viernes, 1 de junio de 2012

الراحمون يرحمهم الرحمن

0 comentarios


انسانية الانسان :
 فإن حقيقة الإنسان ليست في هذا الغلاف الطيني من لحم ودم وعظم، وإنما هي تلك اللطيفة الربانية، والجوهرة الروحية، التي بها يحس ويشعر وينفعل ويتأثر، ويتألم ويرحم، هي القلب الحي ، والإنسان من غير قلب أشبه بالآلة الصماء، والحجر الصلد.
   ومن أخص أوصاف المؤمن أنه يتميز بقلب حي مرهف ليِّن رحيم، يتجاوب به والأحداث والأشخاص، فيرق للضعيف، ويألم للحزين، ويحنو على المسكين، ويمد يده إلى الملهوف، وبهذا القلب الحي الرحيم ينفر من الإيذاء، وينبو عن الجريمة، ويصبح مصدر خير وبر وسلام لما حوله ومن حوله.

الرحمة لا تنبعث إلا من قلب مؤمن بالله  مؤمن بالانسان وكرامته

      هذه الرحمة الدافقة الشاملة أثر من آثار الإيمان بالله والآخرة، ذلك الإيمان الذي يرقق بنفحاته القلوب الغليظة، ويلين الأفئدة القاسية.
 
   - أرأيت إلى عمر بن الخطاب : - وقد كان معروفاً بالشدة والقسوة في جاهليته- كيف صنع الإيمان به، ففجَّر ينابيع الرحمة والرقة في قلبه. لقد قالوا: إنه وأد بنتاً له في الجاهلية، فلما ولي إمارة المؤمنين كان يرى نفسه مسئولاً أمام الله عن بغلة تعثر بأقصى البلدان .

فالله هو الرحمن الرحيم ورحمته وسعت كل شيء والله يحب من عباده أن يكونوا علي صفته وأن يتخلقوا بأخلاقه


  - وللإمام الغزالي كتاب سماه : (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)  :  حظ الإنسان من هذا الاسم:  «الرحمن الرحيم» قال:

     * وحظ العبد من اسم «الرحمن» أن يرحم عباد الله الغافلين، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة، لا بعين الإيذاء، وأن يرى كل معصية تجري في العالم كمعصية له في نفسه، فلا يألو جهداً في إزالتها بقدر وسعه ، رحمة لذلك العاصي من أن يتعرض لسخط الله تعالى، أو يستحق البعد عن جواره.
*    وحظ العبد من اسم «الرحيم»: ألا يدع فاقة لمحتاج إلا ويسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيراً في جواره أو في بلده، إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره، إما بماله أو جاهه، أو الشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك، فيعينه بالدعاء، وإظهار الحزن، رقة عليه وعطفاً، حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته".
الرحمة جزء لا يتجزأ من كيان الانسان

الرحمة ليست مجرد عاطفة عارضة أو شفقة وقتية مرتبطة  بموقف معين وإنما هي بطبيعتها ينبغي أن تكون خلقا ثابتا  ومتأصلا في النفس الأنسانية وشاملا لكل قيم السلوك الفاضل في التعامل مع البشر ومع كل الكائنات الأخري في هذا الوجود  ومن هنا كانت الرحمة هي الهدف الأسمي والغاية العظمي  للرسالة الإسلامية  :
 
            -  كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قول الله  لنبيه : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء107
   ومن هنا نفهم لماذا كان تركيز الإسلام علي هذه القيمة بالذات أكثر من تركيزه علي أي قيمة أخري لأنها المفهوم الجامع لكل قيم الحق والخير في هذا الوجود ومن أجل ذلك أكد عليها النبي تأكيدا واضحا ...

    -  ومن  ذلك قوله : " ارحموامن في الأرض يرحمكم من في السماء رواه الترمذي.

    -  وقوله : " الراحمون يرحمهم الرحمن " رواه الأمام أحمد في مسنده

الرحمة بالبشر :

      -  عن الحسن أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم قال " لا يدخل الجنة إلا رحيم قالوا : يا رسول اللَّه كلنا رحيم
قال ليس رحمة أحدكم نفسه خاصة ولكن حتى يرحم الناس عامة ولا يرحمهم إلا اللَّه تعالى"  
     -  وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "من لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه تعالى"  


    - وعن الحسن عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "بدلاء أمتي لا يدخلون الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ولكن يرحمهم اللَّه تعالى بسلامة الصدور وسخاوة النفس والرحمة لجميع المسلمين".

