miércoles, 19 de diciembre de 2012

وهو معكم أينما كنتم

0 comentarios


قال بن القيم رحمه الله  : 
}المراقبة من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .. وهي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. فاستدامته لهذا العلم ، واليقين بذلك هي المراقبة .. وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه ..رقيب عليه ..ناظر إليه ..سامع لقوله .. مطلع على عمله ..ومن راقب الله في خواطره ؛ عصمه الله في حركات جوارحه .. {

   -   قال أحدهم : والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه ...

   -   وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: علم القلب بقرب الله تعالى([3]).

       -  قال تعالى : { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين } .

       -  وقال تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } .

       -  وقال تعالى : { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } .

   -  قال تعالى : (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61].

   - وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام المشهور لما سأله عن الإحسان قال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).

فمن شق عليه أن يعبد الله كأنه يراه، فليعبد الله على أن الله يراه ويطلع عليه فيستحي من نظر الله إليه، فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه.


  -  خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة في بعض أصحابه فاستراحوا في الطريق فانحدر عليهم راع من جبل. فقال له عمر : يا راعي الغنم بعنا شاة . فقال الراعي : إنه مملوك – أي أنا عبد مملوك - .قال له عمر : قل لسيدك أكلها الذئب . فقال الراعي : أين الله . فبكى عمر واشترى الغلام من سيده واعتقه

  -  و راود بعضهم أَعرابية عن نفسها فقال لها : لا يرانا إلا الكواكب. فقالت له : أين مكوكبها - أي أين خالقها ومصرفها ومدبرها ألا يراك .

 -  وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط
والمفهوم الشامل للمراقبة  :
أن نستحضر صفات الله سبحانه كاملة على الدوام في جميع أحوالنا ، فنستشعر في كل حال مايناسبها
من الصفات ؛ لا أن نختزل المراقبة في صفات الجزاء والثواب ؛ وهذا جزء من معنى حديث جبريل عليه السلام عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). أما إختزالها في صفات الجزاء والثواب فإنما هو محاسبة وليس مراقبة .
                         مراقبة الله تعالى في جميع شؤون الحياة :
أن تراقب الله فيما بينك و بينه، و بينك و بين نفسك، و بينك و بين الآخرين. أن تراقبه ليس فقط في عباداتك، و إنما في أقوالك و أفعالك و معاملاتك.

قد تكون المراقبة في أوقات محددة وفي أمكنة معينة دون إنزالها في كل تفاصيل الحياة ، وتارة تكون "معلبة" فلا روح لمدعيها وحاملها !.

     -  يقول محمد الغزالي : ليست العلاقة بالله ساعة مناجاة في الصباح أو المساء ينطلق المرء بعدها في أرجاء الدنيا يفعل ما يريد ، كلاَّ ؛ هــذا تدين مغشوش . الدين الحق أن يراقب المرء ربه حيثما كان ، وأن يقيِّد مسالكه بأوامره ونواهيه ، وأن يشعر بضعفه البشري فيستعين بربه في كل ما يعتريه .أهـ

     -  ويقول في موضع آخر : ليس الإحسان تجويد جزء من العبادة وإهمال أجزاء أخرى قد تكون أخطر وأجل ، وإنما الإحسان أداء فروض العين وفروض الكفاية ، وتناول شؤون الدنيا وشؤون الآخرة معاً . هو إشراب الحياة الإنسانية حقائق الأمر الإلهي ، وإضفاء صبغة السماء على أحوال الأرض . هو ترقية كل عمل بذكر الله فيه ، لا الفرار من الأعمال بدعوى ذكر الله في العراء . أهـ

مراقبة الله خاصة في الخلوات عن انتهاك المحرمات :
فمنهم من إذا خلى بالله زنى أو سرق أو تعامل أو تعدى على حق لغيره والصور كثيرة في هذا الباب منها ما هو من صغائر الذنوب ومنها الكبائر.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل    خلــوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة     ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب

**  وكيف نجعله أهون الناظرين إلينا ، " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم "
لخص أحد علماء السلف رحمهم الله نتيجة ذنوب الخلوات في جملة : فقال رحمه الله ( ذنوب الخلوات .. انتكاسات ، وطاعات الخلوات .. ثبات ) .

فلو رأيت أحدا ممن كان مشهوراً بالالتزام معروفاً عند أهل الخير والإقدام لو رأيته على حال أخرى ، لو رأيته وقد تبدل حاله وانتكس فأعلم أن الأمر لم يكن صدفة ولم يأتي بغتة ، فإنه بارز الله بالمعاصي في الخلوات حتى تكاثرت على قلبه فظهرت في العلن .

     -  وكان السلف رحمهم الله يعرفون صاحب معصية الخلوة ، فإن لها شؤماً يظهر في الوجه ويظهر في ضعف إقباله على الطاعات ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق)

     -  وقال أبو الدرداء لسالم بن أبي الجعد : ليحذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر! قال: أتدري ما هذا؟! قلت: لا، قال: العبد يخلو بمعاصي الله عزوجل فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر!!

