قال: (الذين لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون) الحديث ...
   - وما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) (4).

وتأتي الإجابة في قول حاتم الأصم، حين سأله رجل: (علام بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟) قال: (على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه)[صفة الصفوة، ابن الجوزي، (1/447)].



0 comentarios:

Publicar un comentario