domingo, 14 de agosto de 2011

رمضان مدرسة الأخلاص

0 comentarios
رمضان شهر الإخلاص بلا منازع ، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه .
فإمتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، إستجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص ، وإن تحقيق هذا النوع من الإنتصار هو الأساس الذي تنبني عليه كل الإنتصارات الأخرى ،

 فإن تربى العبد على الإستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه ، وتجنب مالايرضيه من فعل أو قول أو خلق أو سلوك سرا أو علانية ، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الإنتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.
و ـ[الإخلاص هو "إكسير" الأعمال، الذي إذا وضع على أي عمل ولو كان من المباحات والعادات حوله إلى عبادة وقُربة لله تعالى،
     وفي الحديث أن النبي e قال: "إنَّكَ لن تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بها وجهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عليها حتى ما تَجعلُ في فَمِ امرأتِكَ". [رواه البخاري]
    وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي e قال: "مَنِ احتبسَ فرسًا في سبيلِ اللهِ إيمانًا باللهِ، وتصديقًا بوعدِهِ، فإنَّ شَبعَهُ وريَّهُ، ورَوْثَهُ وبولَهُ في ميزانِهِ يومَ القيامةِ"
علامات الإخلاص
v   استواء المدح والذم:
     سُئل بعض السلف: ما غاية الإخلاص؟ قال: أنْ لا تُحبَّ مَحْمَدَةَ الناس.
     وقال بعض الحكماء: ينبغي للعامل أنْ يأخذ الأدب في عمله من راعي الغنم. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الراعي إذا صلى عند غنمه فإنه لا يطلب بصلاته محمدة الغنم.. كذلك العامل ينبغي أنْ لا يبالي مِن نظر الناس إليه؛ فيعمل لله تعالى عند الناس وعند الخلاء بمنزلة واحدة، ولا يطلب محمدة الناس.
v   نسيان العمل بعد عمله واخفاؤه وعدم ذكره: ويبقى الهم همًا واحدًا؛ هل تُقُبل هذا العمل أم لم يتقبل؟
        قال أبو الواسطي: حفظ الطاعة أشد من فعلها؛ لأن مثلها كمثل الزجاج؛ سريع الكسر، ولا يقبل الجبر. كذلك العمل إن مسه الريـاء كسـره.. إذا مسه العُجب كسره.. ] [تنبيه الغافلين]
      وسُئل بعض السلف: مَن المخلِص؟ فقال: المخلِص الذي يَكتم حسناته كما يَكتم سيئاته.
       قال الحسن: إنْ كان الرجل ليجمع القرآن ولم يشعر به الناس، وإنْ كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولم يشعر به الناس، وإنْ كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر به الناس، ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا.
       قال محمد بن واسع: لقد أدركتُ رِجالاً؛ كان الرجل يكون رأسه ورأس امرأته على وِساد واحد؛ قد بَلَّ ما تحت خده مِن دموعه؛ لا تشعر به امرأته.. واللهِ.. لقد أدركتُ رِجالاً؛ كان أحدهم يقوم في الصف، فتسيل دموعه على خده؛ لا يشعر الذي إلى جنبه.
      وقال بشر بن الحارث: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يُحب أن يَعرفه الناس.
      قال محمد بن أعين -وكان صاحب ابن المبارك في أسفاره-: كنا ذات ليلة ونحن في غزو الروم، فذهب عبد الله بن المبارك ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فوضعت رأسي على الرمح لأريه أني أنام كذلك.. فظن أني قد نمت؛ فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر
وأنا أرمُقُه.. فلما طلع الفجر أيقظني، وظن أني نائم، وقال: يا محمد! فقلتُ: إني لم أنم.. فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يُكلمني، ولا ينبسط إليَّ في شيء من غزاته كلها؛ كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فطنتُ له من العمل! فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أر رجلاً أسرَّ بالخير منه.
     وقال ابن عيينة: كان المطرِّف بن عبد الله إذا حدَّث بحديث النبي e يشتدُّ عليه البكاء وهو في حلقته، فكان يشدُّ العمامة على عينه ويقول: ما أشدَّ الزكام.. ما أشدَّ الزكام..!
     قال الأعمش: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقـرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل؛ فغطّى المصحف، وقال: لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة.
v   اتهام النفس:
      وقـال أبو حفص: مَن لم يتهم نفسه على دوام الأوقـات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يَجُرَّها إلى مكروهها في سائر أوقاته؛ كان مغرورًا.. ومَن نظر إليها باستحسان شىء منها فقد أهلكها.      
  وهذا بكر بن عبد الله يقول: إن رأيتُ مَن هو أكبر مني سنًّا قلتُ: سبقني بالإيمان والعمل الصالح؛ فهو خير مني.. وإنْ رأيتُ مَن هو أصغر مني فأقول: سبقتُه إلى الذنوب والمعاصي؛ فهو خير مني.. وإنْ أكرمني إخوتي قلتُ: تفضلوا عليّ؛ فجزاهم ربي خيرًا.. وإنْ أهانني إخوتي قلتُ: ذاك لذنب أصبتُه، وعهد بيني وبين الله ضيعتُه..