   وروى عن عمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال  أحب الأمور إلى اللَّه تعالى ثلاثة: العفو عند المقدرة والقصد في الجدة والرفق بعباد اللَّه تعالى وما رفق أحد بعباد اللَّه إلا رفق اللَّه به .
رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأكبر في الرحمة

     -  فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً  فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ".‏ 


    وفي قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله (حين عطس رجل في الصلاة فقال: يرحمك الله ثم رمقه الناس بأبصارهم، فقال: ويل أمي ما بالكم ترمقوني بأبصاركم؟ فيقول رضي الله عنه: فبأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت معلماً أحسن تعليماً ولا تأديباً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما دعاني وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الذكر والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن).


خاصة رحمة ذوي الاحتياجات الخاصة :

    -  وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

   - جاء رجل إلى النبي  يشكو قسوة قلبه فقال له: ((أتحبّ أن يلين قلبك؟! أرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلنْ قلبك)).

الوقف الاسلامي في التاريخ :

ولقد تأخذ أحدنا الدهشة وهو يستعرض حجج الواقفين ليرى القوم في نبل نفوسهم، ويقظة ضمائرهم، وعلو إنسانيتهم، بل سلطان دينهم عليهم، وهم يتخيرون الأغراض الشريفة التي يقفون لها أموالهم، ويرجون أن تنفق في سبيل تحقيقها هذه الأموال.
فإلى هذه النفوس المستشرفة أسوق هذه الأمثلة :
·        وقف الزبادى :

وقف تشترى منه صحاف الخزف الصيني، فكل خادم كُسرت آنيته، وتعرض لغضب مخدومه، له أن يذهب إلى إدارة الوقف فيترك الإناء المكسور، ويأخذ إناء صحيحاً بدلاً منه، وبهذا ينجو من غضب مخدومه عليه.
·        وقف الأعراس :

وقف لإعارة الحلي والزينة في الأعراس والأفراح، يستعير الفقراء منه ما يلزمهم في أفراحهم وأعراسهم، ثم يعيدون ما استعاروه إلى مكانه وبهذا يتيسر للفقير أن يبرز يوم عرسه بحلة لائقة ولعروسه أن تجلى في حلة رائقة، حتى يكتمل الشعور بالفرح، وتنجبر الخواطر المكسورة.
·        وقف الغاضبات :

وقف يؤسس من ريعه بيت. ويعد فيه الطعام والشراب، وما يحتاج إليه الساكنون، تذهب إليه الزوجة التي يقع بينها وبين زوجها نفور، وتظل آكلة شاربة إلى أن يذهب ما بينها وبين زوجها من الجفاء وتصفو النفوس، فتعود إلى بيت الزوجية من جديد.
·        وقف مؤنس المرضى والغرباء :

وقف ينفق منه على عدة مؤذنين، من كل رخيم الصوت حسن الأداء، فيرتلون القصائد الدينية طول الليل، بحيث يرتل كل منهم ساعة، حتى مطلع الفجر، سعياً وراء التخفيف عن المريض الذي ليس له من يخفف عنه، وإيناس الغريب الذي ليس له من يؤنسه .
·        وقف خِداع المريض :

وقف فيه وظيفة من جملة وظائف المعالجة في المستشفيات، وهي تكليف اثنين من الممرضين أن يقفا قريباً من المريض، بحيث يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه : ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ فيرد عليه الآخر: إن الطبيب يقول: أنه لا بأس فهو مرجو البرء، ولا يوجد في علته ما يشغل البال وربما نهض من فراش مرضه بعد يومين أو ثلاثة أيام.
وهكذا سلك الواقفون كل مسالك الخير، فلم يدعوا جانباً من جوانب الحياة دون أن يكون للخير نصيب فيه.
ولا شك أن العقيدة هي صاحبة الفضل في خلق هذه الأحاسيس الرقيقة، وإيقاظ تلك المشاعر السامية التي تنبهت لتلك الدقائق، في كل زاوية من زوايا المجتمع وكل منحى من مناحي الحياة، ولم يكفهم أن يكون برّهم مقصوراً على حياتهم القصيرة، فأرادوا صدقة جارية، وحسنة دائمة، يكتب لهم أجرها ما بقيت الحياة وبقي الإنسان.


الرحمة مع المخالف حتى لو كان كافرا :


ولقد غلبت هذه العقيدة وهذا الخلق على أعمال المسلمين الأولين، ووضحت آثارها في سلوكهم حتى مع الأعداء المحاربين .

  -  فنجد رسول الإسلام يغضب حين مر في إحدى غزواته، فوجد امرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه لتقاتل، وينهى عن قتل النساء والشيوخ والصبيان، ومن لا مشاركة له في القتال.

