viernes, 1 de junio de 2012

الصحبة الصالحة

0 comentarios


الصحبة تأثُّر وتأثير :

إن الفرد حين ينخرط في سلك مجموعة من مجموعات البشر يجد نفسه مدفوعاً لالتزام طريقتها، واستحسان ما تستحسنه الجماعة، واستقباح ما تستقبحه، وبذلك يكتسب الفرد - ولو لم يشعر - أخلاق الجماعة التي ينتسب إليها وينخرط فيها.

إن البيئة التي يعيش الإنسان فيها تؤثر فيه ولا شك، فإذا وُضع بخيل بين كرماء مدة طويلة من الزمن خف عنده البخل وتعود على بعض مظاهر الكرم، وإذا وُضع جبان بين شجعان اكتسب منهم قسطاً من الشجاعة، وبذلك تخف عنده نسبة الجبن.




     - فقد قال صلى الله عليه وسلم: « المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل »

        - وقال الشاعر  :   
عن المرء لا تسئل وسل عن قرينه   وكل خليل بالمقارن مقتد
فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً    وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي
    أذ كنت في قوم فصاحب خيارهم    ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

أبناء الدنيا وأبناء الآخرة



          *   ولذا عقد البخاري -رحمه الله- لها في صحيحه باباً سماه: باب استحباب مجالسة الصالحين.
          *   وأيضاً عقد مسلم في صحيحه باباً سماه: باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء

    وفى الصحيح من حديث أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة " لفظ مسلم


  - قال عمر بن الخطاب t لولا ثلاث لما أحببت البقاء لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله ومكابدة الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر

صحب خيار الناس حيث لقيتهم * * خير الصحابة من يكون عفيفا
والناس مثل دراهم ميزتها * * فوجدت منها فضة وزيوفا
  -  وقال عيسى عليه السلام: " تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم والتمسوا رضا الله بسخطهم " قالوا: يا روح الله فمن نجالس؟ قال: جالسوا من تذكركم الله رؤيته ومن يزيد في عملكم كلامه ومن يرعبكم في الآخرة عمله.

النهي عن مجالسة أصحاب السوء

    - وفي الحلية عن سفيان الثوري يقول فيما أوصى به على بن الحسن السلمي  ...لا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه، كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه، وينصح بالقسمة، كيف يعالج داء الناس وينصح لهم. فهذا الذي لا يشفق على دينه كيف يشفق على دينك. ويا أخي إنما دينك لحمك ودمك، ابك على نفسك وارحمها فان أنت لم ترحمها لم ترحم، وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة وإياك ومجالسة أهل الدنيا الذين يخوضون في حديث الدنيا، فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك.




  - قيل: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتنًا، وإذا مرّت على الطيب حملت طيبًا. والصاحب ساحب، إما إلى الجنة وإما إلى النار.


  -  وقال مالك بن دينار: إنك إن تنقل الأحجار مع الأبرار، خير لك من أن تأكل الخبيص مع الفجار. وأنشد :

وصاحب خيار الناس تنج مسلمــا     وصاحب شرار الناس يوما فتندما
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد ذكر صحبة رجل فقال :
     « لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه      فكم من جاهل أردى حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه     وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه
وللقلب من القلب دليل حين يلقا

 -  وقال تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)
 - وقد أمرنا الله تعالى بالبعد عن مجالسة أهل الفسق والإعراض عنهم وترك مصاحبتهم، فقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

وربما جالست غير تقى، وكنت أنت تقيًا فجرك إلى الغيبة، والكذب, وغلبك على نفسك، وأنساك ذكر الله، وحرمك من لذة طاعته.

-  كما قال الغزالي رحمه الله إذ يقول: (أما الفاسق المصر على فسقه فلا فائدة في صحبته، بل مشاهدته تهون أمر المعصية على النفس، وتبطل نفرة القلب عنها، ولأن من لا يخاف الله لا تؤمن غوائله، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغير الأغراض)

من يدلك على الله قليلون ولكنهم موجودون فادع الله أن ييسرهم في طريقك

وأنشدوا في معنى ذلك:      
وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً ... فقد صاروا أقل من القليل