      [ذكر ابن أبي الدنيا عن الخلد بن أيوب قال: كان راهب في بني إسرائيل في صومعة منذ ستين سنة فأُتي في منامه فقيل له: إنّ فلانًا الإسكافي خير منك! ليلة بَعد ليلة..! فأتى الإسكافي، فسأله عن عمله، فقال: إني رجل لا يكاد يمر بي أحد إلا ظننتُ أنه في الجنة وأنا في النار! ففُضِّل على الراهب بإزرائه على نفسه.
     وذُكر داود الطائي عند بعض الأمراء، فأثنوا عليه، فقال: لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذكرنا لسان بخير أبدًا.
     وفي كتاب الزهد للإمام أحمد أنَّ رجلاً مِن بني إسرائيل تعبد ستين سنة في طلب حاجة؛ فلم يظفر بها! فقال في نفسه: والله.. لو كان فيك خير لظفرت بحاجتك. فأُتِي في منامه فقيل له: أرأيتَ ازدراءك نفسك تلك الساعة؛ فإنه خير مِن عبادتك تلك السنين.][إغاثة اللهفان]
       أخرج ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" عن ابن المبارك، قال: عمل أبو الربيع مِقْنَعَة(1)؛ مكث فيها أيامًا يُحكِم صنعتها، حتى فرغ منها، فجاء بها إلى البزاز(2)، فألقاها إليه يبيعها، فأخرج فيها عيبًا وردها عليه؛ فقعد ناحية يبكي بكاء حارًّا..! فمر به أخوان له فقالوا: يا أبا الربيع! ما يبكيك؟ قال: لا تسألوني.. قالوا: وكيف لا نسألك وقد سمعنا بكاؤك؟! قال: إن هذه بيدي منذ كذا وكذا، لم آلُ أنْ أُحكِم صنعتها، فجئتُ بها إلى هذا البزاز؛ فأخرج عليّ فيها عيبًا، وضرب بها وجهي؛ فكم من عمل لي أرى أنه قد صح لي عند ربي عز وجل؛ غدًا يُخرِج عليّ عيوبه؛ يضرب به وجهي! قال: فقعدوا معه وجعلوا مأتما يبكون معه.
      قال الحفاظ: رأينا الإمام أحمد نزل إلى سوق بغداد، فاشترى حزمة من الحطب، وجعلها على كتفه، فلما عرفه الناس، ترك أهل المتاجر متاجرهم، وتوقف المارة في طرقهم يسلمون عليه، ويقولون: نحمل عنك الحطب.. فهز يده، واحمر وجهه، ودمعت عيناه وقال: نحن قوم مساكين؛ لولا ستر الله لافتضحنا..!
ذكر ابن الجوزي في "صيد الخاطر" أن أبا عمرو بن نجيد سمع أبا عثمان المغربي يقول يومًا على المنبر: عليّ ألف دينار، وقد ضاق صدري. فمضى أبو عمرو إليه في الليل بألف دينار، وقال: اقضِ دَيْنَك.
     فلما عاد وصعد المنبر، قال: نشكر الله لأبي عمرو؛ فإنه أراح قلبي، وقضى ديني.. فقام أبو عمرو وقال: أيها الشيخ! ذلك المال كان لوالدتي، وقد شق عليها ما فعلتُ! فإن رأيتَ أن تتقدم برده فافعل!
     فلما كان في الليل عاد إليه، وقال له: لماذا شهرتني بين الناس؟ أنا ما فعلت ذلك لأجل الخلق؛ فخذه ولا تذكرني!
v   الاخلاص عاجل بشرى المسلم:
    ففي صحيح مسلم عن أبي ذر t قال: قلتُ: يارسول اللـه! أرأيتَ الرجل يعمل العمل مِن الخير ويحمده الناس؟ فقال e: "تلك عاجلُ بشرى المسلمِ".
-         أما في الآخرة فهي البشارة برضى الله وثوابه، والنجاة من غضبه وعقابه، عند الموت، وفي القبر، وعند القيام إلى البعث، يبعث الله لعبده المؤمن في تلك المواضع بالبشرى على يدي الملائكة، كما تكاثرت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وهي معروفة.
-         وأما البشارة في الدنيا التي يجعلها الله للمؤمنين؛ نموذجًا وتعجيلاً لفضله، وتعرفًا لهم بذلك، وتنشيطًا لهم على الأعمال.. فأعمُّها توفيقه لهم للخير، وعصمته لهم من الشر، كما قال e: "أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة". فإذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له، مسهلة عليه، ويجد نفسه محفوظًا بحفظ الله عن الأعمال التي تضره، كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره، فإن الله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين. وإذا ابتدأ عبده بالإحسان أتمه.
-         ومن البشرى في الحياة الدنيا، محبة المؤمنين للعبد لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)
-         من ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له، فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات.
    قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور
    وقال ابن القيم: وقد جرت عادة الله التي لا تتبدل، وسنته التي لا تتحول؛ أن يُلبس المخلِص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق، وإقبال قلوبهم إليه؛ ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه.. ويُلبس المرائي ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغض، وما هو اللائق به..


(1) القِناع والمِقْنَعة ما تتَقَنَّعُ به المرأَة من ثوب تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها.         (2) البزاز: بائع البَز أي الثياب.
 

0 comentarios:

Publicar un comentario