   -  وهذا أبو بكر يودع جيش أسامة بن زيد ويوصيهم قائلاً: "لا تقتلوا امرأةً ولا شيخاً ولا طفلاً، ولا تعقروا نخلاً، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، وستجدون رجالاً فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما أفرغوا أنفسهم له".

   -  ويقول عمر: "اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب".

   -  ويُحمل إلى أبي بكر رأس مقتول من كبراء الأعداء المحاربين. فيستنكر هذا العمل، ويعلن سخطه عليه ويقول لمن جاءه بالرأس: لا يُحمل إلي رأس بعد اليوم. فقيل له: إنهم يفعلون بنا ذلك. فقال: فاستنان (أي اقتداء) بفارس والروم؟ إنما يكفي الكتاب والخبر.

      -  وروى عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه أنه رأى رجلاً من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس وهو شيخ كبير  فقال له عمر رضي اللَّه تعالى عنه : ما أنصفناك أخذنا منك الجزية ما دمت شابا ثم ضيعناك اليوم وأمر بأن يجري عليه قوته من بيت مال المسلمين.

حتى الحيوانات تستحق الرحمة :

 - وقد طبق المسلمون الرحمة في حضارتهم بصورة عملية في كثير من مؤسسات الخير ليس فقط في المستشفيات ودور الإيواء للإنسان بل امتدت رحمتهم إلى الحيوان كما أمرهم بذلك شرعهم الحنيف حيث انشأوا مساقي الكلاب رأفة بهم .

                 -  قال عليه الصلاة والسلام  : " اتقوا الله في هذه البهائم العجماوات " رواه أبو داود

لأنها لا تستطيع أن تفصح عما في نفسها أو تعبر عما تشعر به والرحمة هي الخلق الذي يمثل سياجا منيعا لحماية الحياة في شتي صورها من مختلف الأخطار ...


   -  عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال "بينما رجل يمشي في الطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل بها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث وهو يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب،  فشكر اللَّه تعالى له فغفر له،  قالوا يا رسول اللَّه : إن لنا في البهائم لأجراً؟ قال : في كل ذات كبد رطبة أجر".
وكان هناك وقف اسمه وقف الكلاب وهو :

وقف في عدة جهات ينفق من ريعه على إطعام الكلاب التي ليس لها صاحب استنقاذاً لها من عذاب الجوع، حتى تستريح بالموت أو الاقتناء.

    -  وقال رجل: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها. فقال: "إن رحمتها رحمك الله" (رواه الحاكم)

             * ورأى عمر رجلاً :  يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له: "ويلك .. قدها إلى الموت قوداً جميلاً".
 

    -  وعن أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه أنه كان يتتبع الصبيان فيشتري منهم العصافير فيرسلها ويقول اذهبي فعيشي.



    -  وفي العصر المملوكي وبالتحديد في تكية محمد بك أبو الدهب بنيت صوامع للغلال لتأكل منها الطير .

    -   ويروي المؤرخون أن عمرو بن العاص في فتح مصر : نزلت حمامة بفسطاطه -خيمته- فاتخذت من أعلاه عُشَّاً، وحين أراد عمرو الرحيل رآها، فلم يشأ أن يهيجها بتقويضه، فتركه وتكاثر العمران من حوله، فكانت مدينة "الفسطاط".

 - ويروي ابن الحكم في سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز : أنه نهى عن ركض الفرس إلا لحاجة.
        * وكتب إلى واليه بمصر: أنه بلغني أن بمصر إبلا نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
   
الجرائم البشعة وليدة الكفر والقسوة

. والقلوب القاسية هي التي ترتكب عادة أبشع الجرائم التي تقشعر لهولها الأبدان.
ولو قلبنا صفحات التاريخ لوجدنا الجرائم المروعة فيه إنما اقترفها أناس لا يرجون لله وقاراً، ولا يحسبون للآخرة حساباً.

ضياع قيمة الرحمة حتى من حياتنا العامة :

** ولكننا للأسف الشديد نفتقد هذه القيمة العظيمة حتى في كثير من تعاملاتنا اليومية فالقسوة قد حلت محل الرحمة في كثير من علاقات الناس اليومية وتعاملاتهم الحياتية والأمثلة علي ذلك كثيرة : فهناك الأب الذي يقسو علي أبنائه والأولاد الذين يقسون علي آبائهم ويتنكرون لكل ما قدموه لهم والزوج الذي يقسوعلي زوجته والزوجة التي تقسو علي زوجها والرئيس في العمل الذي يقسو علي مرءوسيه والموظف الذي يقسو علي المواطنين



0 comentarios:

Publicar un comentario