sábado, 26 de mayo de 2012

وداعا رمضان

0 comentarios


يخرج الناس من رمضان ثلاثة أقسام :
       ** قسم ظالم لنفسه ؛ لم يصم شهر رمضان صوماً حقيقياً فلم يحفظ حدوده ولم يتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ , فلم يصم لسانه عن اللغو والبهتان , ولم يصم سمعه عن سماع الباطل والخنا وكل ما يغضب الرحمن , ولم تصم عيناه عن النظر المحرم الغفلان , ولم تصم بطنه عن أكل الحرام , ولا يداه وقدماه عن الفحش والبهتان , فهذا كان حظه من صومه العطش والجوع وتحصيل الذل والخنوع ,

 -   عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ. أخرجه أحمد 
قال الشاعر :
إذا لـم يكنْ فـي السمـعِ مِنّي تَصَوُّنٌ *** وفي بصـري غَضٌ ، وفي منطقي صَمْتُ
فحَظّي إذًا مِن صومِي الجوعُ والظمأ *** وإن قُلتُ: إني صُمْتُ يومًا فما صُمْتُ

  **    والقسم الثاني : قسم مقتصد ؛ صان نفسه عن كل ما يغضب الله وحفظ صومه من اللغو والباطل ,
 - كما قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ، وليكن عليك وقار الصيام ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك .ابن رجب : لطائف المعارف 168.


وهؤلاء هم من تجاوزوا مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ولكنهم بعد لم يصلوا إلى مرتبة الإحسان . 
 **   
والقسم الثالث : هم من سبقوا بالخيرات وتنافسوا على تحصيل الحسنات , فهم المحسنون الذي وصلوا إلى مرتبة الإحسان فعبدوا الله حق العبادة وراقبوه حق المراقبة , فهم المتميزون في صومهم وعبادتهم وأخلاقهم , فلم يصوموا كما يصوم الناس بل جعلوا صومهم خالصاً لله رب العالمين فصانوه من الشوائب وحفظوه من السفاسف والمعايب , فصارت ألسنتهم تلهج بالذكر والدعاء , وقلوبهم يلفها الصفاء والنقاء . 
فقرأوا القرآن وتدبروا معانيه , وقامت قلوبهم بالليل تصلي لله وتناجيه .
قال الشاعر :
يا شهرُ كم لي فيكَ مِن إشراقةٍ * * * تَطوي الظلامَ وتَنشُرُ الأعراسَا
أنبتَّ بالتقوى شِعَابَ قلوبِنا * * * وسَقَيْتَ بالآيِ الكِرامِ غِراسَا
نَفحاتُكَ الغَنَّاءُ رِفْدُ سعادةٍ * * * تَستنزِلُ الرحَمَاتِ والإيناسَا
و نسائمُ الأسحارِ تَذهبُ بالضَّنَى * * * وتُهَدهِدُ الوِجدانَ مما قاسَى
و بكلِّ سانِحَةٍ مَآثِرُ سُنَّةٍ * * * مِن نُورِ أحمدَ أشرقَت نِبْراسَا

أيها الحبيب – من أي الأقسام أنت ؟ ومن أي الأصناف قد انتسبت ؟ .
إن من أعظم الجرم وإن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً ؛ فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً.
 -  قال الشاعر :
              غدا توفى النفوس ما كسبت ... و يحصد الزارعون ما زرعوا 
                 إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ... و إن أساءوا فبئس ما صنعوا
 - قال الشاعر:
يا غَافِلاً وَليالِي الصَّومِ قَد ذَهَبَتْ ** زادَتْ خَطَايَاكَ قِفْ بِالبَابِ وَابْكِيهَا
وَاغْنَمْ بقيـةَ هذا الشَّهْرِ تَحْظَ ** غرستَـهُ مِنْ ثِمَارِ الخيـرِ تَجْنِيـهَا

فماذا عليك الآن وأنت تودع شهر رمضان ؟ .

    ** أولاً : تودع رمضان بمثل ما استقبلته بالطاعة والإيمان والبر والإحسان , ولا تكن كالتي قال الله تعالى فيها : \" وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) سورة النحل .
و من الذين قال الله فيهم : \" ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) سورة الحج .

