viernes, 26 de abril de 2013

فتوكل على الله -1-

0 comentarios

مقدمة :
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد:
فإن للتوكل على الله تعالى منزلة عظيمة في الإسلام، يلحظها من تأمل النصوص الواردة فيه. وكل عبد مضطرٌ إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، كما أنه من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه، .

والتوكل معناه: صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة كلها.

إن المتأمل لحياتنا اليوم يجدا أنواعا وصوراً وأمثله كثيرة على ضعف توكلنا على الله :
لقد غابت معاني التوكل وصار التعلق بالجوارح والدرهم والدينار فشقيت البشرية لهده المادة الظاغية
ومن ذلك ان البعض إذا كانت له حاجة دنيوية أو معاملة أو طلب  وظيفة فتجدان أول من يخطر في باله هو فلان بن فلان وانه بيده الأمر فتجده يتوجه إليه ويطلبه وربما نافق له أو مدحه أو رشاه ونسي الله الذي بيده كل شيء وهو على ما كل شيء قدير

    * ومن ذلك أن من حصل عنده مرض أو مرض له احد أو كان عنده ظرف أو كرب فمن أول من يخطر في قلبه أالله أم الطبيب أالله أم فلان ؟!! أالله أم المدير؟!! من أول من يتوجه إليه القلب ؟!! ...... 

    * فتجد أن الواحد يقضي في طلب الأمر الأيام وربما الشهور وربما الأعوام .. يسأل هذا ويطلب هذا ؟!! .. وهنا تسأله هل دعيت الله ؟!! هل توجهت إلى الله ؟!! هل سألت ربك قضاء هذه الحاجة ؟!!... " أمن يجيب المضطر إذا دعا ويكشف السوء " أنه الله الذي الإله إلا هو الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير ...
    * ومن الصور أيضاً ترك الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من الناس وأذاهم فنجد الواحد يرى المنكر فلا يغيره بما يستطيع من درجات إنكار المنكر فإذا سألته قال لك إني أخاف ولا أحب أن أتدخل في شؤون الناس

   -  وصح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما رواه عنه جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه أنه قالإن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّه وأَجْملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ودَعُوا ما حَرُم } [رواه ابن ماجة والحاكم وابن حبان].

   -  وقال عمر رضي اللّه عنه: ( بين العبد وبين رزقه حجاب، فإن قَنَعَ ورضيت نفسه أتاه رزقُه، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يُزَدْ فوق رزقه ).
                 *  وقال بعض السلف: ( توكَّلْ تُسَقْ إليك الأرزاق بلا تعبٍ ولا تكلف ).

لا يمكن تحقيق التوكل إلا بشروط منها : 
 
  * الشرط الأول: معرفة بالرب وصفاته:
 من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته.
وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.
 فاقتضى هذا أن التوكل على الله شرط من شروط الإيمان
 وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يتوكلون عليه، وأثنى عليهم في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
     - فقوله جل ثناؤه:  وعلى الله فليتوكل المؤمنون 
    - وقوله عز من قائل إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلىربهم يتوكلون       - إلى قوله أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كري.
- وقوله تقدست أسماؤه:  الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم
الوكي فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم.

    * الشرط الثاني: تقييد التوكل وحصره في الله تعالى والاعتقاد بأن الله هو القادر على تحقيق مطالب العبد وحاجاته سواء كبرت أو صغرعظمت أو حقرت ...
- وفي هذا قال عز وجل ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ..
  - وقال تعالى رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا.
  -  وقال بشر الحافي : يقول احدهم : توكلت على الله . يكذب على الله ولو توكل على الله رضي بما يفعل الله .
  -  وقيل : التوكل قطع علائق القلب بغير الله .

وذلك لأن من وكَلَ أموره إلى اللّه ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل عليه، وأما من وكل أموره لغير اللّه، وتعلق قلبه به، فهو مخذول غافل عن ربه جل وعلا.

   بالناس لم تُسَدَّ فاقته، ومن أنزلها باللّه أوشك اللّه له بالغنى... } الحديث [رواه أبو داود وغيره].
 
  *  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه: ( وما رجا أحدٌ مخلوقاً ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه، فإنه مشرك... قال تعالى:   وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [الحج:31]

       * عن أبي قدامة الرملي قال : " قرأ رجل هذه الآية : {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا}  فأقبل عليّ سليمان الخوّاص فقال : يا أبا قدامة ، ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره ...
      * ثم قال سليمان : والله يا أبا قدامة ، لو عامل عبدٌ ربه بحسن التوكل وصدق النية له بطاعته  لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم  فكيف يكون هذا محتاجا وملجؤه إلى الغني الحميد ؟! " .

ابن القيم في المدارج : لأن اعتماده على الله، وسكونه إليه، واستناده إليه، قد حصَّنه من - خوف النفس ورجائها 
     *  فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به. فرأى حصناً مفتوحاً، فأدخله ربه إليه. وأغلق عليه باب الحصن. فهو يشاهد عدوه خارج الحصن. فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له.
    *  وكذلك من أعطاه ملك درهماً، فسُرِق منه. فقال له الملك: عندي أضعافه. فلا تهتم. متى جئت إليّ أعطيتك من خزائني أضعافه. فإذا علم صحة قول الملك، ووثق به، واطمأن إليه، وعلم أن خزائنه مليئة بذلك لم يحزنه فوته.
   * وقد مُثِّل ذلك بحال الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه، وطمأنينته بثدي أمه لا يعرف غيره. وليس في قلبه التفات إلى غيره

- عن شقيق البلخي قال : " لكل واحد مقام : فمتوكل على نفسه ، و متوكل على لسانه و متوكل على سيفه ، و متوكل على سلطانه ، و متوكل على الله.  فأما المتوكل على الله عزوجل فقد وجد الراحة ، فإن الله عزوجل يقول{ وتوكل على الحي الذي لا يموت } .وأما من كان مستروحا إلى غيره فيوشك أن ينقطع به فيشقى وإنما التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عزوجل "
** و في قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر ، و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين ، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه ، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته ...