واعلم أن العالم العامل بعلمه نادر فى هذا الزمن، فإنك إذا طلبت قارئًا وجدت ما لا يحصى، وإذا طلبت طبيبًا وجدت الكثير، وإذا طلبت فقيهًا وجدت مثل ذلك، ولكن إذا طلبت من يدلك على الله بقوله وعمله، ومن يعرفك بعيوب نفسك صادقًا مخلصًا، لم تجد إلا قليلاً، فإن ظفرت به فأمسكه بكلتا يديك، واحرص على مصاحبته، وأكثر من مجالسته، فهو أنفع شىء لك فى الحياة.
   - للأستاذ عبد السلام ياسين تعليق لطيف قال:" هل جاءنا الدين من الأوراق والكتب أم من قنوات القلوب المؤمنة؟ من أبوين ربيا على الإيمان، ومعلم صالح، وواعظ متق، وعالم عامل، ونموذج حي ماثل يحتذى حذوه، ويقتدى به ويحَب ؟... هل هي سلسلة من أصحاب، والمصاحبة انقطعت، أم الأمر لا يزال مستمرا من قلب لقلوب ؟ نقف ونبحث ونتساءل عن الكيفية التي أوتي بها الصحابة الإيمان قبل القرآن، فتلقوا القرآن بتعظيم وطاعة، بينما آخرون ينثرونه نثر الدقل.
ذاق الصحابة حلاوة الإيمان وطعموا طعمه، وحصل لهم اليقين، ذوَّقوا طعم الإيمان تابعيهم وذوَّق تابعوهم تابعيهم، والجداول النورانية حية لا تزال متدفقة ينور الله بها عباده.و يحيي بها أرض القلوب كما يحيي بغيث السحاب أرض الزرع.
فان وجدتهم  فاصبر وعض عليهم بالنواجد فلن يصبر معك إلا هم   

  - قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28].

أنت في الناس تقـاس بالذي اختـرت خليـلاً        فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكــراً جميــلا

 - وعن وهب بن منبه، عن طاووس، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: " يا علي استكثر من المعارف من المؤمنين، فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة " فمضى علي رضي الله تعالى عنه فأقام حيناً لا يلقى أحداً إلا اتخذه للآخرة ثم جاء من بعد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فعلت فيما أمرتك؟ " فقال: فعلت يا رسول الله، فقال له عليه السلام: " قابل أخبارهم " فأتى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو منكس رأسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم: " ما أحسب يا علي ثبت معك إلا أبناء الآخرة " . فقال له علي: لا والذي بعثك بالحق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " . " الزخرف 67 " .
ومن ثمار الصحبة الصالحة أيضا :

 ** ومن ثمار صحبة الطيبين أنها تذكر المؤمن بالله تعالى فيفيده ذلك في عقله ودينه
     -   قال النبي r: ((أولياء الله الذين إذا رُؤوا ذكر الله)) 


فرؤية الأبرار تذكر بالله فكيف بمصاحبتهم ومجالستهم ؟


          -  قال بعض السلف: ((إن كنت لألقى الرجل من إخواني فأكون بلقياه عاقلاً أياماً)).
          -  وقال آخر: ((كنت أنظر إلى أخ من إخواني فأعمل على رؤيته شهراً)).

    ** ومن ثمار صحبة هؤلاء ما قاله علي بن أبي طالب t: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ..

         - ألا تسمع إلى قول أهل النار: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ` وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.

 -  وعن المؤمنين بعد اجتيازهم للسراط: ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده مامنكم من أحدٍ بأشدَ مُناشَدَةً لله  في استقصاء الحق من الله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتُحَرَّم على صورهم النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه))( مسلم ).

- وقال الشافعي :
أحب الصالحين ولست منهم      لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي    ولو كنا سواء في البضاعة

    -  وقيل لِنبينا صلى الله عليه وسلم : (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ )
     - وقيل للمؤمنين عموما : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )
فَمَن كان مع الصادقين ، وكان مِن الشاكرين ، فهو (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
فَكُونُوا معهم ، وكُونُوا مِثلهم .. فإن صُحبة الأخيار تنفَع وتَشْفَع ..
وبالأخيار أُمْرِنا أن نقتدي (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ )



**وفي مشهَد آخر لِلّوم والنَّدَم والتلاعن بين الأشرار **

       -  قال تعالى : هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّار) .

      -  و قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ` يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ` لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

الصحبة صحبة اقتفاء واقتداء لا تبرك :

   إنما يراد من صحبة الأخيار إصلاح الأعمال والأحوال والاقتداء بهم في ذلك، والانتقال من الغفلة إلى اليقظة، ومن البطالة إلى العمل، ومن التخليط إلى التكسب والقول والفعل إلى الورع، ومعرفة النفس وآفاتها واحتقارها، فأما من صحبهم وافتخر بصحبتهم وادعى بذلك الدعاوى العريضة وهو مصر على غفلته وكسله وبطالته فهو منقطع عن الله من حيث ظن الوصول إليه ..


0 comentarios:

Publicar un comentario