 -  قيل لِبِشْرِ الحَافِي رحمه الله : إنَّ قَوماً يَتعبَّدون ويجتَهِدُون في رمضان ؟ فقال : بِئْسَ القومُ قومٌ لا يَعرفُونَ للهِ حَقَّاً إلَّا في شَهْرِ رَمَضَان ، إنَّ الصَّالحَ الذي يَتَعَبَّدُ ويَجْتَهِدُ السَّنَة كلَّها .

 -  وسُئِلَ الشِّبْلِيُّ رحمه الله : أيُّهما أفضلُ : رَجبٌ أو شَعْبَان ؟ فقال : كُنْ ربَّانِيَّاً ولا تَكُنْ شَعَبَانِيَّاً !.

 -  خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته : أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.

 -  كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له : إنه يوم فرح و سرور فيقول : صدقتم و لكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملا فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟.

 -   رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال : إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.

 -   وعن الحسن قال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا  وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون .

لعلك غضبان و قلبي غافل * * * سلام على الدارين إن كنت راضيا

 -  روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه وعن ابن مسعود أنه كان يقول : من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك .

**  ثانياً : كما حافظتَ على الصلاةِ بركوعها وسجودها , وخشوعها وخضوعها ، وذرفتَ الدمعَ بين يدي ربك ، فهلاّ بَقِيْتَ على هذه الحالة بقيةَ عمرك وفي سائر عملك فالصلاةُ عمودُ الإسلام ، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضَيَّع الصلاة .

فلا تكن ممن قال فيه الشاعر :
صلى وصام لأمر كان يطلبه * * * فلما قضي الأمر لا صلى ولا صاما

**  ثالثاً : كان الصومُ لك جُنَّةً ووقاية ، وحِصْناً حَصِيْناً من شياطين الإنس والجن ، فهل تَأْمنْ على نفسك بقيةَ العامِ بلا حصنٍ ولا عُدة . فالصومُ باقٍ بقاءَ العام ، فَطِبْ نفساً بِمَوَاسِمِ الصِّيَام , وقاوم الشيطان طوال العام , فلو أخلصت النية في ذلك حفظك الله منه ,

   ** رابعاً : قمتَ رمضان إيماناً واحتساباً , وها قد انقضى شهرُ القيام . فلا تَقْصُر عنه سائرَ العام . فخذ بالجدِّ فيه ، عن سهل بن سعد أإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : \" أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت أحبب من شئت ، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل  عزه استغناؤه عن الناس \" .أخرجه الطبراني 
  ** خامساً : ختمتَ القرآنَ مرةً ، أو بعض مرةٍ ، وعزفتَ عن الشواغل حتى لا تهجُره في شهره ، أيحسنُ بك أنْ تُقَدِّمَ الشواغلَ عليه وهو كلامُ الملك ! هلاّ عزمتَ على صَرْفِها مرات ؛ لتَحْظَى بِخَتَمَات .
      -   قال عمرو بن العاص كل آية في القرآن درجة في الجنة ومصباح في  بيوتكم 
  ** سادساً : حافظتَ قدْرَ وسعك على قلبِك من غَوائلِ الهوى النَّزَّاعةِ للشوى ، صُنْتَ سَمْعكَ ، وبَصَركَ ، وفؤادَكَ عما لا ينبغي في شهرِ الصيامِ رجاءَ كماله ، ولكنْ لتعلمَ أنَّ صيامَ الجوارحِ لا يَنْقَضي بغروبِ شمسِ آخرِ ليلةٍ من رمضان ، فشرْعُ الله دائمٌ على مَرِّ العام ذلك, فاحفظ قلبك طوال العمر من الحسد والكبر والحقد والغل
      -  قال ابن الجوزي في \" التبصرة \" ص 1/ 199 : عباد الله إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومنْ فَرط فليختمه بالحسنى والعمل بالختام، فاستغنموا منه ما بقى من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملاً صالحاً يشهد لكم به عند الملك العلاّم، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام.


0 comentarios:

Publicar un comentario