viernes, 17 de junio de 2011

الافتقار الى الله :

0 comentarios
قد يعطي الإنسان أموالاً، وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً، وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباُ عظيماً، أو مركزاً كريماً، أو زعامة عريضة، أو رياسة مكينة، قد يحف به الخدم، ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، وترضخ له الناس، وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب، ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه.

 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ... [فاطر:15].
 
﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾

·    إن لذة الحياة، ومتعة الدنيا، وحلاوة العمر، وجمال العيش، وروعة الأنس، وراحة النفس هي في شعور الإنسان بفقره إلى الديان، ومتى غرس في القلب هذا الشعور، ونقش في الفؤاد هذا المبدأ فهو بداية الغنى، وانطلاقة الرضى، وإطلالة الهناء، وإشراقة الصفاء، وحضور السرور، وموسم الحبور.

ولقد عرَّفه الإمام ابن القيم - رحمه الله - بقوله : « حقيقة الفقر : أن لا تكون لنفسك ، ولا يكون لها منك شيء ؛ بحيث تكون كلك لله ، وإذا كنت لنفسك فثمَّ ملك واستغناء مناف للفقر » . ثم قال : « الفقر الحقيقي : دوام الافتقار إلى الله في كل حال ، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه » [2] .
                                          تمام العبادة لا يكون الا بالافتقار الى الله:
إن العبادة بجميع مظاهرها وشتىك أحوالها وكامل أفعالها وأقوالها مظهر صادق للافتقار، بل هي المظهر الأسمى والأسلوب الأرقى
 انظر إلى الصلاة إلى ألفاظها، إلى أدعيتها، خشوع وخضوع، وبكاء ودموع، تذلل وانطراح، انظر إلى الركوع الذي هو انحناء لعظمة الغني، وتمهيد لافتقار أكبر، وانطراح أعظم، وهو السجود، وهل يُعلن الفقر إلا في السجود حيث يهوي الرأس على الثرى؟! ويُمرغ الجبين في الأرض، ويغرس الأنف في التراب، افتقاراً لرحمة الوهاب؟!.  انظر إلى الصوم، حيث يُمنع الأكل، ويُحظر الشراب، ويُجوّع البطن ويُحيي الليل، ويُشد المئزر، ويُوقَظ الأهل، وتُصَفّ الأقدام، وتسكب العبرات، وتُرفع الدعوات معلنة فقرها إلى جود المنان وعطاء الرحمن. انظر إلى الزكاة، حيث يبذل الغني ماله، وينفق دراهمه، ويرسم الغني لوحة للفقر إلى الله، وصورة للفاقة إلى مولاه.
انظر إلى الحج فهو من أروع مناظر الافتقار، وأصدق مظاهر الحاجة، يتخلى الغني عن ثياب الغنى، ويخلع المرء عمامته، ويتجرد من ملابسه، ويقبل في رداء وإزار، كأنه لا يملك شيئاً، ولا يجد مالاً، وينزل من قصوره ويتخلى عن دوره، فيأتي حاسر الرأس، شاحب اللون، خاشع القلب، واجف الفؤاد، يعلن فقره لرب العباد مردداً أعذب كلمات الفاقة، وأصدق عبارات الحاجة، أروع لحون الفقر، معلناً أن الملك لله، والعبودية لله، والحمد لله، والنعمة لله، الغنى لله (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك).
·        إن من لم يُشْرِب قلبه حقيقة الفقر، ويُشعر نفسه بشدة الحاجة وعظيم الفاقة للواحد الأحد الفرد الصمد الغني الكريم العلي العظيم، فلن يعرف للعبودية طعماً، ولن يجد للسعادة رسماً، وهو عن البصيرة أعمى.
تبرأت من حولي وطـولي وقوتـي          وإني إلى مولاي في غاية الفقر
غِنى المرء بالرحمن أغنى من الغني          به  يُكتسى ثوب المهابة والقدر
له الفضل كل الفضل أسْلمتُ مهجتي          إليه فمالي حين أنساه من عذر
ويتحقق الافتقار الى الله بأمرين متلازمين ؛ هما :
                                                 معرفة عظمة الله تعالى :
وقال تعالى : [ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
قال الفضيل بن عياض : « أعلم الناس بالله أخوفهم منه » [7] .
وقال : « رهبة العبد من الله على قدر علمه باللّه » [8] .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يطوي الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرض بشماله ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون » [9] .
قال الإمام ابن القيم : ( القرآن كلام الله ، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته ، فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال ، فتخضع الأعناق ، وتنكسر النفوس ، وتخشع الأصوات ، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء . وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال ، وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات ، فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها ، بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله ، فيصبح عبده فارغاً إلا من محبته ، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الإباء .. )
يا من يرى ما في الضمير ويسمع         أنت المُعَدُّ  لـكل مـا يتوقّـعُ
يـا مـن  يُرجَّى للشدائـد كلـها         يا من إليه المشتكى والمـفزعُ
يا من خـزائن رزقه في قول كن         امنُنْ فإن الخير عنـدك أجمعُ
ما لي سـوى فقري إليـك وسيلة         فبالافتقار إليك  فقـري أدفـعُ
ما لي سوى قرعي لبابـك حيلـة         فلئن رددت فأي بـاب أقـرعُ
من ذا الذي أدعو وأهتف باسمـه         إن كان فضلك عن فقيرك يمنعُ
حاشا لجودك أن تُقّنـِّط عاصيـاً          الفضل أجزل والمواهب أوسع
                                                   معرفة الانسان قدر نفسه :
قال تعالى (وخلق الانسان ضعيفا .)
وقال :  ( لله الذي خلقكم من ضعف ..)
·         قصة مال بن دينار .
    ***   ان  الانسان مخلوق صغير ضئيل جاهل قاصر عاجز، إنه ساكن من سكان هذه الأرض التي هي بطولها وعرضها وامتدادها ما هي إلا تابع صغير جداً من توابع الشمس التي تكبرها بحوالي مائة وستة وأربعين مرّة، وهذه الشمس ما هي إلا نجم مما لا عد له ولا حصر من النجوم الضخمة الهائلة المتناثرة في الفضاء والتي قال العلماء إن عددها يزيد على عدد حبات الرمل المنتشرة على شواطئ بحار الدنيا، وكل هذه الكواكب التي بعضها يكبر الأرض بمئات المرّات ما هي إلا جزء من المجموعة الشمسية فما بالك ببقية المجرات والأفلاك والسماوات السبع والأرضين.
قال تعالى  ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴿27﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿28﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿29﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴿30﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴿31﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿32﴾ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ... [النازعات:27-33]، اللهم أغننا بك عمن سواك أنت الغني الكريم.
قال عز وجل : [ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ ]