  * الشرط الثالث: اليقين بأن الله سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته، واتجه إلى الله بقلبه وأحسن الظن به .
       - وفي هذا قال الله عزوجل ومن يتوكل على الله فهو حسبه 
       - وقال أليس الله بكاف عبده.
-         ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه : { لو أنكم توكَّلون على اللّه حق توكله، لَرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً، وتعود بِطاناً }.
* قال الحافظ ابن رجب رحمه اللّه: ( هذا الحديث أصلٌ في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق )، قال اللّه عزوجلhttp://www.kalemat.org/gfx/braket_r.gif وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ http://www.kalemat.org/gfx/braket_l.gif [الطلاق:3،2].
      -  وبهذا فسَّره من قال: أن يكون العبد بين يدي الله، كالميت بين يدي الغاسل، يقلبه كيف أراد، لا يكون له حركة ولا تدبير. 
      -  وفي السنن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله r «من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟»
-  قال الشاعر :
   وما ثم إلا الله في كل حالة ** فلا تتكل يوما على غير لطفه 
       فكم حالة تأتي ويكرهها الفتى ** وخيرته فيها على رغم أنفه

     
وحكي أنه كان في زمن هارون الرشيد قد حصل للناس غلاء سعر وضيق حال حتى اشتد الكرب على الناس اشتدادا عظيما فأمر الخليفة هارون الرشيد الناس بكثرة الدعاء والبكاء وأمر بكسر آلات الطرب ففي بعض الأيام رؤي عبد يصفق ويرقص ويغني فحمل إلى الخليفة هارون الرشيد فسأله عن فعله ذلك من دون الناس فقال إن سيدي عنده خزانة بر وأنا متوكل عليه أن يطعمني منها فلهذا أنا إذا لا أبالي فأنا أرقص وأفرح فعند ذلك قال الخليفة إذا كان هذا قد توكل على مخلوق مثله فالتوكل على الله أولى فسلم للناس أحوالهم وأمرهم بالتوكل على الله تعالى .

  * وفي إحدى القصص شخص سُجن ظلمًا، فلندع له المجال ليروي قصته، ويحكي حكايته. (دخلت السجن وزوجتي معها طفلين، أحدهما رضيع ولا يوجد في البيت إلا خمسون قرشًا، وحرارة الطفل الرضيع أربعين درجة، وحين دخلت السجن كنت أقول لماذا فعلت بي هذا يا رب؟! لقد كنت منهارًا، لم يعد يوجد عندي توكل، وبعد أن خرجت أصبحت متوكلًا على الله، فلا يهمني ما يحصل بعد ذلك)، فما الذي غير موقف صاحبنا؟!
يقول: (في الليلة التي سُجنت فيها، وفي الساعة الواحدة والنصف وجدت زوجتي أن الباب يُقرع، وإذا برجل يقول: أنا الطبيب، أين المريض؟! فذهلت، ودخل الرجل ففحص الطفل وأعطاه حقنة، وقال لها: سيكون الولد بخير، فقالت له: من أتى بك إلى هنا؟ فقال: أليست هذه الشقة الخامسة والعشرين؟ فقالت: لا إنها الشقة الخامسة عشر)[إصلاح القلوب، عمرو خالد، ص(149)، بتصرف].

وهذا هو معنى التفويض المطلق إلى الله :
     *  ابن القيم : وهو روح التوكل ولُبّه وحقيقته. وهو إلقاء أموره كلها إلى الله، وإنزالها به طلباً واختياراً، لا كرهاً واضطراراً. بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره: كل أموره إلى أبيه، العالِم بشفقته عليه ورحمته، وتمام كفايته، وحُسن ولايته له، وتدبيره له. فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره نفسه، وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها ...

   * الشرط الرابع: عدم اليأس والقنوط فيما يتوجه به العبد إلى ربه من التوكل عليه في قضاء حاجاته

    - وفي هذا قال الله عز وجل فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم

والناس في التوكل على حسب همهم ومقاصدهم
-  فأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم،

- وهؤلاء في حاجة إلى التوكل أكثر من حاجة غيرهم إليه، وهم المصلحون الذين يجتازون دائمًا الطريق المملوء بالأشواك فالتوكل على الله هو زاد روحي للتغلب على الخوف والقلة وهو الذي يعطي المؤمن بسمة أمام أحلك الساعات التي تمر به ويهبه سكينة النفس التي حرم منها كثير من سكان هذه الأرض
  
- وفي هذا قال عز وجل وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون.

- وقال تعالى على لسان نبيه شعيب:  وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
   * ومن متوكل على الله في حصول الملك.
   *  ومن متوكل في حصول رغيف
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله.


0 comentarios:

Publicar un comentario