وإن لم يكن من خطورة ذنوب الخلوات إلا هذا الحديث لكفى فقد جاء في سنن ابن ماجه بسند جيد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً)) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) ..
وإذا خلـوت بريبة في ظلمة .... والنفس داعيـة إلى طغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها .... إن الذي خلق الظلام يراني
المراقبة هي مجاهدة عمرلا لحظة ساعة :
ولا تقف مراقبة الله عند حد معين . . فهي وظيفة العمر كما يقال . .
ومن ذلك قول بعض السلف : جاهدت نفسي أربعين عاماً حتى أستقامت . . فقال له الآخر : وهل أستقامت ؟؟؟ !!!!
ومن العبارة السابقة - وإن كان فيها شيئاً من المبالغة - يتضح لنا أن المجاهدة - وهي من مراقبة الله - ليست أمراً سهلاً يمكن أن يمتلكها الفرد بسهولة ثم يستمر عليها بنفس المستوى ولا تتغير . . بل هي أمر عظيم يحتاج إلى معالجة ومجاهدة مستمرة ...
         **  وإذا كانت "المراقبة" دعوى بلا حقيقة فإن ذلك يعني وجود بشر بقلوب شياطين .**
مراقبة الله، ليست قيد تضييق و تعذيب للحرية! ..بل هي سعة راحة و سكون؟
تأتي  مراقبة.. تأتي لتكون ذلك السياج المنيع وتلك البوصلة موجهة للفرد المسلم وسلوكه ليتجنب الوقوع فيما يتعارض مع هويته  فهو أولاً وآخراً عبداً لله خاضعاً لأوامره مفتقراً إليه ثم تكون معيناً وحافزاً له لتزداد ( فاعليته ) في هذه الحياة فلا يصرف طاقته وعمله وإنجازاته إلا فيما يرضي ربه فتكون سبباً في عمارة الأرض وقياماً بواجب الخلافة التي أمر الله عز وجل بها ،كما أنه من خلالها - أي المراقبة لله - تسموعلاقاته بمن حوله وتطهر فيكون ( الحب ) طريقاً للنجاح والفلاح لا سبيل للردى والهلكة . .

كل المصائب والجرائم والتعدي على الناس وعلى أموالهم وحقوقهم سوف تختفي وتزول ولا يبقى لها أثر... إذا زرعت ( مراقبة الله ) في النفوس...
                     تغييب المراقبة من حياتنا وواقعنا وتربيتنا  :
لقد أفلحنا في بعض البيئات أن نصنع شخصيات تتسم بالنفاق نتيجة القسوة _في التربية الدينية_ وكأن الناس متعبدون لنا ، وركبنا الصعب وكلفنا أنفسنا والناس مالا نطيق؛ فمن سوء ذلك تغييبنا لعبادة المراقبة في حياة الناس ، والتكريس لمعاني الرياء .

وإن الأمن الذي يفرض بقوة العساكر، أو دقة المراقبة، أو دوام المتابعة؛ أمن هش ضعيف مهما بلغت أسبابه؛ لأنه لا يمكن أن يراقب كل أحد، ولا أن يتابع كل شخص، ولا أن يعرف ما في خفايا القلوب وطوايا النفوس، لكن الأمن الحقيقي هو الذي ينبع من داخل النفس، ويردع صاحبه عن المحرمات والمنكرات، والعدوان على الحرمات، ويدفعه إلى القيام بالواجبات وأداء المهمات، والمسارعة إلى الخيرات.

هذا الإيمان هو مملكة الضمير الحية التي عندما غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في أمته وأصحابه لم يكن في ذلك المجتمع من المفاسد والمنكرات والجرائم إلا ما يعد على أصابع اليد أو اليدين؛ دون أن يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام بطاقات ممغنطة، أو كاميرات تصوير، أو شرطة تجوب الشوارع والطرقات، ولا شيء من ذلك، ومع ذلك ما هي الجرائم التي وقعت؟ وما هي الاعتداءات التي تحققت؟ كيف اكتشف؟ عندما وقعت بعض هذه المحرمات والفواحش هل اكتشفتها المتابعات الأمنية، أو توصلت إليها الأدلة الجنائية، أم أن الذي أخرجها إلى حيز الوجود الحس الإيماني، واليقظة الشعورية، والمراقبة لله عز وجل، والخوف منه سبحانه وتعالى؟

نحن نقول: عمقوا الإيمان في النفوس حتى يشيع الأمن في المجتمع، وتشيع الرحمة، وينتشر الخير، ويعم السلام الحقيقي، لا السلام المفروض بقوة الأسلحة وبكثرة الشرط.

0 comentarios:

Publicar un comentario