 وقد جمع الإمام ابن القيم بين هذين الأمرين بقوله : ( مَنْ كملت عظمة الحق تعالى في قلبه ؛ عظمت عنده مخالفته ؛ لأن مخالفة العظيم ليست كمخالفة مَنْ هو دونه . ومَنْ عرف قدر نفسه وحقيقتها ؛ وفقرها الذاتي إلى مولاها الحق في كل لحظة ونَفَس ، وشدة حاجتها إليه ؛ عظمت عنده جناية المخالفة لمن هو شديد الضرورة إليه في كل لحظة ونَفَس . وأيضاً فإذا عرف حقارتها مع عظم قدر من خالفه ؛ عظمت الجناية عنده ؛ فشمَّر في التخلص منها ، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به يكون تشميره في التخلص منها ، وبحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به ؛ يكون تشميره في التخلص من الجناية التي تلحق به

قال الامام الشافعي رحمه الله : أبين ما في الانسان ضعفه, فمن شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة مع الله تعالى.
كان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على جلالة قدره، ووفرة علمه إذا مُدح أو أثني عليه يتأثر تأثراً بالغاً ويقول: " ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء "، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
أنا المكدي وابن المكدي      وهكذا كان أبي وجدي
ومن أبياته ـ رحمه الله:
أنا الفقيـر  إلـى رب البريـات         أنا المسيكين في مجموع حالاتـي
لا أستطيع لنفسي جلـب منفعـةٍ          ولا عن النفس لي دفع المضرات
وليس لي دونه مولـى يُدِّبرنـي          ولا شفيع إذا حاطـت خطيئاتـي
ولست أملك شيئـاً دونـه أبـداً           ولا شريكٌ أنا  في بـعض ذرّات
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً           كما الفنى أبداً وصـف له ذاتـي
وكان الحسن البصري يقول: مسكين ابن آدم، محتوم الأجل، مكتوم الأمل، مستور العلل، يتكلم بلحم، وينظر بشحم، ويسمع بعظم، أسير جوعه، مطيع شبعه، تؤذيه البقة، وتنتنه العرقة، وتقتله الشرقة، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

 

0 comentarios:

Publicar un comentario